تصاعدت الجهود الدولية بحثًا عن تسوية سلمية للأزمة اليمنية، وتبلورت في تحرك أمريكي بريطاني،سواء من خلال تصريحات كبار المسئولين في البلدين، أو زيارة وزير الخارجيةالبريطاني للسعودية والإمارات وإيران لهذا الغرض، ومبادرة السويد بترتيب جولة مفاوضات بين الأطراف المحلية للنزاع في السويد في 29 نوفمبر الجاري (2018).
ومن المرجّح أن تُعقد هذه الجولة، خاصة بعد إعلان الحوثيين وقف إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة على أراضي السعودية، وكان هذا مطلبًا أمريكيًّا يقترن مع وقف العمليات العسكرية لقوات التحالف العربي على المناطق التي تضم كتلة سكنية من المدنيين.
ومن الملاحظ أنهذه الجهود التي تصاعدت مؤخرًا ليست جديدة، فالموقف الأمريكي والبريطاني تحفظ منذ فترة طويلة على العمليات العسكرية في اليمن بعد سقوط آلاف الضحايا من المدنيين،فضلًا عن تنامي مواقف داخل البرلمانات الأوروبية في هذا الاتجاه. كما ارتبط ذلك بعدمنجاح التحالف والجيش اليمني في تحقيق انتصار حاسم في العمليات العسكرية باستثناءالجنوب اليمني، حيث لا يزال الحوثيون يمتلكون التأثير الفعّال في الساحل الغربي،ومربع العاصمة صنعاء، وبعض المناطق الشمالية، خاصة مدينة صعدة (المعقل الرئيسي للحوثيين). كما حال الضغط الدولي دون مواصلة قوات التحالف العربي عملياتها للسيطرةعلى مدينة الحديدة غربًا والتي تمثل شريان الحياة للحوثيين واليمن، بدعوى حمايةالمدنيين في المدينة وضواحيها.
وبمراجعة تصريحات وزيري الخارجية والدفاع الأمريكيين، وكذلك كبار المسئولين البريطانيين،والمشروع البريطاني المقدم لمجلس الأمن بخصوص الأزمة اليمنية، يُلاحظ ما يلي:
1– أن مجمل الجهود المبذولة لا تطرح حلًّا للأزمة اليمنية في هذه المرحلة، لكنها تُركز على خفض التوتر، ووقف العمليات العسكرية، ودفع أطراف الأزمة للتفاوض حول المسار السلمي لحل الأزمة.
2– أن الدوافع الإنسانية هي المحرك الرئيسي لهذه الجهود في هذه المرحلة، بهدف توفير الحد الأدني لمتطلبات الحياة المعيشية للمدنيين الذين تضرروا من العمليات العسكرية، وذلك رغم الدعم المكثف من السعودية والإمارات، وعلى أن يكون ذلك بداية يمكن البناء عليها للخروج من الأزمة.
3– أن هناك موقفًا أوروبيًّا مساندًا للجهود البريطانية لعقد جولة تفاوض طبقًا لرؤية وجهد مبعوث الأمم المتحدة لليمن “مارتن جريفيث” بشأن الأزمة، مع التركيز على تحرك موازٍ يستهدف عدم عرقلة وصول الواردات والمساعدات الإنسانية، خاصة الغذائية، لكافة مناطق اليمن.
4– من الملاحظ كذلك أن هذه الجهود قد ترافقتمع تحقيق القوات الموالية للشرعية، مدعومة بقوات التحالف العربي، انتصارات ميدانية في مواجهة القوات التابعة للحوثيين، خاصةً استعادة مثلث “عاهم” في محافظة حجة، وهو محور وشريان حيوي يربط محافظات صعدة وعمران بحرض وميدي والحديدة،وهو لا يقل في أهميته الاستراتيجية عن قطع الطريق بين صنعاء والحديدة.
5- يكشف الواقع العسكري والسياسي في اليمن حاليًّا عنعددٍ من المتغيرات الجديرة بالاهتمام، خاصة توقف العمليات العسكرية للسيطرة علىالحديدة ارتباطًا بالضغط الدولي بدعوى الحرص على المدنيين، مع طرح أفكار خاصة بانسحاب القوات الحوثية مع إدارة دولية للميناء، وهي قضايا سوف تشهد الكثير منالخلاف، وإن كان وقف العمليات العسكرية يُعتبر مكسبًا للحوثيين لإعادة بناء قواتهم،وهو ما يوفر أوراق ضغط مؤثرة في المفاوضات القادمة.
وفي التقدير، فإن الجهود الأوروبية والأمريكية قد ارتبطت بعدد من الاعتبارات الاستراتيجية التي يمكن إجمالها فيما يلي:
1– أن المخاطر والتهديدات المرتبطة بالأزمات المتفجرة في الشرق الأوسط، ومن بينها الأزمة اليمنية، تُلقي بتداعياتها على الدول الأوروبية على اختلافها (قضايا الهجرة، والتطرف… إلخ) والتي تفرض عليها الانخراط في تلك الأزمات لتهدئة التوتر واحتوائه قدر الإمكان.
2- أن التحرك الغربي الذي يستند في البداية إلى وقف محسوب للعمليات العسكرية، يحتاج إلى نوعٍ من الحوار مع إيران. وترى بعض الدوائر المعنية أن طهران، في ظل الضغوط والمقاطعة الأمريكية وحاجتها إلى موقف أوروبي متفهم، قد تقبل القيام بدور إيجابي للضغط على الحوثيين، وللإيحاء بنوع من التجاوب مع المطالب الأمريكية الخاصة بوقف التدخل الإيراني في أزمات المنطقة، وإن كان من المتوقع أن تستثمر إيران هذا التطور، وهو ما يعني أن جولة المفاوضات لن تكون سهلة أو تحقق نتائج سريعة، وسوف تكشف طبيعة المشاركة الحوثية في المفاوضات ومدى جديتها وتجاوبها مع حقيقة الموقف الإيراني بهذا الخصوص.
3- أن جولة المفاوضات المتوقعة لن تُناقش حلًّا للأزمة اليمنية، ولكن أفكارًا عامة حول إطار التفاوض الخاص بالأزمة، وذلك لأن الحوثيين سوف يركزون على أنهم طرف رئيسي وشريك في العملية السياسية، وستكون المساحة التي سيعترف لها بها الأطراف الأخرى مجال خلاف كبير، وبالتالي فإن ما يجري هو تحرك مرحلي لتهدئة المناخ في مرحلة لاحقة لتفاوض جاد حول التسوية السياسية.
4- إدراك كافة أطراف الصراع أن الحرب قد فشلت في إنتاج واقع جديد يخالف ما كان قائمًا ومحكومًا بالمرجعيات الثلاث لحل الأزمة (مخرجات الحوار الوطني، والمبادرة الخليجية، وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، خاصة القرار رقم 2216)، وأن التفاوض سوف يعود بعد كل ما جرى لهذه المرجعيات كحل للأزمة اليمنية، وإن كان من المتوقع مواجهة صعوبات ترتبط بتفسير كل طرف لها ووجهة نظره في آليات التنفيذ.
5- من الواضح أن الأطراف الخارجية، الإقليمية والدولية، المنخرطة في الأزمة اليمنية سوف تسعى للبحث عن صيغة لحلٍّ سياسي لها، وأن الأمر يحتاج إلى ضغوط مكثفة على إيران والحوثيين، وأن خفض التوتر فترة طويلة قد يكون تمهيدًا للوصول إلى ذلك وإن كان الواقع العسكري الميداني سوف يلقي بظلاله على العملية التفاوضية.
في النهاية، لا أعتقد أن الأزمة اليمنية قد اقتربت كثيرًا من الحل، لكنها ستخطو خطوة في الطريق، إذ لا تزال القوى التي تملك التأثير في الأزمة لها أجنداتها المختلفة وأوراق المساومة المتبادلة، ولا يزال اليمن يعاني، وأشك أن تعود اليمن (الدولة المركزية) كما كانت قبل الأزمة، وسيبقى تحقيق إنجاز فعلي مرهونًا بمدى التزام الأطراف المختلفة (محلية وإقليمية) بمخرجات الحوار الوطني.