في تطور حديث يتعلق باتفاقية المهاجرين المثيرة للجدل بين المملكة المتحدة ورواندا، أعلن رئيس الحكومة البريطانية “كير ستارمر” الذي تولى منصبه في السادس من يوليو 2024 خلفًا لـ “ريتشي سوناك”، إلغاء اتفاق الهجرة مع رواندا، في خطوة رحب بها دعاة حقوق الإنسان والمعارضون للحكومة السابقة. وكانت المملكة المتحدة قد توصلت إلى اتفاق مع رواندا لنقل المهاجرين الذين يصلون أرضها بشكل غير شرعي إلى الدولة الواقعة في شرق أفريقيا لمعالجة طلبات اللجوء، في إطار استراتيجية معروفة باسم “إسناد اللجوء إلى جهات خارجية”.
ومنذ طرحها الأول، واجهت سياسة رواندا تحديات قانونية وتعرضت لانتقادات واسعة، وتشكيك في عدم فاعليتها كإجراء رادع لوقف تدفق المهاجرين نحو بريطانيا، فضلًا عن الجدل المثار حول تكلفتها المرتفعة، وما إذا كانت رواندا هي الخيار المناسب. لكن الحكومة البريطانية السابقة، بقيادة رئيس الوزراء “ريتشي سوناك”، تجاهلت كل هذه العوامل، وأقرت تشريعًا في أبريل أعلن رواندا دولة ثالثة آمنة. وكانت حكومة “سوناك” تعتزم ترحيل 5700 طالب لجوء إلى رواندا “بحلول نهاية عام 2024″، أو 10% من أولئك الذين وصلوا إلى المملكة المتحدة عبر القناة في عامي 2022 و2023، لكن الهزيمة التي لحقت بحزب “سوناك” في الانتخابات حالت دون تنفيذ خططه، وتركت علامات استفهام حول مصير اتفاق الهجرة مع رواندا، وما إذا كانت حكومة العمال بقيادة ستارمر ستُكمل ما بدأته حكومة المحافظين، أم ستتبع نهجًا جديدًا للتعامل مع الأزمة.
ماذا يعني إلغاء سياسة رواندا؟
تمثل قضية المهاجرين الذين يعبرون القناة الإنجليزية في قوارب صغيرة من فرنسا، قضية مُلحة للحكومة البريطانية، وقد استُخدمت “سياسة رواندا” في الدعاية الإاتخابية لكلا الحزبين المتنافسين (المحافظين والعمال) خلال الانتخابات البريطانية الماضية، ففي ظل تفاقم أزمة المهاجرين في بريطانيا، تمسّك حزب المحافظين برئاسة “ريتشي سوناك” باتفاق رواندا باعتباره حجر الأساس في سياسته للتعامل مع الأزمة، وتعهد ببدأ ترحيل المهاجرين إلى كيغالي في شهر يوليو إذا فاز في الانتخابات، وهو ما لم يحدث.
في غضون ذلك، تعهد حزب العمال البريطاني بإلغاء سياسة رواندا إذا وصل إلى الحكم، وبالفعل بعد يوم واحد من توليه منصبه قال رئيس الوزراء البريطاني الجديد “كير ستارمر” يوم السبت 6 يوليو: إنه سيلغي الاتفاق المثير للجدل لنقل آلاف طالبي اللجوء من بريطانيا إلى رواندا، مُدعيًا أن سياسة رواندا ستفشل في العمل كرادع للمهاجرين لأن حوالي 1% فقط من طالبي اللجوء سيتم إبعادهم وفقًا لها.
ويختلف ما يعنيه إلغاء سياسة رواندا، وما يترتب على ذلك، باختلاف صاحب المصلحة، فمن جهة ترى الحكومة الرواندية أن شراكتها مع الحكومة البريطانية سعت إلى إعطاء الأولوية لحقوق المهاجرين، وتوفير فرصة لهم لبناء حياة أفضل في كيجالي، حيث يقدم الرئيس الرواندي بلاده باعتبارها جزءًا من حل أزمة الهجرة العالمية، وبالفعل على مدى السنوات الماضية، استضافت رواندا اللاجئين والمهاجرين من دول مختلفة مثل ليبيا وأفغانستان وغيرها، وتسعى دول مثل ألمانيا والدنمارك إلى التفاوض مع الحكومة الرواندية لإبرام اتفاق مماثل لاتفاقها مع بريطانيا لنقل طالبي اللجوء إليها. ومع إعلان حكومة “ستارمر” إلغاء سياسة رواندا لم تُبدِ كيجالي أي رد فعل في البداية، لكن في الثامن من يوليو، قالت رواندا في بيان رسمي: إنها أخذت علمًا بنية الحكومة البريطانية إنهاء اتفاقية الشراكة في مجال الهجرة والتنمية الاقتصادية، وأوضح البيان أن رواندا التزمت بشكل كامل من جانبها بالاتفاق، بما في ذلك ما يتعلق بالتمويل.
ورفضت حكومة كيجالي إعادة الأموال التي قدمتها لها بريطانيا في وقت سابق، حيث لم يتضمن الاتفاق بنودًا تُلزم رواندا صراحة بإعادة الأموال التي دفعتها لها الحكومة البريطانية إذا لم يتم استخدامها بالكامل للغرض المقصود منها أو في حالة إلغاء الاتفاق، ويقول المسئولون الروانديون: إن الأموال المرسلة من بريطانيا بموجب الاتفاق تم استخدامها لتغطية التكاليف التشغيلية للتحضير لوصول المهاجرين المتوقع ودعم النمو الاقتصادي، كما تم استخدام جزء من هذه الأموال في تطوير وحدات سكنية لاستضافة المهاجرين، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الرواندية تنوي استكمال المشروع واستخدامه في الإسكان الاجتماعي للروانديين إذا تمسكت بريطانيا بإلغاء الاتفاق، أما اذا قرر “ستارمر” استكمال اتفاق الهجرة فإن كيجالي لن تمانع.
ورغم الموقف الرسمي غير المبالي لحكومة كيجالي بشأن إلغاء الاتفاق، فإن شراكة الهجرة مع بريطانيا كانت ستمثل دفعة قوية للاقتصاد الرواندي، واعترافًا دوليًا مهمًا بدور رواندا في حل أزمة عالمية كأزمة المهاجرين، ويمهد الطريق أمام اتفاقيات مماثلة مع دول الاتحاد الأوروبي، ويخفف من الانتقادات الدولية لسياسة كيجامي في التعامل مع حقوق الإنسان، وهي المزايا التي ستخسرها كيجالي إذا استمرت بريطانيا في موقفها من إلغاء سياسة رواندا، فضلًا عن الآثار السلبية في الظروف الاقتصادية والاجتماعية للعاملين الذين كانوا يعملون في سياق مخطط رواندا، في حالة انهياره، في ظل ارتفاع معدلات البطالة في رواندا.
من جهة أخرى، بالنسبة لبريطانيا، فضلًا عن استخدام “ستارمر” لاتفاق رواندا في حملته الانتخابية لكسب أصوات معارضي الاتفاق، يترتب على إلغاء سياسة رواندا وفر مالي كبير، حيث تزعم وزيرة الداخلية البريطانية “إيفايت كوبر” أن إلغاء سياسة رواندا من شأنه أن يوفر على دافعي الضرائب ما يقدر بنحو 7 مليارات جنيه إسترليني (9 مليارات دولار) على مدى السنوات العشر المقبلة، بما في ذلك 750 مليون جنيه إسترليني كانت الحكومة السابقة قد خصصتها لتغطية برنامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية هذا العام. على أن تستثمر حكومة “ستارمر” هذه الأموال في تمويل قيادة جديدة لأمن الحدود. فضلًا عن استبدال رحلات الطيران إلى رواندا برحلات لإعادة الأشخاص الذين ليس لديهم الحق في البقاء في بريطانيا إلى بلدانهم الأصلية.
أما بالنسبة للمهاجرين وطالبي اللجوء الذين تُركت طلباتهم مُعلّقة على مدى شهور في انتظار تنفيذ سياسة رواندا، فمن المقرر أن يقوم حزب العمال البريطاني بعد إلغاء خطة رواندا بتسريع الخطط الرامية إلى السماح لـ 90 ألف مهاجر كان من المقرر ترحيلهم إلى رواندا بتقديم طلب اللجوء في المملكة المتحدة، ويقدر مجلس اللاجئين -وهي منظمة خيرية مقرها المملكة المتحدة- أن نحو 60 ألف شخص من أصل الـ90 ألف مهاجر سوف يحصلون على حق اللجوء، نظرًا للخصائص المميزة للدول التي جاء منها معظمهم، بينما سيتم إعادة طالبي اللجوء القادمين من بلدان “آمنة” إلى بلدانهم. وتشير التقديرات إلى أن ما يقرب من 36 ألف مهاجر يعيشون في فنادق، الأمر الذي يكلف دافعي الضرائب حوالي 3 ملايين جنيه إسترليني يوميًا، ومن خلال تسريع معالجة طلبات اللجوء لهؤلاء، كجزء من استراتيجية أوسع لحزب العمال للتعامل أزمة الهجرة، ستعمل الحكومة البريطانية على توفير هذه المبالغ فضلًا عن إنهاء استخدام الفنادق في غضون عام.
الملامح الرئيسية لاستراتيجية ستارمر الجديدة للتعامل مع الهجرة
احتفى العديد من النشطاء الحقوقيين، ومنظمات حقوق الإنسان بفوز حزب العمال بقيادة “كير ستارمر” الذي وعد بإلغاء خطة ترحيل المهاجرين وطالبي اللجوء إلى رواندا، آملين في وضع أفضل للمهاجرين في ظل حكم حزب العمال، ولكن على العكس من ذلك، اتضح أن حكومة “ستارمر” تتفق مع سابقتها في هدف خفض صافي الهجرة الإجمالية –الشرعية منها وغير الشرعية على السواء- لكنهما يتبعان نهجين مختلفين في تحقيق هذا الهدف. فبينما ركزت حكومة المحافظين على تقييد المعروض من التأشيرات، من خلال وضع سقف سنوي على منح تأشيرات العمل، وإعادة ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا، يحاول حزب العمال وضع استراتيجية تقوم على تقييد الطلب على التأشيرات، وإصلاح نظام اللجوء من خلال تصفية تراكم اللجوء، وتسريع عودة المهاجرين إلى بلدان آمنة، وإلغاء مخطط رواندا. في هذا السياق، إلى جانب إلغاء خطة رواندا، تضمنت الملامح الرئيسية لاستراتيجية “ستارمر” للتعامل مع أزمة الهجرة الإجراءات التالية:
- ربط سياسة المهارات بسياسة الهجرة: تعاني المملكة المتحدة من فجوة في التوظيف في العديد من القطاعات، بما في ذلك قطاعات مثل الرعاية الصحية والاجتماعية والضيافة والبناء، وتعمل على سد هذه الفجوة من خلال زيادة الطلب على العمال الأجانب، خاصة من أفريقيا والهند وباكستان، وتسعى حكومة “ستارمر” على خفض أعداد العمالة المهاجرة من خلال ربط سياسة المهارات بسياسة الهجرة، بحيث يتعين على أصحاب العمل والقطاعات التي تطلب أعدادًا كبيرة من تأشيرات العمل أن تضع خططًا لتدريب القوى العاملة لملء فجوات المهارات بالعمال الموجودين بالفعل في المملكة المتحدة أو داخل الاتحاد الأوروبي دون حاجة لطلب مزيد من المهاجرين لسد فجوات التوظيف، فضلًا عن تقييد قدرة العاملين في مجال الرعاية ومعظم الطلاب الدوليين على إحضار أفراد أسرهم المعالين إلى المملكة المتحدة.
- إنشاء قيادة لأمن الحدود بصلاحيات واسعة: أعلن ستارمر عن مشروع قانون جديد للأمن الحدودي واللجوء والهجرة، والذي من شأنه أن يُنشئ قيادة لأمن الحدود ستجمع بين موظفين من الشرطة ووكالة الاستخبارات المحلية والمدعين العامين للعمل مع الوكالات الدولية لوقف تهريب البشر، ويمنح موظفي قوات الحدود القدرة على استخدام صلاحيات مماثلة لتلك المستخدمة في مكافحة الإرهاب للقضاء على عصابات تهريب البشر. على أن يتم تمويل قيادة أمن الحدود الجديدة من خلال الوفر المالي المتحقق من إلغاء مخطط رواندا. ويذكر أن وزراة الداخلية في عهد “سوناك”، تحديدًا عام 2023 أنشأت وحدة تسمى “قيادة عمليات القوارب الصغيرة”، للقيام بمهام مشابهة، كما تم نشر الطائرات بدون طيار وتكنولوجيا الكاميرات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، مما يثير تساؤل حول الفرق الجوهري بين وظائف القيادتين.
- تجريم الإعلان عن خدمات التهريب: يعمل حزب العمال على إعادة إحياء مقترحات سابقة لتجريم الإعلان عن خدمات تهريب البشر بأي وسيلة، وكانت هذه المقترحات تتضمن عقوبة قصوى بالسجن لمدة خمس سنوات. وتخطط الحكومة ايضًا لإنشاء جرائم جديدة لمعاقبة شركات وسائل التواصل الاجتماعي التي تفشل في إزالة إعلانات مهربي البشر الذين يبيعون خدمات عبور القناة، كما اقترح الحزب فرض “جرائم تمهيدية” لمعاقبة الأشخاص الذين يساعدون في توريد مواد مثل القوارب والمعدات إلى عصابات الجريمة المنظمة.
- تجديد العلاقات مع أوروبا: يسعى ستارمر لتجديد علاقات بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي مع فرض ضوابط حدودية جديدة واتفاقية بشأن الدفاع والأمن، فضلًا عن مزيد من التعاون مع فرنسا في محاولة للتصدي لشبكات تهريب البشر التي تنقل المهاجرين عبر القناة، ومع ذلك، بالرغم من رغبة فرنسا في مكافحة الهجرة، فمن غير المؤكد أن تقبل منع المهاجرين من مغادرة أراضيها في اتجاه المملكة المتحدة، فضلًا عن أن الساحل الفرنسي طويل، ومجموعات التهريب غالبًا ما تكون صغيرة وقادرة على الاختباء والمراوغة.
- معالجة الهجرة غير الشرعية من المصدر: ترغب حكومة ستارمر في السير على خُطى إيطاليا في معالجة أزمة المهاجرين غير الشرعيين وطالبي اللجوء عن طريق تحسين الظروف الاقتصادية في دول المنشأ (المُصدّرة للمهاجرين)، ومن ثَمّ عدم اضطرار هؤلاء المهاجرين لسلوك طريق محفوف بالمخاطر لتحسين مستوى معيشتهم. وفي هذا السياق وعد “ستارمر” بتخصيص 84 مليون جنيه إسترليني لتمويل مشاريع الصحة والتعليم في الخارج لوقف الحاجة إلى فرار الناس من منازلهم في المقام الأول.
- تسريع تقييم طلبات اللجوء: بالإضافة إلى التصدي لعصابات الاتجار بالبشر، تهدف حكومة “ستارمر” إلى خفض تراكم طلبات اللجوء في بريطانيا، حيث تدفع السلطات البريطانية نحو ثمانية ملايين جنيه إسترليني يوميًا، لاستضافة طالبي اللجوء في فنادق لحين تقييم طلباتهم والبت فيها. وفي هذا السياق، تعهد حزب العمال بتعيين ألف موظف، وتسريع معالجة طلبات اللجوء، وتسريع عودة طالبي اللجوء الذين تم رفض طلبهم.
مستقبل سياسة رواندا
تظل قضية الهجرة من أهم القضايا التي ينبغي على الحكومة البريطانية الجديدة معالجتها في أسرع وقت، وبإعتباره إحدى الوسائل المستخدمة للتعامل مع قضية الهجرة غير الشرعية في بريطانيا، يواجه اتفاق الهجرة مع رواندا في ظل حكومة “ستارمر” أحد سينريوهين؛ يتضمن السيناريو الأول: إلغاء الاتفاقية بشكل كامل، حيث قد تمضي حكومة “ستارمر” في استكمال الإجراءات المتعلقة بإلغاء اتفاق الهجرة مع رواندا، والتصويت على سحب قانون رواندا، وترك هذا الملف تمامًا، استجابة لطلبات المعارضين للاتفاق، وتنفيذًا لوعود “ستارمر” الانتخابية.
أما السيناريو الثاني والأكثر ترجيحًا: فيشمل البقاء على اتفاق رواندا ولو جزئيًا، فعلى الرغم من إعلان “ستارمر” عن سياسة مختلفة بعض الشيء عن سياسة حزب المحافظين في التعامل مع أزمة الهجرة، وإعلانه إلغاء سياسة رواندا، فإنه من غير المرجح أن تتخلى حكومة “ستارمر” بشكل كلي عن هذا الاتفاق في ظل المعطيات الحالية؛ حيث تتزايد المشاعر المناهضة للهجرة لدى الشعب البريطاني، خاصة بعد الاضطرابات التي شهدتها المملكة المتحدة في أعقاب اتهام مهاجر غير شرعي بقتل ثلاث فتيات صغيرات في شمال إنجلترا أواخر يوليو 2024، مما يمثل ضغطًا على حكومة “ستارمر” للإسراع في التعامل مع أزمة المهاجرين، وفي ظل تعالي الأصوات المطالبة باستكمال سياسة رواندا في أثناء الاحتجاجات، قد تتراجع حكومة “ستارمر” عن استكمال إجراءات إلغاء سياسة رواندا بشكل كامل.
فضلًا عن أن النجاح الجزئي لسياسة المحافظين والإجراءات الأخيرة التي اتخذتها قبل رحيلها للتعامل مع الهجرة في تخفيض طلبات الحصول على تأشيرة العمل في المملكة المتحدة بمقدار الثلث خلال الست شهور الأولى من عام 2024، وفقًا لإحصاءات الحكومة الرسمية الصادرة في 8 أغسطس 2024، قد يشجع “ستارمر” على الإبقاء على الجزء الأكبر من هذه الإجراءات، مما يمنح خطة رواندا فرصة أخرى لإعادة طرحها ولكن في نطاق أضيق.
بالإضافة لذلك، يؤيد “ستارمر” فكرة اللجوء إلى دولة ثالثة آمنة لإرسال طالبي اللجوء إليها لحين معالجة طلباتهم، لكن يشكك حزبه في صلاحية رواندا لهذه المهمة، ومع ذلك، قد يضطر “ستارمر” إلى اللجوء إلى رواندا في نهاية المطاف، خاصة وأنه لم يلغ قانون رواندا وإنما اكتفى بالتصريح بأنه لن يتم تطبيقه، فضلًا عن أن حزب العمال كان يدرس خطة معالجة طلبات اللجوء في الخارج كوسيلة للحد من عبور القوارب الصغيرة، وتشير تقارير إعلامية إلى أن الحزب وضع ثلاثة ضوابط لأي مخطط من هذا القبيل -أن يكون فعالًا من حيث التكلفة، وموثوقًا بما يكفي لردع المهاجرين، وأن يتجنب التحديات القانونية التي أعاقت خطة رواندا. ويذكر أن حزب العمال كان قد توصل إلى حل مماثل عام 2004 عندما كان في الحكومة، حيث قام وزير الداخلية آنذاك “ديفيد بلانكيت” بالتحقيق في إمكانية إرسال طالبي اللجوء إلى دولة ثالثة لا تبعد كثيرًا عن رواندا، إنها تنزانيا، ولكن لم يتم إبرام اتفاق آنذاك.
في غضون ذلك، إذا قررت حكومة “ستارمر” الاستعانة بسياسة رواندا فمن المرجح أن تسعى لعمل تعديلات تتماشى مع رؤية حزب العمال للتعامل مع الأزمة، وتتلافى نقاط الاعتراض الرئيسية للحزب على سياسة رواندا، وتتضمن تلك التعديلات عدم منع الأفراد تلقائيًا من المطالبة باللجوء في المملكة المتحدة، كما سيظل المسئولون البريطانيون هم المسئولين عن معالجة المطالبات بما يتوافق مع القانون الدولي، فضلًا عن إمكانية منح حق اللجوء إلى المملكة المتحدة لأولئك الأشخاص الذين تم نقلهم لبلد ثالث وتبين من فحص طلباتهم أن لديهم مطالب حقيقية للجوء. بالاضافة لذلك، تظل رواندا خيارًا متاحًا في سياق سياسة العودة الطوعية، التي تدفع بريطانيا بموجبها 3000 جنيه إسترليني لكل مهاجر أو طالب لجوء يقبل الترحيل لبلد ثالث.
ختامًا، يمثل إعلان حكومة رئيس الوزراء البريطاني الجديد “كير ستارمر” إلغاء اتفاق الهجرة مع رواندا تطورًا في سياسة الهجرة لبريطانيا، ولكن من غير المؤكد ما إذا كان هذا الإجراء قد تم اتخاذه في توقيت مناسب في ظل تفاقم أزمة المهاجرين في بريطانيا، والظروف الاقتصادية الصعبة التي تواجهها رواندا، كما أن إعلان إلغاء الاتفاق لا يعني بالضرورة إنهاء السياسة بالكامل، مما يترك الباب مفتوح أمام العديد من الاحتمالات المستقبلية للتعامل مع الأزمة.