صادف الثامن والعشرون من رمضان المبارك، الرابع والعشرين من أكتوبر 1973 ليسجلا تاريخا فارقا فى صفحة النضال المصري خلال حرب رمضان/أكتوبر المجيدة حين صمدت وانتصرت مدينة السويس على الغطرسة الإسرائيلية التي ظنت قياداتها أنها لقمة سائغة قبل إسدال الستار وبدء سريان وقف إطلاق النار مساء يوم 24 اكتوبر طبقا لقرار مجلس الأمن رقم 339 وكان الخيال الإسرائيلي رحباً حيث خطط لاستقدام رئيسة وزرائهم لإلقاء كلمة الى العالم من المدينة وتحت العلم الإسرائيلي، لتمحو صدى صوتها الذى كان ما زال يتردد عالميا باستغاثتها الشهيرة (أنقذوا إسرائيل، أوقفوا القتال، أيقظوا القيادات الأمريكية من نومها) وكانت الجملة الأخيرة إلى سفيرها فى واشنطن.
أما فى جبهة القتال وفشل القوات الإسرائيلية بالثغرة فى التوجه الى الاسماعيلية شمالا فاختارت التوجه الى السويس جنوبا حيث الطريق خال من القوات المدرعة المصرية التي عبرت الى سيناء بأوامر من الرئيس السادات لتخفيف الضغط الإسرائيلي عن سوريا (وتلك قصة أخرى) فكان الطريق شبه خال إلا من بعض الجنود الإداريين من مخازن وحرس المعسكرات التي عبرت قواتها إلى سيناء (المؤخرات) حيث انسحب معظم هؤلاء إلى مدينة السويس، ليتحولوا من إداريين إلى مقاتلين على أيدى ضباط عبروا من سيناء الى السويس بأسلحة وقنابل وألغام لقتال وقنص الدبابات الإسرائيلية وبقوا معهم.
وبالتالي تكونت عناصر الدفاع عن المدينة من القوات العسكرية السابقة التي وضعت تحت قيادة المستشار العسكري للمحافظة، ومدير الأمن وأفراد الشرطة المدنية ومكتب مخابرات السويس العسكري، بالإضافة إلى قوات المقاومة منظمة تحرير سيناء التي تشكلت بعد هزيمة يونيو 1967 بقيادة المناضل الشيخ حافظ سلامة (الذي لقى وجه ربه منذ أيام) وبعض شباب السويس الذين لم يهاجروا كخطة تهجير مدن القناة الثلاث خلال حرب الاستنزاف.
اجتمع المحافظ بدوي الخولي بتلك القيادات وقدم الضابط القادم من سيناء من قِبل العميد أ.ح يوسف عفيفى، تقريرا عن موقف العدو فى مواجه السويس، وكان أهمه أن القوات القادمة من الثغرة بحذاء قناة السويس قد توقفت نتيجة أطقم قنص الدبابات التي عبرت من الشرق بأوامر العميد أ.ح أحمد بدوى، وبالتالي سيكون تركيز العدو على مدخل المدينة الشرقي ومن ينجح من قوات العدو ستكون نقطة تجمعهم فى ميدان الاربعين. وتم توزيع القوات المدافعة مع التركيز على المدخل الشرقي بوضع كمائن قنص الدبابات، واحتلال الاسلحة الخفيفة للمباني المحيطة وخلف النوافذ للمراقبة وإطلاق النار مع إخلاء المصابين الى بدروم مستشفى السويس العام.
على الجانب الآخر كانت مكالمة لاسلكية بين القائد الإسرائيلي (جونين) فى بئر سبع والميداني فى مواجهة السويس (ماجين/ آدن) يقول له إذا كانت (ستالينجراد) فلا تدخلها كناية عن قوة المدينة السوفيتية فى مواجهة الغزو الألمانى، أما إذا كانت بئر سبع فأدخلها كناية عن المدينة الفلسطينية التي تم احتلالها شبه خاوية خلال حرب فلسطين 1948 وكان رد ماجين: اعتقد أنها بئر سبع, وبعد سويعات محدودة أثبتت السويس أن القائدين الإسرائيليين كانا خاطئين.
اتصل ضابط إسرائيلي يتكلم العربية الشامية تليفونيا من شركة السويس للبترول بالمحافظ وأبلغه أن أمامه اختيارين إما ان تدمر المدينة بالطيران أو الاستسلام، وهنا يجب تحرك قيادات المدينة بعربة رافعة علما أبيض على رأس من فى المدينة الى استاد المدينة وهناك سيتم ترتيب كل شيء فى سلام، وأنه سيعاود الاتصال لاحقا لمعرفة الرد.
وهنا توجه الجميع لصلاة فجر يوم 28 رمضان فى مسجد الشهداء حيث الخطيب المجاهد الشيخ حافظ سلامة، وأبلغ المحافظ رجاله ورفضوا الاستسلام وابلغوا القاهرة وقيادة الجيش حيث باركا القرار، وعقب الصلاة زأرت الحناجر بصيحة النصر الله أكبر التي اخترقت ستار الليل لتصل الى القائد الإسرائيلي برسالة رفض الاستسلام حيث حاول الأخير معاودة الاتصال بالمحافظ ولكن الخط كان قد فُصل.
وهنا تحركت صوب السويس30 دبابة ومثلهم عربات مدرعة تحمل المظليين وكانوا آخر من تبقى من الاحتياطي الإسرائيلي لتدور معركة شرسة حيث كانت السويس الهادئة بمثابة قنابل موقوتة انفجرت فى وجه العدو الذي تفاجأ بشدة وانتظر من تبقى على قيد الحياة الليل لينسحبوا كالجرذان تاركين العديد من دباباتهم التي تحولت الى متحف حربي لاحقا ولتظل شاهداً على هزيمة الجيش الذي ادعى انه لا يقهر حيث تم دحره داخل مدينة السويس الباسلة التي تخطت ستالنجراد بحساب الإمكانيات والنتائج، وليصبح ذلك اليوم 24 أكتوبر هو عيدها القومي.
كما أنها تضاف إلى سجل البطولات التاريخية الخالدة التي شهدتها مصر لتحرير سيناء ومقاومة أي اعتداء خارجي، ولتؤكد دائما قدرة المصريين على مواجهة التحديات ودور الجيش المصري العظيم فى الدفاع عن أمن مصر القومي ضد أي تهديد، كما أنها تعكس دائما التلاحم بين الشعب المصري وقواته المسلحة فى حفظ أمن واستقرار مصر وازدهارها وتقدمها وتحقيق التنمية الشاملة فى جميع المجالات.
ــــ