بغرض مناقشة الأزمة في السودان وإيجاد مسارات لتسوية الصراع، تستضيف القاهرة في 13 يوليو 2023، قمة مصغرة تضم دول جوار السودان: ليبيا، تشاد، جنوب السودان، إريتريا، إثيوبيا، وأفريقيا الوسطى. ترغب مصر في أن تفتح قمة القاهرة مسارات فاعلة لإنهاء الصراع الحالي بين كل من الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع، كما يناقش المشاركون في المؤتمر الانعكاسات والتداعيات السلبية للأزمة على دول جوار السودان، وعلى رأسها تدفق النازحين، والأبعاد الجيوستراتيجية والجغرافية للأزمة وتأثيرها على دول الجوار، وخطرها على تمدد الصراع إلى هذه الدول، بالإضافة إلى التنسيق والتشاور مع المسارات الإقليمية والدولية الأخرى التي تتعلق بتسوية الأزمة في السودان.
أهمية قمة القاهرة لدول جوار السودان
تأتي أهمية الاجتماع في وقت تتفاقم فيه الأوضاع في السودان، حيث يحتدم الصراع بين طرفي الأزمة، وتترك آثارًا كارثية على الأوضاع الداخلية، فضلًا عن تأثيراتها الخارجية الممتدة، كما تأتي في وقت تخفق فيه مسارات ومبادرات التسوية، بما في ذلك الوساطات الإقليمية والدولية، إذ لم يلتزم أي من طرفي الصراع بالهدنة المأمول أن تكون مقدمة لتهدئة الأوضاع وبحث مخارج للأزمة؛ حيث أسفرت المحادثات التي عُقدت في جدة بالمملكة العربية السعودية عن سلسلة من الهدنات لوقف إطلاق النار انتهكها الجانبان باستمرار، وهو ما دفع واشنطن والرياض الشهر الماضي لتعليق المحادثات والبحث عن صيغة أكثر فاعلية للمفاوضات. ومن جانبه، أعلن المتحدث العسكري أن الجيش السوداني علّق مشاركته في المحادثات، وهو أمر مقلق حيث تتفاقم الأزمة، ولا توجد آلية لاحتوائه.
وتخشى دول جوار السودان من أنّ الأزمة لم تعد داخلية بقدر ما أصبحت ترتبط بأجندات إقليمية ودولية تستهدف إحداث تغييرات جيوسياسية قد تطال دول جوار السودان بكاملها، حيث فتح الصراع الفرصة ليتحول السودان لتنافس أجندات بين القوى الإقليمية والقوى الدولية المتنافسة، ومن ثمّ جاء اهتمامها بإيجاد مسارات للتسوية. من هذا المنطلق دعت القاهرة إلى بناء موقف موحد من جانب دول جوار السودان باعتبارها الأكثر ارتباطًا بالأزمة والأكثر تأثرًا بها بل والأكثر تأثيرًا عليها، ويمكن أن يمهد هذا الموقف الموحد الطريق نحو إيجاد صيغة يمكن من خلالها معالجة الأزمة.
وتبدو أهمية اجتماع القاهرة في أنه يجسد الدور الفاعل لمصر في الأزمة السودانية، وهو دور يستند إلى عوامل جغرافية وتاريخية وعلاقات وثيقة مع السودان ومع جميع دول المنطقة، فضلًا عن أنه دور متجرد تمامًا من محاولة إحراز مكاسب سياسية، وهو دور يمهد الطريق لمصر للعب دور بارز في جهود تسوية الأزمة. فلا شك أن مصر تُعد فاعلًا مهمًا ومؤثرًا وأن دورها يمكن أن يُحدث فارقًا، لأنه بالأساس يستهدف الحفاظ على الدولة السودانية ودعم الاستقرار والأمن الإقليمي، بعيدًا عن منطق التوظيف ومحاولات استثمار الأزمة في غير صالح السودان وشعبه وغير صالح دول المنطقة وشعوبها وأمنها القومي.
>> البيان الختامي لقمة دول جوار السودان
أهداف قمة القاهرة لدول جوار السودان
على رأس أولويات القادة في القاهرة في قمة جوار السودان إيجاد سبل لإنهاء الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، فضلًا عن بحث آثار الصراع على جيران السودان، لا سيما أن الأزمة تُلقي بظلالها على أمن واستقرار هذه الدول بصورة مباشرة، إذ لجأ ما يقرب من 700 ألف إلى الدول المجاورة للسودان، وفر أكثر من 250 ألفًا عبر الحدود إلى مصر، التي يقطنها بالفعل قبل الأزمة مجتمع سوداني يقدر بنحو 4 ملايين، ووصل معظم الباقين إلى تشاد وجنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى، وقد سبق وحذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش يوم الأحد من أن السودان على شفا حرب أهلية واسعة النطاق يمكن أن تُزعزع استقرار المنطقة بأسرها، وهو ما يعطي لهذه القمة أهمية خاصة.
كذلك، ستسعى إلى وضع آليات فعالة لتسويته سلميًا بالتنسيق مع المسارات الإقليمية والدولية الأخرى، فالمسار الذي سينبثق عن قمة القاهرة لا ينافس المسارات الأخرى، سواء تلك المتعلقة بمفاوضات جدة، أو جهود منظمة الإيجاد، ولكنه مكمل لها جميعًا؛ إلا أنه يشكل إطارًا أكثر شمولًا واتساعًا. فليس من الممكن تخيل أزمة في السودان على هذا المستوى بدون مشاركة مصر، وهي التي تعتبر أمن السودان جزءًا من أمنها القومي، بالإضافة إلى ذلك ترتبط الدولتان أيضًا بروابط اجتماعية وثقافية واقتصادية تعود إلى قرون، كما أن مصر لعبت دورًا تاريخيًا كبيرًا في جميع أزمات السودان، وأسهمت في معالجة كثير من الأزمات، ولها رصيد كبير من القوى الناعمة على الصعيد السوداني سواء بين الجهات الرسمية أو الشعبية.
ومن المحتمل أن تظهر قضايا أخرى على أجندة المؤتمر، مثل مناقشة استراتيجية التهدئة بين طرفي الصراع، فضلًا عن التمهيد لخارطة طريق تقود في نهاية المطاف إلى تسوية سلمية للأزمة، ومناقشة التداعيات المحتملة لحالة عدم الاستقرار في الإقليم نتيجة للحرب الدائرة في السودان، والعمل على معالجة التوترات المتصاعدة، ومن ثم إعادة الاستقرار في السودان، ومناقشة التصاعد المقلق في العنف الاجتماعي والإثني، والعمل على وضع حد لخطورة الأوضاع الإنسانية المتردية، ومساعدة السودان للتغلب على التحديات الداخلية نتيجة للاقتتال الدائر حاليًا، وتمهيد الطريق لإنهاء الأزمة نهائيًا، وكذلك التركيز بشكل رئيسي على إنهاء القتال وإعادة الاستقرار إلى المنطقة، والوقف الفوري للأعمال العدائية، لكى لا يؤدي إلى تفاقم الصراع وإطالة أمده.
ولا شك أن دول جوار السودان تمتلك أوراق ضغط مؤثرة على طرفي الصراع في السودان، ليس فقط عبر الحدود المشتركة، ولكن أيضًا من العلاقات التي تربط تلك الدول بأطراف الصراع، كما أنها أكثر ارتباطًا بالأزمة، وتتلقى تداعيات مختلفة تهدد أمنها واستقرارها، ومن ثم فإن جهودها يمكن أن تسهم في معالجة الأزمة الحالية، وأن تضع إطار عمل من أجل تفادي تفاقم الصراع، أو الانخراط به بصورة سلبية، وبلورة وجهة نظر واحدة تجاه الأزمة بما يساعد على التسوية.
ومع ذلك، هناك تحديات أمام القمة، حيث تتضارب أجندات الدول المشاركة في القمة، فهناك خلافات عميقة بين عدد من الدول المشاركة، كما أن مصالحها في الأزمة متباينة، ولديها علاقات مختلفة مع طرفي الأزمة في الداخل، ومن ثم فإن القاهرة سيقع على عاتقها أن تتجاوز بدبلوماسيتها الفاعلة كل هذه الإشكاليات والتحديات، وأن تخلق مسارًا جديدًا فاعلًا من أجل معالجة الأزمة.