مقدمة
قضية التغير المناخي تزداد أهمية مع مرور الوقت بسبب شدة دمار الظواهر الطبيعية، ففي خلال يومين فقط كانا الفصل بين كارثتين طبيعيّتين هزّتا العالم العربي، ووجهتا إنذارًا شديد اللهجة إلى بقية دول العالم. إذ لم يكد المغرب يستوعب صدمة الزلزال المروّع الذي ضرب أراضيه، حتى فُجعت ليبيا بعاصفة سرعتها تفوق ٧٠ كم تسبّبت بفيضانات تُعدّ الأسوأ في القرن الـ21، وما حدث في المغرب وليبيا أعاد تشكيل جغرافيا المدن المغربية والليبية، ليصبح اقتصاد البلدين تحت ضغوط ما بعد الكارثة، والسؤال المطروح حاليًا: ما هي أبرز الخسائر الاقتصادية التي ستتكبّدها الدولتان؟
المغرب
في يوم 8 سبتمبر، ضرب زلزال بلغت قوته نحو 7 درجات عدة مدن، يُعد ذلك الزلزال هو الأسوأ في المغرب منذ عقود، وتسبب في موت الآلاف، بالإضافة إلى ضربته التي أصابت الاقتصاد المغربي الذي يعاني من ارتفاع التضخم لمستويات قياسية، وخفض كل من “بنك المغرب وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي” توقعاتهم للنمو الاقتصادي العام الجاري إلى حوالي 3 بالمائة، ذلك بسبب أثر الجفاف على الفلاحة (قطاع الزراعة) والتضخم على الاستهلاك، بالإضافة إلى التداعيات الاقتصادية للحرب الروسية الأوكرانية. وحاليًا ازداد الوضع سوءًا، فمن المتوقع أن تضيف تداعيات الزلزال مزيدًا من التحديات الإضافية على اقتصاد البلاد.
الخسائر المباشرة
تعد الخسائر المباشرة هي المتعلقة بحجم الدمار الذي لحق بالمناطق المتضررة والبنية التحتية، وتشير التقديرات الأولية إلى أن الزلزال دمر نحو 500 مدرسة بالكامل، هذا بالإضافة إلى طرقات ومستوصفات وشبكات إنارة وهاتف نقال، بالإضافة إلى الخسائر التي حدثت بنحو 40 منطقة وتمس تقريبًا 600 ألف وحدة سكانية، ولكن هناك تكلفة أخرى وهي عملية إعادة إعمار المناطق التي ضربها الزلزال في المغرب التي ستحتاج حوالي 5 أو 6 سنوات لإعادة إعمارها بحسب المؤشرات الأولية، وكشفت تقديرات هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية أن المغرب يواجه خسائر محتملة تصل إلى 8 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي إثر الزلزال المدمر الذي ضرب مناطق متفرقة من البلاد، ومن المرجح أن تصل الخسائر إلى ما يقرب من 10 مليارات دولار.
وسيكون التأثير الاقتصادي الأكبر للزلزال هو تأثير الإنفاق الحكومي في حالات الطوارئ. وأعلنت الحكومة يوم الخميس 14 سبتمبر عن إجراءات نتوقع أن تمثل إنفاقًا إضافيًا بقيمة 9.1 مليارات درهم، أي ما يعادل 2.2٪ من النفقات في موازنة 2023. والتأثير الناتج على إجمالي الدين الحكومي طفيف، فهو سيحرك نسبة الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي من 90.9% إلى 91.6%. ووافق صندوق النقد الدولي على خط ائتماني مرن بقيمة 5 مليارات دولار للمغرب في أبريل، مما يعني أن الدين الإضافي لن يحمل تكلفة عالية في الفائدة.
الخسائر غير المباشرة
تعد الخسائر غير المباشرة هي الناجمة عن تأثر قطاعات رئيسية، وكان أكثر المتضررين من القطاعات هو قطاع السياحة، حيث يتزامن حدوث الزلزال مع ذروة موسم السياحة، علمًا بأن القطاع كان قد شكّل أكثر من 10 بالمائة من النشاط الاقتصادي وإجمالي العمالة قبل جائحة كورونا، ويعد قطاع السياحة مصدرًا مهمًا للعملة الصعبة في البلاد، وحقق انتعاشة قوية في النصف الأول من العام الجاري، حيث وصلت إيراداتها إلى نحو 4.8 مليارات دولار بزيادة 69 بالمائة عن النصف الأول من العام الماضي، و43 بالمائة عن النصف الأول من عام ما قبل الجائحة، وذلك بعد الارتفاع الملحوظ في عدد السياح الوافدين إلى الدولة المغربية البالغ عددهم 6.5 ملايين سائح في نهاية يونيو، وإذا افترضنا أن النصف الثاني من العام كان سيحمل عدد سياح كما الأول، فإن متوسط الخسارة الممكنة تصل إلى 3 مليارات دولار.
ليبيا
تسببت عاصفة “دانيال” في حدوث خسائر كارثية في الشرق الليبي، حيث أدت الفيضانات التي ولدتها العاصفة إلى تدمير السدود وجرف أحياء بأكملها في مدن ساحلية متعددة، خصوصًا أن انهيار السدود في درنة أدى إلى تفاقم الأزمة بشكل كبير، خاصةً أن هذه السدود كانت تحتجز كميات من المياه، إضافةً إلى الكميات الكبيرة من الأمطار التي تساقطت بسبب الإعصار. وقد كشف الإعصار الذي شهده شرق ليبيا ضعف البنية التحتية للبلاد، وسط شكاوى المواطنين من سوء الخدمات اليومية على غرار قطاعات الكهرباء والطاقة والنقل، والمياه، والصحة، والتعليم.
الخسائر المباشرة
كان قطاع البناء والبنية التحتية في مقدمة الدمار، حيث وقع انهيار آلاف المنازل والمنشآت، ثم تلا ذلك القطاع الزراعي والثروة الحيوانية من خلال تجريف مساحات شاسعة من الأراضي. كذلك كان لممتلكات المواطنين من سيارات ومتاجر وغيرها نصيب كبير من المأساة، حيث اختفى 25٪ من مدينة “درنة”، وغرق الكثير من المناطق السكنية، وانهار بعض المباني، كما تعرض نحو 15 ألف مسكن في درنة فقط للضّرر الجزئي والكلّي، منها 4 آلاف منزل دمّر بالكامل، والباقي تضرر جزئيًا، بالإضافة إلى أن الحكومة الليبية أعلنت أنّ مدينة درنة مدينة منكوبة، مما يعني أن الدمار فاق 60٪ منها، حيث إن العاصفة غيرت ملامح المدينة بأكملها، وانقسمت إلى شرق وغرب.
الخسائر غير المباشرة
يمكن تصنيف الخسائر غير المباشرة على أنها الخسائر المترتبة على توقف الأعمال بالمدينة، ويعتبر الموقع الجغرافي لمدينة درنة في امتداد السهل الأخضر الخصب مقرًا تجاريًا لنشاط الزراعة والمراعي الخضراء والتجارة، وتعتبر أهم منطقة تجارية بدرنة هي سوق “الظلام” الذي يعتبر قمة المركز التجاري للمدينة، ويضم عددًا كبيرًا من محال بيع الذهب والساعات والأقمشة والملابس والأحذية، توقفت تلك التجارة نتيجة لعاصفة دانيال التي قضت على تلك المباني العتيقة، كما تم خسارة ما يزيد على 30 ألف رأس من الأغنام والمواشي، وتعرّضت 10 مناطق زراعيّة في مناطق الشرق لخسائر بنسبة 30%.
تمتلك ليبيا 7 موانئ نفط، وقد تسببت العاصفة في غلق بعض الموانئ، وتضم قائمة الموانئ المتوقفة كلًا من رأس لانوف والزويتينة والبريقة والسدرة والحريقة. وتعتمد ليبيا التي تملك أكبر احتياطات النفط في إفريقيا بشكل كبير على عائدات صادراتها من الطاقة، وبلغ إجمالي إيرادات ليبيا من النفط حوالي 6.95 مليارات دولار في النصف الأول من 2023، وتعد أكثر الدول تضررًا من تعطل الموانئ هي الدول الأوروبية والصين، فضلًا عن قرار الأوبك بخفض إنتاجها من النفط، مما يعني أن العالم سيشهد موجة تضخمية في أسعار الوقود.