استضافت إسرائيل من يوم 30 يناير حتى 1 فبراير 2023، أول مؤتمر رسمي يجمع دول التطبيع الإبراهيمي الإمارات والبحرين والمغرب بمشاركة الولايات المتحدة. شمل المؤتمر مسئولي الدول المذكورة في قطاعات السايبر الحكومية. وتخلل المؤتمر مجموعة من الرسائل التي يبدو أنها تدشن مرحلة جديدة بين إسرائيل والشرق الأوسط بمشاركة أساسية من الولايات المتحدة الأمريكية.
أولاً: رسائل المؤتمر
افتتح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو المؤتمر بإلقاء كلمة تعبر عن التالي: (1) أن مصطلح “القبة الحديدية” ليس مفهومًا عسكريًا يقتصر على منظومة الدفاع الجوي بل هو مفهوم سياسي يعبر عن رواية إسرائيل تجاه منطقة الشرق الأوسط والعالم. وبالتالي (وفق كلمته الرسمية) ستعتزم إسرائيل إطلاق ما يسمى القبة الحديدية للذكاء الاصطناعي وعلوم السايبر.
(2) أن إسرائيل تعتزم تدشين مدرسة عسكرية في “بئر سبع” تضم 20 ألف طالب إسرائيلي وجنسيات مختلفة ستكون معنية بتدريس علوم تكنولوجيا السايبر. مشيرًا نتنياهو في كلمته إلى أن مدينة بئر سبع الجنوبية ستصبح عاصمة إسرائيل في مجال تكنولوجيا السايبر، ومقرًا دائمًا للشركات العالمية الرائدة في المجال.
(3) تنوي إسرائيل أن تصبح قبلة للدول الرائدة في علوم السايبر، كونها ثالث أقوى دولة في العالم من حيث ذلك المجال الجديد.
يضم المؤتمر مجموعة ضخمة من الرعاة الذين يعدون روادًا في مجال تقنية المعلومات والشبكات التكنولوجية (مثل شركة سيسكو سيستمز – الأمريكية متعددة الجنسيات)، ويبلغ عددهم 68 شركة تحمل جنسيات مختلفة إسرائيلية، وأمريكية، وعربية، وأخرى.
** تخلل المؤتمر رسائل سياسية على لسان مسئولي الأمن السيبراني في دول التطبيع الإبراهيمي (أي: الإمارات والبحرين والمغرب) بالإضافة إلى رئيس مديرية الإنترنت في إسرائيل، ومسئول الأمن السيبراني في الولايات المتحدة، على النحو التالي: (1) أن الثقة المتبادلة بين دول الأعضاء في ذلك المؤتمر هي عامل النجاح الأول الذي سيسهم في تكثيف التعاون والتعامل بكل شفافية في نقل البيانات إلى مركز بيانات واحد يبدأ في معالجتها وإنشاء شيفرة معقدة صعبة الاختراق. (2) أن وجود الولايات المتحدة كشريك أساسي في هذه المنظومة الجديدة سيكون عاملًا حاسمًا في النجاح. (3) العمل على خلق مسارات حكومية جديدة تهدف إلى تحييد البيروقراطية. (4) أشار المسئول الحكومي الأمريكي إلى أهمية الشجاعة في الانضمام إلى المنصة التي تجمع دول الاتفاق الإبراهيمي بإسرائيل. (5) كما شدد ممثل الحكومة الإسرائيلية ونظيره الإماراتي على أهمية اندماج الشركات الخاصة في الأمن السيبراني لمنطقة الشرق الأوسط ودول أخرى.
ثانيًا: الطموحات الإسرائيلية
يُعَد مؤتمر سايبر تك 2023 في إسرائيل، المؤتمر الأول من نوعه الذي يجمعها بدول الاتفاق الإبراهيمي (الإمارات والبحرين والمغرب) المتخصص في نوع صاعد من الأمن وهو الأمن السيبراني. لذا ترتسم مجموعة من الطموحات المهمة التي يمكن أن تخرج إسرائيل بها من ذلك المؤتمر، على النحو التالي:
أولًا– يبدو أن إسرائيل تسعى لدمج نفسها في منطقة الشرق الأوسط من خلال تعاون أمريكي (التي يربطهما علاقة تحالف استراتيجي) عبر إنشاء منصات تبحث الأمن السيبراني مع دول الاتفاق الإبراهيمي التي يربطها بإسرائيل علاقة تطبيع كاملة وترغب الأخيرة بنقل العلاقة إلى تحالف استراتيجي يقوم على المنفعة المتبادلة.
لا سيما وأن تقريرًا صادرًا عن شركة كاسبرسكي في عام 2021 أظهر أن المغرب (على سبيل المثال) من بين الدول الخمس الأكثر تضررًا من الهجمات الإلكترونية من خلال البرامج الضارة للأجهزة المحمولة.
وعليه، فمن المقدر أن إسرائيل تسعى لدخول مرحلة جديدة من التطبيع من خلال مجال صناعة الإنترنت ومجال الأمن السيبراني، الذي يحيق بعدد كبير من الدول العربية وعلى رأسها دول الخليج العربي. يُستدل على ذلك إشارة مسئول إسرائيل إلى الهجمات السيبرانية التي تطلقها إيران يوميا على عدد من دول الخليج وإسرائيل.
ثانيًا– تستغل إسرائيل توجه الولايات المتحدة بإعادة تموضعها في الشرق الأوسط، والبدء في إنشاء تحالفات سياسية، واقتصادية، وأمنية في المنطقة تضمن الدفاع عن نفسها تحت إشراف أمريكي يمنعها من التورط في الأزمات بشكل مباشر. وعليه، تقدم إسرائيل نموذجًا لإمكانية عقد تحالف أمني سيبراني تكون هي همزة الوصل فيه، ومن ثم تقدمه للولايات المتحدة ليخدم توجهها الاستراتيجي حيال الشرق الأوسط.
وبهذا تكون إسرائيل قد وفرت منصة أمنية جديدة في المنطقة، تضمن بها (1) ترسيخ دمجها الإقليمي، (2) وحضورًا نوعيًا مستمرًا للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط.
ثالثًا– ضمان استخدام الأصول العسكرية الدفاعية الإسرائيلية في التحالفات الأمنية المستقبلية. وهو ما ظهر في حديث رئيس حكومة إسرائيل الذي أوضح أن القبة الحديدية ليست مجرد منظومة دفاعية بل رواية سياسية، وأكد: “ان إسرائيل بصدد إنشاء منظومة قبة حديدية في الذكاء الاصطناعي تحافظ على أمن إسرائيل وأمن المنطقة”.
ووفق الاستراتيجية الوطنية الإسرائيلية للأمن السيبراني الصادرة في 2017، فتسعى إسرائيل إلى إنشاء مشروع “سايبر سبارك” وهو نظام بيئي للأمن السيبراني مركّز وقوي يتألف من شركات إسرائيلية ناشئة وشركات عالمية وأوساط أكاديمية ومراكز أمن إلكتروني مدنية وعسكرية.[1]
رابعًا– ترغب إسرائيل في تسريع نموها السنوي في صناعة الإنترنت عن طريق جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة من أجل تعظيم سوق مركز البيانات الإسرائيلية. إذ بلغ حجم سوق مركز البيانات الإسرائيلي 337.7 مليون دولار أمريكي في عام 2021 ومن المتوقع أن يصل إلى 628.8 مليون دولار أمريكي بحلول عام 2027، بمعدل نمو سنوي مركب نسبته 10.92٪ خلال الفترة 2021-2027.
ورد في تقرير سوق مركز البيانات في إسرائيل 2021، أنه رغم امتلاك إسرائيل على التالي: (1) البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات: الخوادم وأنظمة التخزين والبنية التحتية للشبكات. (2) البنية التحتية الكهربائية: أنظمة UPS والمولدات والمحولات والمفاتيح الكهربائية ووحدات PDU والبنية التحتية الكهربائية الأخرى. (3) البنية التحتية الميكانيكية: أنظمة التبريد، وخزائن الرف، والبنية التحتية الميكانيكية الأخرى. (4) أنظمة التبريد: وحدات CRAC وCRAH ووحدات التبريد وأبراج التبريد والمكثفات والمبردات الجافة. (5) الإنشاءات العامة: خدمات التطوير والتركيب والتكليف الأساسية، وتصميم المباني والهندسة، واكتشاف الحرائق وإخمادها، والأمن المادي لمركز البيانات ذاته، وإدارة البنية التحتية لمركز البيانات (DCIM).
إلا أن نسبة النمو السنوية المذكورة وهي 10.92% غير كافية ولا تعبر عن المتاح لدى إسرائيل؛ كما لا تغطي كلفة الطموح الإسرائيلي في المنطقة وهي أن تتحول لأن تصبح مركزا إقليميا للطاقة المتجددة سواء في مجال الهيدروجين الأخضر أو الطاقة الشمسية. وبما أن سعر الكهرباء التي تغذي مراكز البيانات الستة عشر في إسرائيل يصل بنحو 5.5 دولار على كل كيلو واط/الساعة، وبما أن هناك زيادة في عدد المستوطنين في الضفة الغربية بما يتطلب زيادة في عدد الوحدات الاستيطانية فمن المقدر أن يزيد سعر الكهرباء في إسرائيل. لذلك تحتاج إسرائيل إلى كثير من الاستثمارات الخليجية في الكهرباء المتجددة وإنشاء مراكز البيانات.
خامسًا– تسعى إسرائيل لتحويل صناعة الإنترنت ومجال الذكاء الاصطناعي إلى أداة هجومية شاملة ليس فقط لصد الهجمات بل لشن هجمات سيبرانية على الخصوم لخلق منظومة ردع جيدة. والدليل على ذلك أنه على الرغم من تأسيس إسرائيل مركزا وطنيا للتعليم السيبراني في 2017، ويضم الآن 80 مركزًا تعليميًا و330 موظفًا، إلا أن نتنياهو أشار في كلمته الافتتاحية في المؤتمر على اعتزام بلاده على تأسيس “مدرسة عسكرية” للتعليم السيبراني، وهو ما يشير إلى (1) ترميم الثغرات السيبرانية داخل الجيش الإسرائيلي؛ لكونه حسب القراءات الاستراتيجية لا زال يعمل بشكل غير كفء في صد الهجمات. (2) وتحويل صناعة الإنترنت في إسرائيل إلى سلاح هجومي، وسيتم ذلك من خلال مجال الحوسبة الكمومية (كما هو مذكور تقرير استخباراتي في مركز موريشت مويديعين 2019).[2]
سادسًا– تسعى إسرائيل لزيادة صادرتها من صناعة الإنترنت عبر شركات القطاع الخاص، لا سيما وأن انخفضت صادرات إسرائيل من 8.7 مليار دولار أمريكي في 2021 إلى 7.3 مليارات دولار أمريكي في 2022. وحسب تقرير مركز الإحصاء الإسرائيلي الصادر نوفمبر 2022، يبدو أن إسرائيل ستواجه اتجاهًا مستقرًا من الانخفاض في حجم الصادرات المتعلقة بخدمات التكنولوجيا الفائقة في 2023.
ثالثًا- هل تؤول إلى نجاح؟
أي توضيح العراقيل المحتملة التي تقف أمام حكومة نتنياهو الجديدة إزاء اتجاهها المحتمل في مجال صناعة الإنترنت، وهي:
أولًا- العلاقات الإسرائيلية الأمريكية:
تواجه إسرائيل توترًا مستترًا في علاقاتها مع الولايات المتحدة، وإذا ما رغبت في جذب الشريك الأمريكي (الاستراتيجي) في مجال صناعة الإنترنت وتداول البيانات والأمن السيبراني في المنطقة انطلاقا مع دول التطبيع الإبراهيمي، فعليها أن تلتزم بالسياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط.
وبما أن الولايات المتحدة تسعى في إعادة تعريف مصطلح الحليف الاستراتيجي على أساس معيارين اثنين: الأول هو الالتزام بالقيم الديمقراطية الليبرالية، والثاني الانحياز للصف الأمريكي في مواجهة خصومها الاستراتيجيين. فسيجد نتنياهو نفسه أمام معضلة قديمة وهي إعادة النظر في علاقات إسرائيل بالصين.
إذا ما سعت إسرائيل في إقامة بنية تحتية سليمة واقتصادية في آن واحد من أجل تعزيز كفاءة مراكز البيانات فعليها اللجوء إلى شركات مقاولات في مجالات الطاقة الشمسية واتصالات الجيل الخامس (5G)، فيبدو أنها لا تجد أمامها سوى الشركات الصينية. إلا في حالة ضاعفت الهند شركاتها الخاصة في المجالات المذكورة بتعاون أمريكي مباشر.
ثانيًا- الإصلاح القضائي والديمقراطية في إسرائيل:
يرتبط هذا العنصر بما قبله، إذ تواجه إسرائيل موجة غير مسبوقة في تاريخها بغرض تعديل نظامها القضائي ونقل الصلاحيات القضائية من محكمة العدل العليا إلى المجلس التشريعي (أي الكنيست)، وهو ما تهاجمه جموع غفيرة من الإسرائيليين. دفع ذلك البيت الأبيض إلى التأكيد على أهمية إكساب التعديل الدستوري للنظام القضائي الإسرائيلي على الاجماع الشعبي.
يرتبط هذا العنصر (أي طبيعة الإصلاح القضائي في إسرائيل) بمجال صناعة الإنترنت في التالي؛ إذ لا يوجد حتى الآن في إسرائيل قانون سيبراني موحد يحافظ على خصوصية وسرية بيانات الإسرائيليين. يتم تسيير أعمال الإنترنت بموجب مشروع قانون يُسمى “قانون الإنترنت” نص المشروع على وضع جميع أشكال الإشراف السيبراني تحت سلطة المديرية الوطنية الإلكترونية، وهي وكالة دفاع سرية شبيهة بجهاز الشاباك (وكالة الأمن الإسرائيلية).
من المقدر أن ترفض الولايات المتحدة المشاركة في تعزيز صناعة حيوية مثل صناعة الإنترنت والأمن السيبراني في إسرائيل دون ضمانات كافية من الإشراف القضائي الذي يجمع عليه المجتمع الإسرائيلي على تداول وتدفق البيانات.
ختامًا، يمكن القول إن مؤتمر سايبر تك 2023 في إسرائيل، يمهد الطريق لإسرائيل لإنشاء منصة إقليمية جديدة في الشرق الأوسط خاصة مع دول التطبيع الإبراهيمي، كما يحفظ للولايات المتحدة حضورًا نوعيًا إقليميًا وخلق تحالفات أمنية جديدة في المنطقة. كما يعد المؤتمر إشارة إسرائيلية لتعظيم الأدوات المتاحة في إنشاء مركز بيانات عملاق في مجال صناعة الإنترنت والأمن السيبراني يدمج المكونين المدني والعسكري.
[1] https://cyber.haifa.ac.il/images/pdf/cyber_english_A5_final.pdf
[2] https://www.intelligence-research.org.il/editor/assets/Omek%20-%208.pdf