في عام 2015 اعتمدت الدول الأعضاء بهيئة الأمم المتحدة أجندة 2030 للتنمية المستدامة، والتي تُعرف أيضًا باسم “الأهداف العالمية للتنمية المستدامة”، وقد اشتملت على سبعة عشر هدفًا تنمويًا يتم تحقيقها حتى حلول عام 2030، يتلخص أبرزها في: القضاء على الفقر، والقضاء التام على الجوع، والصحة الجيدة والرفاه، والتعليم الجيد، والمساواة بين الجنسين، والحد من أوجه عدم المساواة، والمساواة بين الجنسين. وانطلاقًا من تلك الأجندة، وضعت الدول استراتيجياتها للتنمية المستدامة حتى عام 2030.
تتجلى ميزة تلك الأجندة عن غيرها في 4 نقاط، أولًا: في موافقة جميع الدول الأعضاء بمنظمة الأمم المتحدة والبالغ عددهم 193 دولة، علاوة على الآلاف من الجهات أصحاب العلاقة، على رؤية بعيدة المدى، تشمل أربعة محاور رئيسية وهي محاور: البيئي، والاجتماعي، والاقتصادي، والشراكات، وهذه الأهداف تشمل 169 غاية فرعية و233 مؤشرا. وثانيًا: في اعتبار هذه الأجندة بمثابة دعوة لجميع البلدان الفقيرة والغنية والمتوسطة الدخل للعمل لتعزيز الازدهار، مع الأخذ بالاعتبار حماية كوكب الأرض. ثالثًا: التمسك بأن القضاء على الفقر يجب أن يسير جنبًا إلى جنب مع الاستراتيجيات التي تعزز النمو الاقتصادي للدول، ورابًعًا: تتناول الأجندة مجموعة من الاحتياجات الاجتماعية، بما في ذلك التعليم، والصحة، والحماية الاجتماعية، وفرص العمل، مع معالجة تغير المناخ وحماية البيئة.

التنمية المستدامة عربيًا
بعد مرور عامين تقريبًا على تفشي فيروس كورونا، مضت الدول العربية قدمًا على مسار التعافي، وإن بوتائر متباينة. فعلى الرغم من تقلص الحيز المالي وقيود أخرى، وضعت الدول العربية حزم تحفيز بأحجام مختلفة، واعتمدت استجابات لحماية سبل العيش وتنشيط الاقتصادات، منها التحويلات النقدية وإعانات دعم الأجور والإعفاءات من سداد فواتير المرافق العامة وضبط أسعار السلع الأساسية، وأصبح ما لا يقل عن 24 تدبيرًا من تدابير الحماية الاجتماعية التي تم اعتمادها خلال الجائحة دائمًا، وهو ما أثر بالإيجاب وإن وُصف بالطفيف في الأهداف 1، 3، 5، 8، 10، 17 من أهداف التنمية المستدامة، وذلك وفقًا للاستعراض السنوي لأهداف التنمية المستدامة 2022 الصادر عن لجنة الإسكوا التابعة للأمم المتحدة.
لا يزال الاستثمار في الحماية الاجتماعية في العالم العربي منخفضًا مقارنة بمناطق أخرى، خاصة فيما يتعلق بالمرأة. فوفقًا للتقرير، فإن المرأة في الدول العربية أكثر عرضة من الرجل لأداء أعمال غير مدفوعة الأجر، منها: رعاية الأطفال، والأعمال المنزلية، والانخراط في العمالة الهشة، والعمل في القطاع غير النظامي. وتُشير منظمة العمل الدولية إلى أن الحصول على تغطية نُظم الضمان الاجتماعي الشاملة أعلى بنسبة أربعة أضعاف للرجال. كما أضافت المنظمة أن الدول العربية توفر تغطية متدنية الاستحقاقات نسبيًا للأمهات اللواتي لديهن أطفال حديثو الولادة، إذ تبلغ التغطية في الدول العربية بأجمعها 31.6% وهي أقل من المتوسط البالغ 33.3% في بلدان الشريحة الدنيا من مجموعة الدول المتوسطة الدخل، ومن المتوسط العالمي البالغ 44.9%. وهذا ما يُفسر التقدم العربي البطيء في تحقيق الهدفين 5، 10 من أهداف التنمية المستدامة المتعلقين بالمساواة بين الجنسين والحد من أوجه عدم المساواة.

وفيما يتعلق بالهدف 2 الخاص بالقضاء التام على الجوع، فلا يزال التحسن في الأمن الغذائي في الدول العربية مستمرًا، وهو في ارتفاع طفيف منذ عام 2014، بينما تتناقص معدلات نقص النمو بين الأطفال وفقر الدم بين النساء، ولكنها لا تزال مرتفعة بدرجة كبيرة في البلدان العربية الأقل نموًا، أيضًا لا تزال نسبة الأطفال الذين يعانون من زيادة الوزن ترتفع وهي الأعلى في البلدان العربية .

أما الهدف رقم 3 المتعلق بالصحة الجيدة، فقد حققت المنطقة العربية نتائج أفضل عمومًا من المتوسط العالمي، وفيما يتعلق بالهدف 4 المتعلق بالتعليم الجيد؛ لا تزال معدلات التسجيل في مرحلة التعليم قبل الابتدائي منخفضة. أيضًا فإن نسبة المعلمين في المدارس الابتدائية الذين يملكون الحد الأدنى من المؤهلات أعلى بقليل من المتوسط العالمي، ولا سيما بالنسبة للمعلمين الذكور.


وفيما يتعلق بالهدف رقم 6 الخاص بالمياه النظيفة والنظافة الصحية، فقد سجلت الدول العربية تقدمًا هامًا في المؤشرات المتعلقة بحصول السكان على خدمات المياه والصرف الصحي التي تُدار بأمان. وتنفذ مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي الإدارة المتكاملة للموارد المائية بدرجة أعلى من الدول العربية الأخرى، وهي تجري تحسينات كبيرة في كفاءة استخدام المياه، مما يؤدي إلى قدرة أفضل على فصل النمو الاقتصادي عن استخدام المياه حيث “تضع الحكومات خططًا متكاملة لإدارة المياه تأخذ في الاعتبار الدورة المائية بأكملها، بدءًا من المصدر وحتى التوزيع، والاستخدام الاقتصادي للمياه، ومعالجتها، وإعادة تدويرها، وإعادة استخدامها ورجوعها إلى البيئة”. بينما أوصت الأمم المتحدة بضرورة خفض عمليات سحب المياه العذبة إلى مستوى أكثر استدامة، علاوة على تعزيز ترتيبات التعاون في مجال المياه بالنسبة لأحواض المياه العابرة للحدود.

أما بالنسبة للهدف رقم 7 من أهداف التنمية المستدامة: طاقة نظيفة وبأسعار معقولة، فقد حققت بعض الدول العربية تقدمًا كبيرًا في توسيع نطاق الحصول على الكهرباء والوقود النظيف. ومع ذلك فإن المنطقة تواجه صعوبة في زيادة حصة الطاقة المتجددة من إجمالي الاستهلاك النهائي للطاقة والقدرة المركبة لتوليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة للفرد، وكلاهما لا يزالان أقل بكثير من المتوسط العالمي. ويمكن أن يُعزى ذلك جزئيًا إلى ضعف التدفقات المالية الدولية إلى المنطقة لدعم الطاقة النظيفة، وأيضًا إلى وفرة الوقود الأحفوري في عدد كبير من بلاد المنطقة.



وفيما يتعلق بالهدف رقم 9 الخاص بالصناعة والابتكار والهياكل الأساسية، فلم تتحول المنطقة العربية بعد نحو التصنيع المستدام والشامل للجميع، ونحو جني فوائد اقتصاد المعرفة بالكامل. ولا يزال قطاع الصناعات التحويلية في المنطقة أقل إنتاجية وأكثر تلويثًا مقارنة بالمتوسطات في العالم، ويوفر فرص عمل أقل.
أيضًا تتفاوت إمكانية حصول المؤسسات الصناعية الصغيرة على الخدمات المالية في مختلف أنحاء المنطقة، وهي منخفضة بوجه خاص في المشرق والدول العربية الأقل نموًا. وتنخفض القيمة المضافة في الصناعات المتوسطة والعالية التقنية، علاوة على تسجيل المنطقة مستويات منخفضة من الباحثين ومن الإنفاق على البحث والتطوير.



وفيما يتعلق بالأهداف 11، 12، 13، على التوالي المتعلقين بمدن ومجتمعات محلية مستدامة، والاستهلاك والإنتاج المسئولين، والعمل المناخي، فلا يزال أمام الدول العربية الكثير حتى تحقق تقدمًا ملحوظًا في تلك الأهداف، فبصفة عامة زادت نسبة السكان في المناطق الحضرية الذين يعيشون في أحياء فقيرة زيادة حادة منذ عام 2000، وزاد كذلك التلوث الحضري، وكلاهما يتجاوزان المتوسط العالمي، علاوة على عدم توافر البيانات بشأن غالبية مؤشرات الهدف الـ11. أيضًا لا تزال المنطقة العربية تسجّل معدلات عالية من هدر الأغذية مقارنة بالعالم، وتدعم المنطقة استخدام الوقود الأحفوري بما يقرب من خمسة أضعاف المتوسط العالمي، وتُعد التغطية بالبيانات للهدف رقم 12 متدنية في المنطقة، مع عدم توفر بيانات عن إعادة التدوير، وأدوات السياسات التي تدعم التحول إلى الاستهلاك والإنتاج المستدامين، وسياسات المشتريات العامة المستدامة، والاستدامة السياحية.
ويقارب نصيب الفرد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في المنطقة المتوسطات العالمية، علاوة على توفر مؤشرات قليلة على الصعيد الإقليمي بالنسبة للهدف 13، ولا تتوفر بيانات لتقييم أثر الكوارث بشكل كامل.




وفيما يتعلق بالهدفين 14 و15: الحياة تحت الماء والحياة في البر على الترتيب، فيعتبر الهدف 14 هو الأقل تتبعًا من بين الأهداف في الدول العربية، حيث هناك نقص كبير في البيانات المتعلقة بصحة النُظُم الإيكولوجية البحرية وبتنفيذ ممارسات الصيد المستدامة. بينما تشهد المنطقة تحسنًا في اعتماد خطط طويلة الأجل لإدارة الغابات، وتعد مشاركتها في المعاهدات الدولية المعنية بحماية الموارد الوراثية النباتية كبيرة.




أما الهدف 16 المتعلق بالسلام والعدل والمؤسسات القوية، فقد تزايدت جرائم القتل في المنطقة، ولكنها لا تزال دون المتوسط العالمي، وتتعرض الشركات ولا سيما في الدول الأقل نموًا أكثر من غيرها لطلبات دفع الرشوة، وبصفة عامة لا تزال البيانات بشأن مؤشرات الهدف 16 غير متاحة إلى حد كبير على الصعيد الإقليمي، مع ثغرات ملحوظة في عدة مؤشرات منها تلك المتعلقة بالسلامة الشخصية، والوصول إلى العدالة والحوكمة.


وإجمالًا، ووفقًا لما سبق، لا تزال هناك تحديات تواجه مجموعة الدول العربية فيما يتعلق بهدف التنمية المستدامة، خاصة الثالث الخاص بالصحة الجيدة والرفاهية، والهدف السادس المتعلق بالمياه النظيفة والنظافة الصحية، والهدف التاسع المتعلق بالصناعة والابتكار والبنية التحتية، والهدف الرابع عشر المتعلق بالحياة تحت الماء، والهدف السادس عشر الخاص بالسلام والعدل والمؤسسات القوية، الأمر الذي يتطلب بدوره بذل المزيد من الجهود واعتماد سياسات خاصة بكل بلد لمواجهة تحدياته.