تعتبر المباني شاهقة الارتفاع، المعروفة بالأبراج، من الانماط المعمارية الفريدة والتي لها العديد من المزايا العقارية والاقتصادية، كما انها تشكل نقطة جذب هامة في الأسواق العقارية والسياحية، ما دفع بمصر خلال الاعوام القليلة الماضية الي الأخذ بهذا النموذج في أكثر من موقع، ولقد شرعت الدولة المصرية بالفعل في إنشاء العديد من تلك المباني خاصة في إطار المشروعات القومية التي تقوم بتنفيذها وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، مثل العاصمة الإدارية الجديدة ومدينة العلمين الجديدة. كما قامت الدولة أيضاً بفتح الباب أمام القطاع الخاص المصري والأجنبي للبدء في تطوير هذا النمط العقاري الذي يوصف بكونه حديث نسبياً على السوق العقاري المصري المعاصر.
الأبراج في العمران العالمي
بخلاف تشكيلها لجزء من الثروة العقارية الفاخرة لأي دولة، فإن الأبراج تمثل نقطة جذب هامة علي الصعيدين الاقتصادي والسياحي. فعلى سبيل المثال، يُعتبر برج خليفة -وهو المبنى الأعلى في العالم- المعلم الرئيسي لمدينة دبي، التي يزورها سنويا أكثر من سبعة ملايين سائح. فبرج خليفة عبارة عن مبني سكني إداري تجاري فندقي يبلغ ارتفاعه 828م بإجمالي عدد 163 طابقاً. ويقع البرج في منطقة Down Town Dubai التي تحتوي على العديد من المباني الإدارية والمراكز التجارية والفنادق والمحال التجارية المختلفة، ويعتبر البرج من أهم المعالم على خريطة دبي السياحية.
والي جانب دوره في توفير المسطحات البنائية بصورة تكنولوجية متميزة للاستخدامات المختلطة، يقوم البرج بتعظيم الموارد السياحية لمدينة دبي بصفة عامة، وللمنشئات والاعمال في منطقة Down Town بصفة خاصة عن طريق زيادة أعداد الزائرين والمترددين. كما يساهم البرج أيضا بشكل مباشر في رفع قيمة العقارات المحيطة وتعظيم الثروة العقارية لمدينة دبي.
مثال أخر هو أبراج منطقة المال والأعمال بالعاصمة الروسية موسكو والتي تشكل هي الأخرى مقراً لكبرى الشركات العالمية ونقطة جذب مهمة علي الخريطة السياحية لمدينة موسكو. هذا بالإضافة إلى العديد من المشروعات المشابهة في مدينة نيويورك، ودول الخليج العربي والتي تتميز بالكثافة في بناء الأبراج ذات الاستخدام المتعدد.
الأبراج في مصر: نبذة تاريخية
بدأت ظاهرة الابراج الشاهقة في الظهور في مصر خلال الخمسينيات من القرن الماضي، وذلك حينما بُنيت عمارة بلمونت في حي جاردن سيتي عام 1958 بعدد 35 دور وبإجمالي إرتفاع إلى 106 متر ، ثم لحقها في عام 1961 مشروع برج القاهرة بمنطقة الجزيرة، بإجمالي إرتفاع 187 متر، ليظل برج القاهرة بعد ذلك هو المبنى الأعلى في إفريقيا حتى عام 1971 إلى ان تم بناء برج هيلبرو بدولة جنوب إفريقيا. كما شهدت مصر خلال السبعينات والثمانينات من ذات القرن انتعاشة ملحوظة بمجال تشييد الأبراج، بعدما تم بناء مجموعة من مشروعات الأبراج الاستثمارية مثل أبراج المعادي السكنية من تنفيذ شركة المقاولون العرب عام 1987 وبرجي البنك الأهلي على كورنيش النيل بمنطقة بولاق أبو العلا عام 1986.
لكن في أعقاب الزلزال المدمر الذي وقع عام 1992، تمت إعادة النظر في نموذج الأبراج، وصدر القانون رقم 101 لسنة 1996 والذي نص على أن يضاف إلى القانون رقم 106 لسنة 1976 فقرة على المادة رقم 13 والتي تنص على الاتي: “ولا يجوز زيادة الارتفاع الكلى للبناء على مرة ونصف عرض الشارع بحد أقصى 36 متراً ولرئيس مجلس الوزراء فى حالة الضرورة القصوى تحقيقا لغرض قومى أو مصلحة اقتصادية أو مراعاة لظروف العمران تقييد أو إعفاء مدينة أو منطقة أو جزء منها أو مبنى بذاته من الحد الأقصى للارتفاع[1]“. ومنذ ذلك التاريخ لم يعد بناء المباني التي تتجاوز 36 متر مسموحا بمصر، باستثناء المباني التي يصدر بها قرار من السيد رئيس مجلس الوزراء، مثل أبراج العاصمة الإدارية الجديدة.
مشروعات الأبراج الحديثة في مصر
سعت مصر خلال السنوات الماضية الي فتح الباب أمام مشروعات تطوير الأبراج. ولقد كانت البداية في عام 2015 اثناء انعقاد اعمال المؤتمر الإقتصادي بشرم الشيخ، حيث أعلنت الدولة في حينها عن وجود خطة لتدشين مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، والتي ستتوسطها المنطقة المركزية للمال والأعمال CBD وتقوم بتنفيذها وزارة الإسكان المصرية وبالشراكة مع الشركة الصينية المتخصصة في مجال التشييد والبناءCSCEC و تحتوى تلك المنطقة على 20 برج متعدد الإستعمالات (إداري، تجاري، فندقي، الخ)، ويتوسطها البرج الأيقوني بإجمالي ارتفاع 384 متر وبعدد 80 طابقاً، والذي يعتبر البرج الأعلى في إفريقيا حتى الان.
كما شرعت مصر في بناء منطقة أعمال مركزية في مدينة العلمين الجديدة، والتي سيشيد بها هي الأخرى عدداً من الأبراج ومبنى أيقوني على غرار العاصمة الإدارية بإجمالي إرتفاع 250 متراً وبعدد 68 طابقاً. كما يتم حالياً إنشاء مجموعة أبراج بمنطقة ماسبيرو على كورنيش النيل بعدد طوابق يصل إلى 30 طابقاً. ويشارك القطاع الخاص هو الاخر ببناء العديد من الأبراج داخل مناطق الإستخدام المختلط بالعاصمة الإدارية الجديدة، بإرتفاعات تصل إلى أكثر من 200 متر، ويتم بناء تلك الأبراج على أحدث الطرازات المعمارية، ومتكاملة مع منظومة المدن الذكية التي تتميز بها العاصمة الإدارية.
الأبراج: الأهداف والمميزات
إن ظهور المبانى المرتفعة يرجع إلى الإحتياج إلى التوسع الرأسي للعمران وذلك لعدم وجود مسطحات الأراضي الكافية للتوسع الأفقي. وبالتالي، فإن الحل هو إستيعاب عدد أكبر من الأفراد والإستخدامات على نفس مسطح الأرض المتوفر. ولذلك، يعتبر التوسع الرأسي هو الحل الأمثل للدول التي تواجه مشاكل في الأراضي الصالحة للسكن وندرة الموارد. فعلى سبيل المثال، تواجه دولة اليابان تحدي ندرة في الموارد ومساحات الأراضي الصالحة للبناء، في مقابل إرتفاع عدد السكان والذي يصل إلى حوالي 124 مليون نسمة. ولذلك يصبح التوسع الرأسي هو أحد الحلول الهامة في اليابان، على الرغم من نشاط الزلال القوي بها.
ولكن للأبراج مميزات أخرى، فهي أعمال فنية عمرانية تعطي المدينة جزء من هويتها الخاصة، كما تعتبر الأبراج بمثابة معالم إقليمية ودولية Landmarks ، وبالتالي تشكل نقظة جذب هامة سياحياً وإداريا وتجارياً. وبناءً على ما سبق، فإن الأبراج في الأغلب يكون بها استخدام مختلط (تجاري إداري سكني الخ ..) وذلك لجذب كافة أنواع الإستثمارات الهادفة إلى الربح المستدام. هذا ما يبرر توسع مصر في مثل هذا النوع من العمران وذلك لتحقيق طفرة إقتصادية سياحية بالإضافة إلى تحسين الهوية البصرية بشكل معماري معاصر متميز ينافس الدول الإقليمية المحيطة. ولا ننسي ان وجود الأبراج يعزز من السياحة الترفيهية الحديثة لتتكامل بدورها مع السياحة التاريخية والشاطئية.
الأبراج السكنية في مصر: التحديات
إن أهم التحديات التي تواجه بناء الأبراج في مصر، هو أن الأكواد وإشتراطات البناء المصرية تم إصدارها بناءً على وجود إرتفاع محدد في قانون البناء المصري. فعلى سبيل المثال، نجد أن إشتراطات الدفاع المدني لأقصى عمق للبدرومات هو -10.5 متر أى ما يعادل 3 طوابق فقط تحت الأرض، وهو عمق غير متناسب مع مع حجم المساحة المطلوبة لتوفير العدد الكافي من اماكن إنتظار السيارات الخاصة بالأبراج، نظراً لكبر المساحة البنائية للمشروع مقارنة بالمسطح الإجمالي لقطعة الأرض.
بالإضافة إلى انه لا يوجد كود مصري لبناء مباني الأبراج وإشتراطاتها حتى تاريخه. وبناءً على ما سبق، فإن التوسع في بناء الأبراج في مصر يتطلب معه ضرورة تعديل التشريعات وإصدار أكواد جديدة، وهو ما تقوم به بالفعل حالياً مؤسسات الدولة المختلفة من وزارة الإسكان والحماية المدنية والجهاز القومي لبحوث الإسكان والبناء.
التحدي الأخر لبناء الأبراج هو ضرورة التأكد من القيام بالتخطيط السليم للحلول المرورية في المناطق المحيطة، حيث أن الأبراج تحتوى على عدد كبير من المستخدمين على مدار اليوم، الأمر الذي يؤثر بشدة على الكثافات المرورية للمنطقة.
التكلفة العالية لبناء الأبراج والتي تصل إلى مليارات الجنيهات تعد أيضاً من أبرز التحديات، كما ان تكلفة الصيانة والتشغيل العالية تؤثر بشدة على سعر المتر سواء للإيجار او التمليك للمستهلك النهائي. بالإضافة إلى ان عدد بيوت الخبرة وشركات المقاولات المصرية التي تمتلك الخبرات اللازمة لبناء هذا النوع من المشروعات مازال محدودا.
ختاما، يمكننا الايجاز أن مشروعات المباني الشاهقة الإرتفاع (الأبراج) في مصر هي ضرورية ومهمة نظراً للمردود الإقتصادي والسياحي. فتلك المشروعات تعظم الثروة العقارية وتزيد من قيمة المباني المحيطة، كما انها تساهم في عمل هوية بصرية حديثة وعمران متميز، والمطلوب هو تطوير القوانين ومعايير البناء والإدارة والخبرات الضرورية للدخول إلى هذا المجال بنجاح.
[1] قانون رقم 101 لسنة 1996 لتعديل بعض أحكام القانون رقم 106 لسنة 1976 بشأن توجيه وتنظيم أعمال البناء – المادة 13