مع اعلان انسحابه من السباق إلى البيت الأبيض، بعد أسابيع من التكهنات بشأن قدراته الصحية والعقلية، يكون جو بايدن، البالغ من العمر 81 عاما، من الرؤساء الأمريكيين القلائل المنتهية ولايتهم والذين استقالوا فى أثناء سعيهم لولاية ثانية. لكنه ييقى أول من اضطر إلى الانسحاب بسبب التشكيك فى صحته العقلية، وأول من فعل ذلك فى وقت متأخر من الحملة الانتخابية، مغرقا إياها فى المجهول.
رغم نفى بايدن المتكرر، فإن انسحابه من السباق الرئاسى كان متوقعا، خاصة بعد أدائه الكارثى خلال مناظرته مع دونالد ترامب فى 27 يونيو الماضي. منذ ذلك الوقت بدأت المطالب بدعوة بايدن للانسحاب، بدءا بالمسئولين المنتخبين الديمقراطيين غير المعروفين نسبيا، وصولا إلى أصوات الشخصيات ذات الوزن الثقيل فى الحزب والتى طالبته بالتنحى بعدما أظهرت استطلاعات الرأى خسارة بايدن مقابل فوز ساحق لدونالد ترامب. كما تداولت وسائل إعلام أمريكية، نقلا عن مصادر مجهولة، أن الرئيس السابق باراك أوباما ورئيسة مجلس النواب السابقة نانسى بيلوسى والزعماء الديمقراطيين فى الكونجرس أعربوا عن قلقهم. كما أن صور نتيجة اختبار جو بايدن الإيجابية لكوفيد-19، وهو يكافح من أجل النزول من على سلم طائرته، لم تؤد إلا لتفاقم التوتر داخل معسكره.
بعد أكثر من ثلاثة أسابيع من الضغوط المكثفة، اضطر بايدن الى الاستسلام. انسحابه المتأخر سيؤثر بلا شك على الحملة الرئاسية التى شهدت العديد من المفاجأت والتقلبات، فى مقدمتها محاولة اغتيال دونالد ترامب فى 13 يوليو الحالي. وعلى الرغم من ان بايدن قدم دعمه الكامل لنائبته كامالا هاريس، فإن هذا الاختيار، وان كان منطقيا، لكنه يبقى غير تلقائى وغير نهائى لتصبح هاريس المرشحة الديمقراطية. الكلمة الحاسمة بهذا الخصوص ستعود لمندوبى الحزب الديمقراطى البالغ عددهم 4672 شخصا، منهم 3933 سيلتزمون بنتائج ولاياتهم، إلى جانب 739 يعرفون باسم المندوبين الكبار، وهم أعضاء بارزون فى الحزب.
من المتوقع أن تدخل هاريس، البالغة من العمر 59 عاما، فى منافسة مع شخصيات أخرى من الحزب الديمقراطى على بطاقة الترشح. كون بعض الاستطلاعات تشير الى ان هاريس لن تكون قادرة على التغلب على الثنائى ترامب وفانس، فهذا يعنى ان الديمقراطيين ربما يقومون باختيار شخص غير متوقع فى مؤتمر الحزب فى شيكاغو الشهر المقبل. وقد تم فعلا طرح أسماء العديد من السياسيين الصاعدين فى الحزب كبدائل لها، ومن بينهم حكام الولايات جوش شابيرو (بنسلفانيا) وغريتشين ويتمير (ميشيجان)، وغافين نيوسوم (كاليفورنيا).
على كل، قبل ان يتم الحسم فى قرار ترشيح هاريس عن الحزب الديمقراطى، توالت الانتقادات ضدها. اعتبر فريق حملة دونالد ترامب أنها ستكون «أسوأ» من الرئيس المنتهية ولايته. وتم تقديمها على أنها «يسارية خطيرة»، و«المهندس الرئيسى لأزمة الهجرة». وتم وصفها بـ«كارثة لأمريكا»، وعلق احد اليمينيين «إنها ستغير البيت الأبيض من مكان نتجاهل فيه الرئيس، وستجعله مكانا نكره فيه الرئيس. أى شخص حقا أحب هذا البلد لن يضعنا أبدا تحت سيطرة شخص مثل كامالا هاريس». اما ترامب فاعتبر ان هزيمتها أسهل من هزيمة بايدن.
على الرغم من كل هذه الانتقادات، يثير ترشح هاريس مخاوف الجمهوريين وسيجعلهم يعيدون النظر فى الحملة قبل 100 يوم تقريبا من الانتخابات. حظوظ ترامب للفوز امام بايدن تبقى أكبر من حظوظه ضد أى مرشح ديمقراطى آخر. ترامب الذى طالما استفاد من ضعف الرئيس المنتهية ولايته، بنى حملته الانتخابية على انتقاد كل تحركاته وتصريحاته ومواقفه. وهو اليوم مطالب بإعادة ترتيب أوراق حملته بما يستجيب لطبيعة المنافس الجديد. وهاريس، اذا ما تم الحسم فى ترشحها، رغم ضعف موقفها فى بعض القضايا، فإنها تمتلك نقاط قوة تتوجس منها حملة ترامب، منها صغر السن والذى يعتبر مطلبا جماهيريا. وكونها امرأة، من المحتمل ان تستقطب أصواتا نسائية اكبر، وهو ما يشكل نقطة ضعف للحزب الجمهورى.
فى انتظار ما سوف تفرز عنه الأيام القادمة من مفاجآت اضافية، هناك واقع لا أحد يستطيع إخفاءه. الانتخابات الامريكية تدخل فى مرحلة من المجهول. تأخر انسحاب بايدن وضع الإدارة والديمقراطيين فى موقف محرج وغاية فى التعقيد. بالإضافة الى التحديات القانونية المرتبطة باختيار البديل، والتحديات المالية المرتبطة بأموال المانحين، اختيار مرشح، يمكنه أن يكون قادرا على المنافسة ضد ترامب سيكون مهمة غير سهلة لن تظهر نتائجها الا يوم التصويت.