أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في 20 مايو الجاري إلغاء خمسة تنظيمات إرهابية (هي: الجماعة الإسلامية، ومجلس شورى المجاهدين في محيط القدس، وحركة كهانا حي، وجماعة إيتا الباسكية، وجماعة أوم شينريكيو) من قائمة التنظيمات الإرهابية الأجنبية بموجب “قانون الهجرة والجنسية”، وأشارت الوزارة إلى “مراجعتها لتصنيف التنظيمات الإرهابية الأجنبية مرة كل خمس سنوات، لتحديد ما إذا كانت الظروف التي كانت سبب التصنيف قد تغيرت بشكل يستدعي الإلغاء”. وبالتالي يُثير هذا المشهد جُملةً من التساؤلات المتعلقة بماهية هذه التنظيمات، وملامح القرار وآليات تنفيذه، ناهيك عن دوافعه وتداعياته.
ماهية التنظيمات الإرهابية
يمكن التعرف على طبيعة التنظيمات الإرهابية سالفة الذكر، عبر استعراض تاريخ نشأتها وملامح نشاطها على النحو التالي:
1- الجماعة الإسلامية: حركة إرهابية، تأسست في أوائل سبعينيات القرن الماضي، وتوسعت في استهداف قوات الأمن المصري طوال فترة الثمانينيات وفترات من التسعينيات، كما ينسب إليها محاولات لاغتيال بعض الوزراء ومسئولي الحكومة، واعتُبر اغتيالها الرئيس الراحل “محمد أنور السادات” من أشهر عملياتها، وقد نجحت الأجهزة الأمنية في تفكيك بنيتها الهيكلية بفعل الضربات المتلاحقة التي وجهت لها من قبل قوات الأمن.
2- مجلس شورى المجاهدين في محيط القدس: تنظيم جهادي متمركز في قطاع غزة، تأسس عام 2012، وأعلن مسئوليته عن العديد من الهجمات الصاروخية على إسرائيل أبرزها هجمات عام 2013، وذلك عندما أُطلق عدد من الصواريخ على مدينة “سديروت” على حدود غزة خلال زيارة قام بها الرئيس الأمريكي الأسبق “باراك أوباما” إلى إسرائيل.
3- جماعة “كهانا حي”: حركة يهودية متطرفة، بدأت نشاطها في إسرائيل عام 1971، وتهدف إلى تهجير الفلسطينيين من أراضيهم وترحيلهم إلى الدول العربية، وقد عمل أعضاؤها على مهاجمة الفلسطينيين وبعض المسئولين الحكوميين الإسرائيليين، وتعد المسئولة عن ارتكاب مجزرة “الحرم الإبراهيمي” في مدينة الخليل عام 1994.
4- جماعة “إيتا الباسكية”: حركة إسبانية مسلحة، تشكلت منذ نهاية خمسينيات القرن العشرين بهدف انفصال إقليم الباسك عن إسبانيا وتأسيس دولة مستقلة، وعلى مدار أربعة عقود قادت حملة دموية أسفرت عن مقتل أكثر من 800 شخص وإصابة الآلاف، غير أنها أعلنت وقف إطلاق النار عام 2011، وسلمت ترسانة الأسلحة الخاصة بها عام 2017.
5- جماعة “أوم شينريكيو”: منظمة يابانية، تأسست عام 1987، تقوم على مزيج من الأفكار البوذية والهندوسية، وتحولت تدريجيًا إلى الأفكار المتطرفة، حيث نفذت هجومًا بغاز الأعصاب على مترو أنفاق طوكيو في عام 1995، أسفر عن مقتل (13) شخصًا وإصابة المئات، وقد حوكم عدد من أعضائها وتم إعدام كبار قياداتها.
وتجدر الإشارة إلى أنه تم تصنيف أربعة تنظيمات من الخمسة عام 1997 على أساس كونهم تنظيمات إرهابية أجنبية، وظلوا على قائمة الولايات المتحدة للإرهاب طوال الـ(25) عامًا الماضية، باستثناء “مجلس شورى المجاهدين في محيط القدس” الذي صنف كتنظيم إرهابي أجنبي عام 2014.
ملامح متعددة
ثمة ملامح متعددة لقرار إلغاء التنظيمات الإرهابية سالفة الذكر، يمكن تناولها على النحو التالي:
1- طبيعة القرار: على الرغم من إعلان وزارة الخارجية الأمريكية عن رفع التنظيمات الخمسة من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، إلا أن القرار (طبقًا لما ورد على الموقع الرسمي للوزارة) أكد على أن هذه التنظيمات ستظل مصنفة ككيانات إرهابية عالمية بموجب الأمر التنفيذي رقم 13224، بما يعني إبقاء العقوبات ضد ممتلكاتها وأصولها بهدف دعم إجراءات إنفاذ القانون.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى الأمر التنفيذي 13224، الذي أصدره الرئيس الأمريكي الأسبق “جورج دبليو بوش” في 23 سبتمبر 2001، ردًا على هجمات 11 سبتمبر 2001، إذ يهدف إلى تعطيل شبكة الدعم المالي للإرهابيين والمنظمات الإرهابية من خلال تفويض وزارة الخارجية الأمريكية، بالتشاور مع وزارتي الخزانة والعدل، لتحديد الأصول الأجنبية للأفراد والكيانات الذين يرتكبون أو يشكلون خطرًا كبيرًا لارتكاب أعمال إرهابية.
2-آليات التنفيذ: لفتت وزارة الخارجية الأمريكية إلى أن مراجعتها لتصنيف المنظمات الإرهابية الأجنبية يأتي مرة كل خمس سنوات من أجل الوقوف على استمرار الظروف المرتبطة بالتصنيف من عدمها، وذلك طبقًا لقانون “الهجرة والجنسية الأمريكي”، غير أن القانون ذاته حدد ثلاث حالات محتملة لإلغاء تصنيف التنظيمات الإرهابية أجنبية؛ يتعلق أولها بتغيير ظروف التصنيف بشكل يستدعي إلغاء التصنيف. وينصرف ثانيها إلى حاجة الأمن القومي الأمريكي لإلغاء التصنيف. وينصرف ثالثها إلى رؤية وزير الخارجية الأمريكي حول استمرار التصنيف من دعمه.
في ضوء تلك المعطيات، يمكن القول إن قرار إلغاء التصنيف يخضع لجملة من الاعتبارات السياسية والسلطات التقديرية، ولا يستند إلى معايير موضوعية واضحة يمكن القياس عليها. وارتباطًا بهذا الطرح، جاء قرار الولايات المتحدة الأمريكية بإلغاء تصنيف حركة “أنصار الله” (الحوثيين) كجماعة إرهابية أجنبية في فبراير 2021، وذلك في ضوء التفاهمات السياسية التي تهدف إلى الحل الدبلوماسي للازمة اليمنية. وعلى الرغم من اتخاذ هذه الخطوة من قبل الولايات المتحدة، إلا أنها لم تمهد الطريق للتسوية السياسية، لا سيما في ضوء استمرار الحركة في تنفيذ هجماتها الإرهابية سواء داخل اليمن أو خارجها.
3-سياق القرار: يأتي هذا القرار في سياق دولي وإقليمي شديد الاضطراب، حيث لا زالت دول العالم تعاني من تداعيات جائحة كورونا التي ألقت بظلالها على مختلف الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ناهيك عن انعكاسات الحرب الروسية والأوكرانية التي ترددت أصداؤها في جميع أنحاء أوروبا وامتدت إلى مختلف بلدان العالم، وأسفرت عن أزمة اقتصادية طاحنة ضربت الاقتصاد العالمي من ناحية، وحولت استراتيجيات القوى الكبرى من مكافحة الإرهاب إلى التركيز على قضاياها الداخلية. ومن ثم يمثل هذا السياق بيئة محفزة تتيح للتنظيمات الإرهابية استعادة نشاطها مرة أخرى مستغلة هذه الظروف شديدة الارتباك والتعقيد.
الدوافع المختلفة
هناك جملة من الدوافع المرتبطة بقرار إلغاء تصنيف التنظيمات الخمسة، يمكن إيضاحها على النحو التالي:
1- الامتثال القانوني: طبقًا لرواية الخارجية الأمريكية جاء القرار بناء على تغيير الظروف التي كانت سببًا في التصنيف، إذ إن تلك التنظيمات تحولت إلى مجموعات غير نشطة، مما يستدعي بناء على وجهة النظر الأمريكية رفعها من قائمة التنظيمات الإرهابية الأجنبية لا سيما وأن القرار يأتي في إطار الامتثال للمتطلبات القانونية للمراجعة والتي تنص على إلغاء تصنيف التنظيمات الإرهابية الأجنبية عندما تفرض الحقائق مثل هذا الإجراء.
2- قناعات الإدارة الأمريكية: تمثل قناعات الإدارة الأمريكية رقمًا هامًا في فهم الملابسات والدوافع المتعلقة بقرار إلغاء التصنيف، فبتتبع تاريخ الإدارات الأمريكية الديمقراطية نجد أنها تتبنى نظرية “الدمج يؤدي إلى اعتدال”، والتي تعني أن دمج النظم المتشددة والتنظيمات الراديكالية في النظام الدولي سيحولها إلى أنظمة وجماعات معتدلة تؤمن بالديمقراطية. وقد منيت هذه النظرية بفشل ذريع عند محاولة تطبيقها في مصر في ضوء استمرار “الإخوان” في تبني العنف كإطار حاكم لنشاطهم.
3- أهداف غير معلنة: لا يمكن استبعاد وجود عدد من الأهداف غير المعلنة خلف قرار إلغاء التصنيف، لا سيما وأن قانون “الهجرة والجنسية الأمريكي” حدد ثلاث حالات أساسية لإلغاء التصنيف، والتي تخضع جميعها لاعتبارات سياسية وسلطات تقديرية كما تمت الإشارة سابقًا، وبالتالي قد يأتي هذا القرار في إطار تحقيق أجندة خافية لواشنطن.
تداعيات محتملة
ثمة جملة من التداعيات المرتبطة بقرار إلغاء التصنيف، ويمكن استعراضها على النحو التالي:
1- تقويض جهود مكافحة الإرهاب: قد يساهم هذا القرار في تقويض جهود مكافحة الإرهاب، لا سيما وأنه يتزامن مع سياق دولي وإقليمي شديد الاضطراب، حيث انشغال القوى الكبرى بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية من جهة، ومحاولتهم البحث عن حلول للتكيف مع الأزمة الاقتصادية من جهة أخرى. ومن ثم يحمل هذا القرار تداعيات سلبية متعلقة بجهود مكافحة الإرهاب.
2- استعادة النشاط: قد يؤدي قرار إلغاء التصنيف للتنظيمات الإرهابية سالفة الذكر إلى محاولة بعضها استعاده النشاط، ولا سيما مع إحساسها بحرية الحركة ورفع القيود عن عناصرها، فلا يمكن الجزم بأن تفكيك التنظيمات الإرهابية وتوقف نشاطها لفتره يعني بالضرورة تخلي عناصرها عن أفكارهم المتطرفة. وارتباطًا بهذا الطرح قد تلجأ تلك التنظيمات إلى التجنيد مرة أخرى كخطوة أولية للمتغيرات الحالية.
3- اهتزاز صورة واشنطن: يُثير القرار جملة من المآخذ حول سياسة واشنطن لمكافحة الإرهاب، فعلى الرغم من تأكيدها على اتباع سياسات من شأنها مكافحة الظاهرة الإرهابية، إلا أن هناك عددًا من القرارات التي مثلت تناقضًا لهذه السياسات، يأتي على رأسها الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وما ترتب عليه من سقوط الدولة الأفغانية في يد حركة “طالبان”، ناهيك عن القرار الأمريكي المتعلق بإلغاء تصنيف جماعة “أنصار الله” كتنظيم إرهابي، وأخيرًا قرار رفع عدد من التنظيمات الإرهابية المتورطة في أعمال دموية من قائمة الإرهاب الأمريكية. وبالتالي تمثل تلك القرارات تقويضًا لصورة واشنطن بصفها الفاعل الرئيسي الدولي المنوط به مكافحة الإرهاب.
مجمل القول، على الرغم من تأكيد وزارة الخارجية الأمريكية في بيانها المتعلق بقرار إلغاء تصنيف تنظيمات الإرهابية سالفة الذكر من قائمة التنظيمات الإرهابية الأجنبية على استمرار سياستها في مكافحة الظاهرة الإرهابية، إلا أن إمعان النظر في هذا القرار يحمل العديد من التساؤلات حول جدية واشنطن في اتباع سياسة ذات فاعلية في تقويض نفوذ التنظيمات الإرهابية.