تلعب مصادر الطاقة دورًا رئيسيًا في توازن القوى والمصالح الإقليمية والدولية في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يخلق مجالًا حافزًا للتنافس على هذه المصادر، وعلى وجه الخصوص (النفط الخام والغاز الطبيعي)، وخاصةً في المواقع التي تتقاطع عندها المصالح والأهداف الإقليمية والدولية المتعلقة بالاستحواذ على مصادر الطاقة في المنطقة، وهو ما يمثل أهم العوامل المؤثرة في رسم خريطة التنافس على مصادر الطاقة (النفط والغاز الطبيعي) في منطقة الشرق الأوسط؛ مما ينعكس على إعادة صياغة السياسات الاستراتيجيّة لدى أطراف التنافس وفق ما بات يُعرف بمصطلح (جغرافيا الطاقة)، وهو مصطلح يقصد به دراسة موارد الطاقة من حيث خصائصها وتنوعها وتوزيعها الجغرافي على مستوى العالم وعلى مستوى الوحدات السياسية.
لذلك تبرز الأهمية الاستراتيجية التي تتمتع بها منطقة الشرق الأوسط في امتلاك موقعها الجغرافي العديد من مصادر الطاقة، وخاصةً (النفط الخام والغاز الطبيعي) التي تُعد سر التطور والتفوق ومفتاح السيطرة على متطلبات العالم من أنواع الطاقة المتعددة، ومن هنا جاءت أهمية التنافس على مصادر الطاقة في المنطقة كمحدد رئيس للتفاعلات بين كافة الأطراف الإقليمية والدولية، وتضم منطقة الشرق الأوسط (المنطقة الجغرافية الممتدة من تركيا شمالًا إلى اليمن والصومال جنوبًا ومن ليبيا ومصر غربًا إلى إيران شرقًا ويتوسع ليشمل الجزائر والمغرب وقبرص وأفغانستان).
احتلت مصادر الطاقة الأحفورية منذ اكتشاف النفط الخام والغاز الطبيعي في منطقة الشرق الأوسط مكانة كبيرة على خريطة المصالح الاستراتيجية والاقتصادية للقوى الكبرى في العالم وبالأخص الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وكانت سببًا مباشرًا للتوترات الجيوسياسية في المنطقة.
علاوة على ذلك، المصالح الاقتصادية المتمثلة في استفادة الدول الغربية وشركاتها المختلفة من الامتيازات التي حصلت عليها من دول الشرق الأوسط؛ إذ كانت دول المنطقة لا تحصل سوى على القليل من ثرواتها الطبيعية كافة، وخاصةً من مواردها النفطية الضخمة.
وبناءً على ذلك تتميز منطقة الشرق الأوسط بأنها تعد مرتكزا مهمًّا في سوق الطاقة العالمي وستظل من أهم المناطق ذات المرتبة المرتفعة في قائمة المناطق الموردة للطاقة خلال العقود القادمة؛ حيث تعتبر مصادر الطاقة، وعلى رأسها (النفط الخام والغاز الطبيعي) محورًا مهمًّا لتحديد أنماط وأشكال التنافس في منطقة الشرق الأوسط وتحويل دول المنطقة أو دول خارج المنطقة إلى لاعب رئيس في لعبة التنافس على الطاقة؛ مما يجعل قضايا التنافس ذات طابع معقد ومتعدد الأطراف؛ مما يعقبه تداعيات تحمل نتائج إيجابية وسلبية على طبيعة العلاقات الدولية بين الأطراف المتنافسة في منطقة الشرق الأوسط.
يشهد العالم اليوم تحولات جذرية في المشهد الجيوسياسي؛ حيث تتزايد حدة التنافس على الموارد الطبيعية، خاصةً الطاقة؛ مما يؤدي إلى صراعات إقليمية ودولية معقدة. تلعب هذه الموارد دورًا محوريًا في تشكيل العلاقات الدولية وتحديد استراتيجيات الدول الكبرى والصغرى على حد سواء. حيث تتميز بعض المناطق الجغرافية بتركز هائل للموارد الطبيعية؛ مما يجعلها بؤرة اهتمام دولي، هذه المناطق غالبًا ما تكون غير مستقرة سياسيًا؛ مما يزيد من حدة التنافس عليها.
الطاقة في منطقة الشرق الأوسط
❶ مصادر الطاقة في منطقة الشرق الأوسط.
❷ التحديات المختلفة التي تواجه قطاع الطاقة في منطقة الشرق الأوسط.
❸ أطراف التنافس المختلفة على مصادر الطاقة في منطقة الشرق الأوسط.
❹ أشكال التنافس على مصادر الطاقة في منطقة الشرق الأوسط.
❺ تداعيات التنافس على مصادر الطاقة في منطقة الشرق الأوسط.
تعتمد منطقة الشرق الأوسط بشكل واضح على النفط الخام والغاز الطبيعي، مصدرًا رئيسيًا للطاقة والإيرادات الضخمة؛ حيث تضم المنطقة أكبر احتياطيات النفط الخام والغاز الطبيعي على مستوى العالم، وعليه تُشكل الطاقة الهيكل الأساسي لاقتصادات العديد من دول منطقة الشرق الأوسط والتي تأتي على رأسها الممكلة العربية السعودية. وبالتالي لعبت إيرادات صناعة الطاقة دورًا مهمًا في تطوير البنية التحتية والنمو الاقتصادي للعديد من دول الشرق الأوسط. وعلى الرغم من وفرة موارد الطاقة بشكل كبير في منطقة الشرق الأوسط، تواجه العديد من الدول تحديات ضخمة في صناعة الطاقة، إذ أدى النمو السكاني والتحضر السريع في منطقة الشرق الأوسط إلى زيادة الطلب على الطاقة؛ حيث إنه من المتوقع أن يرتفع الطلب على الطاقة الأولية في المنطقة بنسبة حوالي 56% وذلك بحلول عام 2040، مع توقع تضاعف الطلب على استهلاك الكهرباء.
تعد الطاقة ركيزة أساسية للتنمية البشرية، فهي المحرك الذي يدفع عجلة التقدم والتطور، ومع ذلك، فإن التفاوت في الوصول إلى الطاقة يمثل تحديًا كبيرًا يهدد تحقيق أهداف التنمية المستدامة؛ مما يستدعي بذل جهود مضاعفة لتوفير الطاقة بأسعار معقولة وبشكل مستدام للجميع. لقد شكل التفاوت في الوصول إلى الطاقة محركًا رئيسيًا للتفاوتات الاقتصادية العالمية منذ الثورة الصناعية؛ حيث أسهم في تعزيز التبادل التجاري بين الدول، وفي الوقت نفسه، أدى إلى زيادة التنافس على الموارد الطاقوية وتشكل تحالفات جديدة؛ مما جعل من الأمن الطاقوي قضية مركزية في العلاقات الدولية.
تعتبر منطقة الشرق الأوسط، بمساحتها الشاسعة وتنوع تضاريسها، موطنًا لأكبر احتياطيات نفطية وغازية في العالم، هذا الموقع الجغرافي الاستراتيجي والثروات الطبيعية الهائلة جعلتا المنطقة مركزًا للصراع والتنافس الدولي، كما شكلتا ركيزة أساسية للاقتصادات العربية. إن التحديات الأمنية والسياسية المتزايدة في منطقة الشرق الأوسط، إلى جانب التغيرات المناخية والضغوط البيئية، قد أدت إلى تفاقم مشكلة أمن الطاقة في المنطقة. ولتجاوز هذه التحديات، تسعى الدول إلى تنويع مصادر الطاقة والاستثمار في التقنيات النظيفة؛ مما يتطلب تعاونًا دوليًا لضمان إمدادات الطاقة المستدامة والموثوقة.
رغم الجهود التي تبذلها دول المنطقة لتطوير قطاع الطاقة المتجددة، فإن الفجوة بين الإمكانات المتاحة والاحتياجات المتزايدة لا تزال كبيرة. وتواجه هذه المشاريع تحديات عديدة، مثل ارتفاع التكاليف ونقص الخبرات؛ مما يستدعي مزيدًا من الدعم الحكومي والاستثمارات الخاصة لتحقيق أهداف التحول نحو اقتصاد أخضر مستدام. على الرغم من الجهود المبذولة لتنويع مصادر الطاقة، فلا يزال الغاز الطبيعي يشكل العمود الفقري لمزيج الطاقة في منطقة الشرق الأوسط. وقد أدت الأحداث الجيوسياسية الأخيرة، مثل الأزمة الروسية الأوكرانية وتداعيات الحرب على غزة، إلى تعزيز هذا الاتجاه؛ حيث من المتوقع أن يشهد الإنتاج الإقليمي من الغاز الطبيعي نموًا ملحوظًا في السنوات المقبلة؛ مما يؤخر تحقيق أهداف التحول الطاقوي. ويشهد قطاع الطاقة تحولًا جذريًا؛ حيث من المتوقع أن تنخفض سعة الطاقة التي تعمل بالنفط بنسبة كبيرة بحلول عام 2030. ويعود ذلك إلى التفضيل المتزايد للغاز الطبيعي كوقود انتقالي، مدفوعًا بالجهود العالمية للحد من الانبعاثات الكربونية والتحول نحو اقتصاد أكثر استدامة.
تقع منطقة الشرق الأوسط في قلب التحول العالمي نحو الطاقة المستدامة؛ حيث تسعى إلى الاستفادة من موقعها الجغرافي المتميز ومواردها الطبيعية الهائلة لتحقيق هدف عالمي يتمثل في الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض. وتعتبر السنوات المقبلة فترة حاسمة لتجاوز التحديات والاستفادة من الفرص المتاحة في مجال الطاقة المتجددة، وتحويل المنطقة إلى مركز إقليمي للابتكار والتنمية المستدامة. شهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في عام 2019 تقدمًا ملحوظًا في مجال الطاقة المتجددة؛ حيث شهدت استثمارات ضخمة في مشاريع الطاقة الشمسية، مدفوعةً بالتزايد السكاني السريع والتغيرات المناخية والسعي لتحقيق الاستقلال الطاقوي. ويعتبر الاستثمار في البنية التحتية للطاقة المتجددة عاملًا حاسمًا في تحقيق هذا الهدف وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام في المنطقة.
❶ مصادر الطاقة في منطقة الشرق الأوسط
أولًا: مصادر الطاقة المتجددة (الطاقة الشمسية-طاقة الرياح)
فيما يتعلق بالطاقة الشمسية:
تتميز منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بموارد شمسية وفيرة؛ حيث تستقبل كميات كبيرة من الإشعاع الشمسي على مدار العام. هذه الموارد الضخمة تجعل المنطقة قادرة على توليد كميات هائلة من الطاقة الكهربائية من خلال الألواح الشمسية؛ مما يسهم في تحقيق أهداف الاستدامة البيئية وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري. وتتميز المنطقة بظروف جوية مثالية لتوليد كل من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح؛ حيث تغطي الرياح القوية ذات السرعات العالية ثلاثة أرباع مساحتها. هذا الإمكانات الهائلة يجعل المنطقة قادرة على توليد كميات كبيرة من الطاقة الكهربائية النظيفة؛ مما يسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري. وتسعى العديد من الدول في المنطقة إلى الاستفادة من هذه الإمكانات الهائلة من خلال الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة على نطاق واسع.
فيما يتعلق بطاقة الرياح:
تؤكد التوقعات أن قطاع طاقة الرياح البرية في الشرق الأوسط سيشهد طفرة كبيرة خلال العقد المقبل؛ حيث من المتوقع أن ينمو بنسبة حوالي 23.1% سنويًا. ويعزى هذا النمو المتسارع إلى الزيادة المتوقعة في الاستثمارات في مشاريع الطاقة المتجددة، وخاصةً مشاريع الرياح والهيدروجين الأخضر؛ حيث إن المنطقة تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق أهدافها في مجال الطاقة المتجددة. تضم مناطق الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا الشرقية وروسيا وبحر قزوين حوالي 11 سوقًا من أصل أكبر 20 سوق رياح برية ناشئة في العالم؛ مما يرجح إطلاق العنان لقدرات كبيرة وطفرة متوقعة من هذه الأسواق خلال العقد المقبل.
كما يشهد قطاع طاقة الرياح في المنطقة دفعة قوية مدفوعة بطموحات الهيدروجين الأخضر؛ حيث تعتبر طاقة الرياح مصدرًا رئيسيًا لإنتاج الهيدروجين الأخضر نظرًا لوفرة موارد الرياح في المنطقة، وتُعد طاقة الرياح المحرك الرئيسي لثورة الهيدروجين الأخضر في المنطقة (وصل عدد مشروعات الهيدروجين في المنطقة إلى حوالي 103 مشروعات)، وتوفر الكهرباء اللازمة لإنتاج الهيدروجين من الماء. وشهد عاما 2021 و2022، موجة من الإعلانات عن مشروعات الهيدروجين الأخضر في أنحاء المنطقة. كما تراهن أسواق مثل مصر وموريتانيا والسعودية وسلطنة عمان -مؤخرًا- على أن تصبح منتجًا رائدًا للهيدروجين مع طموحات أوسع للتصدير إلى الأسواق الخارجية، وتسعى دول منطقة الشرق الأوسط إلى ضخ المزيد من الاستثمارات في قطاعات الطاقة المتجددة المختلفة.
ووفقًا لتقارير مراقبة الطاقة العالمية، فإن محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح التي من المقرر أن تبنيها دول الشرق الأوسط ستزيد من قدرة إنتاج الطاقة المتجددة في الشرق الأوسط بمقدار خمس مرات، ويتضمن هذا المشروع ما يقرب من 45 محطة لتوليد طاقة الرياح و114 محطة للطاقة الشمسية. علاوةً على ذلك، وفقًا للمبادرة العربية للطاقة النظيفة التي أطلقتها الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، سيتوصل إلى حوالي 92% من الهدف الذي سيحقق من خلال مشاريع توليد الطاقة المتجددة في دول الشرق الأوسط بحلول عام 2030. وسوف تضاعف الطاقة الشمسية وطاقة الرياح المولدة في منطقة الشرق الأوسط قدرة المنطقة على توليد الطاقة المتجددة بحلول عام 2030.
يمكن لدول الشرق الأوسط تحقيق فوائد متعددة من خلال الاستثمار في الطاقة المتجددة، فبالإضافة إلى الإسهام في خفض الانبعاثات والحدّ من آثار تغير المناخ، يمكن للطاقة المتجددة أن تسهم في توفير المياه العذبة من خلال تقليل الضغط على مصادر المياه التقليدية المستخدمة في توليد الطاقة. كما يمكن لهذه الطاقة أن توفر فرصًا اقتصادية جديدة وتعزز الأمن الطاقة في المنطقة.
ثانيًا: مصادر الطاقة الأحفورية (النفط الخام والغاز الطبيعي والفحم)
تعتبر منطقة الشرق الأوسط مركزًا عالميًا للطاقة وبالأخص النفط الخام والغاز الطبيعي؛ حيث تتركز فيها أغنى حقول النفط والغاز. هذه الثروات الطبيعية الهائلة تجعل المنطقة ساحة للتنافس والصراع بين الدول الكبرى، وتؤثر بشكل كبير في التوازنات القوى الإقليمية والدولية. وفي ضوء ذلك، نجد أن أبرز ما تنفرد به مصادر الطاقة (النفط الخام والغاز الطبيعي) في منطقة الشرق الأوسط هي أنها متوفرة بكثرة، وهو ما عبرت عنه إدارة الطاقة الأمريكية (EIA)؛ حيث ذكرت في تقريرها أن منطقة الشرق الأوسط هي المصدر الرئيس للنفط والغاز الطبيعي حتى عام 2025، كما أنها تحتوي على ما يقارب حوالي 57% من احتياطي النفط العالمي (تصل الاحتياطيات المؤكدة من النفط الخام في منطقة الشرق الأوسط إلى حوالي 871.6 مليار برميل من النفط الخام)، كما أن معدلات الإنتاج النفطي والغاز الطبيعي في المنطقة في تزايد مستمر؛ وذلك نظرًا لأهميتهما كعصب للصناعة في العالم.
وعليه، تحتل منطقة الشرق الأوسط مكانة مركزية في سوق الطاقة العالمية بفضل احتياطاتها الهائلة من النفط الخام والغاز الطبيعي، إلا أن هذا الثراء الطبيعي يجعلها ساحة للتنافس والصراع؛ حيث تتشابك المصالح الإقليمية والدولية مع التحديات التي تواجه منطقة الشرق الأوسط. ويشهد إنتاج النفط والغاز في المنطقة نموًا هائلًا، ومن المتوقع أن يتضاعف خلال السنوات القليلة المقبلة؛ مما يؤكد أهميتها الاستراتيجية في الاقتصاد العالمي والجيوسياسية. هذا النمو المتسارع يستدعي استراتيجيات جديدة للتعامل مع التحديات المرتبطة بالطاقة، مثل الاستدامة والتغيرات المناخية، بالإضافة إلى التعامل مع القضايا الإقليمية بشكل أكثر فاعلية، وتأتي الممكلة العربية السعودية على قائمة الأكثر إنتاجًا للنفط الخام في الربع الثالث من عام 2024.
هنا تجدر الإشارة إلى أن مصادر الطاقة في منطقة الشرق الأوسط تُعد من أهم العوامل الداعمة للنمو الاقتصادي في المنطقة والعالم، والتي تتميز بتكلفتها المنخفضة وسهولة استخراجها. هذه المزايا تقلل من حدة التنافس على الموارد وتُسهم في خلق بيئة أكثر استقرارًا؛ مما يجعل المنطقة وجهة جاذبة للاستثمارات الأجنبية، ويوضح الشكل التالي توقعات إنتاج النفط والغاز الطبيعي في منطقة الشرق الأوسط حتى عام 2026، وذلك بالربط مع معدلات ضخ الاستثمارات في القطاعات ذات الصلة، ومن المتوقع أن يشهد قطاعا النفط الخام والغاز الطبيعي (بالأخص قطاع الغاز الطبيعي) مزيدًا من النمو ؛ حيث ترتبط الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك بحجم الاستثمارات المباشرة في صناعة الطاقة.
وبالنظر إلى إنتاج الغاز الطبيعي، تُشكل منطقة الشرق الأوسط مستودعًا استراتيجيًا للغاز في العالم، وعليه من المتوقع أن تشهد صناعة الغاز الطبيعي ازدهارًا كبيرًا خلال السنوات المقبلة، وذلك عن طريق ضخ استثمارات كبيرة بهدف تلبية الطلب العالمي المتزايد وبالأخص الأوروبي على الغاز الطبيعي.
❷ التحديات التي تواجه قطاع الطاقة في منطقة الشرق الأوسط
تاريخيًا، أدى الاعتماد الكلي على مصادر الطاقة الأحفورية إلى العديد من التحديات التي تواجه دول منطقة الشرق الأوسط وبالأخص دول المنبع النفطي، بما في ذلك ارتفاع تكلفة إنتاج الطاقة مع التقلبات الحادة والمتغيرة في أسعار النفط الخام خلال السنوات الأخيرة (حالات عدم التوازن مع عدم الوصول إلى نقطة التوازن الإنتاجي)، علاوة على ذلك التدهور الواضح في الوضع البيئي المتدهور. وهو الأمر الذي من شأنه زيادة الحاجة إلى تنويع مصادر الطاقة وضرورة العمل على تطوير مصادر الطاقة البديلة المختلفة.
في هذا السياق، تُثار عدة تساؤلات؛ أهمها: ما التحديات الحالية التي تواجه قطاع الطاقة في منطقة الشرق الأوسط؟ وماذا يحمل المستقبل من فرص تُسهم في التغلب على هذه التحديات بما يعزز ويدعم إمكانيات قطاع الطاقة؟ وكيف يمكن أن يُسهم التعاون الإقليمي في التغلب على تلك التحديات وتعظيم الاستفادة من فرص نمو قطاع الطاقة وموارد الطاقة الضخمة في المنطقة؟
تواجه منطقة الشرق الأوسط العديد من التحديات للتحول والانتقال الناجح في مجال الطاقة من خلال استخدام مصادر الطاقة النظيفة، وبالرغم من توافر الموارد الطبيعية المتجددة في المنطقة (بشكل ضخم)، فإن استغلال مصادر الطاقة البديلة لا يزال غير مستغل بالشكل الأمثل. وعليه، من الضروري تحديد ومعالجة المدخلات الرئيسية التي تُسهم في التحول دون تطوير تلك الموارد الطبيعية بشكل أكبر في منطقة الشرق الأوسط. أمام ما تقدم، يواجه الانتقال إلى نظام طاقة منخفض الكربون ومستدام في منطقة الشرق الأوسط العديد من التحديات، والتي من ضمنها النقص الشديد في التمويل والبنية التحتية المصاحبة لهذا التحول، وضعف الإطار التنظيمي والمؤسسي اللازم، بالإضافة إلى الاعتماد الكبير على الطاقة الأحفورية كمصدر رئيس للطاقة والدخل، وزيادة الطلب على الطاقة، وتعرض الاقتصاد للصدمات الخارجية مثل تذبذب أسعار النفط الخام، بالإضافة إلى الصراعات الجيوسياسية والأزمات التي تجتاح منطقة الشرق الأوسط والعالم في السنوات الأخيرة (بالأخص في دول منبع). هذا فضلًا عن تزايد مستويات انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والآثار الناجمة عن التغيرات المناخية الحادة.
وفي ضوء ذلك، يمكن استنتاج بعض التحديات الرئيسية التي تواجه ملف الطاقة في منطقة الشرق الأوسط على النحو التالي:
عدم توفر البنية التحتية الطاقوية: بشكل عام، تفتقر منطقة الشرق الأوسط إلى البنية التحتية اللازمة لدعم التحول إلى الطاقة النظيفة، فعادة ما تكون شبكات الكهرباء في العديد من الدول متهالكة وغير مجهزة بالشكل الملائم للتعامل مع إنتاج الطاقة المتجددة على نطاقات واسعة. ويرتبط بهذا ضرورة العمل على جذب استثمارات ضخمة في البنية التحتية للطاقة المتجددة والتي يأتي على رأسها صناعة الهيدروجين الأخضر. وعلى الرغم من تدشين الحكومات العربية مشروعات للطاقة المتجددة، فإنه لا تزال هناك فجوة كبيرة بين إمكانات الطاقة المتجددة والإنتاج، وذلك بسبب ارتفاع الطلب على الطاقة والنمو السكاني المتزايد في دول منطقة الشرق الأوسط.
مثال توضيحي: تحتاج دولة الإمارات العربية المتحدة، إلى إجمالي استثمارات تُقدر بحوالي 165 مليار دولار في مجال الطاقة المتجددة والبديلة، لتتمكن من توليد حوالي 50% من احتياجاتها من الكهرباء المولدة من مصادر نظيفة ومستدامة وذلك بحلول عام 2050.
محدودية الطاقة الإنتاجية الفائضة: سيظل الخطر الأكبر على قطاع النفط العالمي هو الطاقة الإنتاجية المحدودة، وعلى دول أوبك وحلفائها، إذ أن الهدف الدائم لمنظمة الدولة المصدرة للنفط (أوبك)، وأيضًا تحالف (أوبك بلس) هو الاستثمار في السعة الإنتاجية الفائضة لبراميل النفط الخام، بهدف الاستفادة منها في مواجهة أي صدمة للحفاظ على استقرار أسعار النفط الخام. ولكن بالنظر إلى تلك المسألة نجد أن هناك دولًا قليلة لا تزال تحتفظ بطاقة إنتاجية محدودة للغاية، ومنها المملكة العربية السعودية.
نقص العمالة الماهرة في قطاع الطاقة المتجددة: قد لا تمتلك بعض دول منطقة الشرق الأوسط الخبرة الفنية الضرورية لتنفيذ سياسات الدول للتحول إلى الطاقة المتجددة بشكل أكثر فاعلية وإنتاجية، إذ يتطلب نشر مشروعات الطاقة المتجددة عمالة ماهرة، والتي غالبًا ما يكون هناك نقص فيها بمنطقة الشرق الأوسط، ويرجع ذلك إلى نقص الاستثمار في برامج التعليم والتدريب الفني؛ مما أدى إلى نقص الكوادر المؤهلة لتركيب وتشغيل وصيانة أنظمة الطاقة المتجددة، بالإضافة إلى هجرة الخبراء للعمل بالدول الأوروبية.
الحواجز والأطر التنظيمية: يُشكل الافتقار إلى سياسات وأنظمة واضحة تهدف إلى تعزيز صناعة الطاقة المتجددة عائقًا رئيسيًا أمام انتشارها في منطقة الشرق الأوسط. حيث لا يزال دعم الوقود الأحفوري ساريًا في العديد من دول المنطقة؛ مما يجعل من الصعب على الطاقة المتجددة التنافس بصورة عادلة مع صناعة الطاقة الأحفورية، فقد ترتب على العقبات البيروقراطية عدم تطوير مشروعات الطاقة المتجددة بصورة كبيرة، مع وجود العديد من العقبات التي تحد من انتشار صورها المختلفة ومحاوره المتنوعة والنظيفة (الطاقة المتجددة طاقة واعدة يجب توفر أرض خصبة لنموها).
التكلفة العالية لمشروعات الطاقة المتجددة: انخفضت تكلفة مشروعات الطاقة المتجددة المختلفة بشكل واضح في السنوات الأخيرة، إنها لا تزال تتطلب استثمارات أولية كبيرة وبالأخص مكوناتها في ظل افتقار العديد من دول منطقة الشرق الأوسط للتصنيع المحلي لمدخلات الطاقة المتجددة، والتي قد يكون من الصعب تأمينها في الدول ذات الوصول المحدود إلى أسواق رأس المال، لذا فإن أحد أكبر التحديات هو التكلفة العالية لتقنيات الطاقة النظيفة مقارنة بمصادر الطاقة التقليدية المتعددة والرخيصة نسبيًا.
على الرغم من أن تكلفة مصادر الطاقة المتجددة آخذة في الانخفاض، فإنها تظل أعلى تكلفة من الطاقة الأحفورية في كثير من الحالات.
المشكلات التقنية والتكنولوجية: مثال على ذلك عملية تخزين الطاقة المتجددة، التي تُشكل إحدى أهم العقبات الرئيسية مع مصادر الطاقة النظيفة ومنها طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وهذا يُمثل تحديًا كبيرًا لأن ذلك يعني وجود تهديد مستمر لديمومية إنتاج الطاقة والحفاظ على معدلاتها؛ حيث إنه لا يمكن توليد الطاقة باستمرار وهو ما قد يتطلب مصادر طاقة احتياطية، فهناك حاجة لتقنيات تخزين الطاقة لتخزين الطاقة الزائدة المتولدة خلال أوقات الإنتاج القصوى لاستخدامها خلال أوقات الإنتاج المنخفضة، والتي لا تزال تكلفتها عالية –أي تقنيات تخزين الطاقة– وهو ما يُعد عائقًا أمام نشرها في دول منطقة الشرق الأوسط.
إجمالًا لما سبق، إن التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة هو السبيل الوحيد لتحقيق مستقبل مستدام. ويتطلب هذا التحول جهودًا كبيرة لزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة في إنتاج الكهرباء، خاصةً في القطاع الصناعي. وتؤكد توقعات وكالة الطاقة الدولية على أهمية هذا التحول؛ حيث من المتوقع أن يشهد القطاع الصناعي زيادة كبيرة في الاعتماد على الطاقة المتجددة؛ مما يُسهم في تقليل الانبعاثات الكربونية وتحسين جودة الهواء. وعليه، يتطلب تحقيق التحول نحو الطاقة المتجددة جهودًا مضنية وإصلاحات واسعة النطاق في سياسات الطاقة الحالية، وذلك لتحقيق أهداف طموحة تتطلب توفير ملايين فرص العمل في هذا القطاع الواعد. وتؤكد تقارير الوكالة الدولية للطاقة المتجددة على الإمكانات الهائلة لقطاع الطاقة المتجددة في خلق فرص عمل جديدة؛ حيث تشير التقديرات إلى إمكانية توفير عشرات الملايين من الوظائف بحلول منتصف القرن. وفي أعقاب استضافة مصر والإمارات لمؤتمري المناخ العالمي (كوب 27 وكوب 28)، أصبحت قضية تغير المناخ أولوية قصوى لدول المنطقة؛ مما حفزها على البحث عن حلول مبتكرة لمواجهتها، وفي مقدمتها مفهوم إزالة الكربون الذي يعتبر أحد أهم الحلول المقترحة لتحقيق الحياد الكربوني والحد من آثار التغيرات المناخية. كما اكتسبت مصادر الطاقة المتجددة المتنوعة شعبية في الآونة الأخيرة لسببين رئيسيين؛ أولًا: انخفاض تكاليف تكنولوجيا إنتاج الطاقة المتجددة، وثانيًا: الطلب المتزايد على زيادة كفاءة الطاقة المستخدمة، والاستفادة الكاملة من المزايا النظامية.
الاضطرابات السياسية والأزمات في دول منابع نفطية مهمة (التوترات الجيوسياسية وانعدام الأمن): مع إنتاج خمس دول فقط ما يقرب من نصف إجمالي النفط الخام في العالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية، والممكلة العربية السعودية وروسيا وليبيا والعراق، يمكن للتوتر في واحدة من هذه الدول أن يسبب مشاكل حادة في العرض، فالحروب والنزاعات في منطقة منتجة للنفط الخام قد يؤدي إلى تهديد صريح لمخزونات أو منشآت الإنتاج النفطية، والتي يمكن أن تسبب ارتفاعًا كبيرًا في أسعار النفط الخام والغاز الطبيعي، كما هو الحال الآن مع الصراع الروسي الأوكراني والحرب على غزة (توترات منطقة الشرق الأوسط)؛ حيث ارتفعت أسعار النفط لأول مرة فوق 100 دولار للبرميل منذ عام 2014.
مثال توضيحي لتأثير الاضطرابات السياسية ولأزمات على صناعة النفط الخام في الشرق الأوسط (ليبيا): استمرت معدلات الإنتاج الليبي فوق حاجز المليون برميل يوميًا قبل مرحلة الصراع الأخيرة في بداية عام 2022، والتي ترتب عليها إغلاق العديد من الحقول النفطية، ووصل حجم التراجع النفطي إلى حوالي 530 ألف برميل يوميًا بعد أن قاربت حاجز 1.2 مليون برميل يوميًا؛ مما يُشكل ضربة لاقتصاد ليبيا في وقت اقتربت فيه أسعار النفط من سعر 80 دولارًا للبرميل الواحد. من جهة أخرى عانت حقول الإنتاج وموانئ التصدير الليبية الإغلاقات المتكررة خلال السنوات الماضية (الصراعات السياسية)؛ مما تسبب في تذبذب مستمر لمعدلات الإنتاج التي لم تصل قطّ خلال هذه الفترة إلى معدلاتها القياسية 1.8 مليون برميل يوميًا، من زاوية أخرى يُشكل تراجع معدلات الإنتاج الليبي مشكلة أخرى لإمدادات منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، والتي يطالبها كبار المستوردين، ومن بينهم الولايات المتحدة الأمريكية، بالإسراع في زيادة معدلات الإنتاج، كما يوضح الشكل التالي تأثر مستويات الإنتاج بالإغلاقات المتكررة على الإنتاج الليبي.
❸ أطراف التنافس على مصادر الطاقة في منطقة الشرق الأوسط
شهدت منطقة الشرق الأوسط تحولات جذرية في مشهد التنافس على الطاقة؛ حيث دخلت قوى جديدة على خط الصراع؛ مما زاد من تعقيد العلاقات الإقليمية والدولية. وتعتبر المنطقة هدفًا رئيسيًا للتنافس الإقليمي والدولي، وذلك نظرًا لأهميتها الاستراتيجية في الاقتصاد العالمي؛ مما يؤدي إلى غياب التنسيق بين الدول المنتجة للطاقة وتضارب المصالح. وتعددت الأطراف المتنافسة بدءًا من الدول الإقليمية ووصولًا إلى الشركات العالمية الكبرى. هذا التنافس الشديد أدى إلى ظهور ما يعرف بالجيوسياسة الطاقوية؛ حيث تسعى كل دولة وشركة إلى تأمين مصالحها في المنطقة؛ مما يعقد العلاقات الإقليمية والدولية.
صاحب ذلك بروز العديد من التغيرات المتتابعة، والتي تُـظهر حجم التعقيد الذي يخلفه الواقع نتيجة ما تشهده المنطقة من تنافس بشكل أكثر فاعلية، وفي الوقت نفسه العمل على الاستفادة من مصادر الطاقة غير المكلفة ماديًا المتوفرة بكثرة لسد احتياجات كل دول العالم تقريبًا، وهو ما أدى إلى وجود صراع بين كل الأطراف للتنافس على الاستحواذ على مصادر الطاقة في المنطقة؛ مما دعا هذه الأطراف الإقليمية والدولية إلى الاستثمار وضخ الأموال في مجالات الطاقة، وخاصةً (النفط الخام والغاز الطبيعي)، وهو ما يوضح في الشكل التالي من حجم استثمارات الطاقة في منطقة الشرق الأوسط من عام 2022 حتى عام 2026.
وبشكل عام، يشهد قطاع الطاقة في منطقة الشرق الأوسط تحولات جذرية؛ حيث تتزايد المنافسة على الموارد بشكل كبير، ويُعد حوض شرق المتوسط مثالًا صارخًا على هذا التنافس؛ حيث تسعى دول عدة (مثل إيطاليا وفرنسا والولايات المتحدة وروسيا) إلى الاستحواذ على الحصص الأكبر من السوق في صناعة الغاز الطبيعي؛ مما يؤكد الأهمية الاستراتيجية للمنطقة ويدفع الدول والشركات إلى تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة. وعليه، شهد حوض شرق المتوسط تصعيدًا في التوترات مع قيام تركيا بإرسال سفن تنقيب وحربية إلى مناطق متنازع عليها، وفي الوقت نفسه، عملت إسرائيل على تكثيف عمليات التنقيب في حقل كاريش. هذه التطورات تعكس حدة التنافس الإقليمي على الموارد الطبيعية في المنطقة؛ حيث تتخذ كل دولة إجراءات منفردة لتأمين مصالحها؛ مما يزيد من تعقيد الأوضاع ويهدد الاستقرار. وعليه، تتزايد أهمية الاكتشافات الضخمة (التي تتمتع باحتياطيات كبيرة واقتصادية) في حوض المتوسط بسبب حالة عدم الاستقرار الأمني والسياسي وضعف إمكانات التعاون بين دول المنطقة، في ضوء وجود عدد من الصراعات السياسية المزمنة أو الحديثة النشأة، مثل الصراع العربي-الإسرائيلي، والصراع التركي-القبرصي-اليوناني، والصراع في سوريا ولبنان وغيرها من دول المستقبل في صناعة الغاز الطبيعي.
وبالتالي، ستكون لتلك الصراعات الإقليمية تأثيرات سياسية حتمية في ضوء احتدام التنافس الإقليمي على منابع الحصول على الطاقة، وعودة أجواء الصراع القائم على أسس جيوبوليتيكية بين القوى الكبرى والإقليمية، بعد أكثر من عقدين على انحسارها نتيجة انتهاء الحرب الباردة.
ونجد أن مصر قامت بخطوات جادة لتطوير قطاع الغاز الطبيعي؛ حيث استثمرت في حقول غازية متعددة مثل ظهر ونورس وأتول، بالإضافة إلى العديد من الخطوات الاستباقية في غرب البحر المتوسط بتكثيف عمليات البحث والاستكشاف في جزء حيوي ومهم من البحر المتوسط (منطقة بكر وواعدة) وبهدف استطلاع إمكانات المنطقة من احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي والنفط الخام. كما عززت مصر التعاون مع شركاء دوليين مثل الولايات المتحدة، هذا التوجه يعكس حرص مصر على تأمين أمنها الطاقي وتعزيز دورها كلاعب رئيسي في سوق الطاقة الإقليمية؛ حيث تتعاون مع دول أخرى في المنطقة مثل إسرائيل وقبرص واليونان لتطوير مشاريع مشتركة في مجال الطاقة وبالأخص الغاز الطبيعي (كافة أنشطة الصناعة المختلفة).
وفي المقابل، يأتي دور القوى الإقليمية في حوض شرق المتوسط؛ حيث أرسلت تركيا عددًا من سفن التنقيب عن الغاز الطبيعي في مناطق متنازع عليها، وذلك برفقة سفن حربية لتأمين هذه السفن التركية خلال قيامها بأعمال التنقيب، كما عملت إسرائيل على التنقيب في حقل كاريش الواقع في المنطقة المتنازع عليها مع لبنان في حوض شرق المتوسط، كما تعتزم شركة شيفرون الأمريكية التوسع في عمليات التنقيب عن غاز في حوض شرق المتوسط بالتعاون مع مصر وإسرائيل وقبرص. وفيما يتعلق بالاستثمارات (النفط والغاز الطبيعي) في إقليم منطقة الخليج العربي بلغ ما يقرب من حوالي 7.3% من الإنتاج المحلي في دول مجلس التعاون الخليجي خلال عام 2022 بسبب الزيادة القوية في إنتاج النفط الخام، أما استثمارات (النفط والغاز الطبيعي) في منطقة شمال أفريقيا يتدافع عمالقة شركات الطاقة حول العالم على إبرام صفقات في شمال أفريقيا؛ إذ يُنظر إلى منطقة الشرق الأوسط على أنها طوق إنقاذ للدول الأوروبية من صدمات الطاقة التي أحدثتها الأزمة الروسية الأوكرانية وتداعيات الحرب على غزة.
❹ أشكال التنافس على مصادر الطاقة في منطقة الشرق الأوسط
تكتسب قضايا الطاقة في الشرق الأوسط أبعادًا سياسية واقتصادية وأمنية متشابكة؛ حيث تستخدم هذه الموارد كأداة للتأثير في القرار السياسي وتشكيل التحالفات الإقليمية والدولية؛ مما يجعل المنطقة ساحة صراع مستمرة للسيطرة على مصادر الطاقة ومنابعها النفطية المختلفة في العديد من دول تشهد بالفعل صراعات متنوعة ومن ضمنها العراق وليبيا وإيران. مما لا شك فيه، أن اكتشافات النفط الخام والغاز الطبيعي في منطقة الشرق الأوسط وبالأخص قطاع شرق البحر الأبيض المتوسط كانت بمثابة نقطة تحول واضحة وسريعة في بوصلة التوجهات الإقليمية. حيث استطاعت مصالح الطاقة جلب إسرائيل أقرب من أي وقت مضى ديبلوماسيًا إلى قبرص واليونان، وإلى تركيا أيضًا. وفي الوقت نفسه، ولدت الطاقة توترات جديدة بين الدول المنتجة والدول التي تشعر أنها مستبعدة من فرص التنمية الإقليمية للغاز الطبيعي.
فـي هـذا الصـدد، تنبهت دول العالم إلى أهمية التنافس على مصادر الطاقة؛ حيث تربط علاقة وطيدة منذ زمن بعيد بين السيطرة على مصادر الطاقة والتنافس الدولي وأهمية العلاقات الدولية والإقليمية في ملف الطاقة بشكل عام؛ حيث يـلـعب مصطلح (فـقـر الـطاقـة) دورًا كـبـيـرًا في تـشـكيل خـريطـة التنافس على مصادر الـطـاقة، ويقصد بمصطلح (فقر الطاقة): (الافتـقار إلى الطاقة وعدم توفر مصادرها بسبب ارتفاع تكاليف الحصول علـيـها أو ندرتها في العديد من دول العالم)، وذلك عن طريق تأمين خطوط نقل إمداداتها من النفط الخام والغاز الطبيعي على امتداد العالم. واللافـت للانتبـاه ازدياد حجم المصالح الإقليمية والدولية في الإقليم تحت مصطلح (صراع الطاقة)؛ لذلك تتجه العديد من الدول نحو زيادة استثماراتها في مجال الطاقة (النفط الخام والغاز الطبيعي) بمنطقة الشرق الأوسط، وبالتالي الاعتماد كليًا على مصادر الطاقة بشكل مستمر ومرتبط بوجودها، وبالتالي فإن تنوع مصادر الطاقة يتيح أمام الأطراف المتنافسة اختيار المصدر المتوافر لديها الذي سوف يعتبر أبرز العناصر الأساسية في خطط التنمية الاقتصادية على المستوى العالمي.
وعلبه يمكن القول، في ظل التحديات العالمية المتزايدة، تحولت مصادر الطاقة التقليدية والأحفورية في منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما النفط الخام والغاز الطبيعي، إلى محور أساسي للتعاون الدولي والإقليمي. حيث تسعى جميع دول العالم إلى تأمين إمداداتها من هذه المصادر الاستراتيجية؛ مما يجعل منطقة الشرق الأوسط، بغناها بالنفط الخام والغاز الطبيعي (احتياطيات ضخمة قد تصل إلى حوالي 871.1 مليار برميل مكافئ)، تلعب دورًا حاسمًا في هذا السياق والتنافس العالمي على منابع الطاقة المختلفة وبالأخص النفط والغاز الطبيعي.
❺ تداعيات التنافس على مصادر الطاقة في منطقة الشرق الأوسط
تأسيسًا على ما تقدم، فإن من أولى تداعيات التنافس على مصادر الطاقة في المنطقة تسريع وتيرة الانتقال لتحقيق أمن الطاقة واستقرار الأسعار والمرونة الوطنية على المدى الطويل؛ حيث أدت تداعيات السيطرة على مصادر الطاقة إلى التأثير السيادي في القرارات السياسية والاقتصادية عالميًا تحت مصطلح (أمن الطاقة)، ويشير مصطلح (أمن الطاقة) إلى (الارتباط بين الأمن القومي للدولة وتوافر الموارد الطبيعية لاستهلاك الطاقة)؛ لذلك فإن مصادر الطاقة في المنطقة على أبواب إعادة هيكلة نوعية لأسعار النفط القائمة على معادلة العرض والطلب في ظل التنافس الدولي عليها، لرسم خريطة الطاقة (النفط الخام والغاز الطبيعي) في منطقة الشرق الأوسط خلال العقود القادمة.
علاوة على ذلك، تعتبر منطقة الشرق الأوسط قلب الطاقة العالمي؛ مما يجعلها ساحة صراع مستمر بين الدول الكبرى. وقد أدى التنافس الشديد على الموارد النفطية والغازية إلى تفاقم الصراعات الإقليمية وتأجيج التوترات الدولية؛ مما دفع الدول إلى استخدام مفهوم أمن الطاقة كأداة لتحقيق مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية. حيث يشهد الشرق الأوسط صراعًا متزايدًا على مصادر الطاقة؛ مما يهدد استقرار المنطقة ويدفع الدول إلى البحث عن مصادر طاقة بديلة لضمان أمنها الطاقوي. إن تنويع مصادر الطاقة يمثل حلًا استراتيجيًا لمواجهة التحديات الناجمة عن الاعتماد المفرط على الوقود الأحفوري، بالإضافة إلى وقوع منطقة الشرق الأوسط ضمن نطاق النمو المرتفع في مشروعات خطوط وأنابيب النفط الخام والغاز الطبيعي (مثال على جاذبية مشروعات الطاقة في الشرق الأوسط للعديد من دول العالم).
ووصولًا لـذلك، فقد أدركت الأطراف المتنافسة ضرورة انتهاج هذا النهج العالمي للتنافس على مصادر الطاقة في منطقة الشرق الأوسط؛ لما حباها الله من وفرة في مصادر هذه الطاقة، خاصةً (النفط الخام والغاز الطبيعي)؛ حيث تمثل صمام الأمان لكل دول العالم، وهي تُعد بمثابة حجر أساس للتعامل الإقليمي والدولي من أجل استثمار الطاقة في المنطقة؛ لذلك نجد أن كل الأطراف المتنافسة تستهدف في استراتيجيتها الوطنية تأمين حصولها على احتياجاتها من الطاقة بشكل أكثر إصرارًا مما سبق في العهود الماضية، وترتكز على أهم مبادئ مفهوم أمن الطاقة وهو الطاقة العابرة للحدود بهدف تنويع مصادر الطاقة.
استنتاجًا مما سبق وتأكيدًا لتلك الأهمية لمصادر الطاقة في منطقة الشرق الأوسط، فإن تداعيات التنافس على هذه المصادر هو ما أدخلها في أولويات حسابات الدول بهدف أن تفرض هيمنتها على مصادر الطاقة تحت ذرائع عديدة؛ لذلك أصبحت مصادر الطاقة محورًا مهمًا للوضع السياسي والاقتصادي في الشرق الأوسط، وتشير التقديرات إلى أن هناك إجماعًا على أن مصادر الطاقة في المنطقة قادرة على تحقيق الاكتفاء لدى الأطراف المتنافسة؛ وذلك نظرًا لتعدد استخدامات الطاقة كمحور مهم في مساعي التنمية العالمية، إذ يستثمر العالم الطاقة في العديد من المجالات المهمة. ومـن هنـا، تتضـح ضـرورة استغلال مصادر الطاقة؛ حيث باتت كافة الأطراف الإقليمية والدولية جميعها تبحث عن الحفاظ على مصادر الطاقة، فجعلت منها هدفًا استراتيجيًّا لا يمكن التنازل عنه أو المقايضة عليه؛ مما يتطلب تشريع الاتفاقيات التي تنظم كيفية التعامل بين الأطراف المتنافسة على مصادر الطاقة في هذه الدول؛ حيث تؤثر تأثيرًا مباشرًا على كافة مناحي الحياة، وهو ما يشير إلى الحاجة لزيادة كبيرة في الاستثمارات لديها.
استقرار إمدادات الطاقة لا يؤثر فقط في النمو الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط، ولكنه يُعد محورًا حاسمًا في تعزيز الأمن القومي وتحسين مستويات رفاهية المواطنين في دول المنطقة؛ إذ أن التعاون في مجال الطاقة بين دول منطقة الشرق الأوسط يمكن أن يُسهم في تعزيز قدرتها على مواجهة التحديات المستقبلية في قطاع الطاقة. في خضم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وسعي المجتمع الدولي بكافة مكوناته ومنظماته لتحقيق التنمية المستدامة، يبرز تعزيز أمن الطاقة بكافة أوجهه ومفاهيمه وأهدافه ومتطلباته كمحور للعمل الإقليمي العربي المشترك؛ حيث يتطلب ضمان وصول المستهلك إلى خدمات الطاقة بشكل آمن ومستدام اقتصاديًا واجتماعيًا وبيئيًا، إدارة الموارد الطبيعية بكفاءة، وتوظيف عائداتها المالية في عملية التنمية المستدامة في الدول المنتجة لضمان استمرار استخراج هذه الموارد واستخدامها على نحو مستدام.
الصراع في منطقة الشرق الأوسط وتأثيره على قطاع الطاقة
❶ عملية طوفان الأقصى.
❷ هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر.
❸ التهديدات والضربات الإيرانية – الإسرائيلية المتبادلة.
❸ ضرب لبنان.
تُعد منطقة الشرق الأوسط واحدة من المناطق ذات الخصائص الجيواستراتيجية التي جعلت منها منطقة تنافس -صراع بين الأطراف الإقليمية والدولية وبين الأطراف الإقليمية ذاتها– والتي يسعى كل طرف منها للقيام بدور معين يتوافق مع أهدافه ومصالحه الاستراتيجية التي قد تتلقى أو تتعارض بدرجة أو بأخرى مع مصالح وأهداف القوى الأخرى في المنطقة، وذلك ما أدخلها في ساحة تنافس وصراع إقليمي مدعومة دوليًا لصالح كل طرف على حساب الأطراف الأخرى. ازدادت حدة التوترات في المنطقة بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة؛ مما زاد من المخاوف بشأن انقطاع إمدادات الطاقة الحيوية؛ حيث تتعرض البنية التحتية الحيوية لخطر الهجمات والاضطرابات؛ مما يهدد بتعطيل الإنتاج والتوزيع، وبالتالي يؤثر في أسعار النفط العالمية. وفي ضوء ذلك، يبقى المشهد العام لأسواق الطاقة في حالة ترقب، في وقت تُشكل فيه الأحداث الجارية في الشرق الأوسط تحديات كبيرة.
في خضم التصاعد المتسارع للصراع في الشرق الأوسط، يبرز تساؤل مهم حول التداعيات المحتملة لهذا الوضع على أسواق الطاقة العالمية، لا سيما وأن المنطقة تعد مركزًا حيويًا لإمدادات النفط الخام والغاز الطبيعي (منبع استراتيجي)، وبالتالي فإن أي اضطرابات فيها يمكن أن تؤثر بشكل عميق في استقرار السوق النفطي العالمي.
لقد شكلت دول الشرق الأوسط، بفضل ثرواتها النفطية الضخمة، قوة اقتصادية وسياسية مؤثرة في الساحة العالمية. وقد تمكنت هذه الدول، من خلال آليات التعاون الإنتاجي، من التأثير بشكل كبير وفعال في أسعار النفط العالمية. إلا أن ظهور قوى اقتصادية جديدة، مثل الصين، وتغير أنماط الاستهلاك العالمي للطاقة، قد وضع دول الشرق الأوسط أمام تحديات جديدة؛ حيث أصبح من الصعب عليها الحفاظ على نفوذها السابق في سوق النفط الخام. وذلك مع تكرار الأزمات، سواء الجيوسياسية أو الوبائية، كما حدث أثناء فترة جائحة كورونا، انخفض الطلب على النفط وكل أنواع الطاقة بسبب سياسات الإغلاق التي تسببت في أزمات اقتصادية عالمية وتعطل سلاسل الإمداد، ومع ذلك، بدأت أسعار الطاقة في الارتفاع مرة أخرى. تفاقمت الأمور أكثر بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وازداد الطلب على الغاز الطبيعي بشكل ملموس، الذي لجأت إليه العديد من الدول الصناعية كبديل للنفط الخام، لكن بعد فرض سلسلة من العقوبات الاقتصادية على روسيا، وتأثر الإمدادات لأوروبا، ارتفعت أسعار النفط إلى مستويات قياسية، وكان لا بد من وجود بديل؛ لهذا لجأت معظم دول العالم إلى الغاز المنتج في الشرق الأوسط؛ مما رفع سعر الغاز إلى مستويات تاريخية وقياسية.
❶ عملية طوفان الأقصى
أربكت عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية بقيادة كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، في السابع من أكتوبر 2023، وما تبعها من عدوان إسرائيلي غاشم على قطاع غزة تسبب في مقتل وإصابة عشرات الآلاف من الأشقاء الفلسطنيين، كافة الترتيبات والمشروعات الطموحة التي كانت تنتظرها منطقة شرق المتوسط في قطاع الطاقة. ومع فشل المساعي الرامية إلى وقف إطلاق النار والعودة إلى المسار السياسي والدبلوماسي لإقامة حل الدولتين، أدت حرب غزة إلى خلط جميع الأوراق بشأن مستقبل قطاع الطاقة في المنطقة مع التسبب في ضبابية المشهد العالمي، خاصةً مع دخول أطراف عديدة على خطت تلك الحرب، منها حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن. ومع استمرار توسع نطاق الحرب ليشمل دول أخرى في المنطقة سيكون لهذا الأمر تداعيات صادمة ليس فقط على مستقبل التعاون الإقليمي في قطاع الطاقة، وإنما أيضًا على أسواق الطاقة العالمية، خاصةً فيما يتعلق بإمكانية تعطيل خطوط الإمداد الرئيسية للنفط الخام والغاز الطبيعي نتيجة الهجمات العسكرية على السفن الناقلة لهما أو مرافق إنتاجهما وبالتالي ارتفاع أسعارهما العالمية.
وعليه، كشفت حرب غزة مدى هشاشة التعاون في مشروعات الطاقة في منطقة شرق المتوسط والتي كانت تتجه في السنوات الأخيرة لتصبح مركزًا إقليميًا لتجارة الغاز الطبيعي والكهرباء، بعد الاكتشافات الهائلة من الغاز الطبيعي، منذ عام 2009 أمام سواحل البحر المتوسط في كل من مصر وإسرائيل وقبرص، واقتراح العديد من مشروعات خطوط الأنابيب لنقل الغاز الطبيعي، فضلًا عن شبكات للربط الكهربائي، من أجل دفع وتشجيع تجارة الغاز الطبيعي والكهرباء سواء بين دول المنطقة وبعضها البعض أو بينها وبين الدول المجاورة في أوروبا وآسيا وأفريقيا. وقد اكتسبت هذه المشروعات دعمًا دوليًا كبيرًا بعد إنشاء منظمة غاز شرق المتوسط، وتوصل مصر إلى اتفاقيات مهمة لتجارة الغاز مع إسرائيل وقبرص والاتحاد الأوروبي، وتوقيع دول شرق المتوسط للعشرات من مذكرات التفاهم بشأن مشروعات الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، نتيجة اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022 وتسارع الجهود العالمية لمواجهة التغير المناخي العالمي. كذلك، توصلت معظم دول منطقة شرق المتوسط إلى اتفاقيات لترسيم الحدود البحرية لتشجيع شركات الطاقة العملاقة للعمل على استخراج الغاز الطبيعي والنفط الخام، والتي كان آخرها اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل في 27 أكتوبر 2022.
التعاون الإقليمي في مهب الريح
وضع اندلاع حرب غزة وفشل المساعي الدولية لإنهائها في عام 2023، الآمال بأن يصبح قطاع الطاقة قاطرة لتحقيق التعاون الإقليمي والسلام في منطقة شرق المتوسط في مهب الريح. فمن ناحية دفعت حرب غزة إسرائيل إلى خفض صادراتها من الغاز الطبيعي إلى مصر بسبب الأخطار الأمنية التي دفعت وزارة الطاقة الإسرائيلية إلى إيقاف إنتاج الغاز من حقل تمار (الحقل الأكبر في إسرائيل)، الذي تديره شركة شيفرون الأمريكية وتقع منصة إنتاجه على بعد حوالي 25 كيلو مترًا فقط شمال غرب غزة. وربما يكون هذا الخفض أيضًا رغبة من من صانع القرار في تل أبيب في ممارسة الضغط السياسي على مصر لقبول مساعي التهجير القسري للفلسطنيين إلى سيناء. صحيح أنه تم استئناف تصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر مرة أخرى بالتدريج بعد عدة اسابيع عبر خط أنابيب غاز شرق المتوسط الذي يربط مدينة عسقلان الإسرائيلية ومدينة العريش المصرية، إلا أن هذا الخفض لصادرات الغاز الإسرائيلية لمصر مثل صيحة تحذير قوية بشأن هشاشة التعاون الإقليمي المرتبط بتجارة الغاز الطبيعي في المنطقة وإمكانية استخدامه من جانب طرف ما للضغط السياسي على طرف آخر من أجل تحقيق أهداف سياسية؛ مما يُشكل تهديدًا صريحًا لمفهوم أمن الطاقة في منطقة الشرق الأوسط.
❷ هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر
منذ أكتوبر 2023، هاجم الحوثيون أكثر من ثمانين سفينة تجارية -وانخفضت حركة البضائع الجافة عبر قناة السويس بنسبة حوالي 50% على أساس سنوي. بينما تتجنب بعض ناقلات النفط الآن البحر الأحمر، استمر معظمها في عبور قناة السويس رغم ارتفاع تكلفة التأمين. إن هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر دفع بالعديد من شركات الشحن بما في ذلك ناقلات الغاز الطبيعي وتحديدًا التي تنقل الغاز القطري إلى تعليق مرورها ولو بشكل مؤقت عبر ذلك الممر، وأدت تلك الأزمة إلى عودة أسواق الغاز الطبيعي إلى دائرة الضوء من جديد (تهديد مستقبلي لصناعة النفط الخام والغاز الطبيعي).
حيث شكل البحر الأحمر وصولًا إلى قناة السويس ممرًا لما بين حوالي 4% إلى 8% من شحنات الغاز المسال العالمية في عام 2023، وتصدرت قطر قائمة الدول التي استخدمت هذا الممر بعد أن شحنت نحو 14.8 مليون طن من الغاز المسال من خلاله تلتها الولايات المتحدة بنحو 8.8 ملايين طن فيما حلت روسيا ثالثا بنحو 3.7 ملايين طن. وفي حال بقاء هذا الخط مغلقًا لفترة أطول فإن ناقلات الغاز المسال العالمية ستضطر للالتفات حول ممر رأس الرجاء الصالح وهو ما يعني تكاليف نقل أكبر ومدة أطول للوصول للأسواق المستهدفة قد تصل إلى حوالي 22 يومًا إضافيًا للغاز القطري في رحلة الذهاب والإياب.
انخفاض مرور ناقلات النفط العابرة للبحر الأحمر في عام 2024
انخفضت كمية النفط الخام والمنتجات النفطية المتدفقة عبر مضيق باب المندب، الشريان الحيوي لتجارة النفط العالمية، بنسبة حوالي 54% خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2024 مقارنةً بالعام السابق. وقد أدت الهجمات المتكررة التي شنتها جماعة الحوثي على السفن التجارية في البحر الأحمر إلى تحويل العديد من الناقلات نحو طريق رأس الرجاء الصالح الأطول والأكثر تكلفة؛ مما زاد من تكاليف الشحن بنسبة كبيرة وأثر سلبًا في الاقتصاد العالمي.
علاوة على ذلك، تُعد قناة السويس، وخط أنابيب سوميد، ومضيق باب المندب طرق استراتيجية لشحن نفط الخليج الفارسي والغاز الطبيعي إلى أوروبا وأمريكا الشمالية. تقع قناة السويس وخط أنابيب سوميد في مصر وتربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط. وارتفع حجم النفط الخام والمنتجات النفطية المتدفقة حول رأس الرجاء الصالح إلى حوالي 9.2 ملايين برميل يوميًا في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2024 من متوسط حوالي 6 ملايين برميل يوميًا في عام 2023. بالإضافة إلى إن مضيق هرمز يُعد الشريان الحيوي لتجارة الطاقة العالمية، يقع في قلب منطقة جيوسياسية حساسة. يمر عبره يوميًا حوالي 18.2 مليون برميل من النفط الخام (ما يُعادل حوالي 20 إلى 25% من إجمالي النفط العالمي) وحوالي 25 إلى 30% من تجارة الغاز المسال العالمي، (أي اضطراب في هذا المضيق يمكن أن يؤثر بشكل كبير في أسعار الطاقة العالمية ويؤدي إلى أزمات اقتصادية).
❸ التهديدات والضربات الإيرانية – الإسرائيلية المتبادلة (أمن المنشآت النفطية)
أثار التصعيدُ في الشرق الأوسط ارتفاعات بأسواق النفط بنسبة حوالي 8% خلال أكتوبر من عام 2024، إثر شن طهران ضربة على إسرائيل، أعقبها تهديد من تل أبيب باستهداف منشآت نفطية إيرانية، وسط تنامي المخاوف من أن يؤدي الصراع في منطقة الشرق الأوسط إلى تعطل تدفقات إمدادات النفط الخام والغاز الطبيعي، مع تهديد حقيقي لأمن المنشآت النفطية والذي يُعد محورًا مهمًا لأمن الطاقة العالمي.
وتسبب هذا التصعيد في ارتفاع حاد بأسعار النفط الخام، وقد واجهت صادرات النفط الإيرانية عقبات كبيرة بسبب العقوبات الدولية، خصوصًا من جانب الولايات المتحدة والدول الأوروبية، لكنها ارتفعت في عام 2024 لتقترب من أعلى مستوياتها في سنوات عدة عند حوالي 1.8 مليون برميل يوميًا على الرغم من العقوبات. وتشتري المصافي الصينية منها معظم إمداداتها النفطية. لكن التهديد الأكبر من خفض الإنتاج أو الصادرات من إيران، هو التعطيل المحتمل لتدفقات النفط عبر مضيق هرمز، وهو نقطة اختناق نفطية مهمة، ويقع مضيق هرمز بين إيران وسلطنة عمان، وهو ممر مائي ضيق، ولكنه مهم استراتيجيًا؛ إذ يربط منتجي النفط الخام في الشرق الأوسط بالأسواق الرئيسية في جميع أنحاء العالم. إن ما بين 20 إلى 25% من نفط العالم يمر عبر هذا الممر المائي؛ مما يجعله نقطة الاختناق النفطية الأعلى أهمية على مستوى العالم. وأي تهديد بتعطيل تدفق النفط عبر مضيق هرمز يمكن أن يخلف آثارًا عميقة في أسعار النفط العالمية والاقتصاد العالمي. وأي خلل في تدفقات مضيق هرمز قد يرفع أسعار النفط إلى أكثر من حوالي 100 دولارًا للبرميل النفطي الواحد، كما أن أي إغلاق لمضيق هرمز سيمثل نقطة تحول لسوق النفط العالمية والاقتصاد العالمي. في مثل هذا السيناريو، ستكون أسواق النفط العالمية في مياه مجهولة، ومن المرجح أن تشهد أسعار النفط ارتفاعًا حادًا وكبيرًا يتجاوز بكثير مستوياتها القياسية السابقة.
هنا تجدر الإشارة إلى أنابيب نقل صادرات النفط الخام والغاز الطبيعي، فإن هناك حوالي 35 مليون برميل من النفط الخام يمر يوميًا (من أصل حوالي 48 مليون برميل من النفط الخام ومنتجات الطاقة الأخرى التي تُنقل بحرًا بشكل يومي) عبر ما اتُفق على تسميته بالمضائق البحرية الحيوية، أو نقاط الاختناق، وهي ممرّات من الصعب تحاشيها على صعيد مرور عنصر الطاقة المهم كونها طرقًا مقيدة جغرافيًا.
وبالنظر إلى تجارة الغاز الطبيعي، نجد أن الغاز الطبيعي لا يقل في كونه سلاحًا جيوسياسيًا واستراتيجيًا وحيويًا في أهميته عن السلاح النووي أو غيره من الأسلحة. وخلال السنوات الماضية عارضت واشنطن ألمانيا وبقية دول الاتحاد الأوروبي في صفقة الغاز الطبيعي الشهيرة مع موسكو، والآن وبعد الأحداث الراهنة (تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وبعدها توترات الشرق الأوسط)، سيظل الغاز الطبيعي مصدرًا للطاقة على مدى أكثر من 30 سنة مقبلة، لكنه لم يعد مادة اقتصادية خامًا فحسب، بل أصبح مادة قابلة للتوظيف والاستغلال السياسي، مثله مثل النفط الخام، وبالتالي سيكون محكومًا بذات المنطق والآليات التي تحكمت فيما مضى بمصادر الطاقة والثروات الطبيعية.
وعليه، تقع صناعة الغاز الطبيعي في القلب من توترات الشرق الأوسط، لا سيما بالنظر إلى المكانة الإقليمية التي تشغلها منطقة الشرق الأوسط في هذا القطاع الاستراتيجي، رغم أن حجم إنتاجها وصادراتها -بالمعايير الدولية- ليس بالكميات الضخمة. تشمل التأثيرات المحتمل تصاعدها –وفق ما تفرضه ظروف وتطورات العمليات العسكرية في منطقة الشرق الأوسط وتداعيات العمليات الإسرائيلية الموسعة في لبنان وغزة.
علاوة على ذلك، بالرغم أن إيران تعتبر ثالث أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم وتملك واحدة من أكبر الاحتياطيات العالمية، فإن صادراتها الحالية تقتصر على كمية صغيرة جدًا عبر خطوط الأنابيب؛ وذلك بسبب العقوبات الأمريكية، وفيما يتعلق بالغاز المسال:
- إن إيران لا تصدر أي شحنات من الغاز الطبيعي المسال، وبالتالي فإن الصراع العسكري أو الهجمات على بنيتها التحتية يمكن ألا تُشكل تهديدًا كبيرًا للأسواق العالمية. ومع ذلك، مع وجود أسواق محدودة للغاز الطبيعي المسال مقارنة بالنفط الخام، تظل أخطار انقطاع الإمدادات مهمة.
- كما أن مضيق هرمز يعتبر نقطة اختناق حاسمة لصادرات النفط والغاز من الشرق الأوسط إلى السوق العالمية؛ حيث تصدر قطر نحو 20% من الغاز الطبيعي المسال العالمي عبر مضيق هرمز إلى آسيا وأوروبا، وعلى الرغم من أن خطر الحصار الفعلي منخفض، لكن قد تتأثر شحنات أو سفن فردية بسبب تصاعد التوترات، في حين أن الحصار الكامل سيكون له آثار كبيرة في الأسعار العالمية.
- أن حقول الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط، مثل “تمار”، و”ليفياثان”، و”كاريش”، تنتج أكثر من حوالي 20 مليار متر مكعب سنويًا؛ مما يزود إسرائيل والدول المجاورة مثل مصر والأردن.
- وعلى الرغم من أن مستويات تخزين الغاز في أوروبا عند أعلى مستوياتها، فإن السوق العالمية الضيقة تعني أن المخاوف المرتبطة بالغاز تستحق المتابعة.
❹ ضرب لبنان
في الربع الرابع من العام الماضي 2024، شنت إسرائيل غارات جوية على جنوب لبنان، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 550 شخصًا مع تصاعد الأعمال العدائية مع حزب الله؛ مما أثار مخاوف دولية بشأن اندلاع حرب شاملة في المنطقة. وأطلقت إسرائيل على هجماتها واسعة النطاق على لبنان اسم عملية السهام الشمالية. وقد شكل ذلك التصعيد الحاصل بين إسرائيل وحزب الله على إمدادات النفط في المنطقة وهو احتمال تتوقعه الأسواق بنسبة حوالي 5%، كما أن الارتفاع الحاد في الأخطار الجيوسياسية وتحول حرب إسرائيل وغزة إلى صراع إقليمي يشمل إيران وحزب الله من شأنه أن يؤثر بشدة في الآفاق الاقتصادية لكل من لبنان وإسرائيل وسيؤدي إلى إبطاء نمو اقتصاد طهران المتضرر من العقوبات خلال الفترة المقبلة.
تداعيات أحداث الشرق الأوسط على قطاعي النفط والطاقة
❶ التداعيات الراهنة على قطاعي النفط والطاقة.
❷ التهديدات المحتملة للصراع على أسواق الطاقة.
❶ التداعيات الراهنة على قطاعي النفط والطاقة
وقف إمدادات النفط الخام
- إن تصاعد وتيرة حدة الصراع في الشرق الأوسط على موارد الطاقة المختلفة، يمكن أن يؤدي إلى عدة تداعيات محتملة على قطاع الطاقة، منها ارتفاع أسعار النفط الخام والوصول إلى نقطة عدم التوازن السعري؛ حيث إن امتداد التوتر في المنطقة يؤدي إلى تقليل إمدادات النفط الخام؛ مما يرفع الأسعار العالمية، كما يتسبب الصراع في تعطيل حركة ومسارات النقل، إذ تتأثر الممرات الحيوية مثل مضيق هرمز؛ مما يعيق حركة السفن ويزيد من تكاليف الشحن، وبالتالي انعكاسات سلبية على أسعار المنتجات والمشتقات النفطية في العديد من دول منطقة الشرق الأوسط.
- انعكاسات سلبية حادة على استثمارات الطاقة في منطقة الشرق الأوسط؛ حيث تتأثر الاستثمارات في مشاريع الطاقة الجديدة بسبب الأخطار الأمنية والصراعات الجيوسياسية وبالأخص في مناطق المنابع؛ مما يؤدي إلى تأخير أو إلغاء مشروعات مهمة. كذلك، يمكن أن يحدث تحول في مصادر الطاقة، إذ تسعى الدول إلى تقليل اعتمادها على النفط الخام والغاز الطبيعي من الشرق الأوسط؛ مما يعزز من استثمارات الطاقة المتجددة (ولكن من الممكن أن يواجه العالم صعوبة عدم الوصول إلى معادلة طاقة متزنة).
تقلبات في الأسواق المالية
- إن تصاعد الصراع في منطقة الشرق الأوسط، يؤدي إلى تقلبات في الأسواق المالية؛ مما يؤثر في الشركات النفطية والأسواق العالمية، كما قد يزيد الطلب على الطاقة البديلة، ففي ظل الأزمات، قد يزداد الاعتماد على مصادر الطاقة البديلة كحل إستراتيجي، وبالتالي يُشكل ذلك خطرًا مستقبليًا على دول المنبع النفطية الكبرى.
- أما عن تأثير الصراع في أمن الطاقة، فإن الدول المستوردة للنفط الخام ستبحث عن شراكات جديدة لتعزيز أمنها في مجال الطاقة؛ مما قد يُسهم في إعادة تشكيل التحالفات الدولية (لتعزيز مفهوم أمن الطاقة).
- علاوة على ذلك، فإن استمرار النزاعات سيؤدي إلى تدهور بيئي؛ مما يؤثر في إنتاج الطاقة من المصادر التقليدية.
- تتأثر التجارة الخارجية، إذ يمكن أن تتأثر التجارة مع الدول المجاورة، خاصةً إذا كانت هناك توترات تؤثر على طرق النقل والمنافذ التجارية. إضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي ارتفاع أسعار السلع الأساسية بسبب الأزمات الإقليمية إلى زيادة التضخم؛ مما يؤثر في القوة الشرائية للمواطنين في دول منطقة الشرق الأوسط.
- أما بالنسبة للمواطن العربي فإنه سيجد نفسه أمام قفزات جديدة في معدلات التضخم في حال حدوث قفزات تصاعدية كبيرة في أسعار النفط الخام، وغلاء في أسعار كل شيء، فزيادة أسعار الوقود تأخذ معها أسعار النقل والمواصلات والسلع الغذائية، ومزيد من الضغوط المعيشية والحياتية، والاتصالات وإيجارات السكن وتكاليف المعيشة لمستويات أعلى.
استقرار المنطقة والأمن النفطي رهين بما ستئول إليه الأوضاع السياسية والأوضاع الجيواستراتيجية المقبلة، وبطبيعة الحال، سيكون لهذا تأثير فيما بعد، سواء على ارتفاع أو استمرار الأسعار نفسها بالنسبة للإنتاج واستخراج النفط الخام وعملية التصدير لهذه المواد البترولية والمشتقات.
التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة
- إن هذه التحديات تدفع بالعديد من الدول إلى إعادة تقييم سياساتها في مجال الطاقة، والبحث عن بدائل مستدامة للتخفيف من آثار الأزمات المتكررة، وعلى المدى الطويل، يمكن أن تُسهم هذه الأزمات في تسريع التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة، لكن ذلك يتطلب استراتيجيات دولية متكاملة لتقليل الاعتماد على النفط الخام والغاز الطبيعي وضمان أمن الطاقة العالمي.
❷ التهديدات المحتملة للصراع على موارد الطاقة في الشرق الأوسط
مما لا شك فيه أن تزايد الصراعات المختلفة في منطقة الشرق الأوسط تُشكل تهديدًا جديًا على استقرار أسواق الطاقة العالمية؛ حيث تؤدي إلى اضطرابات في العرض والطلب، وزيادة في أسعار الطاقة، وتأثيرات سلبية على الاستثمارات والنقل. يمكن تناول تأثير الصراعات المستمرة في أسواق الطاقة بالشكل الآتي:
- ارتفاع أسعار النفط الخام والغاز الطبيعي: يؤدي تصاعد وتيرة الصراع في الشرق الأوسط إلى زيادة أخطار نقص إمدادات النفط الخام والغاز الطبيعي؛ مما يُسهم في رفع أسعار الطاقة العالمية. فمع امتداد التوترات إلى مناطق إنتاج رئيسية، تتأثر حركة الإنتاج والتصدير؛ حيث تلجأ الدول المنتجة إلى خفض الإنتاج كإجراء احترازي، أو تفرض عقوبات اقتصادية على صادرات النفط والغاز؛ مما يقلل الكميات المتاحة في الأسواق ويرفع الأسعار.
- اضطراب النقل البحري والشحن: تلعب الممرات المائية الرئيسية في الشرق الأوسط، مثل مضيق هرمز، دورًا حاسمًا في نقل إمدادات النفط العالمية. ومع تصاعد النزاعات في المنطقة، تزداد احتمالية وقوع هجمات أو أعمال تخريبية تستهدف ناقلات النفط أو البنية التحتية للموانئ؛ مما يؤدي إلى اضطرابات في النقل البحري. ونتيجة لذلك، تزداد تكاليف الشحن والتأمين على السفن؛ مما يضيف أعباء مالية على أسواق الطاقة العالمية.
- تأثر الاستثمارات في قطاع الطاقة: يعكس تصاعد الصراع في الشرق الأوسط تأثيره السلبي في الاستثمارات في قطاع الطاقة، ومع ارتفاع الأخطار الأمنية في المنطقة، يصبح من الصعب جذب استثمارات جديدة لمشروعات التنقيب أو التطوير في مجال النفط والغاز. هذه التحديات تدفع بالشركات الدولية إلى تقليل أو تأجيل خططها الاستثمارية؛ مما يؤخر تنفيذ مشروعات مهمة، ويقلل من إمدادات الطاقة المستقبلية، وبالتالي تهديدات مباشرة للطلب العالمي على الطاقة.
- التحول نحو مصادر الطاقة البديلة: تتزايد التوجهات نحو الطاقة المتجددة كبديل للنفط الخام والغاز الطبيعي وسط تصاعد الأزمات الإقليمية؛ حيث تسعى العديد من الدول إلى تقليل اعتمادها على إمدادات الطاقة القادمة من الشرق الأوسط؛ مما يدفعها إلى تعزيز استثماراتها في مصادر الطاقة البديلة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وعلى الرغم من أن هذا التحول يحتاج إلى وقت طويل لتحقيق تأثير كبير، فإن الأزمات المتكررة تسهم في تسريع هذه التوجهات.
- تزايد التقلبات في الأسواق المالية: يرتبط قطاع الطاقة ارتباطًا وثيقًا بالأسواق المالية العالمية؛ حيث يؤدي تصاعد الصراع في الشرق الأوسط إلى زيادة التقلبات في أسواق الأسهم والعملات؛ مما يؤثر في أسهم الشركات النفطية ويزيد من الضغوط على المستثمرين. ومن المحتمل أيضًا أن تؤدي هذه التقلبات إلى فقدان الثقة في الأسواق، وبالتالي تؤثر في قرارات الاستثمار في أسهم شركات الطاقة.
- تعطيل الإمدادات وتأثيره في الدول المستوردة: الدول التي تعتمد بشكل كبير على واردات النفط الخام والغاز الطبيعي من الشرق الأوسط، تواجه تحديات كبيرة في تأمين إمداداتها في ظل النزاعات؛ حيث قد تضطر هذه الدول إلى البحث عن بدائل سريعة؛ مما يؤدي إلى زيادة تكاليف استيراد الطاقة. بالإضافة إلى ذلك، تؤدي المخاوف بشأن استمرارية الإمدادات إلى تخزين كميات أكبر من النفط الخام؛ مما يُشكل عامل ضغط حاد على الأسواق والأسعار العالمية.
- تأثر الدول المنتجة: بالرغم من أن الدول المنتجة للطاقة قد تستفيد من ارتفاع الأسعار على المدى القصير، فإن استمرار الصراع لفترة طويلة قد يضر باقتصاديات هذه الدول؛ حيث تؤدي الأزمات إلى تراجع الاستثمارات وتضرر البنية التحتية؛ مما يعوق قدرتها على إنتاج وتصدير الطاقة بكفاءة، ويكون هذا التأثير أكثر وضوحًا في الدول التي تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط لتمويل ميزانيتها العامة.
- تأثير التوترات على سياسات الطاقة العالمية: تؤدي الصراعات في الشرق الأوسط إلى تغييرات في سياسات الطاقة العالمية؛ حيث تسعى الدول المستوردة إلى تنويع مصادر إمداداتها لضمان استقرار تدفقات الطاقة؛ الأمر الذي قد يدفعها إلى تعزيز العلاقات مع دول أخرى منتجة للنفط خارج منطقة الشرق الأوسط، أو تطوير تقنيات جديدة لتقليل الاعتماد على الطاقة التقليدية.
- التأثير في منطقة الشرق الأوسط: في حين أن ارتفاع أسعار النفط الخام والغاز الطبيعي المفترض، يعود بالفائدة للدول الشرق أوسطية المنتجة والمصدرة لهذه الموارد من خلال زيادة إيراداتها وتقليل العجز، فإنه يرافق مع مجموعة من التحديات في أثناء الأزمات. وعليه، فإن الصراعات المستمرة في المنطقة تؤدي إلى التضخم، بالأخص في تكاليف النقل، وتخلق بيئة غير مواتية للاستثمارات النفطية. حيث يُعد قطاع الطاقة أحد المؤشرات على التكاليف الباهظة التي ستدفعها المنطقة في حال نشوب صراع أوسع نطاقًا، مع بعض التداعيات التي يمكن قياسها بالفعل في بعض دول المنطقة.
ومن أجل تعزيز وتوجيه الانتقال نحو الطاقة المتجددة في منطقة الشرق الأوسط، هناك حاجة لاتباع نهج شامل ومتعدد الأوجه. فيما يلي بعض الإجراءات الحاسمة التي يجب اتخاذها:
- إعادة توجيه دعم واستثمارات الطاقة الأحفورية إلى الطاقة المتجددة
كشفت أحدث التقارير عن زيادة غير مسبوقة في الدعم المقدم لقطاع الوقود الأحفوري في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ حيث تستحوذ منطقتنا على حصة كبيرة من الدعم العالمي. هذه الأموال الضخمة التي تُنفق سنويًا، يمكن إعادة توجيهها نحو استثمارات أكثر إنتاجية في مجالات الطاقة المتجددة والبحث والتطوير؛ مما يُسهم في تحقيق تنمية مستدامة وخلق فرص عمل جديدة.
- تعيين الإمكانات الحقيقية لمصادر الطاقة المتجددة والبديلة
تتمتع منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بإمكانات هائلة في مجال الطاقة المتجددة؛ حيث تتلقى كميات كبيرة من الإشعاع الشمسي وتهب عليها رياح قوية؛ مما يجعلها مصدرًا غنيًا للطاقة النظيفة والمتجددة التي يمكن أن تغطي احتياجات المنطقة والعالم. مثال توضيحي: تؤكد دولة الإمارات العربية المتحدة ريادتها في هذا المجال من خلال استثماراتها الضخمة في مشاريع الطاقة المتجددة؛ مما يجعلها نموذجًا يحتذى به في منطقة الشرق الأوسط.
مجمل القول، تُشكل اضطرابات الشرق الأوسط أحد أكبر الأخطار الجيوسياسية على أسواق الطاقة العالمية منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، وذلك لأن أي حرب في الشرق الأوسط تُشكل تهديدًا محتملًا لأمن إمدادات النفط الخام والغاز الطبيعي، وأمن الطاقة بشكل عام. إن حربًا قد تشمل تهديدات مباشرة للمنشآت النفطية أو منصات الغاز الطبيعي في منطقة الشرق الأوسط (بالأخص دول منبع) يمكن أن تكون لها تداعيات أخطر على أسواق الطاقة العالمية؛ لأن ثمة نتيجة واحدة مؤكدة تهدد إمدادات الطاقة، وهي ارتفاع سعرها. ولذلك فإنه ومنذ بداية الحرب على غزة، والحديث عن أمن الطاقة العالمي وإمدادات الطاقة، وجدنا كل الأنظار على المنابع النفطية ومنصات الغاز الطبيعي في الشرق الأوسط ومكانتها في أسواق الطاقة العالمية.
كذلك من الضروري وجود استراتيجية شاملة ومتكاملة لتحقيق هذه الأهداف حتى يكون نظام توزيع إمدادات الطاقة قادرًا على التعامل مع المتغيرات التي تواجهها الحكومات والبلديات والشركات والمجتمعات العامة. وعلاوة على ذلك، فإن الاعتماد على الطاقة المتجددة، يتطلب أخذ متطلبات القطاع الخاص في الاعتبار؛ حيث يتعين ألا تمثل السياسة والتجارة في الشرق الأوسط عقبات للاستثمارات المحتملة في قطاع الطاقة المتجددة، وفي ظل حالة عدم اليقين الخاصة بشأن استدامة الطاقة والأسواق المرتبطة بها سيكون من الضروري توفير الحقائق والمعلومات الدقيقة والشفافة من أجل تمهيد الطريق لمشاركة القطاع الخاص وتخفيف حالة عدم اليقين لتشجيع المستثمرين في هذا المجال.
خاتمة، تعكس أسواق الطاقة حقيقة أن تصاعد الأخطار الجيوسياسية يُشكل أحد أبرز العوامل المؤثرة في ديناميكيات الأسعار. فكلما زادت حدة التوترات في منطقة الشرق الأوسط، زادت المخاوف من انقطاع الإمدادات؛ مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل فوري، لا سيما وأن منطقة الشرق الأوسط تعتبر مركزًا رئيسيًا مؤثرًا للإنتاج العالمي للنفط الخام والغاز الطبيعي، لذا فإن أي تصعيد يُهدد الاستقرار في هذه المنطقة من شأنه أن يُثير قلق المستثمرين والمضاربين على حد سواء.
“شكل النفط الخام منذ اكتشافه في عام 1859 أحد أهم أسباب الصراع في العالم؛ حيث شغل مساحة كبيرة من خريطة الصراع العالمي طوال القرن الماضي. وقد عنت السيطرة على المنابع النفطية ضمان استمرار عمل الآلة الصناعية والآلة العسكرية معًا؛ أي الرخاء والقوة، وبات النفط الخام يُشكل محورًا مهمًا للاستثمار الرأسمالي، ولصراع الرأسماليات والشركات والدول. ونتيجة لذلك، بدأ الصراع بين الدول الأجنبية على عمليات التنقيب الجدي في دول منطقة الشرق الأوسط، ومساعي الدول الكبري نحو تعزيز مفهوم أمن الطاقة ومحور تنويع مصادر الحصول على الطاقة، بالإضافة إلى ارتكاز العلاقات الدولية على مبدأ الطاقة”.
أولًا: المراجع باللغة العربية:
- أحمد عبد الغني، الصراع الدولي في منطقة الشرق الأوسط وأثره على أمن الطاقة، دراسة، مجلة القانون والعلوم السياسية، العدد 7، https://urlc.net/LWYC
- التصعيد الإيراني – الإسرائيلي يثير المخاوف في أسواق النفط العالمية، تقرير، الشرق الأوسط، 3 أكتوبر 2024، https://urlc.net/LXbI
- د.أحمد سلطان، الغاز في قلب الصراع: هل تصبح حقول الغاز الإسرائيلية في مرمى الصواريخ الإيرانية؟، دراسة، 16 أكتوبر 2024، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، https://urlc.net/LXc0
- كيف تتأثر أسعار الطاقة بتصاعد الصراع في الشرق الأوسط؟، 10 أكتوبر 2024، سكاي نيوز عريية، https://urlc.net/OeR4
- د. أحمد سلطان، التصعيد في مضيق باب المندب: تداعيات خطيرة على إمدادات الطاقة العالمية، دراسة، 27 أغسطس 2024، المركز المصري للفكر والدراسات الاسراتيجية، https://urlc.net/OiIc
ثانيًا: المراجع باللغة الإنجيليزية:
- Mohammad Zoynul Abedin and (others), Middle East conflict and energy companies: The effect of air and drone strikes on global energy stocks, Finance Research Letters, (2024), https://urlc.net/LW-n
- Ellen Wald, As Middle East tensions simmer, the world fixates on the wrong energy market risks, September 17, 2024, https://urlc.net/LW-x
- Fewer tankers transit the Red Sea in 2024 , October 11, 2024, https://urlc.net/LW-M
دكتور مهندس متخصص في شؤون النفط والطاقة