يتغير مشهد التعليم الجامعي في مصر بسرعة، فبالإضافة إلى الجامعات الحكومية والخاصة التي يتزايد عددها بسرعة، ظهرت جامعات من نوع جديد، هي الجامعات الأهلية، فما المقصود بهذا المفهوم؟ وما الفرق بين الجامعات الأهلية والجامعات القائمة الحكومية والخاصة؟ وما هي الإضافة التي تقدمها الجامعات الأهلية للتعليم الجامعي في مصر؟.
مفهوم الجامعات الأهلية
الجامعة الأهلية في القانون المصري هي جامعة ليس الغرض منها الربح، ويتم تأسيسها بالشراكة بين مجموعة من المؤسسات والجمعيات الأهلية تتقدم بطلب لإنشاء جامعة غير الجامعة الحكومية، وهي جامعات تخضع لأحكام قانون الجامعات الخاصة والأهلية رقم 12 لسنة 2009 ولائحته التنفيذية، والقانون رقم 143 لسنة 2019 الذي يعدل بعض أحكام هذا القانون. تتبع الجامعات الأهلية المجلس الأعلى للجامعات الخاصة والأهلية، ويتوقع منها تقديم برامج تعليمية جديدة عالية الجودة ومتوافقة مع ما تقدمه الجامعات المرموقة في العالم. ولأن الجامعات الأهلية لا تهدف إلى الربح، فإن مواردها من المصروفات الدراسية للطلاب أو أنشطة الجامعة البحثية والمنح المقدمة لها من المؤسسات الخاصة، يتم صرفها على تحسين أداء العملية التعليمية والبحث العلمي وتنمية موارد الجامعة.
مفهوم الجامعة الأهلية ليس مستجدًّا على المجتمع المصري، فقد تأسست في بداية القرن العشرين أول جامعة أهلية في مصر من خلال تبرعات الشعب المصري، ودعمتها بالتبرعات شخصيات بارزة آنذاك، أبرزهم الأميرة “فاطمة إسماعيل” التي تبرعت بأرضها ومجوهراتها لتكون وقفًا للإنفاق على الجامعة، التي أصبحت بعد ذلك جامعة القاهرة. ويبلغ عدد الجامعات المصنفة كجامعات أهلية في مصر الآن ست جامعات، هي: جامعة النيل، الجامعة المصرية للتعليم الإلكتروني، جامعة مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، الجامعة الفرنسية بمصر، الجامعة العمالية، والجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا.
الجامعات الأهلية دوليًّا
أعرق الجامعات العالمية هي جامعات أهلية، حيث تعود أصول العديد من جامعات القرون الوسطى في أوروبا إلى المدارس الكاتدرائية المسيحية أو مدارس الرهبانية التي تعود إلى القرن السادس، وقد عملت هذه الجامعات كمدارس لمئات من السنين قبل أن تتحول إلى جامعات في العصور الوسطى، تمنح الدرجات العلمية التي ما زال الاعتماد عليها حتى الآن. جامعة السوربون في فرنسا تُعتبر أقدم جامعة أهلية في القارة الأوروبية، فقد تأسست سنة 1253م بجهود “روبيرت دي سوربون”، المرشد الروحي للملك لويس التاسع ملك فرنسا، وهي أول جامعة تقدم شهادة الدكتوراه. أما في الجزر البريطانية، فقد تأسست جامعة أكسفورد في إنجلترا عام 1096م، وتلتها جامعة كمبريدج عام 1209م. وفي الولايات المتحدة تعتبر جامعة هارفارد أقدم جامعة ما زالت تعمل حتى الآن منذ تأسيسها عام 1636.
لقد تأسس عدد كبير من الجامعات الأهلية التي تتبع التقاليد نفسها بعد ذلك، والتي تقدم خدمات تعليمية وبحثية على درجة عالية من الجودة والتميز، وتعتمد في أساليب إدارتها والدراسة فيها على الإدارة الذاتية، بالإضافة إلى معايير صارمة في اختيار أعضاء هيئة التدريس. وقد تخرج في الجامعات الأهلية العالمية عدد كبير من الزعماء والوزراء ورجال الأعمال والعلماء البارزين عالميًّا في مجالات متعددة.
يوضح الجدول رقم (1) أفضل 20 جامعة في العالم طبقًا لتصنيف تايمز البريطاني لعام 2020، كما يوضح جدول رقم (2) أفضل 10 جامعات أهلية في التصنيف نفسه.
جدول رقم (1) أفضل 20 جامعة في تصنيف التايمز البريطاني لعام 2020

جدول (2): أفضل 10 جامعات أهلية عالمية مشتقة من تصنيف التايمز البريطاني لعام 2020

الجامعات الأهلية الجديدة في مصر
وجهت القيادة السياسية بإنشاء جيل جديد من الجامعات الأهلية لترتقي بالنظم والمناهج التعليمية، وتستحدث برامج جديدة مواكبة للتطور التكنولوجي السريع في العالم. ورغم أن هذه الجامعات ليست أهلية بالمفهوم الدارج، لأن الدولة هي من أنشأتها بالكامل، ولا دخل للمؤسسات أو الجمعيات الأهلية في إنشائها أو إدارتها، لكنها تتفق مع الجامعات الأهلية في أنها غير هادفة للربح؛ وهو ما تختلف فيه عن الجامعات الخاصة التي تحقق أرباحًا كبيرة لملاكها؛ في الوقت الذي تختلف فيه عن الجامعات الحكومية في أنها مصممة بحيث تكون قادرة على الاعتماد على نفسها في توفير نفقاتها، دون الحصول على دعم مالي من الدولة.
وتسعى الدولة عبر الجامعات الأهلية إلى تأسيس نوع جديد من التعليم الجامعي عالي الجودة، حيث تهدف الخطة لإنشاء 10 جامعات أهلية جديدة تم افتتاح 3 جامعات منها هذا العام، هي جامعة الملك سلمان الدولية، بمقراتها الثلاثة بمدن الطور وشرم الشيخ ورأس سدر بمحافظة جنوب سيناء، والتى تضم ١٥ كلية وتقدم ٥٤ برنامجًا تعليميًّا متطورًا، يبدأ منها 22 برنامجًا هذا العام تتضمن مجالات: علوم وهندسة الحاسب، والعلوم الهندسية، والطب، والصناعات التكنولوجية، والزراعات الصحراوية، والعلوم الإدارية والتطبيقية والسياحة وغيرها. وجامعة العلمين الدولية بمحافظة مطروح والتي تضم ١١ كلية بها ٤٣ برنامجًا تعليميًا، يبدأ منها هذا العام 10 برامج. وجامعة الجلالة بهضبة الجلالة بمحافظة السويس، وتضم ١٥ كلية، تقدم ٦٦ برنامجًا تعليميًا، يبدأ منها هذا العام 34 برنامجًا. ويشير مفهوم البرنامج التعليمي إلى مجال وموضوع الدراسة، وهو ما يماثل إلى حد كبير الأقسام في الجامعات الحكومية، ومن غير الواضح السبب الذي دعا القائمين على الأمر لاستعمال مصطلح برنامج بدلًا من قسم.
يتبع نظام الدراسة في هذه الجامعات نظام الساعات المعتمدة، التي تتيح للطالب الاختيار من المواد الإجبارية والاختيارية اللازمة للتخرج في التخصص العام والبرنامج الدراسي الملتحق به حتى ينهي الطالب المقررات الدراسية المرتبطة بالبرنامج الدراسي المقيد به.
ومن أجل ضمان الجودة، من المقرر أن تدخل الجامعات الأهلية في اتفاقيات للتوأمة والشراكة مع جامعات دولية مرموقة، ولكن لم يتم الإعلان عن أي من هذه الجامعات الدولية حتى الآن، وإن كانت أسماء جامعة هيروشيما، وجامعة أريزونا قد ترددت كشركاء محتملين لجامعة الجلالة، بما يشير إلى أن تلك الاتفاقيات لم توقع بعد، ناهيك عن الإعلان عن تفاصيلها، والطريقة التي ستؤدي بها هذه التوأمة إلى ضمان جودة التعليم في الجامعة الأهلية.
نظم الدراسة في الجامعات الأهلية
الجامعات الأهلية هي مؤسسات تعليمية جديدة لم يتم اختبار نظم الدراسة بها بشكل مباشر بعد. ويؤكد المسئولون أنه قد تم تصميم البرامج الدراسية والتخصصات في الجامعات الأهلية الجديدة بمعاونة أساتذة من جامعات عالمية، وبمشاركة أكثر من 250 عالمًا مصريًا يعملون في جامعات أجنبية، وبتطبيق معايير وأساليب تعلم متطورة، تقوم على التعلم المرن القائم على الأبحاث العلمية، والتطبيق العملي واستخدام التكنولوجيا الحديثة في اكتساب الطالب المعرفة وتنمية المهارات، بدلًا من الأسلوب التقليدي في الحفظ والتلقين. كما تتميز الجامعات الأهلية بوجود تخصصات، أو ما يطلق عليه البرامج الدراسية، غير موجودة في الجامعات الحكومية مثل برامج الذكاء الاصطناعي، والنانو تكنولوجي، والهندسة النووية، والطاقة المتجددة، وهندسة المياه والبيئة والصحة، وتشخيص الأمراض، والأدوية والغذاء، والصناعات الغذائية، والصناعات التكنولوجية، وغيرها. وربما كانت هذه المزايا هي ما يبرر المصروفات المرتفعة التي يدفعها الطلاب في هذه الجامعات، والتي قاربت مستوى المصروفات في الجامعات الخاصة، حيث تتراوح مصروفات كليات القطاع الطبي بين ٩٠ إلى ١٢٠ ألف جنيه، ومصروفات كليات القطاع الهندسي بين ٧٠ إلى ٩٠ ألفًا، فيما تتراوح مصروفات الكليات النظرية بين ٥٠ إلى ٧٠ ألف جنيه.
المواقع الإلكترونية للجامعات الجديدة
عادة ما تمثل المواقع الإلكترونية الرسمية للجامعات منصة هامة جدًّا لتبادل المعلومات والأخبار الخاصة بالعملية التعليمية وأعضاء هيئة التدريس، ومجلس الأمناء ومجلس الإدارة، وأخبار البحث العلمي، وتتسم المواقع الإلكترونية للجامعات الكبرى بدرجة عالية من الجودة والاحترافية، مع الإبقاء على سهولة الاستخدام والوضوح، وكذلك التحديث اليومي لكافة الأخبار والبيانات المتعلقة بالجامعة، خاصة في ظل هذه الظروف التي يمر بها العالم من تبعات جائحة كورونا، وما تطلبه ذلك من اعتماد التعليم الإلكتروني وأساليب التعلم عن بعد في كل جامعات العالم، ولكن الوضع حتى الآن في الجامعات الجديدة، وقد بدأت الدراسة فيها بالفعل غير ذلك، فلم يتم الإعلان على الموقع الإلكتروني للجامعات الثلاث التي تم افتتاحها عن أي من هذه المعلومات أو تحديثها أو إعلان مجلس أمناء الجامعات أو أعضاء هيئة التدريس بها.
أعضاء هيئة التدريس ومجلس الأمناء
تبدأ الجامعات الثلاث عملها بعدد محدود من البرامج الدراسية، وتدريجيًّا سيتم التوسع في هذه البرامج، أيضًا فإنه سوف يتم البدء بـ25% من إجمالي الطاقة القصوى الطلابية للجامعات. حسب التصريحات الصادرة عن قيادات التعليم العالي، فقد تقدم للتدريس في الجامعات الأهلية 65 ألفًا، يتم الاختيار من بينهم وفقًا لنتيجة المقابلات وعمليات التقييم، وفقًا لدرجاتهم ومكانتهم العلمية، وسيتم العمل مع المختارين منهم بنظام التعاقد وليس التعيين، وأن هيئة التدريس في كل كلية ستبدأ بعدد يتراوح بين 10-15 عضو هيئة تدريس فقط، بالإضافة إلى القيادات، وأنه سوف يتم التقدم في تكوين هيئات التدريس، فيما يجري اختيار مجالس أمناء من نخبة من رجال الأعمال والمثقفين والعلماء المميزين. ويتطلع المتابعون والحريصون على نجاح التجربة الجامعية الجديدة لإعلان أسماء هيئات التدريس ومجالس الأمناء، للتأكيد على اختلافها عن المؤسسات التعليمية التقليدية التي تضم الكثير من الأعداد في الوظائف المختلفة، ولكنها لا تضم سوى عدد محدود من العناصر المتميزة. ويعد هذا إجراء ضروريًا لتعزيز ثقة المجتمع في المؤسسات الجديدة، ولتشجيع الطلاب على الالتحاق بها.




































