في تطور لافت على الساحة السورية، أُعلن عن اتفاق بين الرئيس السوري، أحمد الشرع، وقائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مظلوم عبدي، بهدف دمج المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا ضمن مؤسسات الدولة. حيث يتضمن الاتفاق عدة بنود مهمة تمثل مرحلة جديدة في العلاقة بين الحكومة السورية والأكراد. أبرز ما يتضمنه هذا الاتفاق هو دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، يشمل هذا الدمج المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز الطبيعي في تلك المنطقة.
يطرح الاتفاق العديد من الأسئلة والتي من ضمنها السؤال حول ما يحمله المستقبل لقطاع النفط الخام في سوريا، والذي أصابته الحرب الأهلية المستمرة منذ عام 2011 بالشلل والسقوط.
مدخل:
لقد كان قطاع النفط الخام والغاز الطبيعي مسهمًا أساسيًا في إيرادات الحكومة السورية، على الرغم من أن احتياطياته صغيرة مقارنة باحتياطيات الدول الأخرى في منطقة الشرق الأوسط. حيث تصنف سوريا ضمن الدول النفطية المحدودة من حيث معدلات الإنتاج، ولكنها من الدول التي تُشكل نقطة عبور مهمة في صناعة الطاقة الإقليمية والعالمية. وبالرغم من ذلك مُني قطاع النفط والغاز بخسائر كبرى جراء النزاع المستمر في سوريا منذ 14 عامًا. وشكل قطاع النفط الخام والغاز الطبيعي فيها شكل رافدًا مهمًا للحكومة السورية قبل الأزمة الأخيرة، ومن المتوقع أن يظل ساحة خطيرة للصراع بعدها، ورغم محدودية الثروة النفطية السورية، فإنها أسهمت في توفير مورد مهم للدولة والاقتصاد السوري لسنوات عديدة.
ملامح قطاع النفط في سوريا:
في يناير 2011، وقبيل اندلاع الاحتجاجات والمظاهرات المناهضة للنظام السوري، كشف سفيان العلاو وزير النفط آنذاك أن إنتاج سوريا من النفط الخام خلال عام 2010 بلغ حوالي 141 مليون برميل من النفط، بمعدل يومي يصل إلى حوالي 385 ألف برميل من النفط الخام، وبزيادة قدرها حوالي 9400 براميل يوميًا مقارنة مع عام 2009. حيث يبلغ إجمالي الاحتياطي النفطي في سوريا يُقدر بنحو 2.5 مليار برميل، وتحتل سوريا المرتبة الـ31 عالميًا في احتياطيات النفط، وتمثل حوالي 0.2% من إجمالي احتياطي النفط العالمي البالغ حوالي 1.6 تريليون برميل نفطي.
هنا تجدر الإشارة إلى أن الجزء الأكبر من الإنتاج السوري قبل عام 2011 لا يتم تسجيلها في منظمة أوبك؛ نظرًا أنها تباع في السوق السوداء بسعر حوالي 84 دولارا للبرميل، في وقت كان فيه سعر البرميل في أوبك وقتها يصل إلى 110 دولار للبرميل النفطي الواحد.
استنادًا إلى ما سبق، مثل كل الصراعات في العالم، سعت الأطراف المتصارعة في سوريا منذ 2011 للاستحواذ على الموارد الطبيعية والسيطرة على الثورة النفطية، وذلك بهدف توظيف عائدها في المجهود الحربي وتعزيز النفوذ والسيطرة على مداخلات الاقتصاد السوري. ومنذ عام 2012، بدأ النظام السوري يخسر حقول النفط وآباره تباعًا، وظهرت حقول وآبار جديدة لم تكن تلك الأسماء موجودة من قبل، وقد تداولت فصائل المعارضة السورية والجماعات الإسلامية السيطرة على المواقع والحقول النفطية المهمة في سوريا والتي يقع غالبها شمال شرق سوريا.
وفي مطلع 2014، تحدثت التصريحات الصادرة عن وزير النفط السوري سليمان العباس عن انخفاض إنتاج النفط إلى حوالي 5% فقط؛ إذ وصل إلى حوالي 14 ألف برميل يوميًا من أصل حوالي 385 ألف برميل يوميًا من النفط الخام، والجدير بالذكر أن خسائر قطاع النفط السوري بلغت حوالي 115 مليار دولار وذلك في الفترة الممتدة من مارس 2011 حتى نهاية عام 2023.
والجدير بالذكر أن قوات سوريا الديمقراطية، (هي تحالف بين فصائل مسلحة كردية وعربية، بدعم من الولايات المتحدة) وحلفائها تسيطر على مناطق كبيرة من الأراضي الواقعة شرقي نهر الفرات في سوريا، بما في ذلك الرقة، عاصمة تنظيم الدولة الإسلامية المتشدد السابقة، وبعض أكبر حقول النفط في البلاد، بالإضافة إلى بعض الأراضي غربي النهر. حيث يبلغ عدد حقول الغاز الطبيعي والنفط الخام في سوريا حوالي 106 حقول منتجة للخام، ويقع حوالي 58 حقلًا تحت سيطرة الإدارة السورية الجديدة ( حقول تتمتع بمحدودية مستويات الإنتاج)، ويقع حوالي 48 حقلًا تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (مستويات مرتفعة).
علاوة على ذلك، تنتشر حقول النفط الخام في سوريا بمحافظتَي دير الزور والحسكة، ومنطقة تدمر التابعة لمحافظة حمص، فضلًا عن بعض النقاط النفطية الصغيرة في محافظة الرقة. ويُعد حقل العمر أكبر الحقول في محافظة دير الزور، ويقع على بُعد حوالي 15 كيلومترًا شرقي بلدة البصيرة، وكان ينتج حوالي 85 ألف برميل يوميًا قبل عام 2011 (يتعرض حقل العمر النفطي، بين الحين والآخر، لقصف صاروخي، إذ يُعد الحقل هدفًا لكل الجماعات المتصارعة في البلاد). وهناك حقل التنك، الواقع في بادية الشعيطات بريف دير الزور الشرقي، وكان ينتج حوالي 45 ألف برميل يوميًا، وحقلا التيم والورد متوسطان، وكانا ينتجان حوالي 50 ألف برميل يوميًا لكل منهما.
استكمالًا لما سبق، كان قطاع النفط الخام والغاز الطبيعي من أبرز القطاعات التي عانت من تراجع كارثي؛ حيث قدرت الخسائر بنحو 115 مليار دولار نتيجة لانخفاض الإنتاج من حوالي 400 ألف برميل يوميّا إلى أقل من حوالي 15 ألف برميل نفطي. هذا التراجع الحاد في الإنتاج أسهم في تدهور الإيرادات النفطية التي كانت تُشكل أحد المصادر الأساسية لتمويل خزينة الدولة السورية.
والجدير بالذكر، تبلغ احتياطيات النفط الخام في سوريا حوالي 2.5 مليار برميل من النفط الخام (مستويات ثابتة منذ عام 2007)، وتبلغ حصة سوريا من إنتاج النفط الخام المحلي حاليًا 31%.
يبلغ متوسط الطلب على النفط السوري في الوقت الحالي حوالي 100 ألف برميل يوميًا في المتوسط، نحو 80% من الديزل/ زيت الغاز، والباقي من البنزين ووقود الطائرات. وتمتلك سوريا حاليًا مصفاتين لتكرير النفط، وهما مصفاة حمص بطاقة 107100 برميل يوميًا، ومصفاة بانياس بطاقة 120 ألف برميل يوميًا.
استكمالًا لما سبق، لم يختلف الوضع كثيرًا بإنتاج الغاز الطبيعي في سوريا، ليسجل هو الآخر تدهورًا حادًا بمعدلاته، فبعد أن سجل أعلى أرقامه تاريخيًا في عام 2010، انخفض إلى مستويات منخفضة؛ حيث بلغت مستويات الإنتاج في عام 2010 حوالي 8.5 مليارات متر مكعب من الغاز يوميًا، وتراجعت إلى حوالي 3 مليارات متر مكعب في عام 2023. وفي السياق ذاته، تراجعت احتياطيات الغاز الطبيعي في سوريا إلى حوالي 0.2 تريليون متر مكعب، وذلك وفقًا لبيانات عام 2024.
دعم الاتفاق بين قسد والحكومة السورية الاستقرار داخل سوريا
الاتفاق بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والحكومة السورية يمكن أن يسهم بشكل كبير في دعم الاستقرار داخل سوريا من خلال تحقيق تفاهم سياسي بين طرفين متنازعين كانت العلاقة بينهما شديدة التوتر خلال السنوات الماضية. هذا الاتفاق، الذي قد يتضمن ترتيبات حول تقاسم السلطة والسيطرة على المناطق الحيوية مثل الحقول النفطية في الشمال الشرقي، يمكن أن يسهم في تقليل التوترات الإقليمية وتعزيز التنسيق الأمني بين مختلف القوى على الأرض. كذلك، إذا تم تحقيق اتفاق مستدام، سيعزز ذلك قدرة الحكومة السورية على فرض سيطرتها الأمنية على كامل الأراضي السورية؛ مما يسهم في استقرار الوضع السياسي وتفادي الانقسامات التي كانت تهدد وحدة البلاد.
أما على صعيد الوضع الاقتصادي العام، فإن الاتفاق يمكن أن يكون له تأثير إيجابي في تحفيز الاقتصاد السوري، مع استعادة السيطرة على الموارد النفطية المهمة في مناطق تسيطر عليها قسد حاليًا، ستتمكن الحكومة من زيادة العائدات النفطية التي يمكن استخدامها لتمويل مشاريع إعادة الإعمار وتحسين البنية التحتية المتضررة من الحرب. كما سيؤدي التفاهم بين الحكومة وقسد إلى تحسين الثقة الاستثمارية في البلاد؛ مما قد يشجع الاستثمارات الداخلية والخارجية في قطاعات حيوية مثل الطاقة والزراعة، وبالتالي تحسين المستوى المعيشي للمواطنين السوريين وتقليل حدة الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها معظم السكان.
سيطرة الحكومة على حقول النفط:
الاتفاق الذي تم بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي في دمشق يتضمن دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا تحت إدارة الدولة السورية، يشمل هذا الدمج المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز في تلك المنطقة. ويعكس هذا الاتفاق رغبة الحكومة السورية في استعادة السيطرة على الموارد الحيوية في هذه المناطق الاستراتيجية، والتي تشمل حقول النفط والغاز؛ مما يعزز السيطرة على الاقتصاد السوري ويعيد تفعيل قطاع الطاقة الذي يعد من الركائز الأساسية في دعم الاقتصاد الوطني بعد سنوات من الحرب.
أمام ما تقدم، قطاع النفط في سوريا يعتبر من العوامل الحيوية لإعادة إحياء الاقتصاد؛ حيث يشكل النفط المصدر الأساسي للإيرادات. لكن هذا الملف يواجه تحديات كبيرة؛ نظرًا أن قوات سوريا الديمقراطية (قسد) تسيطر على معظم الاحتياطي النفطي في شرق وشمال شرق سوريا. وفقًا لإحصاءات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، فإن الاحتياطي النفطي في هذه المناطق يصل إلى حوالي 2.5 مليار برميل نفطي، هذه السيطرة على الموارد النفطية تجعلها أحد الملفات الشائكة في المفاوضات بين الحكومة السورية وقسد؛ حيث تسعى كل جهة للهيمنة على هذه الموارد المهمة لتحقيق مكاسب اقتصادية واستراتيجية.
من شأن الاتفاق أن يسمح للسلطات السورية باستعادة السيطرة على حقول النفط وبدء الإنتاج منها وصولًا إلى التصدير، بعدما رفعت عدة دول في مقدمتها الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، بعض العقوبات المفروضة على البلاد، وخصوصًا على قطاع النفط السوري.
الجغرافيا السياسية لحقول النفط الخام والغاز الطبيعي في سوريا:
تُشكل صعوبة الوصول إلى مصادر الطاقة الأساسية وبالأخص النفط الخام والغاز الطبيعي (أو التخلي عنه) مصدر قلق اقتصادي وسياسي للدول الفاعلة في الخريطة العالمية وخصوصًا صناعة الطاقة (سواء المنتجة أو المستهلكة). وعلى مر التاريخ الحديث، تُرجم هذا القلق على هيئة حروب ونزاعات واتفاقات وأيضًا شراكات، تلك الصور التي أعادت تشكيل خرائط العالم تحت شعارات وصور مختلفة.
جغرافيًا، تتوسط دمشق منطقة الشرق الأوسط والطموحات المختلفة لبعض القوى الإقليمية وأحلام شبكة خطوط الأنابيب وشرايين الطاقة والتي يمكن أن تجعلها مركزًا لها. والحدود السورية مع العراق، والموانئ البحرية على البحر المتوسط، تجعل منها ممرًا طبيعيًا لنفط شمال العراق ودول الخليج العربي إلى أوروبا.
كانت سوريا تمتلك العديد من الحقول النفطية المهمة قبل اندلاع الحرب الأهلية في عام 2011، لكن النزاع المستمر في البلاد أثر بشكل كبير في قطاع النفط. وبالنظر إلى أبرز الحقول النفطية (الرئيسية) في سوريا وحجم إنتاجها الحالي مقارنة بما كان عليه قبل الحرب، نجد التالي:
- حقل الرميلان: يقع في شمال شرق سوريا في منطقة الحسكة. كان يُعد من أهم حقول النفط في البلاد قبل الحرب؛ حيث يحتوي على كميات كبيرة من النفط. يعد من أبرز حقول النفط في الجزيرة السورية.
- حقل تدمر: يقع بالقرب من مدينة تدمر في وسط سوريا. كان هذا الحقل من أكبر حقول النفط في سوريا، وكان يسهم بشكل كبير في إنتاج النفط السوري.
- حقل الشاعر: يقع في وسط سوريا بالقرب من تدمر أيضًا، وكان من أبرز حقول الغاز والنفط في البلاد.
- حقل الطفيلة: يقع في جنوب سوريا، وهو واحد من حقول النفط المهمة التي كانت تنتج كميات كبيرة من النفط.
- حقل الغاز في دير الزور: يعتبر من حقول الغاز الكبرى في سوريا، وكانت الحكومة السورية تعتمد عليه بشكل كبير قبل 2011.
تعتبر المنطقة الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وخاصة في دير الزور والحسكة والرقة، من أهم المناطق الغنية بالنفط في سوريا، حيث تحتوي على ما يصل إلى 95% من احتياطي النفط والغاز السوري. تعد هذه المنطقة محورية بالنسبة لإعادة بناء الاقتصاد السوري؛ حيث تملك حقول النفط فيها دورًا أساسيًا في توفير الإيرادات المالية التي تحتاجها الحكومة السورية لتطوير القطاعات الأخرى.
من بين هذه الحقول، يُعتبر حقل العمر أكبر حقل نفط في سوريا، ويقع في محافظة دير الزور، قبل اندلاع الحرب في 2011، كان حقل العمر يُنتج حوالي 80 ألف برميل يوميًا؛ مما يجعله أحد المصادر الأساسية للإنتاج النفطي في سوريا. ورغم التحديات الكبيرة التي واجهها الحقل من جرّاء النزاع المستمر، فإن استعادة السيطرة على هذه الحقول سيكون له تأثير بالغ في دعم الاقتصاد السوري، خاصةً في إعادة تأهيل البنية التحتية وإعادة تشغيل الحقول لتلبية الاحتياجات الداخلية والتصدير.
وفيما يتعلق بحجم إنتاج النفط قبل الحرب: قبل اندلاع الحرب، كانت سوريا تنتج حوالي 385 ألف إلى حوالي 400 ألف برميل يوميًا من النفط، وكان قطاع النفط يشكل جزءًا كبيرًا من الاقتصاد السوري، وكانت سوريا تعتبر من المنتجين الصغار للنفط على مستوى الشرق الأوسط، لكن النفط والغاز كانا يلعبان دورًا أساسيًا في تمويل الاقتصاد الوطني. وكان من التأثيرات الناتجة عن الحرب على إنتاج النفط:
- الانخفاض الكبير في الإنتاج: منذ بداية الحرب الأهلية في 2011، تراجع إنتاج النفط بشكل كبير بسبب النزاع المسلح وتدمير العديد من المنشآت النفطية، بالإضافة إلى احتلال بعض الحقول من قبل التنظيمات المسلحة مثل داعش، وبعض المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة المسلحة.
- حجم الإنتاج الحالي: في الوقت الراهن، يقدر إنتاج سوريا من النفط بحوالي 15 ألف إلى حوالي 30 ألف برميل يوميًا فقط، وهو ما يمثل حوالي 5-10% من الإنتاج قبل الحرب؛ حيث يعود هذا الانخفاض إلى عدة عوامل أبرزها:
- تدمير البنية التحتية: تعرض العديد من الحقول والمنشآت النفطية لأضرار كبيرة نتيجة القصف والمعارك.
- الاحتلال العسكري: احتلال مناطق من قبل تنظيم داعش، ثم الأكراد والقوات الأمريكية في بعض المناطق الشرقية والشمالية.
- العقوبات الاقتصادية: فرض العقوبات الدولية على النظام السوري أثر بشكل كبير في قدرة البلاد على استيراد المعدات والتكنولوجيا اللازمة لعمليات الاستخراج.
العائدات النفطية المتوقعة في حال تشغيل جميع الحقول بكامل طاقتها الإنتاجية:
إذا تم تشغيل جميع الحقول النفطية السورية بكامل طاقتها الإنتاجية، فإن العائدات النفطية السنوية يمكن أن تتراوح بين 8 مليارات دولار إلى 15 مليار دولار سنويًا، وفقًا لأسعار النفط التي تتراوح بين 60 إلى 80 دولارًا للبرميل. هذا الرقم يمثل مبلغًا ضخمًا في سياق الاقتصاد السوري الذي عانى بشدة نتيجة سنوات طويلة من الحرب والنزاع. قبل اندلاع الحرب، كان قطاع النفط يمثل مصدرًا رئيسيًا للعائدات في سوريا، مع استعادة القدرة الإنتاجية لهذه الحقول، يمكن لسوريا أن تبدأ في استعادة قدرتها على الاستفادة من هذه الثروة الطبيعية.
وعليه، إن العائدات النفطية المرتقبة ستكون حاسمة للغاية في ظل التحديات الاقتصادية الضخمة التي يواجهها النظام السوري؛ إذ إن الحرب أدت إلى تدمير واسع للبنية التحتية؛ مما يفرض على الحكومة السورية تحديات كبيرة في إعادة بناء المدن والقرى المدمرة، واستعادة الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والصحة. سيكون الجزء الأكبر من هذه العائدات موجهًا نحو إعادة بناء البنية التحتية المدمرة، التي تشمل المرافق الحيوية مثل الطرق والمستشفيات والمدارس، إلى جانب إعادة تأهيل قطاع الطاقة الذي يعاني من تدهور شديد بسبب نقص الوقود والمعدات.
بالإضافة إلى ذلك، ستساعد العائدات النفطية على تخفيف الأعباء الاقتصادية التي يعاني منها الشعب السوري، فالعديد من المواطنين يعيشون تحت خط الفقر نتيجة للدمار الاقتصادي الذي خلفته الحرب، وبالتالي فإن تحسن الإيرادات النفطية سيتيح تمويل برامج تنموية مهمة مثل توفير فرص العمل، وزيادة الإنتاج الزراعي والصناعي، وتحسين الظروف المعيشية العامة. كما أن هذه العائدات ستقلل من اعتماد سوريا على المساعدات الدولية، وهو ما سيسهم في تعزيز السيادة الوطنية بشكل أكبر ويقلل من ضغوط المجتمع الدولي على الحكومة السورية.
إضافة إلى ذلك، مع تحسن الوضع الأمني واستعادة السيطرة على معظم الحقول النفطية، يمكن لسوريا أن تبدأ في إعادة بناء علاقاتها الاقتصادية مع الدول الأخرى، خاصةً في مجالات التجارة والاستثمار. سيكون بإمكان الحكومة السورية التفاوض على عقود جديدة لاستثمار الثروات النفطية، وهو ما قد يؤدي إلى عودة الشركات الدولية للاستثمار في المشاريع النفطية. حيث تأمل الحكومة الجديدة أن يفتح الاتفاق الجديد الباب أمام إعادة تأهيل حقول النفط والغاز في مناطق سيطرة قسد، بما يسمح بزيادة الإنتاج تدريجيًا، إضافة إلى تشجيع الشركات المحلية والإقليمية والدولية على الدخول في مشاريع تطوير قطاع النفط. أن وزارة النفط السورية بدأت بالفعل في إعادة تطوير وتشغيل عدد من الآبار في المناطق الخاضعة للحكومة المركزية، وتعتزم تطبيق الأمر نفسه في حقول شمال وشرق سوريا عندما تستلمها من قوات سوريا الديمقراطية.
فرص الاقتصاد السوري في الاستفادة من العائدات النفطية المتوقعة بعد تنفيذ الاتفاق:
من جهة أخرى، ستسهم العائدات النفطية في تعزيز الاستقرار المالي لحكومة دمشق؛ مما يمكنها من تقليل الاعتماد على المساعدات الدولية وزيادة قدرتها على تنفيذ برامج التنمية في مختلف المناطق. علاوة على ذلك، يمكن استثمار العائدات النفطية لتحفيز القطاع الخاص من خلال الاستثمارات المحلية في القطاعات غير النفطية مثل الزراعة والصناعة؛ مما يؤدي إلى خلق فرص عمل جديدة وتقليل معدلات البطالة، وهذا سيعزز من قدرة الحكومة السورية على تحقيق استقلال اقتصادي أكبر والحد من تأثير العقوبات الدولية المفروضة عليها. بالإضافة إلى زيادة فرص الاستفادة من ثروات وموارد سوريا الطبيعية واستغلال ثرواتها الطبيعية والتعدينية بشكل متكامل، مع فتح باب التعاون الإقليمي بشكل كبير.
خلاصة القول، إن الأهمية الجيوسياسية لدمشق لا تكمن فيما تمتلكه من مقومات في صناعة النفط الخام والغاز الطبيعي، بل بموقعها الجغرافي المتميز، والذي كان أحد أهداف الحرب غير المعلنة فيها والحرب على غزة. إذ شكل وقودًا لإطالة أمدها وتوسع نطاقها في الشرق الأوسط، الناتج من تضارب مصالح جميع الدول، والتي يتحدد نفوذها الجيوسياسي ودورها الاستراتيجي بقدرتها على التحكم بأسواق الطاقة ومنابعها الحيوية (إنتاجًا وعبورًا وتصديرًا). وعليه، فإن استعادة سيطرة الحكومة السورية على المناطق التي تضم حقول النفط يُعد خطوة حيوية في إعادة إحياء القطاع النفطي في سوريا، وتُشكل البداية الحقيقية لإعادة مستويات إنتاج النفط في سوريا إلى معدلاتها الطبيعية. حيث ستسهم دمج المناطق الغنية بالموارد، التي كانت تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) طوال السنوات الماضية، بشكل كبير في استعادة القدرة الإنتاجية للنفط في سوريا، وبالتالي في إعادة بناء الاقتصاد السوري الذي تأثر بشكل كبير نتيجة الصراعات المستمرة.
وفي الأخير، تأهيل وتطوير الحقول الحالية سيكون أحد الإجراءات الأساسية لتحقيق الاستدامة والإنتاجية في القطاع النفطي. يُتوقع أن تشمل هذه الخطوات تحديث البنية التحتية للمرافق النفطية، وتطوير تقنيات الاستخراج الحديثة التي تسهم في زيادة الإنتاج بشكل أكثر كفاءة. بالإضافة إلى ذلك، يُتوقع أن السماح بدخول الشركات الأجنبية للتنقيب عن النفط سيكون خطوة مهمة لجذب الاستثمارات الخارجية وتعزيز التكنولوجيا والخبرة التي تحتاجها الحقول السورية لتوفير زيادة في الإنتاجية.
دكتور مهندس متخصص في شؤون النفط والطاقة