في ضوء التحديات الاقتصادية المتزايدة التي تواجه الدولة المصرية في المرحلة الراهنة، وتلبية مجلس الحوار الوطني لدعوة السيد الرئيس بإطلاق المرحلة الثانية من الحوار الوطني بمشاركة الكيانات والأفراد والدور الوطني المحوري الذي تلعبه مراكز الفكر البحثية المتخصصة، فقد نظّم المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية ورشة عمل بعنوان “تحديات الاستثمار الوطني وفرص تصحيح الأوضاع الاقتصادية”، وحيث إن عنوان ورشة العمل يعتبر أحد الموضوعات المهمة والتي تقع على رأس أولويات الاقتصاد المصري في مرحلته الراهنة، وقد شرُف المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية باستضافة مجموعة من الخبراء المتميزين في مجال الاقتصاد والاستثمار، وكبار رجال الصناعة بمصر بما يحقق التمثيل العادل للقطاعات المختلفة بالدولة المصرية، والتي تتمثل في القطاع الصناعي، والعقاري، والغذائي، وخبراء الاستثمار، والتمويل، والبنوك، والتصدير، وقد لبى الدعوة مجموعة من الخبراء المتميزين في تلك القطاعات.
أولويات عاجلة
ناقش السادة الضيوف على مدار الورشة وخلال جلستين أهم التحديات التي تواجه الدولة المصرية والتي تم حصرها في 7 تحديات رئيسية ينبثق منها العديد من التحديات الفرعية، وقد تمثل التحدي الأول في محدودية السيولة بالعملات الأجنبية، والذي يشكل التحدي الرئيسي أمام الصناعة والصادرات، إذ تواجه المصانع صعوبة في تأمين مدخلات الإنتاج بالإضافة إلى عدد من التحديات الأخرى التي قد يكون تحدي نقص السيولة أحد أهدافه، وقد اقترح المشاركون إطلاق استراتيجية متكاملة للتعامل مع ذلك التحدي والتي تتمثل في استعادة السيولة داخل النظام المصرفي بالآليات الاقتصادية، وعلاج التبعات الناتجة من أزمة سعر الصرف: من خلال زيادة المعاشات والمرتبات، واتخاذ قرارات الحماية الاجتماعية، وتوفير النقد الأجنبي لقطاع الصناعة، وتمكين المصدرين من الحصول على نقد أجنبي من خلال القنوات المصرفية الرسمية، وتسريع الانتهاء من البرنامج التعاوني مع صندوق النقد الدولي وتفعيله ضمن حزمة من البرامج التي تتم بين مصر وشركات التنمية، إذ تمكن تلك الخطوات مصر من التغلب على نقص العملة الأجنبية وخلق بيئة استثمارية أكثر جاذبية.
أما التحدي الثاني فهو يعلق بالملف الصناعي ويتمثل في ارتفاع تكاليف التمويل نتيجة لارتفاع أسعار الفائدة، والذي يعيق العملية الاستثمارية برمتها وتساهم تكاليف التمويل المرتفعة في ارتفاع تكلفة المنتج والتي يتم بنهاية الأمر تحميلها على المستهلك النهائي، أما الأمر الثاني فهو يتمثل في ارتفاع التكاليف الضريبية، ويتراوح العائد الضريبي لمتوسط المتر الصناعي سنويًا بين 1000 إلى 4000 جنيه خلال العام، مما يُشكل عبئًا إضافيًا على المستثمرين في هذا القطاع. أما التحدي الثالث فهو يتمثل في افتقار العديد من المجمعات الصناعية إلى خطوط نقل للعمال والبنية اللوجستية، مما يُعيق وصولهم إلى أماكن عملهم. وأخيرًا تعدد جهات الولاية على الأراضي الصناعية: والذي يُسبب تعقيدًا في الإجراءات مما يُعيق بدء المشاريع الصناعية، وقد اقترح الخبراء المشاركون مجموعة من الحلول التي تتمثل في توفير الأراضي الصناعية للمصنعين بشكل فوري وتقديم تسهيلات في السداد، وتقليل جهات الولاية المعنية بالمصانع، وتوحيد جهة التعامل في الملف الخاص بالأراضي الصناعية، وتقديم ائتمان منخفض التكلفة لدعم قطاع الصناعة بالإضافة إلى تقديم بعض التسهيلات الأخرى والتي تتمثل في تسهيل إقامة الأجانب، وجدولة الديون للمصانع المتعثرة، وتوجيه قروض بفائدة مدعومة للمصانع الجديدة أو حتى المتعثرة، وتطبيق قانون أفضلية المنتج المحلي، زيادة اهتمام الدولة بالتعليم الفني، إذ يُساعد ذلك في توفير العمالة المدربة التي تحتاجها الصناعة.
أما التحدي الثالث فهو يتعلق بقطاع التشييد والبناء وخدمات البنية التحتية، وهو يتمثل في تأخر صرف المخصصات للشركات وتأخر صرف التعويضات واختلاف سعر الدولار الذي ينتج عنه اختلاف كبير في التكلفة، وللتغلب على هذا التحدي فقد أوصى الخبراء بضرورة اتخاذ الحكومة لخطوات جادة لتنمية القطاع، ومن أهمها: وضع خطة واضحة لمشروعات البنية التحتية للدولة خلال خمس سنوات، وسداد مستحقات الشركات في قطاع التشييد والبناء والبنية التحتية ووضع آلية للتعامل مع التعويضات المتأخرة على ضمان حصول الشركات على حقوقها، تجنب تراكم الخسائر. ومن ناحية أخرى سيساعد وضع خطة لمشروعات PPP & BOT، القطاع الخاص على تقديم عروض جيدة، وجذب استثمارات جديدة. وأخيرًا ضرورة النظر في خفض الفوائد المرتفعة، من أجل توفير وسائل تمويل بديلة أقل تكلفة، دعم الاستثمار في القطاع. فإن اتخاذ هذه الخطوات سيساعد في تنمية قطاع التشييد والبناء والبنية التحتية، مما سينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني ككل.
الطروحات الحكومية أيضًا كان لها نصيب كبير في المائدة المستديرة؛ حيث أشار المشاركون إلى أن عدم سير وثيقة ملكية الدولة بالشكل المطلوب يهدد مستوى الشفافية والثقة في الطروحات، هذا فضلًا عن وجود تراخٍ من جانب الجهات المنفذة في التعامل مع ملف الطروحات دون مسائلة، مما يؤدي إلى تأخر عملية الطرح وتراجع ثقة المستثمرين، كما أن المناخ الاقتصادي الحالي غير مناسب لطرح الشركات؛ حيث إن ارتفاع سعر الفائدة يدفع المستثمرين إلى العزوف عن شراء الشركات المصرية المطروحة، ولعلاج هذه التحديات اقترح الخبراء وضع خطة واضحة ومحددة للطروحات الحكومية المصرية بجدول زمني محدد. كما أوصى الخبراء الاستعانة ببنوك استثمار دولية للترويج للشركات المصرية وزيادة الوعي بها بين المستثمرين الدوليين، من ناحية أخرى، يجب السماح لصناديق المعاشات والتأمين المصرية بالاستثمار بسوق الأوراق المالية المصري بنسبة تصل إلى 30% مقابل النسبة الحالية التي تبلغ 10%. سيؤدي ذلك إلى زيادة حجم السوق وزيادة الطلب على الشركات المطروحة. أخيرًا، يجب النظر إلى تكلفة الفرصة البديلة لتأجيل طرح شركة حكومية؛ حيث إن التكلفة الاقتصادية أكبر بكثير من فارق السعر بين السعر المطلوب والمستهدف. من خلال معالجة هذه التحديات، يمكن للحكومة المصرية أن تضمن نجاح الطروحات الحكومية وتوفير التمويل اللازم للتنمية الاقتصادية.
تأخر تنفيذ القرارات الاستراتيجية للدولة المصرية أيضًا يأتي على رأس التحديات الاقتصادية التي تؤثر على مناخ الاستثمار وتعيق التنمية الاقتصادية؛ إذ إنها تتسبب في انخفاض كفاءة وفاعلية آلية تنفيذ الاستراتيجيات الموضوعة من جانب الدولة المصرية وتخلق حالة من التخبط بين إصدار القرارات وعدم تنفيذها، وتعزز مخاوف المستثمرين من الاستثمار بمصر وتتسبب في تراجع ثقة المؤسسات الدولية والمستثمرين بالاقتصاد المصري إلى تأخر مراجعات الصندوق الدورية، قلل ذلك من الثقة في مناخ الاستثمار، عزوف المستثمرين عن دخول السوق، وقد اقترح المشاركون علاج تلك التحديات من خلال إصدار اللوائح الخاصة بتنفيذ القرارات التي أصدرها السيد الرئيس واللجان العليا التي تنظم الاقتصاد بمصر.
ملف التصدير أيضًا كان من بين التحديات التي أشار إليها الخبراء والتي تتمثل في تأخر ردّ الأعباء التصديرية وصرفها بالجنيه المصري بسعر الصرف عند التصدير وليس عند الصرف، مما يضيع حق المصدر. كما كان قرار حظر استيراد السلع الوسيطة له أثر سلبي كبير على قدرات مصر التصديرية؛ حيث إن هذه السلع ضرورية لتصنيع المنتجات المصرية، ولتحسين العملية التصديرية اقترح الخبراء الإلغاء الفوري لقرار حظر استيراد السلع الوسيطة، ووضع حافز فوري للتصدير بنسبة 10% يصرف للمنتجين والمصدرين فورًا على أن يتم إعادة المحاسبة بنهاية العام بالنقص أو الزيادة. وإجراء دراسة متخصصة لتحديد المنتجات التي تتمتع مصر بميزة نسبية في إنتاجها والتركيز على دعم صادرات مصر من تلك المنتجات أو القطاعات فقط. كما اعتماد سياسة جودة منتج محلي مثيلة للأوروبية أو الأمريكية تسهل من العملية التصديرية، بالإضافة إلى منع تصدير المواد الخام والخردة والسماح فقط بتصدير المواد ذات القيمة المضافة، وجود برامج تمويلية بالمصارف المصرية مخصصة لتمويل الترويج للمنتجات المصرية
تلك المقترحات تمثل خطوة رئيسية في طريق طويل مليء بالتحديات التي سيتم طرحها ضمن فعاليات الحوار الوطني المجتمعي الثاني للتوصل إلى خارطة طريق بشأن التعامل مع تحديات الدولة المصرية، بما يحقق أحلام وطموحات المصريين قيادة وشعبًا.