المقدمة
شهدت القاهرة في 29 و30 يونيو 2024 انعقاد مؤتمر الاستثمار المصري الأوروبي تحت عنوان “مصر والاتحاد الأوروبي”. وحظي المؤتمر برعاية رفيعة المستوى من قبل سيادة الرئيس “عبد الفتاح السيسي” ورئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير لاين”؛ مما يعكس الأهمية الكبيرة التي توليها كل من مصر والاتحاد الأوروبي لتعزيز التعاون الاقتصادي بينهما. ويهدف المؤتمر إلى تعزيز التعاون الاقتصادي بين مصر والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من خلال جذب الاستثمارات الأوروبية المتنوعة إلى مصر.
ويأتي التركيز على القطاعات الاستراتيجية: البنية التحتية المستدامة، الطاقة المتجددة، والأمن الغذائي، وأخرى. وأسفر المؤتمر عن توقيع 29 اتفاقية بقيمة إجمالية تبلغ 49 مليار يورو. وشملت الاتفاقيات مختلف القطاعات الاقتصادية، بما في ذلك البنية التحتية والطاقة، والزراعة، والصناعة، والخدمات. يُعد مؤتمر الاستثمار المصري الأوروبي خطوة مهمة نحو تعزيز التعاون الاقتصادي بين مصر والاتحاد الأوروبي. ومن المتوقع أن تساهم الاتفاقيات التي تم توقيعها خلال المؤتمر في جذب المزيد من الاستثمارات الأوروبية إلى مصر، وخلق فرص عمل جديدة، وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة.
أهم موضوعات المؤتمر
شهد مؤتمر الاستثمار المصري الأوروبي، حدثًا مهمًا يجمع نخبة من المستثمرين وصانعي القرار من مصر ودول الاتحاد الأوروبي، وذلك بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي وجذب الاستثمارات الأجنبية إلى مصر. ويتناول المؤتمر مجموعة واسعة من الموضوعات الحيوية التي تلامس احتياجات العصر وتطلعات مصر المستقبلية، بدءًا من البنية التحتية المستدامة التي تشمل مشروعات النقل والطاقة والمياه، مع التركيز على الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح والطاقة النووية، نظرًا لأهميتها في تحقيق أهداف التنمية المستدامة والحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري.
ولي المؤتمر اهتمامًا خاصًا بـالأمن الغذائي، حيث تم مناقشة فرص الاستثمار في القطاع الزراعي وقطاع الصناعات الغذائية، بهدف تعزيز قدرات مصر على تحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية الأساسية، وضمان استقرار أسعارها، وتحقيق الأمن الغذائي للمواطنين. ولم يغفل المؤتمر عن أهمية الصحة والتعليم في تحقيق التنمية البشرية، حيث تطرق إلى فرص الاستثمار في قطاعات الصحة والتعليم، وكيفية تحسين الخدمات العامة في هذه المجالات، لضمان حصول جميع المواطنين على رعاية صحية وتعليمية عالية الجودة. ويُعد النقل المستدام من أهم الموضوعات التي ناقشها المؤتمر، حيث تناول تطوير شبكات النقل والمياه والصرف الصحي، بهدف تحسين مستوى معيشة المواطنين وتوفير خدمات أفضل لهم.
ويعد المؤتمر منصة حوار وتعاون بين مصر ودول الاتحاد الأوروبي لتبادل الخبرات والآراء، وبحث سبل جذب الاستثمارات الأجنبية إلى مصر، وتطوير الاستثمارات القائمة، من خلال توفير بيئة استثمارية جاذبة وحافزة. كما أدركت كل من مصر والاتحاد الأوروبي أهمية الاستثمار في التعليم والتطوير كمحرك رئيسي للنمو الاقتصادي والاجتماعي، فعملت الدولتان على تعزيز قدراتهما البشرية من خلال برامج ومبادرات مُشتركة. واستلهمَت مصر تجربة النهضة الأوروبية، وجعلت الاستثمار في التعليم والتطوير إحدى أهم ركائز استراتيجيتها الوطنية للتنمية. وتهدف مصر إلى بناء كوادر بشرية مؤهلة ومدربة تلبي متطلبات سوق العمل العالمي، من خلال تحسين جودة التعليم وتطوير المناهج الدراسية وتوسيع فرص التدريب المهني والتقني.
مخرجات مؤتمر الاستثمار
شهد مؤتمر الاستثمار المصري الأوروبي، الذي عُقد في القاهرة في الفترة من 27 إلى 29 يونيو 2024، نجاحًا باهرًا على جميع المستويات. فقد حضر المؤتمر أكثر من 1000 مؤسسة وشركة أوروبية، إلى جانب كبار المسئولين الحكوميين من مصر والاتحاد الأوروبي. وتم خلال المؤتمر توقيع 29 اتفاقية بقيمة إجمالية تبلغ 49 مليار يورو، وذلك في مختلف القطاعات الاقتصادية، بما في ذلك البنية التحتية والطاقة، والزراعة، والصناعة، والخدمات. وأكد المؤتمر على عمق العلاقات الاقتصادية بين مصر والاتحاد الأوروبي، والتزام الجانبين بتعزيز التعاون الاقتصادي المشترك.
كما أبرز المؤتمر أيضًا الفرص الاستثمارية الواعدة في مصر، والتي تشمل موقعها الجغرافي الاستراتيجي، وسوقها الضخم، وقوتها العاملة الماهرة، وإصلاحاتها الاقتصادية الجارية. أشاد المشاركون في المؤتمر بالمناخ الاستثماري الجذاب في مصر، والخطوات التي اتخذتها الحكومة المصرية لتحسين بيئة الأعمال. ووُصف مؤتمر الاستثمار المصري الأوروبي بأنه علامة فارقة في العلاقات الاقتصادية بين مصر والاتحاد الأوروبي، ومن المتوقع أن يكون له تأثير إيجابي كبير على الاقتصاد المصري في السنوات القادمة.
كما أعلن بنك الاستثمار الأوروبي عن إطلاق 3 مبادرات جديدة في مصر خلال مؤتمر الاستثمار المصري الأوروبي، تهدف إلى دعم البلاد في مجالات خفض انبعاثات الكربون، وتعزيز الاستثمار في الطاقة المتجددة، وتمويل الشركات المبتكرة. وتهدف المبادرة الأولى إلى خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في قطاع التصنيع المصري. تُعدّ هذه المبادرة مهمة ليس فقط للصحة العامة والبيئة، ولكنها ستدعم أيضًا قدرة القطاع على تصدير منتجاته إلى أوروبا، حيث تفرض دول الاتحاد الأوروبي شروطًا صارمة للانبعاثات الكربونية على المنتجات المستوردة.
بينما تتعاون المبادرة الثانية مع شركة “كاتيك” النرويجية لإنتاج الهيدروجين في مصر. وتتمتع مصر بإمكانيات هائلة لإنتاج الهيدروجين، وهو مصدر طاقة متجددة واعد. مما سيساعد هذا التعاون على تلبية الطلب المحلي على الهيدروجين وتعزيز فرص التصدير إلى أوروبا. وأخيرًا، تهدف المبادرة الثالثة إلى المساهمة في صندوق “إس بي إي” (SPE) لتمويل الشركات المبتكرة في قطاعات الأدوية والتكنولوجيا النظيفة والرقمنة. ولن يقتصر التمويل على الشركات المصرية، بل سيشمل أيضًا الشركات في المغرب وتونس.
وتُظهر هذه المبادرات التزام بنك الاستثمار الأوروبي بدعم التنمية المستدامة في مصر. ستساهم هذه المبادرات في خلق فرص عمل جديدة وتحسين نوعية الحياة للمواطنين المصريين. وتُعدّ هذه المبادرات جزءًا من التزام بنك الاستثمار الأوروبي بمبلغ 5.5 مليارات يورو لدعم القطاع الخاص في مصر خلال السنوات الأربع المقبلة. ويُشارك البنك بنشاط في مؤتمر الاستثمار المصري الأوروبي، حيث يعرض فرص الاستثمار المتاحة في مصر للشركات الأوروبية. وتُعدّ هذه المبادرات نتاجًا للتعاون الوثيق بين بنك الاستثمار الأوروبي والحكومة المصرية. ويُظهر هذا التعاون التزام البلدين بتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
التوقعات
شهد التعاون بين الاتحاد الأوروبي ومصر مرحلة جديدة من التطور والارتقاء، وتُعدّ هذه الخطوة تتويجًا لعلاقات تاريخية عميقة بين الجانبين، وتُمثّل فرصةً عظيمةً لجني العديد من العوائد على مختلف الأصعدة. فعلى الصعيد الاقتصادي، يُعدّ الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لمصر، حيث بلغت قيمة التبادل التجاري بينهما عام 2023 حوالي 50 مليار يورو. وتتطلع مصر إلى المزيد من الاستثمارات الأوروبية في مجالات الطاقة المتجددة والبنية التحتية والتصنيع. وهذا ما تم إحرازه بالفعل خلال المؤتمر من خلال توقيع إتفاقيات في مختلف القطاعات. وبدوره من المتوقع أن يُساهم التعاون الاقتصادي المُتزايد بين الجانبين في خلق فرص عمل جديدة للشباب المصري، خاصةً في مجالات ذات مهارات عالية. كما سيُقدم الاتحاد الأوروبي الدعم الفني والمالي للمساعدة في تنمية القطاع الخاص المصري، وتحسين بيئة الأعمال، وجذب المزيد من الاستثمارات.
أما على الصعيد الثقافي، من المتوقع أن يُشجّع التعاون بين مصر والاتحاد الأوروبي على تبادل الثقافات والخبرات بين شعبي البلدين، من خلال برامج التبادل الطلابي والفعاليات الثقافية المشتركة. كما تُعدّ مصر وجهة سياحية مهمة للسياح الأوروبيين، ويتطلع الجانبان إلى زيادة التعاون في مجال السياحة من خلال الترويج للمقاصد السياحية المصرية في أوروبا. وعلى الصعيد البيئي سيُساهم التعاون بين مصر والاتحاد الأوروبي في مكافحة تغير المناخ من خلال تبادل الخبرات والتكنولوجيا في مجال الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة. كما سيُقدم الاتحاد الأوروبي الدعم المالي والفني لمصر لحماية البيئة من التلوث، وتحسين جودة الهواء والماء من خلال الاتفاقيات؛ مما سيُساهم بتعزيز التنمية المستدامة في مصر من خلال مشاريع في مجالات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية.