شهدت العلاقات المصرية الأفريقية خلال السنوات الأخيرة، تطورات كبيرة على المستويات كافة. ونجحت الدولة المصرية خلال السنوات الأخيرة في استعادة دورها الريادي داخل القارة الأفريقية وتعزيز أواصر العلاقات الثنائية بينها وبين مختلف دول القارة وبشكل خاص مجموعة دول حوض النيل. ويأتي ذلك في إطار حرص مصر على العودة للدور الريادي في قارة أفريقيا وتعزيز التعاون الثنائي بينها وبين كل دول القارة.
ملامح العلاقات الاقتصادية بين مصر ودول أفريقيا
حرصت مصر على التعاون مع عدد من الدول الأفريقية في المجال الاقتصادي، بهدف زيادة الاستثمارات المصرية وفتح الأسواق الأفريقية أمام المنتجات المصرية، واستكمال اتفاقية إنشاء منطقة التجارة الحرة القارية، وكذلك المساعدة في تطوير البنية التحتية في عدد من الدول الأفريقية. ووقعت شركة مصر للطيران مذكرة تفاهم لتأسيس شركة طيران وطنية غانية باستثمارات مشتركة. كما تشهد العلاقات المصرية الأفريقية تطورًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، حيث تسعى مصر إلى تعزيز التعاون والتواصل مع دول القارة الأفريقية في مجالات مختلفة. يتمحور هذا التعاون حول البنية التحتية، والزراعة، والصحة، ويعكس التزام مصر بتعزيز التنمية ومواجهة التحديات الأمنية المشتركة بروح التعاون والشراكة. وتهدف بعض الاتفاقيات التي تمت بين مصر ودول أفريقية في مجال البنية التحتية، مثل الربط الكهربائي ومشروعات السكك الحديدية إلى تعزيز التواصل والتجارة بين الدول الأفريقية.
Source: Trade Map
بلغت الصادرات المصرية لأفريقيا 5.6 مليارات دولار عام 2022 مقارنة بـــ 4.7 مليارات دولار عام 2021 بزيادة قدرها 0.9 مليار دولار، كما بلغ حجم الواردات المصرية للقارة 1.9 مليار دولار عام 2022، كما سجل حجم التبادل التجاري السلعي بين مصر وأسواق القارة الأفريقية بلغ نحو 2 مليار و117 مليون دولار خلال الربع الأول من عام 2023. ووفق بيانات الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات، سجلت قيمة الصادرات السلعية المصرية إلى القارة 1.6 مليار دولار، كما بلغت قيمة الواردات المصرية من القارة 506 ملايين دولار. وأظهرت بيانات الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات أن أكبر 5 أسواق مستقبلة للصادرات المصرية هي ليبيا بقيمة 317 مليون دولار، والسودان بقيمة 226 مليون دولار، والجزائر بقيمة 217 مليون دولار، والمغرب بقيمة 191 مليون دولار، وتونس بقيمة 86 مليون دولار. وحلت أبرز القطاعات التي شكلت هيكل الصادرات المصرية إلى قارة أفريقيا خلال الربع الأول من عام 2023، مواد البناء في المقدمة بقيمة 422 مليون دولار، والمنتجات الكيماوية والأسمدة بقيمة 358 مليون دولار.
والجدير بالذكر أن مصر أكبر مُتلقٍ للاستثمار الأجنبي المباشر في أفريقيا عام 2022، كما ارتفعت الاستثمارات المصرية بأفريقيا عام 2021 بقيمة 1.2 مليار دولار ليصل إجمالي الاستثمارات المصرية بالقارة الى 10.2 مليارات دولار. بالإضافة إلى أن إجمالي الاستثمارات الأفريقية في مصر بلغت نحو 2.8 مليار دولار.
إضافة إلى ما سبق، توقع بنك “ستاندرد تشارترد” البريطاني بلوغ إجمالي صادرات أفريقيا قيمة إجمالية تريليون دولار بحلول عام 2035. واشترط البنك، في تقرير بشأن واقع الاقتصاد والتجارة في أفريقيا، لتحقّق هذه القيمة للصادرات نجاح الدول الأفريقيّة في تطبيق اتّفاقات التجارة الحرّة القارّيّة وتنشيط مبادلات التجارة البينيّة فيما بين بلدان القارة. وأوضح التقرير أن التجارة البينية الأفريقية ستصل إلى 140 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2035 إذا قامت بلدان القارة تطبيق اتفاق منطقة التجارة الحرة القارية وبارتفاع نسبته 15% عن إجمالي تجارة القارّة البينية الحالية.
واستند تقرير ستاندرد تشارترد إلى ما تشهده مسارات التجارة الأفريقية من نشاط في الوقت الراهن يتخطى معدلات النشاط في مسارات التجارة الأخرى على خارطة العالم الذي يبلغ متوسطها 4.3% وهو ما يبشر بالخير بحلول عام 2035.
كما استشهد التقرير بمسار التجارة الرابط بين شرق أفريقيا وجنوب آسيا الذي يبلغ معدل نموه المتوسط 7.1% وهو المعدل المتوقع استمراره.
أهمية التكامل الاقتصادي وتحقيق الاندماج بين دول القارة
تتمثل المزايا الاقتصادية الرئيسية للتكامل الإقليمي بين دول القارة الأفريقية في حجم السوق والموارد الهائلة حيث تضم القارة السمراء مساحة جغرافية شاسعة وعدد سكان يتجاوز 1.4 مليار نسمة. كما بلغ الناتج المحلي الإجمالي لأفريقيا بلغ أكثر من 3.1 تريليونات دولار أمريكي في عام 2023، بالإضافة إلى امتلاك القارة موارد طبيعية هائلة من النفط والغاز والمعادن والأراضي الخصبة وهذا الحجم الكبير للسوق والموارد يؤهل أفريقيا لتكون سوقًا إنتاجية واستهلاكية ضخمة يمكن استغلالها.
إضافة إلى ذلك تعزيز النمو الاقتصادي والتنمية حيث إن التكامل الإقليمي يعزز النمو الاقتصادي القوي والعادل من خلال تفعيل الأسواق المشتركة ويساعد على تحقيق اقتصاديات الحجم في الإنتاج وتخفيض التكاليف ويؤدي إلى تنوع وتحسين جودة السلع الاستهلاكية وتوسيع نطاق السوق. وبالتركيز على تكتل الكوميسا (السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا)، فإنه يشكل قوة اقتصادية هائلة حيث تغطي مساحته ثلثي مساحة القارة وعدد سكانه يتجاوز 583 مليون نسمة. ويبذل التكتل جهودًا لدعم مشروعات البنية التحتية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، إضافة إلى استراتيجيته للتحول الصناعي منذ عام 2019. كل هذه العوامل تؤهل الكوميسا ليكون واحدًا من أكبر الأسواق العالمية إذا تم الاستفادة الكاملة من إمكاناته.
استكمالًا لما سبق تنتمي مصر في عضويتها لاثنين من التجمعات الاقتصادية الإقليمية الأفريقية، وهما “الكوميسا” و”تجمع الساحل والصحراء”، وذلك من بين ثمانية تجمعات إقليمية معتمدة في أفريقيا. فمنطقة التجارة الحرة القارية تمثل فرصة للوجود المصري في عدد أكبر من الدول الأفريقية بتسهيلات أفضل؛ مما يتيح نفاذ البضائع المصنعة في مصر إلى جميع الدول الأفريقية، عكس الاتفاقات الإقليمية الأخرى. كما أنه يتيح تحقيق قيمة مضافة للسلع المصنعة داخل مصر، وزيادة القدرة التنافسية لتلك السلع، وتعزيز حركة التجارة البينية، والاستفادة من الموارد الخام والثروات الطبيعية. كما يمكن لمصر أن تدخل في شراكات واستثمارات كبيرة مع دول التكتل، بما ينعكس إيجابًا على توفير المزيد من فرص العمل لشباب مصر والدول الأفريقية.
وعليه، قامت مصر بدفع مسار مشروعات البنية التحتية المشتركة حيث توجد مجموعة من المشروعات بين مصر والدول الأفريقية من أجل تعزيز التكامل الإقليمي والقاري في مجالات البنية التحتية، وتسهيل انتقال حركة الأشخاص والبضائع، ومنها مشروعات الربط الكهربائي والسكك الحديدية مثل مشروع “القاهرة – كيب تاون”، ومشروع الممر الملاحي النهري بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط تحت شعار “قارة واحدة – نهر واحد – مستقبل مشترك”، بهدف ضمان نفاذ البضائع الأفريقية إلى العالم. ذلك علاوةً على التعاون مع عددٍ من الشركات المصرية مثل: المقاولون العرب، وأوراسكوم، والسويدي إليكتريك، وغيرها، من أجل تنفيذ العديد من مشروعات البنية التحتية، وأعمال الطرق الكبرى، والمشروعات السكنية، والصحية، وحفر العديد من الآبار الجوفية وإقامة السدود ومحطات توليد الكهرباء في الدول الأفريقية، ومنها مشروع سد روفيجي في تنزانيا.
استخلاصًا مما سبق، فإن تعزيز العلاقات المصرية الأفريقية يستدعي بذل الجهود المشتركة والتعاون المستمر بين مصر والدول الأفريقية، كما يجب تعزيز الحوار والتفاهم المتبادل والاستفادة من الفرص المشتركة لتعميق التعاون في مختلف المجالات. كما يمكن أيضًا توسيع الشبكات الدبلوماسية وإقامة روابط أكثر قوة بين المؤسسات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية في مصر والدول الأفريقية، كما يمكن القول إن التكامل الإقليمي في أفريقيا يعتبر بمثابة الوسيلة الرئيسة لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية لأفريقيا التي تتطلع إليها في رؤيتها التنموية 2063، خاصة لتكتل بحجم وأهمية الكوميسا.