تحل الذكرى الثالثة والأربعون لتحرير سيناء الحبيبة حيث تحتفل الدولة المصرية يوم 25 ابريل من كل عام بتلك الذكرى العظيمة و استعادة أرض سيناء و تظل لحظات استعادة الأرض المغتصبة من الاحتلال الاسرائيلي شاهدة لا على قوة السلاح وحده، بل على عمق الإرادة الوطنية وحنكة القيادة السياسية ، وصلابة التمسك بالشرعية.
تأتي ذكرى تحرير سيناء كأحد أبرز هذه اللحظات في التاريخ المصري المعاصر لا بوصفها مجرد استرجاع جغرافي لرقعة من الأرض، بل باعتبارها إعادة ترسيخ لسيادة الدولة المصرية على كامل ترابها الوطني، بعد سنوات من الاحتلال و الحرب ثم التفاوض المضني.
لقد شكّل تحرير سيناء ذروة مسار معقد، امتزجت فيه الحرب بالسلام بعبقرية التفاوض،
ولم يكن يوم الخامس والعشرين من أبريل عام 1982 مجرد تاريخ بل محطة مفصلية أعادت تعريف مفهوم الانتصار لا بوصفه هيمنة عسكرية، بل قدرة دولة على انتزاع حقها المشروع ضمن إطار القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية فليس هناك من يستطيع أن ينكر على شعب حقه في تحرير أراضيه المحتلة بالغصب والقوة لأن احتلال أرض الغير هو عمل غير مشروع لا سند له في القانون الدولي.
فاستردت الدولة المصرية أرضها الغالية من الاحتلال الإسرائيلي، فهو يوما خالدا في ذاكرة الوطن ويعد رمز للنصر والإرادة القوية فاستعادت مصر كافة التراب الوطني الذي دُنس بالاحتلال في عدوان يونيو 67 فلولا حرب أكتوبر 73 لما وجد السلام ولما وجدت مفاوضات فيما بعد فقد غيرت حرب أكتوبر 73 المجيدة الواقع بقوة السلاح واخذ الحق بالقوة ثم اعادت تشكيل المستقبل بالسعي للسلام فالدولة المصرية حاربت من أجل السلام الوحيد الذى يستحق وصف السلام، وهو السلام القائم على العدل.
وأثبتت الدولة المصرية انها محرك رئيسي واستراتيجي في المنطقة بأكملها فغيرت الحرب الواقع الي نصر مبين وغيرت النظرة الدولية لمصر.
حيث تكلل العبور العظيم للجيش المصرى فى 1973 وانتصاره على جيش الاحتلال الإسرائيلى، بخروج دولة الاحتلال تماما ورفع العلم المصري فوق شبه جزيرة سيناء بعد استعادتها كاملة من المحتل الإسرائيلي، وكان هذا هو المشهد الأخير في سلسة طويلة من الصراع المصري الإسرائيلي انتهى باستعادة الأراضي المصرية كاملة بعد انتصار كاسح للسياسة والعسكرية المصرية فى 25 أبريل 1982 فقد انسحبت إسرائيل بشكل نهائي من سيناء دون الانسحاب من طابا
حيث قررت إسرائيل إتمام انسحابها النهائي في 25 ابريل 82 طبقا لما كان متفق علية ولكنها أعلنت انها سوف تستثني منطقة طابا الواقعة على رأس خليج العقبة من الانسحاب وهو ما بدأت الدولة المصرية التعامل معه بكل جديه و حرصت الدولة المصرية على الا تؤدي هذه المشكلة الي عدم إتمام الانسحاب النهائي من سيناء فوافقت على الانسحاب عدا طابا طالما هناك آلية حل مستقبلية منصوص عليها في المعاهدة
كما اكدت حرب أكتوبر 73 المجيدة ان التفاوض يأتي من جانب قوة مصري وليس من جانب ضعف فيمكننا القول ان الحرب فرضت خيار المفاوضات لتحقيق السلام.
فأي معاهدة سلام يكون هدفها هو انهاء حالة الصراع بين الدول وبناء مرحلة جديدة ومعاهدة السلام كان الهدف منها الحصول علي كامل التراب والأرض المصرية.
ومن أهم نتائج استرداد السيادة الكاملة على الأراضي المصرية تحطم أسطورة أن جيش إسرائيل لا يقهر والتي كان يقول بها القادة العسكريون في إسرائيل، كما أن حرب أكتوبر المجيدة مهدت الطريق لأتفاق كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل للوصول لمعاهدة السلام بعد ذلك.
وكان لابد الانتقال من مرحلة الحرب التي تكون الكلمة فيها للجندي في ساحة القتال الى الانتقال الى مرحلة التفاوضات السياسية والدبلوماسية وهي معركة تكون الكلمة فيها للسياسة والقدرة على اخذ اكبر مكاسب بالتفاوض من اجل استعادة سيناء الغالية التي ظلت عبر التاريخ مطمع للغزاة وهي عنوان لتاريخ طويل من كفاح الشعب المصري العظيم .
وفى الوقت الذى نحتفل فيه بالذكرى الثالثه و الاربعون لتحرير سيناء فإننا يجب أن نتذكر اليوم بكل فخر وإعزاز شهداءنا الأبرار الذين روت دماؤهم الزكية أرض سيناء الطاهرة و نتذكر تضحياتهم وبطولاتهم لتحريرها من الإرهاب بجهود غير مسبوقة لحماية الوطن والحفاظ على أمنه واستقراره والتصدي لأي عدو غاشم، فمصر التى نجحت فى معركة التحرير الأولى من خلال تحرير سيناء من الإحتلال الإسرائيلى عقب حرب أكتوبر المجيدة عام 1973 نجحت أيضاً فى معركة التحرير الثانية وهى تحرير سيناء من الإرهاب خاصة عقب العملية الشاملة التى بدأت عام 2018 ثم نجحت بإمتياز فى المعركة الثالثة وهى معركة التنمية التى لازالت تنتشر فى كل أنحاء سيناء.
وهو ما يؤكد أنه لا تفريط ولا إفراط في شبر من أرض سيناء الغالية فهي محط أنظار الطامحين والطامعين ، والمستهدف الأول بأشرس وأخطر موجة إرهاب مرت على مصر في تاريخها كله.
ويعد تحرير سيناء ذكرى غالية يجب أن تكون نبراساً لنا، وعلينا أن نستثمر دروسها المستفادة فى كافة الجهود التى تبذلها الدولة بمختلف المجالات، فمصر التى نجحت فى معارك تحرير سيناء قادرة بفضل الله وشعبها العظيم وقيادتها الوطنية على تحقيق الإنجازات لمصلحة الشعب المصرى .
وهناك مجموعة من الدروس المستفادة من تاريخ تحرير أرض الفيروز والتى لابد من تذكير الأجيال الجديدة بها ، فتطلع تلك الأجيال على البطولات التى تمت فى تاريخ مصر الحديث والاستفادة من هذه الأعمال والنماذج البطولية التى قام بها شباب مصرى مثلهم حينذاك؛ وهو ما يتطلب بلورة منظومة النجاح فى سيناء فى إصدارات يتم تدريسها للشباب المصرى من أجل توضيح كيف إنتقلت سيناء من أن تكون معقلاً للإحتلال والإرهاب والإرهابيين إلى أن أصبحت نموذجاً ناجحاً يحتذى به ويجمع بين إرادة العمل وإرادة النجاح
إذ إن هذه الأجيال هى التى ستتحمل المسئولية مستقبلاً فلابد ان تتسلح هذه الأجيال بالإرادة القوية لكي تتمكن من التصدى للتحديات التى يواجهونها في أى وقت، علاوة على أن الولاء للدولة والثقة فى قيادتها يعتبر أحد أهم العناصر التى تساعد على التلاحم بين الشباب وبين القيادة السياسية ، كما أن العمل الجاد يعد المسار الطبيعى لتقدم الدولة ولن يقوم بهذا العمل سوى أجيال مؤهلة وقادرة على تحمل المسئولية
وهناك أيضا بعض الرسائل المهمة التي لابد من تذكير الرأي العام العالمي بها في تلك الذكرى الغالية، فسيناء تعد بالنسبة لمصر مسألة أمن قومى، ومن ثم فإن مصر لن نسمح لأحد بأن يعبث بهذه المنطقة تحت أى مسمى وسوف نتصدى له بكل الوسائل المتاحة
فكل ما يتداول حول مشروعات التهجير إلى سيناء هو أمر مرفوض وستظل سيناء منطقة مصرية قوية تنعم بكل مظاهر الأمن والتنمية المطلوبة ، علاوة على أن المشروع الرئيسى الذى تتبناه الدولة المصرية هو مشروع التنمية فى سيناء وفى كل ربوع مصر.
وبهكذا استعادت مصر بدماء وجهد وعرق وفكر المخلصين من أبنائها خلال الحرب والسلام ارضها المحتلة فلا يضيع حق وراءة مطالب يحسن الدفاع عنه. فسيناء تعد النموذج الأمثل لكيفية نجاح الدولة فى إقرار مبدأ التوازن بين متطلبات الأمن القومى ومتطلبات التنمية.
وختاما تفرض ذكرى تحرير سيناء إعادة تأمل في الدروس السياسية والقانونية المستخلصة من تلك التجربة؛ لا سيّما في ظل التحديات الراهنة التي تواجه مفاهيم السيادة والاستقلال ووحدة الإقليم، في عالم باتت فيه شرعية القوة تنازع قوة الشرعية.
الكابشن :-
وتأتي ذكرى تحرير سيناء كأحد أبرز هذه اللحظات في التاريخ المصري المعاصر لا بوصفها مجرد استرجاع جغرافي لرقعة من الأرض، بل باعتبارها إعادة ترسيخ لسيادة الدولة المصرية حيث شكّل تحرير سيناء ذروة مسار معقد، امتزجت فيه الحرب بالسلام وعبقرية التفاوض، فلن يكون يوم الخامس والعشرين من أبريل عام 1982 مجرد تاريخ بل محطة مفصلية أعادت تعريف مفهوم الانتصار.
دكتور القانون الدولي العام