العديد من دول منطقة الشرق الأوسط بدأ الاستعداد لتولى دونالد ترامب مقاليد الحكم فى الولايات المتحدة الأمريكية فى 20 يناير المقبل. البعض يسارع الخطى لوضع حقائق على الأرض سيكون على الإدارة الجديدة التعامل معها، البعض الآخر بدأ فى إعادة تسويق نفسه بشكل مختلف، وبما يعتقد انه يتماشى مع فكر الساكن القادم للبيت الأبيض، والبعض يستخدم الطريقتين معا، ومنهم إسرائيل. وبالرغم من النفوذ الإسرائيلى الكبير والممتد داخل الولايات المتحدة، فإنها لا تتوقف عن التسويق لنفسها فى سوق الإعلام ومراكز الفكر الأمريكية، وتقوم بتطوير محتوى استراتيجيتها التسويقية باستمرار، وتماشيا مع تطور الأوضاع الإقليمية والدولية، وكذلك الداخلية بالولايات المتحدة. حوار نشر هذا الأسبوع (السبت) فى صحيفة «الوول ستريت جورنال» الأمريكية مع مسئول سياسى إسرائيلى يوضح الأفكار التى تستند إليها إسرائيل فى إستراتيجيتها التسويقية، انطلاقا من الأوضاع الجديدة فى المنطقة والولايات المتحدة.
الحوار كان مع رون ديرمر، وزير الشئون الإستراتيجية فى إسرائيل، وسفيرها لدى الولايات المتحدة من عام 2013 إلى عام 2021. واختيار هذا الشخص كصوت لإسرائيل فى سوق الإعلام والتفكير الأمريكى، لا يعود فقط لموقعه الوظيفى وخبرته السياسية، بل هو فى الأصل مواطن أمريكى، ولد وترعرع فى الولايات المتحدة، وحصل على الجنسية الإسرائيلية فى عام 1997. واحتفظ بالجنسية الأمريكية حتى عام 2005. وأفضل من يجيد الحوار باللغة الإنجليزية. عدد من النقاط يمكن التوقف عندها فى الحوار، توضح التفكير الإسرائيلى، وأسلوب وأفكار التسويق لنفسها داخل الولايات المتحدة.
يبدأ المسئول الإسرائيلى بمحاولة التخلص من الاتهام الذى أصبح يتردد كثيرا خاصة فى الأوساط الليبرالية بمشاركة إسرائيل فى جريمة الإبادة الجماعية للفلسطينيين فى حرب غزة، ودون أن يشير أو تشير الصحيفة لعدد الضحايا الفلسطينيين، يذكر المسئول الإسرائيلى أن عدد السكان الفلسطينيين أصبح الآن نحو عشرة أمثال ما كان عليه فى عام 1948.
ولكن المسئول الإسرائيلى يركز فى الجانب الأكبر من الحوار على الترويج لأهمية إسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة وأهمية التحالف بينهما. فيتحدث عن الارتباط فى القيم والمصالح الاستراتيجية بين البلدين، ويذكر أن إسرائيل تقوم باستمرار بأعمال أمريكا القذرة بتكلفة باهظة. إن حربها ضد حماس وحزب الله ليست صراعا إقليميا على أراض متنازع عليها، بل معركة فى حرب باردة عالمية بين تحالف من الديمقراطيات الرأسمالية ـ التى تقودها الولايات المتحدة بشكل سيئ فى الوقت الحالى واتحاد من الديكتاتوريات الاشتراكية المناهضة لأمريكا. «إنهم يعتقدون أن أمريكا مكروهة بسبب إسرائيل. وأنا أعتقد أن إسرائيل مكروهة بسبب أمريكا. ونحن ننظر إلى أنفسنا باعتبارنا امتدادا لقيمكم». ويعطى الفضل لإسرائيل فى سقوط الأسد فى سوريا، من خلال إضعاف الجيش الإيرانى وإهانة وكيلها فى لبنان، حزب الله، وهو ما منع تدخلهما لمصلحة الأسد، يطرح السيد ديرمر قضية مفادها أن إسرائيل هى الحليف الأكثر أهمية لأمريكا. ويشير إلى انه إذا طلب منه أن يتخيل نفسه رئيس الولايات المتحدة وأن عليه أن يختار حليفا واحدا لنصف القرن المقبل. «حليف واحد فقط، من حيث المصلحة الأمريكية. فأنت تريد حليفا قادرا على الدفاع عن نفسه بنفسه ولا يتعين عليك إرسال قوات لحمايته. وتريد حليفا يتمتع بقدرات استخباراتية هائلة وقدرة سيبرانية وجميع أشكال الحرب الجديدة. وتريد حليفا قادرا على تطوير أسلحة جديدة». ويضيف «إذا كنت صادقًا، فإنك لا تقارن إلا ببريطانيا وإسرائيل. وأعتقد أن لدينا جيشًا نظاميًا أكبر من البريطانيين». ويضيف إن هذه الحجة لا تتعلق بالقيم، بل بالمصلحة الخام. وأنه لا توجد دولة أخرى من دول العالم، باستثناء الولايات المتحدة فى الشهور التى أعقبت الحادى عشر من سبتمبر 2001، تمتلك الدهاء والجرأة المطلقة لتنفيذ العديد من المغامرات ضد أعدائها. ويؤكد أهمية القوة والردع فى العلاقات الدولية، ويرى زن إسرائيل استعادت القدرة على الردع التى فقدتها فى 7 أكتوبر. وأن عددا من مشكلات الولايات المتحدة يعود لضعف قدرتها على الردع او تخليها عنه (الانسحاب من أفغانستان، والتردد فى إثارة غضب بوتين بالسماح لأوكرانيا بالهجوم، والتردد فى التعامل مع معركة إسرائيل ضد حماس لأسباب سياسية بحتة، وعدم القدرة الظاهرية حتى على حراسة حدود البلاد). ولكن كيف نستعيد الردع فى نهاية كل هذا؟ لدى السيد ديرمر إجابة. «عندما تكون الولايات المتحدة جزءا من نصر يعكس القوة» ويضيف «سأكون دبلوماسيا ولن أتحدث عما يحدث عندما يُنظَر إليك على أنك ضعيف، أو كيف قد يؤثر ذلك على مسارح أخرى. سأقول فقط إن حرب إسرائيل هى مسرح سنفوز فيه، ويمكن لأمريكا أن تفوز به. لذا كن جزءا من هذا النصر». وطرح أيضا، ولكن بشكل دبلوماسى قضية تغيير النظام فى إيران، «إسرائيل ليس لديها مشكلة مع شعب إيران». «لا شك فى أنه إذا سقط النظام ـ وهو ما سيحدث بالفعل؛ فأعتقد أن إسرائيل سوف تجد شريكا فى إيران عندما يسقط النظام». ويرى أن احتمالات تحقيق قدر من الاستقرار فى الشرق الأوسط فى المستقبل تبدو ممكنة على نحو لم تكن عليه قبل عام. باختصار، إسرائيل لا تكتفى بتأثير اللوبى / جماعات المصالح المؤيدة لها فى دوائر الحكم فى واشنطن، بل تقوم دائما بالتسويف لنفسها فى سوق الإعلام والرأى العام ومراكز الفكر فى الولايات المتحدة، وتطوير رؤيتها لنفسها، ولدورها فى المنطقة بالتشبيك مع القيم والمصالح الأمريكى أو على الأقل الترويج لذلك.