عقد المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية يوم الإثنين 17 أكتوبر 2022 حلقة نقاشية بعنوان “آفاق وتحديات ولاية “شي” الثالثة”، وذلك يوم الأربعاء الموافق 7 ديسمبر 2022. بهدف التوصل لتحليلات أكثر عمًقا بشأن عدد من الأبعاد لسياسة الرئيس الصيني “شي جين بينغ” الداخلية والخارجية المحتملة خلال الفترة المقبلة بعد انتخابه لفترة ثالثة قد تمتد لعشر سنوات.
أدار الجلسة الدكتور “محمد كمال” رئيس برنامج العلاقات الدولية بالمركز ومدير معهد الدراسات العربية، وشارك فيها كل من اللواء “إبراهيم الدويري” نائب مدير المركز، والدكتور “عبد المنعم سعيد” رئيس الهيئة الاستشارية بالمركز، والدكتور “حسن أبو طالب” عضو الهيئة الاستشارية بالمركز، واللواء الدكتور “محمد مجاهد الزيات”، والأستاذ “أحمد عليبة” رئيس وحدة التسلح بالمركز، والأستاذ “صلاح جمعة” نائب رئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط، والسفير “مجدي عامر” سفير مصر الأسبق لدى الصين، والدكتورة “هدير طلعت” الباحثة في العلاقات الدولية والمتخصصة في الشأن الصيني، والدكتورة “هند سلطان” المحاضر بكلية الدفاع ومدرس العلاقات الدولية بالجامعة المصرية الصينية (دراسات صينية)، والدكتورة “إيمان فخري” الباحثة المتخصصة في الشؤون الآسيوية. بالإضافة إلى عدد من شباب الباحثين بالمركز.
افتتح الجلسة الدكتور “خالد عكاشة” المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، إذ أكد أن الجلسة تُعقد بالتزامن مع انطلاق أولى مسارات الحوار على مستوى القمة بين القيادة الصينية ومنطقة الخليج ومجموعة من الدول العربية في السعودية، بالإضافة إلى أن الجلسة تعمل على دراسة المتغيرات والقضايا التي شاهدها المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني وما حمله من رؤية تتعلق بالمستقبل على الصعيدين الداخلي والخارجي.
وبدأ النقاش بكلمة الدكتور “محمد كمال”، الذي أشار إلى أن الصين شريك تجاري أساسي يكاد يكون الشريك التجاري الأول للعديد من الدول العربية، وأن هناك مساحة مشتركة من القيم، في قلبها احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، كما أن هناك مساحة مشتركة بين الصين والدول العربية فيما يتعلق برؤية النظام الدولي، فالصين تقدم رؤية قائمة على التعددية في النظام الدولي ورفض فكرة الأحادية القطبية ورفض فكرة العودة للتنافس بين القوى الكبرى ورفض فكرة العودة للحرب الباردة.
وفيما يتعلق بالحديث عن “تحديات الداخل والخارج ونتائج المؤتمر الأخير للحزب الشيوعي الصيني”؛ أشارت الدكتور “هدير طلعت” إلى أن أهمية المؤتمر تنبع من كونه أهم حدث سياسي يتم فيه وضع أولويات الخمس سنوات القادمة للبلاد ومراجعة إنجازات السنوات الخمسة الماضية. كما أنه يأتي في ظل تحديات داخلية وخارجية منها تباطؤ معدلات النمو وسياسة صفر كوفيد وبداية الحرب الروسية الأوكرانية والأزمة الديموجرافية وأزمة البيئة والمناخ، وارتفاع معدلات البطالة. بالإضافة إلى اضطراب أسعار النفط وسلاسل التوريد والتحالفات الأمريكية المناوئة للصين وحصار قطاعها التكنولوجي.
ومن أهم ما ذكرته من ملاحظات حول المؤتمر العشرين للحزب؛ كان تغير الهيكل القيادي للحزب، وانتخاب لجنة مركزية جديدة، وتجاوز بعض القوانين الخاصة بمعيار العمر، وسيطرة القضايا الداخلية على جدول الأعمال. بالإضافة إلى التأكيد على مسألة التحديث العسكري الشامل والتنمية عالية الجودة عبر مبدأ “التداول المزدوج”. واعتبرت أن الصين ستكون أكثر حزمًا في القضايا الخلافية مع الغرب وعلى رأسها تايوان وتكنولوجيا الجيل الخامس وملف حقوق الإنسان، لكن دون تصادم. وستكون علاقتها مع الولايات المتحدة قائمة على ما يسمى “التنافس التعاوني”.
وبالحديث عن المحور الخاص بـ“شي جين بينج وتحولات السياسة الخارجية”، أشارت الدكتورة “هند سلطان” إلى أنه كانت هناك إشارات منذ المؤتمر التاسع عشر، بشأن اتجاه الحزب الشيوعي إلى إعلان حقبة جديدة لتصحيح الاختلالات القديمة التي نجمت عن بعض السياسات الخاصة بقادة سابقين. ومن ثم، كشف المؤتمر عما يمكن اعتباره كاستراتيجية جديدة من شأنها تعزيز الطابع الصيني، والاستناد إلى الماركسية المعاصرة وفق صبغة صينية. ورأت أنه يبدو أن هناك ثمة تغير كبير في سياسة “جين بينج” عن مؤسس الإصلاح والانفتاح “دينج شياو بينج”، بالاستناد إلى التغير في النظر إلى هوية الدولة من الدولة النامية الكبرى إلى الدولة العظمى ذات الخصائص الاستراتيجية،
وتجديد شباب الأمة الصينية، إذ ربط هذا التجديد بالأمن الوطني، مع وضع جدول زمني حتى 2049 لتحقيق الاكتفاء الذاتي بطريقة تمهد من السيطرة على تايوان بشكل سلمي. وأشارت إلى أن الخطاب حمل إشارات بشأن إقامة نظام دولي جديد، وأيضًا العمل على تطوير الجيش. وفيما يتعلق بتايوان، فقد استخدم اللغة الناعمة في الغالب، لكنه لم يستبعد استخدام القوة ضد المجموعات التي ترفض التوحيد.
وذكرت الدكتورة “إيمان فخري” مجموعة التحديات التي تواجه “شي” خلال الولاية الثالثة أثناء تناولها للمحور الذي حمل عنوان “التحولات الاقتصادية داخليًا وخارجيًا”. إذ رأت أن هناك توجه بدعم الشركات المملوكة للدولة على حساب القطاع الخاص وهو ما سيؤدي لتخوفات استثمارية كبيرة للمستثمرين في الداخل والخارج. بالإضافة إلى الاتجاه لفصل بين الاقتصاد الصيني عن الاقتصاد العالمي بما اعتبرته “ردة” عن الانفتاح الاقتصادي المعهود منذ عهد “دينج شياو بينج”، كما أن “شي” يتجه بشكل أكبر إلى الاعتماد على الذات خاصةً في المجال التكنولوجي. من التحديات التي تم ذكرها أيضًا كانت سياسة “صفر كوفيد” والموجة الحارة والجفاف غير المسبوقة التي أثرت سلبًا على عملية الإنتاج. بجانب زيادة عدد المتقاعدين في مقابل تراجع عدد المواليد. كما أن البعد الخارجي يمثل تحديًا من خلال التوترات الجيوسياسية مع الولايات المتحدة وتايوان.
وارتباطًا بمسألة التحديث العسكري الشامل في الصين؛ أشار الأستاذ “أحمد عليبة” إلى أن مصطلح التحديث الشامل هو مصطلح سياسي إعلامي أكثر من كونه مصطلح فني، ومن المرجح أن مخرجات المؤتمر كانت أكثر دقة من هذا السياق، وذلك لأن البند الذي ذكر فيه القوة العسكرية كان هو إعادة بناء القوة. ويمكن رؤية إعادة بناء القوة عبر أكثر من منظور: فيما يتعلق بعملية إعادة التسلح الحالية في هيكل القوة العسكرية الصينية نجد أنها عملية تسلح جديدة تمامًا وتعتمد على التسلح الاستراتيجي بشكل أساسي. وتضع الصين مفهوم القوة الذكية في إعادة بناء القوة العسكرية،
كذلك، تضيف الخبرات المدنية خبرات جديدة للقوة العسكرية الصينية غير موجودة لدي المؤسسات العسكرية. بالإضافة إلى أن معدل التراكم في بناء القدرات النووية الصينية أسرع من نظيرتها الأمريكية، وتنتهج الصين بشكل معلن سياسة الردع النشط، بينما تنتهج الولايات المتحدة سياسة الردع الاستباقي. ورأى أن هناك نقطة تحول في الفكر العسكري للصين والمؤسسة العسكرية الصينية، فلم يتم اختبار القوة الصينية بشكل حقيقي بعد، ولكنها لا تريد وضع نفسها في اختبار كروسيا والولايات المتحدة، ولكن ما يهمها هو تحقيق القوة العسكرية، فالصين لا تريد التمدد عالميًا كالولايات المتحدة ولكن ما يهمها هو حسابات التمدد في البيئة الاستراتيجية في الساحة الآسيوية بشكل أساسي.
وفيما يخص “العلاقات مع المنطقة العربية في ضوء انعقاد القمة الصينية العربية الأولى”، أشار الدكتور اللواء “محمد مجاهد الزيات” إلى أن هناك صين جديدة في تعاملها الخارجي، لكنها لا تزال تعتمد على التجارة في علاقتها بالعالم العربي. كما أنه من الملاحظ أن الصين تأخذ مواقف مع دول لديها قضايا متناقضة، فللصين علاقات قوية مع أثيوبيا ومصر، وعلاقات قوية مع الجزائر والمغرب على سبيل المثال. وأشار إلى أن الصين تعتمد على تبادل تجاري مع دول غنية نفطية، بينما نجد أن موازين التبادل التجاري مع الدول الأخرى متدنية لصالح الصين وليس لصالح هذه الدول،
فهي لا تخدم التنمية في الدول الأقل نموًا أو الدول غير النفطية الموجودة في تلك المنطقة. واعتبر أن الصين لن تقدم أمن كما تقدمه الولايات المتحدة، ولكن الاندفاع الصيني نحو المنطقة مرتبط بتطورات البيئة الدولية وزيادة الحصار المفروض على الصين، والتمدد الغربي في المناطق المحيطة بها في بحر العرب والتحالفات التي تقام في بحر الصين. وأكد على أنه لا يمكن استبدال الولايات المتحدة أو الدول الغربية بالصين، لأن ما تقدمه الولايات المتحدة والدول الغربي للمنطقة يتجاوز كل ما قدمته وما تطرحه الاستراتيجيات الصينية للمنطقة. وبالتالي لن تكون الصين بديلًا عنهم بالمنطقة، كما أن دول المنطقة أنفسهم لا يسعون إلى طلب هذا البديل.
من جانبه، رأى السفير “مجدي عامر” أن الفكر الصيني يقوم على تعزيز التجارة والاستثمار، وقليل من السياسة، ونادر من الأمن، وفيما يتعلق بالقمة العربية الصينية، يتضح أن هناك احتياج من الطرفين لبعضهما البعض؛ فالصين ليست فقط بحاجة لطاقة، لكنها أيضًا بحاجة إلى دعم في قضاياها (تايوان، شينجيانج، هونج كونج، التبت، حقوق الإنسان). وتعد أحد أهم أسباب التطور في العلاقات بين العرب والصين هو التطور في العلاقات البينية بين مصر والصين من جانب، والصين والسعودية من جانب آخر.
وقد دارت المداخلات خلال الحلقة حول التأكيد على أن الصين تحتاج بحث أكبر في نقاط التأثير داخل النظام الصيني، إلا لو كنا نتحدث عن تأثير شخص واحد مماثل ل “ماو تسي تونج” وهنا لا نتحدث عن رئيس للدولة وإنما يكون هو أقرب إلى إله، هل أصبح “شي جين بينج” قريبا من هذا. وهنا ينبغي البحث عما الذي يعتمد عليه، هل هناك قوة أمنية تتدخل، هل يعتمد على أقاليم معينة داخل الصين، ما هي أسباب هذه القوة المفاجأة، وهذا انطلاقًا من أن رصدنا للتغيرات يأتي بعد وجوده عشر سنوات بالسلطة. وأن السؤال الملح الذي يجب وضعه في الاعتبار، هل سيؤدي التركيز على الداخل الصيني إلى توجيه الاستثمارات الصينية للداخل؟، وهناك حاجة ملحة أيضًا إلى ضرورة مراجعة مسألة الديون التي تربط أفريقيا بالصين، بالاستناد إلى أن هناك تعاون مزمع مع المغرب والجزائر وليبيا وفق هذه المعادلة، وهي المسألة التي ساهمت في تحويل الأصول الوطنية في بعض الدول لملكية الصين بسبب هذه السياسة. كما تعمل الصين على تطوير قدراتها لفرض عقوبات، وهو ما ظهر في سن قانون للعقوبات في عام 2021 لمواجهة الضغوط المفروضة عليها في التجارة والتكنولوجيا، بجانب الفرض الفعلي لعقوبات على دول مثل ليتوانيا وبعض جزر المحيط الهادئ لمواقفها تجاه تايوان.
يؤمن “شي جين بينغ” بفكرة أساسية وهي مركزية الحزب، ولكن له تصور معين للحزب منطلق من فكرة عدم تكرار تجربة انهيار الاتحاد السوفيتي، وأيضًا في علاقته مع الولايات المتحدة، فهو لا يرغب في الدخول في صدام معها كما فعل الاتحاد السوفيتي الأمر الذي أسهم في انهياره لاحقًا. وفيما يتعلق بمسألة الحياد الصيني في أوكرانيا، هو ليس حياد وإنما استمرار لسياسة التوازنات. توازن معين مع روسيا في مقابل توازن أخر مع الولايات المتحدة. وفيما يتعلق بالاحتجاجات، فهي احتجاجات حقيقية والرئيس الصيني كان في لقاء مع أحد الضيوف الأجانب وتحدث لأول مرة عن هذه الاحتجاجات وأنها احتجاجات قوية ولكنه ربطها بموضوع القيود على كورونا.
واختُتمت الحلقة بأن الصين تقدم نفسها بشكل جديد وبصورة جديدة في ظل الولاية الجديدة والفلسفة التي يتبناها “شي”، وهو ما دفع المركز المصري للتركيز عليه وتفكيك التحولات العالمية مع العمل على تقديم رؤى بشأن تطور العلاقات مع الصين سواء على مستوى العلاقات الثنائية أو مع المنطقة ككل لتحقيق أكبر قدر من المصالح للمنطقة ودولها. وكذا، البحث في أسئلة أكثر تعقيدًا وأكثر استشرافًا تناسب التعامل مع دولة بحجم الصين داخليًا وعلى الصعيد الدولي.