في ظل التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط، برز احتمال توجيه الولايات المتحدة ضربات إلى البنية الأساسية لمنشآت النفط والغاز في إيران كقضية بالغة الأهمية، تنطوي على تداعيات خطيرة في أسواق الطاقة؛ إذ يمثل قطاع الطاقة في إيران، خصوصًا منشآت النفط والغاز الطبيعي، أهمية بالغة لاقتصادها ومكانتها الإقليمية، ويُشكل دعامة أساسية للاقتصاد الإيراني. وصب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مزيدًا من الزيت على المشهد الإقليمي بعد تحذيره إيران من “قصف لا مثيل له” إذا لم تتوصل مع بلاده إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي؛ مما يثير تساؤلات بشأن ما يخبئه قادم الأيام.
ورغم العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وقوى غربية أخرى لسنوات طويلة، فلا تزال طهران تُصدر بين نصف إلى ثلثي نفطها، ومعظم هذا النفط ينتهي بالوصول إلى الصين. وفي ظل تنامي الحديث عن استعدادات لشن هجوم على منشآت إيران (النفطية والنووية)، برز التركيز على احتمالات وجود نية لضرب منشآت إنتاج وتكرير النفط في إيران بهدف وقف مصادر تمويل الاقتصاد فيها؛ الأمر الذي استجابت أسواق الطاقة له بشكل سريع بما يطرح تساؤلات حول سبب ذلك.
مدخل:
لم تعد أسعار النفط والغاز الطبيعي محصنةً ضد التوترات الجيوسياسية التي تجتاح بها منطقة الشرق الأوسط في الوقت الراهن، وأصبحت عرضة للعديد من التقلبات في ظل تهديد لأمن المنشآت النفطية (جرس إنذار حقيقي لأمن الطاقة العالمي.) حيث يعد تهديد المنشآت النفطية خطوة فارقة جديدة في سياق التوترات الجيوسياسية التي يشهدها العالم منذ بداية الضربات على غزة، وذلك مع تصاعد وتيرة الأحداث في منطقة الشرق الأوسط. وفي ظل تخوف طول أمد تلك الضربات وتوسعها بدخول أطراف أخرى (سيناريوهات متعددة)، تُثار أخطار عديدة قد تهدد أسواق الطاقة العالمية. وعليه، تتركز السيناريوهات للضربة الأمريكية المحتملة في 4 نقاط رئيسة وهي: استهداف منشآت عسكرية، نووية، نفطية، وناقلات الطاقة.
مقومات إيران النفطية
لا يقتصر قطاع الطاقة في إيران على النفط فقط، بل يشمل أيضًا الغاز الطبيعي والطاقة الكهربائية، إضافة إلى مشاريع جديدة تهدف إلى تطوير مصادر الطاقة المتجددة، إلا أن هناك تهديدات قد تطال هذا القطاع الحيوي المهم لإيران في أعقاب التوتر السائد مع إسرائيل وواشنطن.
علاوة على ذلك، تملك إيران (البالغ عدد سكانها حوالي 83 مليون نسمة) احتياطيات كبيرة من النفط الخام، وتُصنف من بين قائمة الكبار في إنتاج النفط على مستوى العالم، وتأتي في المرتبة الثالثة بعد فنزويلا والسعودية بين دول أوبك من حيث الأكثر امتلاكًا للاحتياطيات النفطية المؤكدة، إذ تستحوذ طهران على حصة قدرها حوالي 14%. تقع معظم احتياطيات إيران النفطية في البر حيث تُشكل حوالي 71%، في حين يحتوي حوض خوزستان على حوالي 80% من إجمالي الاحتياطيات الإيرانية النفطية.
ويُقدر إجمالي احتياطيات النفط الخام القابلة للاستخراج لدى إيران بحوالي 157.8 مليار برميل من النفط الخام، وذلك حتى يناير عام 2025، كما هو موضح في الشكل التالي.
استكمالًا لما سبق، تملك إيران حوالي 145 حقلًا (بريًا وبحريًا)، تتركز الحقول النفطية ذات الإنتاجية الأكبر في جنوب البلاد وغربها، ويعد حقل الأهواز الأكبر في المنطقة، بالإضافة إلى حوالي 21 مصفاة غاز، و10 مصافي نفط، ولديها القدرات التقنية التي تمكنها من بناء مصافٍ أخرى.
ويُعد حقل الأهواز من أكبر الحقول النفطية الإيرانية والذي يعرف أيضًا كثالث حقل نفطي كبير في العالم، وتبلغ الاحتياطيات المؤكدة للحقل حوالي 65 مليار برميل من النفط الخام، واكتشفت شركة النفط الإيرانية (البريطانية السابقة) هذا الحقل قبل حوالي 67 عامًا وتم تدشينه واستخراج النفط منه عام 1997، وهو يحتوي على 5 تجمعات لإنتاج ما يُعادل 800 ألف برميل يوميًا، بالإضافة إلى إنتاج حوالي 13 مليون متر مكعب من الغاز المصاحب، ويبلغ طول هذا الحقل حوالي 67 كيلومترًا وعرضه حوالي 6 كيلومترات.
وتُعد المصافي الإيرانية من المنشآت الاستراتيجية الحساسة، حيث يتم فيها تكرير النفط وتحويل النفط الخام إلى الغاز السائل والنفط الأبيض والبنزين والديزل ومشتقات نفطية أخرى. وتُعتبر مصافي البترول لمعامل صناعية عملاقة، تحتوي على العديد من وحدات المعالجة المختلفة والمرافق الإضافية المساعدة مثل وحدات الخدمات ووحدات التخزين. وتنتج إيران يوميًا من هذه المصافي ما يقارب 115 مليون لتر من وقود البنزين، وهو ما حقق لطهران اكتفاءً ذاتيًا من المشتقات والمنتجات البترولية. ولدى إيران عشرة مصافٍ عملاقة، تتوزع في جغرافياتها الواسعة، في جنوب غرب إيران ووسطها وجنوبها وشمالها، منها مصافي طهران العملاقة، كما هو موضح في الشكل التالي.
وعليه، تملك إيران أحد أكبر قطاعات التكرير في الشرق الأوسط، بطاقة إنتاجية وصلت إلى حوالي 2.4 مليون برميل يوميًا في عام 2024، موزعة على 10 مواقع رئيسة. وأكبر 3 مصافٍ لديها؛ هي مصفاة أصفهان التي تنتج حوالي 370 ألف برميل يوميًا، ومصفاة عبادان التي تنتج حوالي 360 ألف برميل يوميًا، ومصفاة بندر عباس التي تنتج حوالي 320 ألف برميل يوميًا. وينتج مصنع جم التطبيقي الواقع في بندر عباس أيضًا حوالي 399 ألف برميل يوميًا، وتم الانتهاء من بنائه عام 2018، وهو أحدث وأهم مصدر فعلي للبنزين في إيران، حيث لبّى حوالي 40% من الطلب المحلي العام الاقتصادي 2024.
وتملك شركة تكرير وتوزيع النفط الوطنية الإيرانية المملوكة للدولة، السيطرة الكاملة على عمليات نقل وتخزين وتسويق وتوزيع المنتجات النفطية في إيران، ومن أبرز الموانئ التي يُصدر منها النفط، على الساحل جنوب غربي إيران، ميناء بندر عباس، وميناء جزيرة خرج، التي تمثل حوالي 90% من صادرات النفط الإيراني.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن إيران تعاني من آثار عقوبات أمريكية أعادت واشنطن فرضها بدءًا من عام 2018، وذلك بعد انسحابها الأحادي من الاتفاق بشأن برنامج طهران النووي. وحرمت العقوبات الأمريكية طهران من أكثر من حوالي 100 مليار دولار من عائدات النفط الخام، ومنعتها من تصدير حوالي 1.8 مليار برميل من النفط من أبريل عام 2018 إلى أبريل من عام 2021، كما هو موضح في الشكل التالي.
علاوة على ذلك، بلغت احتياطيات إيران المؤكدة من الغاز الطبيعي حوالي 1.2 تريليون قدم مكعبة في عام 2024، وتحتل المرتبة الثانية عالميًا، وتملك إيران حوالي 17% من احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكدة في العالم، وما يقرب من نصف احتياطيات أوبك. كما كانت إيران ثالث أكبر منتج للغاز الطبيعي الخام في العالم، بعد الولايات المتحدة وروسيا في عام 2022، وعلى الرغم من العقوبات التي تقيد الاستثمار وتعوق تطوير الغاز الطبيعي في إيران، ارتفع إنتاج الغاز الطبيعي الخام بأكثر من حوالي 60% بين عامي 2011 و2023، وتوسع إلى ما يقرب من حوالي 8.8 تريليونات قدم مكعبة.
في عام 2023، كانت إيران رابع أعلى مستهلك للغاز الطبيعي في العالم بعد الولايات المتحدة وروسيا والصين، ويُستهلك معظم إنتاج إيران من الغاز الطبيعي محليًا (تنتج إيران حوالي مليارًا و40 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، يُسلّم منه نحو 980 مليون متر مكعب إلى شركة الغاز الوطنية).
علاوة على ذلك، ووفقًا للبيانات المعلنة عن صناعة الغاز الإيرانية، فإن طهران لم تتمكن حتى الآن من استخراج أكثر من حوالي 70% من احتياطياتها المؤكدة من الغاز الطبيعي (17% من إجمالي الاحتياطي العالمي)، حيث تبلغ حصة إيران من الإنتاج العالمي حوالي 5% فقط، وذلك بسبب المشاكل التي تواجهها وخاصةً العقوبات الأمريكية، وعليه ظل استخراج الغاز في إيران من احتياطاتها المؤكدة منخفضًا بشكل كبير.
ولدى إيران 43 حقلًا غازيًا، أهمها حقل بارس الجنوبي المطل على الخليج، وهو أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم، تتقاسمه كل من قطر وإيران، ويُعرف الحقل في قطر بحقل غاز الشمال. وتبلغ مساحته حوالي 90,700 كيلومتر مربع منها 60,000 في مياه قطر الإقليمية و30,700 في المياه الإيرانية.
إجمالًا لما سبق، ارتفع إنتاج النفط الإيراني منذ بداية العام الاقتصادي بنحو 700 ألف برميل يوميًا، مسجلًا بذلك أعلى مستوياته في تسع سنوات عند حوالي 3.25 ملايين برميل يوميًا، كما هو موضح في الشكل التالي، بعد أن استفادت طهران من انخفاض حدة التوترات مع واشنطن (قبل المواجهة المباشرة الحالية مع إسرائيل)، وغض الإدارة الأمريكية الطرف عن صادرات النفط الإيراني، في خطوة ربطها بعضهم برغبة الإدارة الأمريكية في كبح صعود أسعار الخام (في نهاية عام 2022).
وهنا تجدر الإشارة إلى أن واردات الصين من النفط الإيراني ارتفعت بشكل مستمر في السنوات الأخيرة، لتصل إلى حوالي 1.8 مليون برميل يوميًا، وهو الأمر الذي يعني أن أي تعطيل لتصدير النفط الإيراني سيؤثر بشكل كبير في اقتصاد طهران كما سيضر باقتصاد الصين (ثاني أكبر اقتصاد بالعالم)، وسيضر بالتالي بالاقتصاد العالمي (قطع إمدادات النفط الإيرانية سيجبر المصافي الصينية على زيادة مشترياتها من الموردين الرئيسيين الآخرين، بما في ذلك روسيا. وهذا التحول قد يؤدي إلى دعم مالي أكبر لجهود روسيا الحربية في أوكرانيا؛ مما يزيد تعقيد المشهد الجيوسياسي الأوسع).
وعليه، يمكن القول إن ضرب منشآت النفط الإيرانية قد يتسبب في أضرار اقتصادية كبيرة لطهران، وبينما تشكل بنية إيران النفطية الواسعة، التي تضم حقول نفط ضخمة وأنابيب ومحطات تصدير ومصافي، هدفًا مغريًا لضربات أمريكية، ولكن هذه الخطوة قد تأتي بنتائج عكسية على أسواق النفط العالمية. حيث تؤدي إلى ارتفاع هائل في أسعار النفط على مستوى العالم؛ مما قد يتسبب في تداعيات اقتصادية واسعة النطاق.
المنشآت النووية الإيرانية
بالرغم من تفاعل أسواق النفط الخام مع التهديدات الأمريكية الأخيرة، فإن القطاع ليس الوحيد الواقع في دائرة الأهداف المحتملة، والتي تمتد من المنشآت النووية وصولًا إلى استهدافات أخرى مؤثرة داخل إيران. إذ تملك إيران عدة منشآت نووية بارزة تنتشر في مختلف أنحاء البلاد، بعضها يُخصص لتخصيب اليورانيوم وإنتاج الوقود النووي، بينما يتم استخدام بعضها الآخر للأبحاث العلمية، (يضم البرنامج النووي الإيراني العديد من المنشآت النووية التي يمكن أن تكون أهدافًا محتمَلة في حال قررت إسرائيل شن هجمات عليها) ومن ضمنها:
مناجم اليورانيوم
تملك إيران عدة مناجم لاستخراج مادة اليورانيوم، أهمها مناجم سغند في محافظة يزد، وتحتوي على كميات كبيرة من خام اليورانيوم، وبدأ العمل فيها منذ السبعينيات. ويُعد منجم زاريغان أيضًا أحد المواقع المهمة لليورانيوم في إيران، ويقع في منطقة يزد، ويعد جزءًا من الجهود الإيرانية لتطوير قدراتها في مجال الطاقة النووية.
ووفقًا لتقرير وكالة الطاقة الذرية في مايو 2024، فإن إيران تخطت بشكل كبير السقف المحدد لتخصيب اليورانيوم عند نسبة حوالي %3.67، أي ما يعادل النسبة المستخدمة في محطات الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء، حيث باتت إيران تملك حوالي 351.3 كيلوجرامًا من اليورانيوم المخصب بنسبة حوالي 20%، مقابل 712.2 كيلوجرامًا قبل ثلاثة أشهر.
مراكز تخصيب اليورانيوم
يُعد مركز رامانده من ضمن المنشآت الاستراتيجية في إيران، وتضم مدينة نطنز، إلى جانب المفاعل، مركزًا لتخصيب اليورانيوم. ووفقًا للتصريحات الإيرانية، فإنها تستخدمه لأغراض سلمية مثل توليد الطاقة.
وبالإضافة إلى نطنز ورامانده، تملك إيران موقعًا للتخصيب في لشكَر آباد، قرب طهران، وظل سريًا إلى أن كشفت عنه تقارير غربية. ويُعد مركز أردكان من أبرز مواقع تخصيب اليورانيوم، ويقع في محافظة يزد، الغنية بالمعادن واليورانيوم، ويُعتقد أن هذا الموقع يُخصص لإنتاج مادة مسحوق اليورانيوم الطبيعي (الكعكة الصفراء).
المفاعلات النووية
يُعد مفاعل بوشهر، جنوبي إيران، أول مفاعل في البلاد، تم بناؤه بمساعدة روسيا، وبدأ تشغيله عام 2011، ويُستخدم لتوليد الكهرباء. كما تملك إيران مفاعلًا بالقرب من منطقة أراك في وسط البلاد، وهو قادر على إنتاج البلوتونيوم؛ مما جعله مصدر قلق دولي، وذلك بسبب قدرته على إنتاج مواد تُستخدم في صناعة الأسلحة النووية.
أما مفاعل فوردو فهو منشأة نووية مهمة، ويُعد أحد أبرز مواقع تخصيب اليورانيوم، ويقع بالقرب من قرية فوردو، جنوب مدينة قم في وسط إيران (تم بناء المنشأة على عمق كبير تحت الأرض؛ مما يجعلها حصينة ضد الضربات الجوية، وهي إحدى أكثر المنشآت النووية الإيرانية حماية).
ويُعد مفاعل “نطنز” رمزًا رئيسيًا كذلك في برنامج إيران النووي، ويشكل هدفًا رئيسيًا في الصراع الدولي حول طموحات إيران النووية، ويُستخدم المفاعل لتخصيب اليورانيوم باستخدام أجهزة الطرد المركزي، وبُني بشكل جزئي تحت الأرض لضمان حمايته من أي هجمات أو محاولات لاستهدافه. أما خامس المفاعلات النووية، فيقع في مدينة أصفهان، التي يحمل اسمها، ويشتهر بدوره في معالجة وتحويل اليورانيوم إلى وقود نووي، بالإضافة إلى العديد من الوظائف الحيوية الأخرى.
مراكز الأبحاث
تعتمد إيران في مشروعها على العديد من المراكز البحثية المتخصصة في الأبحاث النووية والكيميائية، منها مراكز جابر بن حيان، وجورغان، ودرمنَد للفيزياء البلازمية. وتملك منشآت أخرى ومجموعة واسعة من مراكز الصناعات والبحوث الأخرى؛ وذلك بهدف دعم المشروع النووي الإيراني، وتدعم الطموحات النووية للدولة، كمنشآت تصنيع الأسلحة والصواريخ وأجهزة الطرد المركزي.
ومن أبرز هذه المؤسسات، مركز أصفهان لبحوث وإنتاج الوقود النووي، ومجموعة صناعات الذخائر والميتالورجيا، وبارشين للصناعات الكيميائية، وجامعة مالك الأشتر لتكنولوجيا الدفاع، كما يوضح الشكل التالي منشآت إيران النووية.
تأسيسًا على ما سبق، يرتهن استقرار المنطقة والأمن الطاقي بما ستئول إليه الأوضاع السياسية والأوضاع الجيوإستراتيجية المقبلة. وبطبيعة الحال، سيكون لذلك تأثير فيما بعد، سواء على ارتفاع أو استمرار الأسعار نفسها بالنسبة للإنتاج واستخراج النفط الخام وعملية التصدير لهذه الموارد البترولية والمشتقات.
نطاق الصراع الحالي وتأثيرات الضربة المحتملة في أسعار الطاقة
بالنظر إلى نطاق الصراع الحالي، نجد أنه على الرغم من أنه يقع في منطقة الشرق الأوسط فإنه يُشكل تهديدًا مباشرًا على خطوط الإمدادات النفطية، أو مصادرها الرئيسية في المنطقة (تأثير متصاعد، لأنه مرتبط بدول نفطية كبرى)، في حالة تصعيد الصراع والضربة (ضرب المنشآت النفطية والنووية)، وهو الأمر الذي قد يدفع أسعار النفط للأعلى (فوق مستويات 95 دولارًا للبرميل النفطي)، مع تأثير كبير قد يصل إلى حوالي 60% زيادة في حركة الأسعار (لأن الأمر متعلق بدولة نفطية كبرى).
ولذلك يمكن القول إن خفض أو فقدان حوالي 100 ألف برميل يوميًا من النفط الإيراني سيؤدي إلى زيادة بمقدار نحو 10 دولارات للبرميل الواحد خلال الفترة المقبلة. وقد تسهم الأخطار الجيوسياسية في الشرق الأوسط في تحويل المستويات الهبوطية لدى المستثمرين إلى مستوى صعودي.
استهداف حقول النفط سيضرب قدرة إيران الإنتاجية، في حين أن استهداف المرافئ سيقطع التصدير، كما أن ضرب المصافي قد يعطل الإمدادات الداخلية للوقود. وعليه، فإن أي ضربة أمريكية كبيرة على قطاع الطاقة ستكون مدمرة للاقتصاد الإيراني، خصوصًا أن الصادرات تشكل نحو 85% من إيرادات الحكومة، وتُمَوّل غالبية أنشطة الحكومة ونفوذها الإقليمي.
وعلى عكس ذلك، هناك سيناريو آخر قد يتحقق إذا لجأت واشنطن إلى رد مدروس وتحديد الأهداف (المنشآت النفطية والنووية في إيران)، فقد يكون هناك تصعيد مطول من شأنه أن يُبقي الأسعار مرتفعة (نطاق 80 دولارًا للبرميل). أما السيناريو الثالث (الأسوأ) فهو حرب شاملة ومتعددة الأطراف (متبادلة) في حال الرد الإيراني بتهديد مباشر لمنصات الغاز الطبيعي (بالأخص حقل تَمار)؛ مما سيؤدي إلى أزمة عالمية لم يشهدها العالم من قبل (في سوقي النفط الخام والغاز الطبيعي)، ولكن ذلك يعتمد على كيفية استجابة الأسواق العالمية للضربات المتوقعة ومدى تأثيرها في القطاعات العامة، بالإضافة إلى مدى خطورتها على إمدادات النفط الخام والغاز الطبيعي (مضيق هرمز).
ويظل الوضع الأخطر على صناعة النفط العالمية هو خطورة تعطل إنتاج النفط الإيراني أو صادراته بشكل كامل، فقد يؤدي ذلك إلى تقليص العرض العالمي؛ مما يتسبب في ارتفاع الأسعار على نحو مستدام، أو قيام إيران بتعطيل حركة المرور عبر مضيق هرمز، الذي يتعامل مع حوالي %20 من تجارة النفط العالمية. وقد تتسبب مثل هذه الخطوة في ارتفاع كبير في الأسعار (وقد يؤدي هذا إلى ارتفاع أسعار الوقود).
وفقًا لما سبق، بات ارتفاع أسعار برميل النفط الخام في الأسواق العالمية إلى مستوى 100 دولار للبرميل النفطي الواحد أمرًا غير مستبعد، وذلك في حال زيادة الأخطار الجيوسياسية في المنطقة والناتجة عن توسع العدوان الإسرائيلي على العديد من دول المنطقة (توسع العمليات العسكرية)، مع تصاعد الصراع في الشرق الأوسط وتحوله إلى حرب مباشرة شاملة (مستمرة) بين الولايات المتحدة وإيران، وليس حربًا غير مباشرة عن طريق أطراف أخرى أو ضربات متبادلة ومتباعدة.
بالإضافة إلى تشديد الغرب الخناق على النفط الروسي (توقعات بعقوبات جديدة) من خلال محاولات التوسع في حزم العقوبات المتنوعة، أيضًا مع زيادة الطلب من قبل كبار المستهلكين للطاقة وفي المقدمة الصين.
لكن، في المقابل، فإن هناك أخطار شديدة لقفزة أسعار النفط المتوقعة، سواء على الاقتصاد العالمي، وكذلك على الدول المستهلكة للطاقة والوقود، لكن التأثير الأكبر سيكون في المواطنين في الدول المستهلكة للطاقة الذين سيجدون أنفسهم أمام قفزات في أسعار مشتقات الوقود مثل البنزين والسولار والغاز والديزل، والقطاعات والخدمات المرتبطة بها مثل الكهرباء والمياه والمواصلات وغيرها.
ما الدول الأكثر تضررًا؟
يُشكل مضيق هرمز الطريق الوحيد لتصدير النفط من العراق والكويت، وعليه ستكون اقتصادات هذه الدول من أكثر المتضررين، في حين أن السعودية والإمارات وعُمان بإمكانها التخفيف من بعض الخسائر المتوقعة، وذلك من خلال اللجوء إلى طرق أخرى، ولا سيما الأنبوب الذي يربط شرق السعودية بغربها على البحر الأحمر.
ويُعد مضيق هرمز المنفذ الوحيد لصادرات الغاز الطبيعي المسال من قطر، إحدى أكبر الدول المصدرة للغاز الطبيعي المسال في العالم، لذا فإن أي خلل في الصادرات سيؤثر في سوق الغاز المسال في العالم. وهنا تجدر الإشارة إلى أن قطر عملت على زيادة إمداداتها إلى دول الاتحاد الأوروبي خلال الأشهر الماضية (حوالي 14.98 مليون طن خلال عام 2023)، وقد تجنبت المرور عبر البحر الأحمر، مفضّلة الاعتماد على طريق رأس الرجاء الصالح.
(يُشار إلى أن دولة قطر تستهدف التوسع في إنتاجها من الغاز الطبيعي المسال بإعلانها في 2024 زيادة خططها إلى إنتاج حوالي 142 مليون طن، وتوقيع عقود طويلة الأجل مع شركائها للتصدير، فضلًا عن اتفاقها مع الشركات التي ستساعدها في خطط التوسع)، كما يوضح الشكل التالي مسارات وشبكات النفط في الشرق الأوسط.
علاوةً على ذلك، ستكون أوروبا من بين المتضررين فيما يتعلق بالمشتقات والمنتجات النفطية الذكية، وبالأخص المشتقات من الكويت، والتي أصبحت مصدرًا مهمًا منذ نهاية عام 2021 لتعويض الطلب، وذلك بعد تطوير مصفاة الزور التي تبلغ طاقتها أكثر من حوالي 650 ألف برميل يوميًا.
أمام ما تقدم، فإن الهجوم على منشآت الطاقة الإيرانية سيؤدي إلى تعطيل إنتاج إيران؛ مما يُسهم في نقص الإمدادات العالمية، خاصة في ظل تخفيضات إنتاج تحالف أوبك بلس، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط العالمية. حيث إن ضربة كهذه قد “تزيد التوترات في الخليج العربي”؛ مما يهدد شحنات النفط عبر مضيق هرمز، وعلى الصين ضرورة البحث عن موردين آخرين؛ مما قد يعيد تشكيل خريطة تدفقات التجارة النفطية في العالم.
لعلّ القول، ستتبع الضربة الأمريكية المحتملة العديد من التبعات السياسية والاقتصادية، بالأخص أن الضربة الإيرانية الأخيرة في نهاية عام 2024 كانت مختلفة عن ضربة أبريل الماضي، وجاءت مصحوبة برسائل إيرانية وتهديد صريح لمنشآت إسرائيل وبالأخص الغاز الطبيعي. وعليه، تشعر أسواق الطاقة بالقلق من أن الهجوم الأمريكي المحتمل، مهما كان شكله، قد تكون له تداعيات كبيرة على أسواق النفط والطاقة بشكل عام.
وقد يؤدي استهداف واشنطن صناعة الطاقة الإيرانية إلى إضعاف اقتصاد إيران؛ مما قد يؤدي إلى ردود فعل أقوى من إيران واستهداف منصات وحقول الغاز الإسرائيلية؛ مما قد يُدخل العالم في حرب طاقة لن يستطيع أحد الهروب من نفقها المظلم وتداعياتها القاتمة على اقتصادات الدول.
هل تتأثر مصر؟
يتزايد القلق من اتساع رقعة الأزمة لتشمل تداعيات اقتصادية تتجاوز حدود إيران والولايات المتحدة، وتمتد إلى دول المنطقة والعالم، وعلى الرغم من أن مصر ليست طرفًا مباشرًا في هذا الصراع، فإن موقعها الاستراتيجي واعتمادها على الأسواق العالمية في تأمين احتياجاتها من الطاقة، يجعلانها عرضة لتأثيرات غير مباشرة وأولى هذه التأثيرات تتمثل في أسعار الطاقة؛ إذ تشير أغلب التقديرات إلى أن أي هجوم على منشآت النفط الإيرانية، أو على الموانئ وحقول الإنتاج، سيدفع بأسعار النفط إلى مستويات قد تتجاوز 100 دولار للبرميل. هذا الارتفاع الحاد سيمثل عبئًا على استيراد عدد من مشتقات البترول لتلبية احتياجاتها، ويُحدث ضغطًا إضافيًا على الإقتصاد المصرى يضاف إلى العوامل الخارجية الأخرى.
من جهة أخرى، تُشكل قناة السويس عاملًا مهمًا في معادلة التأثر المصري. فمع احتمالية تعطيل مضيق هرمز، وهو المعبر الأهم لتجارة النفط العالمية، قد تتحول طرق الملاحة البحرية إلى قناة السويس؛ مما يرفع من إيراداتها نتيجة زيادة الطلب. إلا أن هذا السيناريو الإيجابي مشروط بعدم انزلاق الأوضاع في الخليج إلى مواجهات تؤثر في أمن البحر الأحمر والملاحة فيه، خاصة مع تنامي الهجمات على السفن في الأشهر الأخيرة والتي تمثل خطرًا كبيرًا يتمثل في تراجع الحركة إذا ما تأثرت الملاحة الدولية.
في النهاية، يقف الاقتصاد المصري أمام معادلة معقدة؛ إذ ترتبط استدامته بتطورات لا يتحكم فيها، لكنها تفرض عليه اتخاذ إجراءات استباقية تستلزم دعم جهود تنويع مصادر الطاقة، وتعزيز قدرات الإنتاج المحلي، وبناء مخزون استراتيجي، إلى جانب تحصين الوضع المالي في مواجهة تقلبات الأسواق الدولية.
دكتور مهندس متخصص في شؤون النفط والطاقة