خلال العام الحالي، أصدر السيد الرئيس القرار رقم 141 لسنة 2023 بتشكيل المجلس الأعلى للاستثمار وتحديد نظام عملة، وقد تم إعادة تشكيل ذلك المجلس ليتضمن السيد رئيس الجمهورية والسيد رئيس مجلس الوزراء والسادة الوزراء ورؤساء الهيئات المسؤولين عن إدارة الملفات الاقتصادية بالبلاد بالإضافة إلى رئيس مجلس إدارة اتحاد الصناعات المصرية (ممثل للقطاع الخاص) ورئيس الاتحاد المصري لجمعيات ومؤسسات المستثمرين، وقد شهد شهر مايو من عام 2023 انعقاد الاجتماع الأول للمجلس الأعلى للاستثمار وقد شهد ذلك الاجتماع عدد 22 قرارا بهدف تحسين بيئة الأعمال بمصر.
تناول ذلك الاجتماع تأكيد السيد الرئيس على حرص الدولة على اتخاذ إجراءات وخطوات حاسبة بهدف تحقيق طفرة حقيقية في عملية جذب وتشجيع الاستثمار المحلى والأجنبي والقضاء على العقبات البيروقراطية، بهدف تحقيق تنمية اقتصادية شاملة، وقد شهد الاجتماع إصدار 22 قرارا في مختلف القطاعات بالبلاد استهدفت تحقيق خفض تكاليف تأسيس الشركات وتسهيل تأسيسها، والتي تشمل المدد الزمنية لاستخراج التصاريح اللازمة للتأسيس وتوفير الأراضي والتوسع في إصدار الرخص الذهبية، بالإضافة إلى تشجيع الشفافية والحياد التنافسي بالسوق، وتسهيل توفير مستلزمات الإنتاج وخفض تكاليف العملية التشغيلية من خلال خفض الأعباء المالية والضريبية على المستثمرين، وتوسيع اختصاصات المحاكم الاقتصادية وتوفير حوافز مكثفة لتسهيل الاستثمار بالقطاع الزراعي والصناعي والطاقة.
تأسيس الشركات
تم تعديل المادة رقم 34 في قانون الاستثمار 72 لسنه 2017، والتي كانت تنص على “لا يجوز الترخيص بإقامة مشروعات بنظام المناطق الحرة في مجال تصنيع البترول، وصناعات الأسمدة، والحديد والصلب، وتصنيع وتسييل ونقل الغاز الطبيعي والصناعات كثيفة استخدام الطاقة التي يصدر بتحديدها قرار من المجلس الأعلى للطاقة، وصناعات الخمور والمواد الكحولية، وصناعات الأسلحة والذخائر والمتفجرات وغيرها مما يرتبط بالأمن القومي.” حيث سمح ذلك التعديل بالترخيص لمشروعات الصناعات القائمة على الغاز الطبيعي كإحدى مدخلات الإنتاج للعمل بنظام المناطق الحرة.
وقد تم إصدار قرار يعمم على كافة الجهات الحكومية المرتبطة بتأسيس الشركات أن يكون المدى الزمني للوفاء بكافة الموافقات اللازمة 10 أيام عمل ولمرة واحدة عند التأسيس، مع توجيه الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة بالتعاون مع كافة الجهات المعنية (جهات إصدار التراخيص) لإنشاء منصة إلكترونية موحدة لتأسيس وتشغيل وتصفية المشروعات، الأمر الذي استتبع معه تعديل قانون التوقيع الإلكتروني (قانون رقم 15 لسنة 2004) وإحالته للبرلمان للموافقة عليه. من جانب آخر فقد صدر قرار بالتوسع في إصدار الرخص الذهبية وعدم قصرها على الشركات التي تؤسس لإقامة مشروعات استراتيجية وقومية، والذي تطلب تعديل المواد أرقام 40 و 41 و 42 المنظمة للرخصة الذهبية بقانون الاستثمار لعام 2017. هذا إلى جانب دراسة تعديل 9 مواد من قانون المناطق الاقتصادية ذات الطبيعة الخاصة قانون رقم 83 لسنة 2005، بهدف استحداث عدد من المواد الإضافية التي تتيح منح مزايا وإعفاءات للمنطقة الاقتصادية، أما فيما يتعلق بتخصيص الأراضي فقد صدر قرار المجلس الأعلى للاستثمار بتكليف وزارة العدل بمجموعة من التعديلات التشريعية التي تذلل عقبات تملك الأراضي وتسهيل ملكية الأجانب للعقارات.
تعزيز التنافسية
كلف مجلس الوزراء بدراسة نقل تبعية الأجهزة والجهات الحكومية المنظمة للمرافق الخاصة بتلك الأراضي لضمان استقلالها بهدف الفصل بين الملكية والإدارة في قطاعات الدولة، وكذا الموافقة على مشروع قرار بإجراء تعديلات على بعض المواد القانونية التي تمنح معاملة تفضيلية للشركات والجهات المملوكة للدولة بهدف دعم التنافسية بالسوق المصرية. وقد تمت الموافقة على مشروع قرار بإنشاء وحدة بمجلس الوزراء تتولى جمع بيانات الشركات المملوكة للدولة واتخاذ ما يلزم نحو إعادة هيكلة تلك الشركات سواء بالتخارج منها أو نقل تبعيتها من جهة إلى أخرى، على أن ترفع قراراتها للسيد رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء بشكل ربع سنوي، كما تمت الموافقة على مشروع قرار لتعزيز قواعد الحوكمة والشفافية بالشركات المملوكة للقطاع العام.
ولتسهيل بيئة الأعمال ومعالجة صعوبات الاستيراد الخاصة بمستلزمات الإنتاج فقد تمت الموافقة على تعديل القانون رقم 7 لعام 2017 حيث سمج التعديل بقيد المستثمر الأجنبي بسجل المستوردين حتى لو كان غير مصري ويمتد ذلك السماح لمدة 10 سنوات الأمر الذي يساهم في تسهيل العملية الاستيرادية بالنسبة للمستورد الأجنبي. وقد تم اعتماد عدد من الحوافز الداعمة لعدد من القطاعات والمشروعات التي تتعلق بالقطاع الزراعي والصناعي والطاقة وإنتاج الهيدروجين الأخضر، بالإضافة إلى قطاع الإسكان وما يخص المطورون العقاريون والمشروعات الاستثمارية بالمدن الجديدة، وكذلك النقل فيما يتعلق برسوم التصدير والجمارك.
خفض الأعباء المالية
تمت الموافقة على مشروع قرار بحصر صلاحية إصدار القرارات التنظيمية المتعلقة بالأعباء العامة في يد كل من مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار، واشتراط موافقة مجلس الوزراء والمجلس الأعلى للاستثمار على تلك القرارات، وتشمل تلك القرارات أي موضوعات تتعلق بفرض أعباء مالية أو إجرائية تتعلق بإنشاء أو تشغيل مشروعات. من جانب آخر وفي نفس السياق الخاص بخفض الأعباء المالية والضريبية فقد تمت الموافقة على مشروع قانون تنظيمي يحدد ضوابط فرض رسوم التحسين طبقا للقوانين المنظمة، وأسس احتساب كل حالة والنظر في عمل تصنيفات القيم المطلوبة وفقا للغرض الاستثماري سواء صحي أو سياحي أو فندقي على أن يتم تعميمه على جميع الجهات الإدارية، وهو الأمر الذي ينهي تعدد جهات السداد لرسوم التحسين من جانب المستثمر.
أما عن ما كان يتم اتباعه سابقا والذي يخص الفصل بين مستحقات المستثمرين لدى وزارة المالية وبين التزاماتهم الضريبية إليها، إذ كان وعدم إمكانية إجراء مقاصة بين المستحقات والالتزامات والذي كان يتسبب في زيادة التكاليف على المستثمرين، فقد تمت الموافقة على قرار تلتزم فيه وزارة المالية باستحداث نظام مقاصة بين مستحقات المستثمرين وما عليهم من أعباء ضريبية أو غيرها لصالح الجهات الحكومية مع وضع مدى زمني بحوالي 45 يوم لضمان الإسراع في رد ضريبة القيمة المضافة وتسهيل الإجراءات. وتم تكليف وزارة العدل بإصدار قرار تنظيمي بضوابط واضحة لتحديد مدى زمني محدد لتعويض المستثمرين في حالات نزع الملكية بما لا يزيد عن ثلاثة أشهر مع إلزام الجهات الإدارية بتكثيف التفاوض مع المستثمرين على التعويضات الملاءمة.
وشملت قرارات خفض الأعباء المالية على المستثمرين قرار بتكليف وزارة العدل بسرعة الانتهاء من تعديلات قانون تحويل الأرباح للشركات القابضة والتابعة بما يضمن تخفيف الأعباء الضريبية وتجنب الازدواج الضريبي، والانتهاء من تعديل قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم 13 لسنة 1968 بالشكل الذي يسمح برفع الاختصاص القيمي للمحاكم الاقتصادية الجزئية وتوسيع نطاق اختصاصها الموضوعي لفض النزاعات التجارية مع رفع نصاب عدم الطعن، بما يعزز آليات تسويات النزاعات التجارية ومن ثم تسريع إنفاذ العقود.
من جانب آخر ولتحقيق استقرار كبير في بيئة الاستثمار المصرية فقد تمت الموافقة على مشروع قرار بالإسراع في إعلان وثيقة السياسات الضريبية للدولة لفترة الخمس سنوات المقبلة بهدف إنهاء مشكلة عدم استقرار التشريعات الضريبية وتعدد الجرعات المنوطة بفرض رسوم إضافية على الجهات المختلفة وتوفير رؤية واضحة للمستثمرين حول الخمس سنوات المقبلة.
الاستعانه بالخبرات الدولية
تناول الاجتماع أيضا مشروع قرار يهدف إلى توسيع التعاون مع المؤسسات الدولية بهدف الاستفادة من مؤسسة التمويل الدولية IFC الذراع الاستثماري للبنك الدولي، والتعاقد مع مكتب استشاري عالمي لوضع رؤية تشاركية واضحة للاستثمار في مصر، واتخاذ اللازم نحو العمل على تحسين ترتيب مصر في مؤشر سهولة ممارسة الأعمال خلال السنوات المقبلة، لتحقيق المستهدف القومي برفع معدلات الاستثمار إلى ما يتراوح بين 25 % إلى 30 %. أما عن تعزيز سوق الشركات الناشئة بمصر فقد تقرر إنشاء وحدة بمجلس الوزراء برئاسة الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار، تختص بوضع السياسات والقوانين واللوائح المناسبة لنمو وازدهار الشركات الناشئة في مصر وكذا تلقي شكاوى الشركات الناشئة بالتنسيق مع وحدة حل مشاكل المستثمرين ووضع حلول ملاءمة لكل منها بالتنسيق مع جهات الاختصاص.
ينظر لتلك الإجراءات السابقة التي تم اتخاذها (22 قرار ) والتي تتناول تسهيل عملية دخول وخروج المستثمرين الأجانب لمصر، وتستهدف خفض عدد الإجراءات اللازمة لاستيفاء المتطلبات القانونية لتأسيس الشركات ووضع مددا زمنية للانتهاء من تلك الإجراءات، وإنهاء حالة الفوضى الكبيرة في التي تشهدها ساحة فرض الرسوم والضرائب الأعباء المالية في الجهات الحكومية وتوحيد ذلك القرار في يد مجلس إدارة الهيئة العامة للرقابة المالية وموافقة مجلس الوزراء والمجلس الأعلى للاستثمار، من جانب آخر فإن تعزيز خدمات التحول الرقمي في ذلك المجال سيعزز من إمكانية إنهاء كافة الأعمال الخاصة بتأسيس الشركات وسداد رسوم التأسيس والضرائب المتعلقة بها من خلال المنصات الإلكترونية وفي وقت قياسي. من جانب آخر ولغرض التسويق للمناخ الاستثماري بمصر وحيث إن المستثمرين الأجانب يعتمدون على التقارير البحثية الصادرة من مؤسسات الاستثمار الدولية، وعلى المؤشرات الدولية التي تحلل مدى سهولة ممارسة الأعمال في مصر مثل ذلك التقرير الصادر عن البنك الدولي والذي يحمل عنوان “Doing Business”، فإن ذلك النهج في التعاطي مع ملف الاستثمار بمصر يمثل مخاطبة المستثمرين باللغة التي يفهمونها، وأخيرا فإن قرار المجلس الأعلى للاستثمار بالإسراع في الإعلان عن وثيقة السياسات الضريبية للدولة لفترة الخمس سنوات المقبلة توفر رؤية عن مناخ ممارسة الأعمال بمصر والتكاليف التي تتحملها الشركات للعمل بالسوق المصري، وتجنبهم أي تغيرات ضريبية محتملة من شأنها أن تعوق العملية الاستثمارية بمصر.
نائب رئيس وحدة الاقتصاد ودراسات الطاقة