قام وزير البترول والثروة المعدنية المصري بزيارة إلى كل من فلسطين وإسرائيل، يوم 21 فبراير 2021، وذلك لدعم أهداف منتدى غاز شرق المتوسط. وقد اعتمدت الحكومتان، المصرية والإسرائيلية، خلال الزيارة اتفاقًا بين شركات إسرائيلية ومصرية لتمديد خط غاز بحري جديد يربط حقلي تمار وليفيثان الإسرائيليين بخط غاز شرق المتوسط الذي أُنشئ بغرض نقل الغاز المصري لإسرائيل، إبان حُكم الرئيس مُبارك، وبالتالي يختلف عن East-med الذي يجري التخطيط لتشييده لربط إسرائيل، قبرص واليونان بأوروبا. كما وقع الطرفان المصري والفلسطيني مُذكرة تفاهم بين الأطراف الشريكة في حقل غزة، لتطويره بخبرات مصرية وللاستفادة من تجربة مصر في هذا المجال. وتأتي هذه الخطوة في إطار تعزيز مكانة مصر كمركز إقليمي لتداول الطاقة، وبالتالي يهدف هذا المقال لتفسير الزيارة المصرية وتوقيتها وربطها بالسياق العام لسعي إسرائيل لزيادة قُدرتها على تصدير غازها، وخدمته للأهداف المصرية.
أولًا- السياق:
اكتشفت إسرائيل حقل غاز تمار بإجمالي احتياطيات تبلغ 280 مليار متر مُكعب (م.م3) من الغاز خلال العقد الأول من القرن، ثم تلته باكتشاف حقل ليفيثان في 2010 بإجمالي احتياطيات 620 مليار م.م3، ثم انضمت لها قبرص في 2011 بحقل أفروديت باحتياطيات 200 م.م3. في البداية اعتمدت الدولتان على التصدير للسوق المصرية التي كانت تُعاني مُنذ 2014 من انخفاض الإنتاج المحلي من الغاز، وبالتالي بنتا خطط استغلال هذه الاحتياطات الضخمة على مصر، لكن مصر اكتشفت حقل غاز ظُهر في 2014 باحتياطيات 850 م.م3، وأصبحت قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي في المُستقبل المنظور، وهو ما حدث فعلًا بحلول سبتمبر 2018. في الوقت ذاته وظّف الغاز الإسرائيلي للاستخدامات المحلية، وجرى تصديره للأردن على النحو الذي يوضحه الجدول التالي:
جدول 1 – الاستهلاك المحلي واتفاقات التصدير الإسرائيلية في 2019
يتضح من الجدول أن الاستهلاك المحلي الإسرائيلي لا يتجاوز 1% من الاحتياطيات، بينما تبلغ إجمالي الكميات المُتفق على تصديرها للأردن نحو 5.3% من إجمالي الاحتياطيات، وهو ما يعني وجوب تصدير كميات أكبر حتى يُمكن الاستفادة بشكل مُناسب من احتياطاتها الضخمة، وهو الأمر الذي يقتضي وجود سوق ضخمة تستوعب المعروض الإسرائيلي بالإضافة للقبرصي، وكذلك منصة للتصدير، سواء أكانت أنابيب للربط مع هذه السوق أو محطات إسالة لإرساله إليها عبر البحر، وهو ما عملت عليه الدولتان، حيث أبرمتا مُذكرة تفاهم مع اليونان والاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى الولايات المُتحدة الامريكية لإنشاء أنبوب يربطهما بأوروبا، كان من المُقرر الانتهاء من تشييده في 2025، بالإضافة إلى أن الكميات التي يستطيع نقلها قد تقف عند حد 15 مليار م.م3.
لذلك لم يكن أمام إسرائيل -وقبرص- من بديل في المدى القريب سوى استغلال محطات الإسالة المصرية للتصدير لأوروبا، في ضوء المشاكل السياسية التي تواجه الربط مع تركيا عبر قبرص بخط غاز بحري، وهو ما دفعهما لتوقيع اتفاقيتين لإعادة التصدير بعد التسييل في المُنشأتين المصريتين. وشكل ذلك حافزًا للثلاثي، بالإضافة إلى الأردن واليونان وإيطاليا، لتكوين مُنظمة دولية تُسهل تداول الغاز، وهو ما انتهى إليه الأمر فعلًا بتوقيع ميثاق منظمة منتدى غاز شرق المتوسط لتعزيز التعاون بين الدول المُصدرة ودول المرور من الإقليم إلى أوروبا، وذلك في 23 سبتمبر 2020. وجاءت الخطوات السابقة لتصُب جميعها في خدمة الجهود المصرية للتحول لمركز إقليمي لتصدير الغاز إلى أوروبا، وفي النهاية أصبح تحقيق هذا مقرونًا بثلاثة مُحددات، هي اتفاقات تصدير الغاز من المُنتجين في الحوض، ثم أنابيب نقل الغاز إلى مُنشآت الإسالة، وأخيرًا القُدرة الاستيعابية لمُنشآت الإسالة ذاتها، وهو ما نستعرضه بالتفصيل فيما يلي:
ثانيًا- اتفاقات الغاز المصرية الإسرائيلية:
في 19 فبراير 2018: وقع كُل من “ديليك دريلينج” الإسرائيلية وشريكتها “نوبل إنرجي” الأمريكية اتفاقيتين ملزمتين مع شركة “دولفينوس القابضة”، بموجبهما تقوم الأخيرة باستيراد الغاز، وتوريده لمُنشآت الإسالة المصرية بغرض تسييله وإعادة تصديره إلى أوروبا. وقد بلغ إجمالي الكميات المُتفق على تصديرها 64 م.م3، من حقلي تمار وليفيثان على مدار 10 سنوات في اتفاقية بقيمة 15 مليار دولار، وذلك بداية من 2020 وحتى 2030.
في 3 أكتوبر 2019، واففت الشركات الثلاث على تعديل الاتفاقية السابقة، بغرض زيادة الكميات المُصدرة إلى مصر بنسبة 34% لتصل إلى 85.3م. م3 حتى 2035، بحيث ترتفع قيمة الصفقة إلى 19.5 مليار دولار من 15 مليار سابقة، كما ترتفع الكميات المُصدرة من حقل ليفيثان إلى 60 م.م3، وخفض كميات من حقل تمار إلى 25.3 م.م3 بعدما كانت 32 م.م3. هذا وقد وصلت أولى الشحنات المُستوردة من إسرائيل في 15 يناير 2020، على أن يبلغ حجم الكميات 1.5 إلى 3 مليارات متر مكعب سنويًا خلال 2020 ترتفع بحلول 2021 إلى 4-5 مليارات متر مكعب، لتصل إلى نحو 7 مليارات متر مكعب في 2022.
ثالثًا- مُنشآت الإسالة المصرية:
تمتلك مصر مُنشأتي إسالة للغاز الطبيعي، هما: إدكو، ودمياط:
مُنشأة إدكو:
- هي الأضخم في مصر، إذ تضم وحدتين لإسالة الغاز الطبيعي بطاقة استيعابية تصل إلى 4.551 م.م3 سنويًا من الغاز لكل وحدة، بإجمالي 9.1 م.م3 سنويَا.
- المصنع ملكية مُشتركة بين كل من الهيئة العامة للبترول 12%، وإيجاس 12%، شركة شل 35.5%، وشركة بتروناس الماليزية 35.5%، وشركة إنجي الفرنسية 5%.
- عملت المنشأة لأول مرة في 2005، وصدرت خلال العام المالي 2018/2019 نحو 4.89 م.م3 سنويًا من خلال عدد 45 شحنة غاز مسال.
- يعني ذلك أن مُنشأة إدكو صدرت بالفعل بنحو نصف طاقتها، قبل وصول الغاز الإسرائيلي، والقبرصي، أو وصول الإنتاج المصري من حقل ظهر إلى ذروته.
- مع نهاية 2020 وصل إنتاج المُنشأة إلى ذروته وذلك بنحو 8 ملايين طُن سنويًا.
- يعني ذلك بالتبعية أن المشروع المصري للتحول إلى مركز إقليمي لتداول الغاز أصبح بحاجة ماسة إلى مُنشأة دمياط، بحيث ترتفع قُدرات مصر التصديرية إلى 13.32 م.م3 سنويًا، بما يُمكنها من الاستمرار في استقبال الغاز الإسرائيلي والقبرصي.
مُنشأة دمياط:
تبلغ طاقتها الإنتاجية نحو 5.55 م.م3 سنويًا، وتتكون من وحدة إسالة واحدة. بدأ الإنتاج منها في عام 2004، وتوقفت المنشأة عن العمل لمُدة ثمانية أعوام، نتيجة نزاع قانوني بين الشركاء، وأهمهم ناتورجي فينوسا الإسبانية والحكومة المصرية، بعد رفع الأخيرة قضايا تحكيم، مما كان يتوقع معه خفض قُدرات الإسالة المصرية بنحو 35% منها. من هنا بدأت شركات الغاز الإسرائيلية البحث عن بدائل، للمصنع المُتوقف، كان أهمها بناء مُنشأة تسييل عائمة بين الحقلين الإسرائيليين تُساهم في زيادة الصادرات.
في الوقت ذاته انتهت القضايا السابق الإشارة إليها لتغريم الحكومة المصرية 2 مليار دولار تعويضًا عن توقف السُلطات المصرية عن تزويد المُنشأة بالغاز، في 2012 عقب تدني مُنتجات الغاز المحلية. لم تدفع مصر هذه المبالغ ودخلت في مُباحثات مع الشركة لتسوية النزاع بوساطة من إيني الإيطالية، أُعلن عن نجاحها بالفعل في 2 ديسمبر 2020. وقد نص الاتفاق على تخارج ناتورجي على أن تتوزع حصتها في مصنع دمياط بين إيني وإيجاس والهيئة العامة للبترول. يتوزع هيكل الملكية بنسبة 50% لإيني، و40% لإيجاس، و10% للهيئة العامة للبترول. عادت المُنشأة -إذن- للعمل بتحميل شحنتين من الغاز الطبيعي المسال من ميناء دمياط أحدهما بحجم 0.06 م.م3، في 21 فبراير 2020.
وبالتالي ارتفعت القُدرات المصرية في الوقت الحالي إلى 13.32 م.م3 سنويًا، وأصبحت جاهزة لاستقبال مزيد من الغاز الإسرائيلي والقبرصي. تبقى أن ترفع مصر وإسرائيل كفاءة خطوط الغاز التي تربط الحقول الإسرائيلية والقبرصية بالمُنشآت المصرية.
رابعًا- خطوط الغاز المصرية:
ترتبط مصر مع إسرائيل أساسًا بخط غاز شرق المتوسط والذي كان ينقل الغاز المصري لشركة الكهرباء الإسرائيلية، والذي يُعتبر غير كافٍ لاستيعاب الكميات الضخمة من الغاز المُتفق على نقلها بغرض التسييل في مصر، لذلك جرى تطويره أولًا، ثم الاتفاق على إنشاء خط الغاز السابق الإشارة إليه في صدر هذا المقال، خلال الزيارة الأخيرة لوزير البترول إلى إسرائيل.
خط غاز شرق المتوسط:
- خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي المصري من العريش بمصر إلى عسقلان بإسرائيل داخل المياه الإقليمية المصرية ثم الإسرائيلية في البحر المتوسط بطول 100 كم. امتلكته شركة غاز شرق المتوسط المصرية في الماضي.
- اشترت الخط مجموعة من الشركات الإسرائيلية تتوزع حصصها كالتالي: ديليك حصة 25%، ونوبل 25%، وغاز الشرق 50%. انتهت عملية إعادة تأهيله في يناير الماضي، وذلك بتكلفة 27 مليون شيكل، وذلك لرفع كفاءته وزيادة الكميات التي تُضخ فيه.
ازدواج خط غاز شرق المتوسط:
في 19 يناير 2021 أعلن الشركاء في حقلي ليفيثان وتمار، اتفاقًا بموجبه ستقوم شركة خطوط الغاز الطبيعي الإسرائيلية المحدودة (INGL) بمد خط أنابيب جديد تحت سطح البحر يوازي مسار الأول.
الخط الجديد سيكلف 228 مليون دولار وأعمال التوسعة ستدفع شركات الغاز الإسرائيلية 56٪ من خط الأنابيب الجديد.
خط الغاز المصري القبرصي:
- في سبتمبر 2020 أجرت مصر مباحثات مكثفة مع قبرص لإنشاء خط أنابيب بحري مباشر للغاز الطبيعي بين البلدين بتكلفة مليار دولار، لربط حقل أفروديت القبرصي بمحطات الإسالة بمصر وإعادة تصديره.
- توقعت الحكومة المصرية استقبال الغاز القبرصي في عام 2022، وذلك بموجب اتفاقية لإنشاء الخط في سبتمبر 2018، صدق عليها الرئيس في يوليو 2019.
خُلاصة ما سبق:
أن خُطة مصر للتحول لمركز إقليمي لتداول الطاقة، إنما ترتبط بثلاثة عوامل، أولها اتفاقيات شراء الغاز من إسرائيل وقبرص، وثانيًا قُدرات مُنشأتي التسييل المصرية، وأخيرًا خطوط نقل الغاز من الحقول الإسرائيلية والقبرصية إلى هذه المُنشآت.
كانت مصر قد شغلت مُنشأة التسييل في إدكو بكامل طاقتها بنهاية 2020، قبل أن تكتمل قُدراتها على استقبال كامل الصادرات من إسرائيل وقبرص كما تضمنها الاتفاقيات.
عملت مصر على إنهاء النزاع القانوني بشأن مُنشأة دمياط حتى ترفع القُدرات لسقفها، وتستمر الاتفاقيتان في سبيلهما إلى التنفيذ.
بُناء عليه اتفقت الشركات الإسرائيلية أولًا على تطوير خط الغاز القائم، ومن ثم إنشاء خط غاز جديد حتى يستوعب كامل الكميات المُتفق عليها بحلول 2022.
كان الاتفاق وزيارة وزير البترول والثروة المعدنية المصري لإسرائيل في غاية الأهمية إذا للمشروع المصري الهادف للتحول لمركز إقليمي لتداول الطاقة.