تأثر قطاع التطوير العقاري في مصر بشكل كبير ومباشر نتيجة لتداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، وخاصة للارتفاعات المتتالية في أسعار مواد البناء المختلفة وفي مقدمتها أسعار حديد التسليح الذي ارتفع ثمنه بصورة كبيرة، ولذا ارتفعت تكلفة تنفيذ المشروعات العقارية بشكل كبير، فقد شهدت أسعار المعادن حول العالم ارتفاعات متتالية منذ بدء الأزمة وتوقف التصدير من روسيا التي تمثل خامس أكبر مصدر للصلب في العالم، وأوكرانيا التي تأتي في المركز 12 عالميًا بما ساهم في انخفاض المعروض من المعادن، في مقابل ارتفاع الطلب عالميًا وخاصةً من أوروبا، كما زادت مصاريف النقل”، الأمر الذي تسبب في ارتفاع أسعار الخردة عالميًا بنحو 42% خلال الربع الأول من عام 2022، في حين زادت أسعار خام “البيليت” التركي بنحو 39% في الربع الأول من هذا العام إلى 900 دولار للطن.
تطور أسعار المعادن عالميًا
أصدر صندوق النقد الدولي بيانًا يوضح فيه انعكاسات الحرب على الاقتصاد العالمي ليوضح من خلاله حجم الضرر الناتج عن الحرب، وأظهرت فيه ارتفاع مؤشر أسعار المعادن الأساسية إلى معدلات غير مسبوقة كنتيجة للحرب ليتخطى 250 نقطة.
وبتتبع أسعار خام الحديد عالميًا؛ نلاحظ ارتفاع الأسعار لتصل إلى (161.8) دولارًا للطن في الأسبوع الأول من شهر أبريل الجاري وذلك بالمقارنة بقيمته في بداية شهر مارس للعام الحالي 2022 والتي سجلت 138 دولارًا للطن، وهذا ما يوضحه الشكل التالي.
تطور أسعار حديد التسليح في مصر
وفقًا لنشرة مواد البناء الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فقد شهد متوسط سعر بيع حديد التسليح المبروم للطن (19.13 ألف جنيه) خلال شهر مارس 2022، والذي ارتفع عن متوسط السعر خلال شهر مارس لعام 2021 البالغ (13.3 ألف جنيه) بنسبة زيادة قدرها 24.4%. وهو ما يشير له الشكل التالي.
كما كسرت أيضًا أسعار حديد التسليح خلال شهر مارس 2022 حاجز 19 ألف جنيه للطن تسليم أرض المصنع، ليصل إلى يد المستهلك بزيادة مقدارها 500 إلى 1000 جنيه لتتجاوز أسعار طن الحديد في مصر حاجز 20 ألف جنيه تقريبًا.
وتأتي تلك الزيادات الكبيرة على إثر الارتفاع الكبير في أسعار خامات الحديد والخردة والبيليت في البورصات العالمية، وأسعار النفط، وأسعار الشحن متأثرة بالحرب الروسية الأوكرانية، وتوقف الإمدادات من البلدين اللذين يصنفان في قائمة أكبر منتجي الصلب في العالم. فضلًا عما أحدثه ارتفاع أسعار الفائدة (1%) لكبح التضخم، وتراجع أسعار صرف الجنيه المصري بنحو 17% وغيرها من التأثيرات السلبية الأخرى العديدة على هذا القطاع، وبالتالي من الطبيعي أن ينعكس ذلك زيادةً في أسعار الحديد. بموازاة انخفاض القيمة الشرائية للجنيه مقابل الدولار، وقيود البنك المركزي فيما يخص فتح الاعتمادات المستندية للاستيراد، وانخفاض القدرة الشرائية وشحّ السيولة.
انعكاسات ارتفاع أسعار إنتاج الحديد في مصر
جدير بالإشارة أن قطاع الحديد والصلب يتأثر بصورة كبيرة بثلاثة عوامل رئيسية هي: سعر الصرف، وسعر الفائدة، إلى جانب أسعار الغاز الطبيعي باعتبارها أحد أهم القطاعات كثيفة استخدام الطاقة، وبالتالي هذا يجعلها عرضة لارتفاع الأسعار، خاصة مع اتجاه لجنة تسعير الطاقة لرفع أسعار الغاز المقدم للمصانع بعد ارتفاعه خارجيًا. وجدير بالإشارة أن هناك نحو 24 شركة حديد تعمل في مصر، أبرزها: “حديد عز”، و”بشاي”، و”السويس للصلب”، و”حديد المصريين” و”المراكبي للصلب”. ومن المرجح أن يؤدي ارتفاع تكاليف إنتاج خام الحديد إلى تقليص هوامش الربحية لدى مصانع الصلب، التي قد تكون غير قادرة على تمرير التكاليف المرتفعة إلى زبائنها من شركات التطوير العقاري والإنشاءات، التي يتباطأ نشاطها بفعل ارتفاع تكلفة مواد البناء وشحّ المعروض منها، ولكن من المستبعد عودة الأسعار إلى ما كانت عليه سابقًا “إلاّ لو تغيّرت الأوضاع العالمية والمحلّية”.
وقد انعكس ارتفاع أسعار مواد البناء على توقعات الخبراء والمحللين الاقتصاديين التي أشارت إلى توقعات بارتفاع أسعار العقارات في مصر بنسبة لا تقل عن (25-30%)، حيث تمثل التكلفة الإنشائية بين (50-60%) من سعر العقار، كما توقفت أعمال البناء لدى بعض المطورين العقاريين نتيجة توقف شراء الحديد والإسمنت.
وفي هذا الإطار، قامت الحكومة المصرية بعقد اجتماعات دورية مع كبار مصنعي الحديد والإسمنت، لمناقشة ما تشهده الأسواق المحلية من ارتفاعات في الأسعار. ووفقًا لبيان مجلس الوزراء، وجه رئيس الوزراء رئيس جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية بإعداد دراسة متكاملة لأسعار الحديد والإسمنت، والزيادات التي حدثت مؤخرًا، حتى يحدث التوازن المطلوب في هذين القطاعين.
وقد قامت شركة حديد عز بنهاية شهر أبريل 2022 بتخفيض سعر الطن من حديد التسليح تسليم أرض المصنع شامل ضريبة القيمة المضافة إلى 19170 جنيهًا للطن من 20 ألف جنيه للطن أو ما نسبته 4.15%، بحسب بيان من الشركة منشور على موقع البورصة المصرية، وقد أرجعت الشركة التي تُعد من أبرز مصنعي الحديد في مصر، خفض السعر إلى التراجع العالمي لسعر الخردة بـ 64.23 دولارًا للطن وخام الحديد تركيز 65% بـ 33 دولارًا للطن. كما أشارت أيضًا إلى تراجع سعر حديد التسليح شبه المُصنع من روسيا الاتحادية 60 دولارًا للطن وذلك بسبب العقوبات الغربية على موسكو مما أدى لصعوبة تصريف الإنتاج.
