طُرحت في البرلمان العراقي مناقشات حول تعديل قانون الحشد الشعبي في العراق، وأثيُر جدل بين الكتل السياسية حول البند الخاص بسن التقاعد لقيادات الحشد الشعبي، ونظرًا لاستمرار الخلافات حول التعديل المطروح، ورفض بعض الكتل السياسية، وعدم حضورها لجلسات البرلمان، سحب مجلس النواب مشروع “الخدمة والتقاعد للحشد الشعبي” من جدول أعمال المجلس، وتم تأجيل انعقاد جلسة التصويت عليه. وعليه يتضمن هذا التحليل نبذة عن الحشد الشعبي في العراق ودلالات تأجيل التصويت على قانون الحشد الشعبي.
الحشد الشعبي في العراق
يُعد الحشد الشعبي تشكيلًا عسكريًا وجزءًا من القوات المسلحة العراقية، ويرتبط بالقائد العام للقوات المسلحة، لكنه لا يتلقى أوامره من وزير الدفاع أو رئيس الأركان، إذ أبقي القانون على الطابع المستقل له. وبحسب التقديرات فإن حجم قوات الحشد الشعبي بلغ 238 ألف فرد، ويتشكل الحشد من نحو67 مليشيا. وقد ارتفعت ميزانية الحشد من 2.8 مليار دولار في العام 2023 إلى 3.4 مليارات دولار في العام 2024.
ترتبط الفصائل التابعة للحشد بالأحزاب السياسية الرئيسية في العراق، وتنخرط مليشيا الحشد في الاقتصاد بتوسيع سيطرتها على شركات الهندسة والبناء المملوكة للدولة، وأنشئت شركة المهندس العامة في عام 2022 بموافقة الحكومة برأسمال 76 مليون دولار، بهدف المشاركة في العطاءات الحكومية، وقد حصلت في ديسمبر 2022 على 1.2 مليون فدان من الدولة، واستولت كذلك على قطعة في غرب العراق في 24 أبريل 2023. بالإضافة إلى تورط مليشيا الحشد الشعبي في تهريب الكبتاغون من سوريا إلى العراق، فضلًا عن أن هيئة الحشد الشعبي تتلقى تمويلًا من الحكومة العراقية. وفي محاولة لإضفاء إطار شرعي على دور الحشد لنجاحه في مواجهة داعش في العام 2014، وتنظيم علاقته بالدولة العراقية، تم إصدار قانون هيئة الحشد الشعبي رقم 40 لسنة 2016 ووافق عليه مجلس النواب العراقي في نوفمبر من العام ذاته، طبقًا للأمر الديواني رقم 91 لعام 2016 الذي صدر من قبل رئيس الوزراء العراقي آنذاك “حيدر العبادي”.
ينقسم الحشد الشعبي إلى أربع فئات استنادًا إلى الخلفية الطائفية والمرجعيات الدينية والتوجهات السياسية؛ الأولى: الفصائل التي تدين بالولاء لإيران وللمرشد الأعلى للثورة الإسلامية “على خامنئي” بما يُعرف بالحشد الولائي، الثانية: تضم الفصائل والتنظيمات الموالية للسيستاني ويطلق عليها “حشد المرجعية أو العتبات المقدسة” وتم تشكيلها استجابة لفتواه بشأن الجهاد الكفائي، من أجل الدفاع عن المناطق الشيعية والمراقد المقدسة ضد خطر تنظيم داعش ومقرها النجف وغير مرتبطة بالأحزاب السياسية ومنها (سرايا العتبة العباسية، سرايا العتبة العلوية، سرايا العتبة الحسينية، لواء على الأكبر) لكن انسحبت هذه الفصائل في أبريل 2020 من الحشد الشعبي، بسبب خلافات مع الفصائل الأخرى الموالية لإيران. الثالثة: تشمل سرايا السلام التابعة لمقتدي الصدر، وتُعد إحياءً لجيش المهدي الذي تم حله في عام 2008. أما الفئة الرابعة: وهي جماعات وتنظيمات سنية ومسيحية وتركمانية وإيزيدية وهي صغيرة من حيث الحجم مثل قوات حرس نينوى، لواء صلاح الدين، حشد العشائر الذي يضم فصائل صغيرة من عشائر سنية في الأنبار والموصل وصلاح الدين. بالإضافة إلى تنظيمات دينية وعرقية مثل كتائب بابليون المسيحية، والحشد التركماني وهي مجموعة مسلحة تركمانية، ومجموعة لاش الإيزيدية.
تتمثل أبرز المليشيات الموالية لإيران في، منظمة بدر ونشأت في العام 1982 بتمويل وتدريب وتسليح من الحرس الثوري الإيراني وهي من أقدم وكلاء إيران في العراق، وكان مقرها إيران في أثناء حكم الرئيس “صدام حسين”، لكن عادت للعراق بعد سقوط النظام وقبل الغزو الأمريكي في عام 2003، وفي 2014 انضمت إلى الحشد الشعبي ولديها جناح سياسي في البرلمان العراقي، ويرأس منظمة بدر “هادي العامري” ويلعب دورًا رئيسيًا في الحشد الشعبي العراقي، ومقرب من فيلق القدس.
كذلك نشأت “عصائب أهل الحق” عام 2006 وهي مليشيا شيعية تم تدريبها وتسليحها وتمويلها من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني. ويرأس عصائب أهل الحق “قيس الخزعلي” الذي يتورط في الفساد المالي في العراق والجريمة المنظمة. بالإضافة إلى حركة النجباء بقيادة أكرم الكعبي ونشأت بهدف دعم النظام السوري في مواجهة المعارضة وكان يتم تدريبها وتسليحها وتقديم المشورة لها من قبل الحرس الثوري الإيراني، وانشقت حركة النجباء عن عصائب أهل الحق في عام 2013، وانقسمت النجباء إلى ثلاثة ألوية (لواء عمار بن ياسر، لواء الحسن المجتبى، لواء الحمد) وانتقلت إلى شرق سوريا في بداية المعركة مع داعش، ويعد لواء عمار بن ياسر الفصيل الأكثر فاعلية في الحركة، ولا تزال الحركة نشطة في صحراء دير الزور.
أما كتائب حزب الله العراقية، هي مليشيا شيعية تشكلت في العام 2007 وقام الحرس الثوري بتدريبها وتسليحها وصنفت في عام 2009 من قبل الخارجية الأمريكية كمنظمة إرهابية، وفرضت عقوبات على الأمين العام لها “أبي مهدي المهندس” لشن هجمات ضد قوات التحالف الدولي في العراق، وتتشكل كتائب حزب الله من ثلاث كتل منها؛ كتلة حقوق ولها ستة مقاعد في البرلمان العراقي، جناح أبي حسين “أحمد محسن “، جناح باسم محمد حسب المجيدي.
دلالات عديدة
يحمل الجدل المثار حول قانون الحشد الشعبي وتعديله، ثم تأجيل التصويت عليه عدة دلالات نذكرها على النحو التالي:
• دلالة التوقيت: أثارت الأخطار التي لحقت بمحور المقاومة الإيرانية بعد الحروب في غزة ولبنان وسقوط النظام السوري السابق الموالي لإيران، مخاوف المليشيات العراقية من فقدان نفوذها، وفي الوقت ذاته تعرض قياداتها لهجمات أمريكية أو إسرائيلية على غرار ما حدث في قيادات حزب الله، بما دفع قادة المليشيات العراقية إلى إجراء إصلاحات هيكلية داخل الحشد الشعبي، في ظل الضغوط الأمريكية لإجراء إصلاحات أمنية في العراق، والعقوبات الأمريكية التي قد تفرض على شركة المهندس التابعة للحشد الشعبي، إذ تعمل الشركة كواجهة لوكلاء إيران وتقوم بالحصول على عقود نفطية بمليارات الدولارات من الحكومة العراقية.
وعليه يتم طرح تعديل القانون في ذلك التوقيت بهدف مواجهة الضغوط الأمريكية حول نزع سلاح المليشيات العراقية، خاصة أن قادة الحشد الشعبي تم تصنيفهم من قبل الولايات المتحدة على قوائم الإرهاب، وتم إدراج “فالح الفياض” رئيس الحشد الشعبي على القائمة الأمريكية للإرهاب، كما أن قائد عمليات القوات “عبد العزيز المحمداوي” الذي يعرف بأبي فدك عضو بارز في كتائب حزب الله والتي تم تصنيفها من قبل الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية، وقامت بعدة هجمات على القوات الأمريكية في العراق في يناير 2024 بما أسفر عن مقتل ثلاثة أمريكيين وإصابة آخرين.
• خلافات داخلية: يواجه تعديل القانون نقاشات خلافية بين الكتل السياسية حول سن تقاعد قادة الحشد الشعبي، إذ تدفع بعض الكتل الشيعية في البرلمان في اتجاه فرض سن تقاعد إلزامي لقادة الحشد الشعبي وأعضائه عند سن الستين، في ظل عدم وجود سن إلزامي للتقاعد. وفي حال الاتفاق على هذا البند فإن ذلك يقود إلى تقاعد رئيس الحشد الشعبي في العراق “فالح الفياض” لبلوغه 69 عامًا، وربما تقاعد نحو 180 من كبار موظفي الحشد، وقادة مختلف الأولوية، والقيادات العملياتية في المناطق. ويتزعم هذا الاتجاه كتلة “الصادقون” والتي تم تشكيلها من منظمة عصائب أهل الحق، وائتلاف دولة القانون بقيادة رئيس الوزراء العراقي “نوري المالكي”، وحركة حقوق التابعة لكتائب حزب الله. وقد قاطع نوري المالكي جلسات البرلمان العراقي في 16 فبراير الماضي بهدف إدراج قانون الحشد والتصويت عليه، وتهدف بعض المليشيات على غرار عصائب أهل الحق برئاسة “قيس الخزعلي” الظفر بمنصب رئيس الحشد الشعبي.
أما الاتجاه الرافض لبند سن التقاعد عند الستين عامًا يفضل بقاء رئيس الحشد الشعبي “الفياض” في منصبه ويضم هذا الاتجاه كل من “هادي العامري” رئيس منظمة بدر، “أبو آلاء الولائي” رئيس كتائب سيد الشهداء، “عمار الحكيم” رئيس تيار الحكمة، ورئيس الوزراء العراقي “محمد شياع السوداني”.
ولا يزال الجدل مستمرًا بين الكتل السياسية حول التعديلات، وقد عقد اجتماع بين هذه الكتل في 17 فبراير الماضي بحضور رئيس منظمة بدر “هادي العامري” والنائب الأول لرئيس مجلس النواب العراقي “محسن المندلاوي” ورؤساء الكتل في الإطار التنسيقي لحسم قانون الخدمة والتقاعد للحشد الشعبي، وتم الاتفاق على إبقاء فقرة التقاعد عند سن الستين عامًا، ومنح رئيس الوزراء العراقي صلاحية تمديد الخدمة لمدة خمس سنوات إضافية لبعض مسئولي الحشد الشعبي، وفق ضوابط يتم تحديدها. وفي حال موافقة الكتل السياسية على التعديل الجديد سيتم طرح القانون للتصويت الشهر القادم.
لكن في محاولة لعرقلة التعديل المطروح وكسب الدعم الإيراني، قام رئيس الحشد الشعبي “الفياض” بزيارة لطهران في 18 فبراير 2025، لكسب الدعم الإيراني بشأن مستقبل الحشد الشعبي، وعرقلة مشروع تعديل القانون، وبناءً عليه تم سحب مشروع القانون من البرلمان. والتقى الفياض بأمين المجلس الأعلى للأمن القومي “على أكبر أحمديان” ووزير الخارجية الإيراني “عباس عراقجي”؛ إذ يحظى الفياض بدعم من طهران لبقائه في منصبه على الأقل، بهدف عدم حدوث حالة إرباك داخل الهيئة الموالية لها في العراق، وفي ظل حالة التراجع التي تشهدها المليشيات الموالية لها في المنطقة، بما يفقدها نفوذها في العراق، وعدم تأثير الخلافات حول التعديل في نفوذ المليشيات الموالية لها وتحالفاتها في الانتخابات النيابية العراقية في نوفمبر القادم.
• تنافس المليشيات: يمتلك العراق قانون “الخدمة والتقاعد العسكري” رقم 3 لعام 2010، لكن يرفض قادة الحشد الشعبي الامتثال لهذا القانون، باعتبار أن المهمة التي يقوم بها الحشد غير رسمية ويعمل كجيش موازٍ في العراق، وبدعم من الحرس الثوري الإيراني. وتنظم أوضاع المليشيات العراقية ضمن قانون الحشد الشعبي رقم 40 لعام 2016، لكن توجد بعض المشاكل المتعلقة بعدم تنظيم القانون للقوات والهيكل الإداري، لذلك طرحت تعديلات لقانون الخدمة والتقاعد في العام 2019، وواجه هذا التعديل تحديًا في ظل مساعي المليشيات الشيعية إلى صياغته وتعديله بما يعزز نفوذها، وطرحت مسودة أولية من 39 مادة في العام 2020، ثم 113 مادة في العام 2023 قبل عرضها في البرلمان العراقي.
استنادًا إلى ذلك وفي ضوء تعديلات سابقة، تهدف المليشيات العراقية المتنافسة إلى تعزيز نفوذها داخل الدولة، والاستحواذ على حصة أكبر من ميزانية الدولة العراقية المخصصة للحشد الشعبي، فمنذ تشكيل الحشد في العام 2014، ونجاحه في مواجهة تنظيم داعش واستعادة الأراضي العراقية، أدرج الحشد ضمن جدول رواتب الحكومة، وتم الاعتراف به كفرع ضمن قوات الأمن العراقية، وتضاعفت ميزانية الحشد الشعبي، بما جعل هذه المليشيات في تنافس للسيطرة على هيئة الحشد الشعبي ومواردها.
ختامًا، تستمر الخلافات بين الكتل السياسية حول تعديل قانون الحشد الشعبي في العراق، وفي حال الاتفاق على بند سن التقاعد عند الستين عامًا، يقود ذلك إلى تغيير في كبار قيادات الحشد، بما قد يخلق توترًا بين المليشيات المسلحة، في ظل دعم البعض منها لبقاء “فالح الفياض”. ويؤثر الصراع بين الفصائل في النفوذ الإيراني في العراق لكون الحشد الشعبي إحدى الأدوات الإيرانية التي توظفها لخدمة أهدافها. وعليه قد تفلح الضغوط الإيرانية على بغداد في تعديل صيغة القانون، وعدم تحجيم دور الفصائل المسلحة بهدف توظيف طهران لها في مواجهة الولايات المتحدة، لكن سيشكل ذلك ضغطًا على حكومة “محمد شياع السودانى” ما بين تعهداتها بنزع سلاح الفصائل المسلحة في العراق، ووقف عمليات تهريب الدولار إلى إيران، وفرض العقوبات الأمريكية على العراق. وما بين الحفاظ على الائتلاف الشيعي الحاكم والاستقرار السياسي بالدولة.