أُجريت الانتخابات الرئاسية والحزبية بإقليم أرض الصومال الانفصالي في 13 نوفمبر 2024، وسط مشهد تنافسي محتدم في الداخل، وتوترات عشائرية متنامية، وانقسامات داخلية عميقة في النسيج الاجتماعي، وبيئة إقليمية مضطربة؛ حيث مثلت هذه الانتخابات خطوة حاسمة في مسار تعزيز الديمقراطية داخل أرض الصومال بعد تأجيل دام لمدة عامين، في ظل سعيها الدائم للحصول على الاعتراف الدولي.
نتائج الانتخابات:
أعلنت اللجنة الوطنية للانتخابات بإقليم أرض الصومال في 19 نوفمبر 2024 نتيجة الانتخابات الرئاسية بعد انتظار دام لمدة ستة أيام من انتهاء عملية التصويت، أن “عبد الرحمن محمد عبد الله – عِرو”، مرشح الحزب الوطني المعارض (واداني) حقق فوزًا حاسمًا بحصوله على 63.92% من إجمالي الأصوات، مقارنةً بالرئيس الحالي “موسى بيهي عبدي”عن الحزب الحاكم؛ حزب السلام والوحدة والتنمية “التضامن” (كولميه) الذي حصل على 34.81%. بينما حصل المرشح الثالث “علي وارابي” عن حزب العدالة والتنمية (UCID) على 0.74 % فقط بفارق كبير مقارنة بالمرشحين الآخرين،مما أكد على التفويض التاريخي للرئيس المنتخب حديثًا.
قبل إجراء الانتخابات الرئاسية، خاض المرشحون حملات انتخابية مُكثفة، حيث كان الوضع الاقتصادي، والاعتراف الدولي بأرض الصومال، ومسار التحول الديمقراطي، والعلاقات الخارجية هي القضايا المهيمنة على الحملات الانتخابية، مع الاختلافات في بعض القضايا الداخلية. ضمن هذا السياق، خاض حزب المعارضة الفائز في الانتخابات حملته الانتخابية على أساس الإصلاحات الديمقراطية، وتعزيز التماسك الاجتماعي، وتحسين الاقتصاد، وحل مشكلة البطالة بين الشباب، ورفض التدخلات الخارجية، ومراجعة كافة الاتفاقيات المبرمة في عهد “بيهي”، وطالب بمزيد من المكاسب الاقتصادية لأرض الصومال وتحديدًا في مجالات التجارة والدعم الإقليمي من توقيع مذكرة التفاهم مع إثيوبيا، وانتقد طريقة التفاوض التي تمت بشكل عاجل وسري.
وتعقيبًا على الانتخابات، وصفها المجتمع الدولي بأنها “نزيهة وموثوقة”؛ حيث شارك أكثر من مليون شخص في عملية الاقتراع العام، وتمت العملية الانتخابية بمراقبة دولية، وقد حظيت جهود اللجنة الوطنية للانتخابات في ضمان عملية انتخابية سلمية وشفافة وموثوقة بالتقدير على نطاق واسع
عوامل مؤثرة:
أسفرت نتيجة الانتخابات الرئاسية في أرض الصومال عن مجموعة من العوامل المؤثرة والمحددة لهذه النتيجة والتي يمكن توضيحها تاليًا:
1- الأداء السابق للحزب الحاكم: على الرغم من وعود حزب “كولميه” بالتغلب على التحديات الداخلية، لكن واجه إقليم أرض الصومال، ارتفاعًا في تكاليف المعيشة، وارتفاع معدلات التضخم، وسعر الصرف الأجنبي، وتزايد عملية التسيس في ظل تأثره بالولاءات العشائرية، وهو ما ظهر جليًا في التعيينات الحكومية وفرص العمل القائمة على أساس المحسوبية والانحياز لعشائر معينة. بالإضافة إلى ذلك، تصاعد حدة الانقسامات الداخلية في الحزب التي أضعفت قدرته على تقديم جبهة موحدة في أجندته للانتخابات.
2- تحول التحالفات السياسية: قبل إجراء الانتخابات، قدم نائبان للوزراء استقالتهم؛ ناصر عيديد محمد، نائب وزير الثروة السمكية السابق، ومحمد علمي يوسف، نائب وزير التعليم السابق، وكانا موالين لحزب كولميه، وأعلنا دعمهما لمرشح المعارضة (عِرو)، مشيرين إلى الحاجة إلى التغيير. وفي الوقت نفسه، استقال السفير “عبد الرزاق قراف” الذي كان سفيرًا لأرض الصومال في الدنمارك، من الحزب الحاكم، ودعا المواطنين إلى دعم مرشح حزب واداني الذي يراه أفضل زعيم تحتاجه البلاد لتوحيدها، وجاءت هذه الاستقالات في إطار موجة من الانشقاقات من حزب كولميه الحاكم، في الوقت الذي اكتسب فيهح زب واداني المعارض زخمًا كبيرًا قبل الانتخابات. بالإضافة إلى ذلك، تعهد نائب رئيس أرض الصومال “عبد الرحمن سايليتشي” علنًا بدعمه لمرشح حزب واداني.
3- محورية دور العشائر: لا يشكل نظام العشائر بنية اجتماعية فحسب، بل يشكل أيضًا أساس النظام القانوني والسياسي في أرض الصومال؛ حيث توجد عدد من العشائر، كل منها بمثابة وحدة أساسية للهُوية والحكم، وينقسم نظام العشائر في أرض الصومال إلى خمس عشائر رئيسية، وتتمتع هذه العشائر بسلطة كبيرة على التعيينات السياسية، وعادة ما تتولى العشائر الأكبر حجمًا مناصب رئيسية مثل رئاسة الأحزاب السياسية وقيادتها، ويتمتع الزعماء التقليديون وشيوخ العشائر بسلطة كبيرة في هذا الهيكل. نتيجة لذلك، غالبًا ما يجد أعضاء العشائر الأقلية أنفسهم مستبعدين من المناصب رفيعة المستوى حتى داخل البرلمان. ضمن هذا الإطار، لعبت الانتماءات العشائرية دورًا كبيرًا في تحديد سلوك التصويت لدى الناخبين، ورغم أن الأحزاب اختارت مرشحيها رسميًا، فإن تفاعلات العشائر تظل عاملًا مهيمنًا؛ إذ ينحدر “موسى بيهي” من عشيرة هبر أوال فرع “سعد موسي” من قبيلة إسحاق. أما “عِرو” فينحدر من عشيرة جاركساجيس (Garxajis)، في ظل اعتقاد العديد من الناخبين بضرورة تغيير سياسة “عشيرة واحدة تأخذ كل شيء”، وأهمية تداول تقاسم السلطة بين هذه العشائر، مع سيطرة عشيرة إسحاق على معظم المشهد السياسي والاقتصادي، وتنامي شعور التهميش عند العشائر الأقلية التي صوتت لصالح حزب واداني.
قضايا وتحديات قائمة:
على الرغم من الطموحات والوعود الانتخابية التي قدمها “عبد الرحمن محمد عبد الله – عِرو” الفائز في الانتخابات، لكن تظل هناك مجموعة من التحديات التي تُواجه أرض الصومال والقضايا الرئيسية التي تُشكل المبادئ التأسيسية لأرض الصومال ، ويمكن توضيح ذلك كما يلي:
1- مساعي الحصول على الاعتراف الدولي: على الرغم من إعلان أرض الصومال نفسها كدولة مستقلة في عام 1991، فإنها لا تزال غير مُعترف بها دوليًا؛ إذ تحتل أرض الصومال موقعًا استراتيجيًا عند تقاطع المحيط الهندي والبحر الأحمر، وتقع على طول خليج عدن بالقرب من مدخل مضيق باب المندب، وهو ممر بحري رئيسي، وقد جعل ساحلها البحري عامل جذب للحكومات الأجنبية التي تبحث عن الوصول إلى البحر والوجود البحري في المنطقة. كما يتمتع ميناء بربرة بأرض الصومال بموقع استراتيجي على طول خليج عدن. من هذا المنطلق، تقدم أرض الصومال نفسها كشريك في الأمن البحري الإقليمي وجهود مكافحة الإرهاب، وإمكاناتها للعمل كحاجز أمني، والإسهام في الاستقرار الإقليمي وحماية الطرق البحرية الحيوية للتجارة الدولية، بما يخدم ذلك قضيتها في سبيل الحصول على الاعتراف الدولي.
2- مصير مذكرة التفاهم مع إثيوبيا: تعتبر من أكثر القضايا تعقيدًا، فعلى الرغم من إبداء “عِرو” دعمه الواسع للمضي قدمًا في الاتفاق الأولي مع إثيوبيا الذي تم التوقيع عليه في الأول من يناير 2024 الذي بموجبه تمنح أديس أبابا حق الوصول إلى البحر الأحمر، في مقابل اعترافها بأرض الصومال، لكن لا يزال الالتزام بتنفيذه غير واضح، مع إفادة بعض التقارير بأن “عِرو” قد يكون أكثر انفتاحًا على الحوار مع الحكومة الفيدرالية الصومالية. كما توجد إمكانية لاستئناف المفاوضات الثنائية بين الحكومة الفيدرالية الصومالية وأرض الصومال مع تهنئة الرئيس الصومالي “حسن شيخ محمود” بنتيجة الانتخابات وإبداء الانفتاح بشأن التفاهمات المستقبلية بين الجانبين بما يُعزز الوحدة والتنمية في البلاد. وقد تسببت مذكرة التفاهم في تفاقم حدة التوترات الإقليمية بين الصومال وإثيوبيا، حيث أدانت الحكومة الصومالية الاتفاق بمعارضة شديدة باعتباره انتهاكًا لسيادة ووحدة البلاد. بجانب ذلك، لاقى الاتفاق ردود فعل مضادة في أرض الصومال نفسها؛ حيث استقال وزير الدفاع احتجاجًا عليه بعد أسبوع واحد فقط من توقيع الاتفاق. كما اعتقلت سلطات أرض الصومال الصحفيين وحتى الوزراء السابقين بسبب حديثهم ضد الاتفاق المقترح، ومعارضة قبائل غادابورسي في منطقة أودال الغربية في أرض الصومال للاتفاق. على جانب آخر، كانت هناك مظاهرات لدعم الاتفاق في المناطق الحضرية التي تهيمن عليها عشيرة إسحاق مثل هرجيسا وبركو.
3- الصراع في لاسعانود: يظل الصراع في لاسعانود عاصمة منطقة سول بين جيش أرض الصومال الوطني وقوات إدارة اللجنة الأمنية العليا (خاتومو -إس إس سيSSC- Khaatumo ) التي تُشير لمناطق سول وسناج وكاين، لصالح إعادة التوحيد مع الحكومة الفيدرالية الصومالية عائقًا أمام الرئيس الجديد لأرض الصومال؛ حيث تقع لاسعانود المتنازع عليها بين إقليم أرض الصومال وإقليم بونتلاند المجاور، حيث توجد عشيرة دولبهنتي في لاسعانود التي نأت بنفسها علنًا عن المطالبات الانفصالية في هرجيسا، وبدأت حوارًا مع مقديشو في عام 2009 لربط أراضيها جزئيًا على الأقل بالإدارة الفيدرالية، ويُشكل انفصال منطقة سول والتحالف مع الحكومة الصومالية الفيدرالية، وإنشاؤها إدارة مستقلة تهديدًا كبيرًا لمفهوم أرض الصومال الموحدة والمتماسكة، وتُمثل سابقة خطيرة بالنسبة للمناطق الأخرى التي قد تحمل تطلعات مماثلة إلى الحكم الذاتي. بالإضافة إلى ذلك، توفر تداعيات الصراع في لاسعانود بيئة خصبة لحركة الشباب وتنظيم داعش ولاية الصومال، لتمديد نفوذهما من إقليم بونتلاند إلى أرض الصومال التي ظلت بعيدة عن خطر الجماعات الإرهابية، مع إشارة بعض التقارير استغلال حركة الشباب وتنظيم داعش حالة الفوضى والسيولة الأمنية في هذه المنطقة بالاندماج التكتيكي مع المليشيات المحلية التي تشترك معها في النسب والقرب العشائري. ويعتبر الرئيس الجديد “عِرو” أقل ميلًا لاستخدام القوة العسكرية ويتبني نهجًا أكثر تصالحًا، وقد يكون أكثر استعدادًا للانخراط في الحوار والتسوية مع إدارة خاتومو لحل الصراع بطريقة سلمية.
حاصل ما تقدم، تُمثل تجربة أرض الصومال في إجراء انتخابات سلمية وسط محيطها الإقليمي المضطرب، خطوة دافعة في مسار إرساء دعائم الأمن الداخلي، لكن توجد تحديات شائكة أمام الرئيس الجديد، في ظل تزايد التهديدات الأمنية، وتفاقم حدة الاستقطاب والتشرذم على أسس عشائرية، وانعدام الثقة العميق بين المجتمعات المحلية، ويبقي التحدي الأكبر في سعيها الدائم للحصول على الاعتراف الدولي.