جاءت المفاوضات في عدد من القضايا المناخية المهمة والعالقة منذ سنوات في كوب 28 بنتائج مهمة يمكن أن تحدث فارقًا في مسارات العمل المناخي، وعلى رأسها تفعيل صندوق الخسائر والأضرار، واتفاق الإمارات للتخلص من الوقود الأحفوري، واتفاق بشأن خفض انبعاثات الميثان، بالإضافة إلى 11 إعلانًا واتفاقًا تم إقرارها للمرة الأولى في مجالات الصحة والغذاء والمياه والطبيعة والطاقة المتجددة.
يأتي انعقاد مؤتمر الأطراف للأمم المتحدة للمناخ (COP28) هذا العام وسط تغييرات بارزة في المشهد السياسي والاقتصادي العالمي، يشهد معها العالم تراجعًا في مجال مواجهة تغير المناخ والتكيف معه، خاصة في ظل ما فرضته الأزمة الروسية الأوكرانية من تحديات تواجه أمن الطاقة العالمي، وما سببته جائحة كورونا من ركود في الاقتصاد العالمي وعدم التعافي منه حتى الآن، فضلًا عن الكوارث والأزمات المناخية التي زادت حدتها وتسارعت وتيرتها خلال هذا العام وخلفت معها خسائر بشرية واقتصادية تقدر بالمليارات. ربما تخوف الكثير من هذه التغييرات وتراجع عن التحول نحو الطاقات النظيفة منخفضة الانبعاثات وتنفيذ الطموحات الدولية فيما يخص الوصول لصافي الصفر الكربوني قبيل منتصف القرن، واتخذ مسارًا نحو الاعتماد على الوقود الأحفوري والفحم مرة أخرى في محاولة لإنعاش الاقتصاد الدولي.
ورغم ذلك جاءت المفاوضات في عدد من القضايا المناخية المهمة والعالقة منذ سنوات بنتائج مهمة يمكن أن تحدث فارقًا في مسارات العمل المناخي وعلى رأسها تفعيل صندوق الخسائر والأضرار واتفاق الإمارات للتخلص من الوقود الأحفوري، واتفاق بشأن خفض انبعاثات الميثان، بالإضافة إلى 11 إعلانًا واتفاقًا تم إقرارهم للمرة الأولى في مجالات الصحة والغذاء والمياه والطبيعة والطاقة المتجددة.
تهدف مفاوضات المؤتمر إلى التركيز على مجالات أربعة رئيسة تتمثل في: تسريع تحقيق انتقال منظم في قطاع الطاقة وخفض الانبعاثات قبل عام 2030. الإيفاء بالوعود القديمة ووضع الإطار لصفقات تمويل جديدة. وضع الطبيعة وحياة البشر وسبل العيش في قلب العمل المناخي. التعبئة من أجل مؤتمر أطراف أكثر شمولًا.
مفاوضات جيدة ونتائج تاريخية
لا شك أن مؤتمر الأطراف للأمم المتحدة “كوب 28 ” الذي انعقد في دبي خلال الفترة 30 نوفمبر حتى 13 ديسمبر 2023، مختلف عن المؤتمرات السابقة، إذ يُعد أو يُقيم عالميًا للعمل المناخي وفقًا لأهداف اتفاقية باريس 2015، كما أنه حرص رغم التحديات والمعوقات على إيجاد حلول شاملة للتحديات المناخية وتعزيز الشمولية.
لقد حضر المؤتمر 156 رئيس دولة وأكثر من 780 وزيرًا وعد كبير من المؤسسات والمنظمات الدولية والمجتمع المدني والباحثين والأكاديميين، وبدأ المؤتمر أولى جلساته بإعلان تاريخي حدد أهمية المؤتمر من يومه الأول وهو إعلان تفعيل صندوق الخسائر والأضرار لتعويض الدول النامية المتضررة من تداعيات تغير المناخ ومشاركة بعض الدول في تمويله بما يقرب من 800 مليون دولار، بدأتها الإمارات بالإعلان عن المساهمة بــ100 مليون دولار وتلتها ألمانيا بالمساهمة نفسها، رغم أن مشاركة الدول الأخرى التالية كانت مخيبة للآمال بعض الشيء، فالدول الأكثر تصديرًا للانبعاثات الكربونية والمتسببة في الجزء الأكبر من الاحتباس الحراري العالمي لم تتعدى مشاركتها الـ 100 مليون دولار، فقد أعلنت الولايات المتحدة عن 17.5 مليون دولار، واليابان عن 10 مليون دولار، والمملكة المتحدة ساهمت بحوالي 76 مليون دولار. وعلى الرغم من ذلك يبقى السؤال هل هذا يُعد كافيًا لمواجهة تغير المناخ أو المضي قدمًا في مسارات العمل المناخي وخاصة للدول النامية؟، كما هل يجب على دول مثل الصين والهند المساهمة في تمويل الصندوق أم الاستفادة منه؟. فعلى الرغم من ضآلة التمويل المقدم حتى الآن مقارنة بالخسائر التي تقدر في بعض التقارير الدولية بأكثر من 500 مليار دولار جرّاء الكوارث المناخية وتداعياتها على الدول، فإنه يُعد إنجازًا فارقًا رغمًا عن بعض الاعتراضات الدولية الأخرى حول استضافة البنك الدولي للصندوق وإدارته.
وجاءت الـ 48 ساعة الفاصلة في نجاح المؤتمر، حيث للمرة الأولى في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ توافق الدول المشاركة على خارطة طريق تتجه نحو التحول بعيدًا عن الوقود الأحفوري، حيث نص الاتفاق الذى تم التوصل له في ختام قمة المناخ كوب28 على دعوة الدول الأعضاء – 197 دولة- لتحويل أنظمة الطاقة سريعًا بعيدًا عن الوقود الأحفوري بطريقة عادلة ومنظمة، مما يعني أن جميع الدول ستكون مدعوة للمساهمة في جهود التحوّل العالمي بدلًا من أن تكون مجبرة على القيام به بمفردها، كما نص الاتفاق على ضرورة حدوث تخفيض سريع ومستدام في انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية بنسبة 43% بحلول 2030، و60% بحلول 2035 تمهيدًا للوصول لصافي انبعاثات صفرية بحلول 2050، كما دعا لمضاعفة قدرة الطاقة المتجددة على الصعيد العالمي بمقدار 3 أضعاف، ومضاعفة المعدل السنوي العالمي لتحسين كفاءة استخدام الطاقة مرتين بحلول 2030. وجاء هذا الاتفاق الذي أُطلق عليه ” اتفاق الإمارات” بعد سنوات عديدة شهدت حظر مناقشة أن الوقود الأحفوري هو المساهم الرئيسي في تغير المناخ ويجب التحول عن استخدامه بطريقة منظمة وعادلة. كما يتضمن الاعتراف الحاجة الماسة إلى زيادة تمويل التكيف بشكل كبير إلى ما هو أبعد من الضعف لتلبية الاحتياجات العاجلة، ودعوة واضحة للدول لتقديم خطط التكيف الوطنية بحلول عام 2025 وتنفيذها بحلول عام2030. والاعتراف بأهمية التمويل في تحقيق هذه الطموحات.
جهود استثنائية
واستمرت النقاشات والمفاوضات على مدار أيام المؤتمر بشكل جيد للغاية وأسفرت عن 11 اتفاقًا وإعلانًا بشأن تحويل النظم الغذائية والصحة، وإعلانات الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، فضلًا عن مبادرات لإزالة الكربون من الصناعات ذات الانبعاثات الثقيلة. كما تم إحراز تقدم كبير في مبادرات متنوعة مثل تسريع تجارة الهيدروجين المتجدد عبر الحدود، والحد من الانبعاثات المرتبطة بالتبريد، وتشجيع كهربة الطهي وتطوير إدارة الكربون.
وأعلنت رئاسة المؤتمر مع شركاء آخرين عن إطلاق المسرع العالمي لإزالة الكربون “GDA” وهو عبارة عن حزمة شاملة ومتعددة القطاعات لخفض الانبعاثات لتسريع التحول العادل والمنظم للطاقة، ويتضمن ثلاث ركائز أساسية:
- الميثان والغازات الأخرى غير ثاني أكسيد الكربون وتم حشد 1.2 مليار دولار لدعم خفض الميثان.
- إزالة الكربون من نظام الطاقة (النفط والغاز) ووافق عليه حوالي 52 شركة عالمية بواقع 40% من الإنتاج العالمي.
- بناء نظام طاقة المستقبل لتسريع التحول العادل والمدار والممول في مجال الطاقة ونشر الطاقة المتجددة وتم حشد 5 مليارات دولار لتسريع تنفيذه.
ولأول مرة تم ترسيخ الأمن الغذائي كأولوية لمؤتمر الأطراف، حيث وافق 159 رئيس دولة وحكومة على إعلان الزراعة المستدامة والنظم الغذائية المرنة وتغير المناخ، ودعم تنفيذه بحوالي 3.2 مليارات دولار. وتم الإعلان عن تمويل جديد بقيمة 150مليون دولار للتقنيات الرامية إلى معالجة ندرة المياه، ومضاعفة محافظ المياه لدى بنوك التنمية متعددة الأطراف في غضون ثلاث سنوات.
وبدعم من منظمة الصحة العالمية تم التأييد من قبل 144 دولة على إعلان المناخ والصحة وجمع دعم مالي قُدّر بـ2.9 مليار دولار. وفيما يخص الاهتمام بالطبيعة وسبل العيش أعلنت البلدان الغنية بالطبيعة وشركاؤها عن تمويل أساسي بقيمة 2.7 مليار دولار وشددت على سبل العيش والأهداف التنموية للمجتمعات المحلية والأصلية. وتم الإعلان عن التزام يصل إلى تريليون دولار أمريكي للحفاظ على غابات الأمازون المطيرة من خلال منصة الأصول القائمة على الطبيعة. كما أعلنت الإمارات عن مبادرة المناخ والإغاثة والتعافي والسلام بتأييد 80 حكومة و34 منظمة لأول مرة لدعم جهود تقليل الفجوة في هذه المجالات وإدارة المخاطر الناجمة عنها.
كوب 28 في أرقام
حشد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ أكثر من 85 مليار دولار خلال فترة انعقاده لدعم أولويات أعمال المناخ العالمي، وتحديد وتيرة حقبة جديدة في المناخ، منها: 30 مليار دولار رأس مال تحفيزي لصندوق جديد للاستثمار المناخي يركز على الحلول وسد الفجوات المتعلقة بتغير المناخ، وحوالي 792 مليون دولار لصندوق الخسائر والأضرار، و9 مليارات دولار يعلن عنها البنك الدولي سنويًّا للعمل المناخي، و3.5 مليارات دولار لصندوق المناخ الأخضر، و134 مليون دولار لصندوق التكيف، و1.2 مليار دولار للإغاثة والتعافي والسلام، 2.5 مليار دولار للطاقة المتجددة، كما تم تخصيص 7 مليارات دولار لتحقيق أهداف المناخ والتنوع البيولوجي.
الطاقة | التمويل | الحياة وسبل العيش | صندوق المناخ الأخضر | الشمول |
6.8 مليارات دولار | 61.8 مليارات دولار | 8.7 مليارات دولار | 3.5 مليارات دولار | 1.7 مليار دولار |
صندوق الخسائر والأضرار | صندوق التكيف | صندوق الدول الأقل نموًا | صندوق خاص بأعمال المناخ | |
792 مليون دولار | 134 مليون دولار | 129 مليون دولار | 31 مليون دولار |
لا شك أن مؤتمر الأطراف للأمم المتحدة المعني بتغير المناخ “COP28” نجح وسط ظروف عالمية صعبة من التوصل لنتائج مهمة في عدد من القضايا المعلقة منذ وقت طويل والتوصل إلى اتفاقات ومبادرات بتأييد عدد كبير من دول العالم، إلا أن العالم اليوم بحاجة لجهود أكبر وأعمق على كل المستويات لمواجهة الخطر المتزايد من تغير المناخ، فمع الاحتفال بحشد 85 مليار دولار تمويلًا لأعمال مكافحة تغيّر المناخ يمكن لكارثة مناخية واحدة فقط مثل ارتفاع سطح البحر، أو انهيار الجليد مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة، أو إعصار مدمر يضرب عددًا من الدول مثل “دانيال”، أو اندلاع حرائق للغابات في كندا أو أوروبا؛ أن تسفر عن خسائر مادية تتجاوز التريليونات، وخسائر في الأرواح بالآلاف، وانهيارات في البنى التحتية لتلك الدول التي تصنف على أنها متقدمة تكلفها الكثير، فما بال العالم بالدول النامية التي تواجه فجوة تمويلية تزيد عن 4 تريليون دولار لتمويل أعمال التنمية المستدامة والتحول الطاقي ومحاولة التكيف مع البيئة والمناخ.