أثار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الكثير من الجدل داخليا وخارجيا بسبب قراراته وسياساته خلال المائة يوم الأولى. فرغم أن معظم هذه القرارات والسياسات لم تكن مفاجئة حيث تعد ترجمة لوعوده الانتخابية التى على أساسها انتخبه المواطن الأمريكى، فإن تداعيات تلك القرارات أثارت ردود أفعال متباينة، وكان من مؤشرات ذلك هو تراجع شعبية ترامب من 47% مؤيدين له، فى يناير الماضى، إلى 42% بعد مرور ثلاثة أشهر، وهو ما يعكس أن معارضى قرارات ترامب أكثر من مؤيديها، مما سيكون له تداعيات سياسية سلبية خاصة على الحزب الجمهورى وتراجع فرصه فى الاحتفاظ بالأغلبية فى الكونجرس بمجلسيه خلال انتخابات التجديد النصفى العام القادم.
خلال المائة يوم الأولى، اتخذ الرئيس ترامب الكثير من القرارات المثيرة فى كافة القضايا، فقد حقق الرئيس ترامب الرقم القياسى فى إصدار الأوامر التنفيذية التى تجاوزت المائة أمر، وهو ما لم يحدث من قبل إلا فى عهد الرئيس روزفلت خلال الحرب العالمية الثانية، كما أن أغلب تلك القرارات هى انقلاب على قرارات الرئيس السابق بايدن، وشملت قضايا الهجرة والتعليم والصحة والأجهزة الحكومية، والانسحابات، مثل الانسحاب من اتفاقية المناخ وغيرها. وقد عكست كثرة الأوامر التنفيذية، ميل الرئيس ترامب إلى تجاهل الكونجرس فى إصدار التشريعات واستبدالها بالأوامر التنفيذية وهو ما لاقى معارضة الكثير من الأعضاء بمن فيهم الأعضاء الجمهوريون. كما أن تلك الأوامر تسببت فى إثارة معارضة شديدة خاصة فيما يتعلق بتعليقه تمويل بعض المؤسسات الصحية والتعليمية ومنها جامعة هارفارد ورأى البعض أن ذلك يمثل افتئاتا على حرية الرأى والتعبير التى كفلها الدستور، خاصة أن الرئيس ترامب اشترط تمويل الجامعات باتخاذها إجراءات تقييدية ضد الطلاب الأجانب الذين شاركوا فى مظاهرات حول حرب غزة. كما أن تعليق التمويل عن البحث العلمى سيؤدى إلى تراجع الريادة الأمريكية فى مجال البحث والابتكار، وإلغائه الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية سيفقد أمريكا قوتها الناعمة عالميا، حيث كانت تمول برامج حول الصحة والتعليم والبنية الأساسية فى أكثر من مائة دولة، خاصة فى إفريقيا. وقد عارض البعض قرارات ترامب أيضا فى ترحيل بعض المهاجرين، خاصة أفراد بعض العصابات دون استئناف الأحكام عليهم، وهو ما يتعارض مع أحكام القضاء والفصل بين السلطات.
إذا كان ترامب نجح فى تحقيق بعض وعوده الانتخابية خاصة فيما يتعلق بالحد من الهجرة غير القانونية عبر ضبط الحدود الأمريكية، وترحيل الكثير من الأشخاص، إلا أن قراراته الاقتصادية المتعلقة بفرض الرسوم التجارية أثارت الكثير من الجدل داخليا وخارجيا بسبب التداعيات السلبية لتلك القرارات وتسببها فى حرب تجارية عالمية. فرغم أن ترامب استهدف تصحيح الخلل فى ميزان التجارة الأمريكى مع كثير من الدول، خاصة الصين ودول الاتحاد الأوروبى وكندا، وكذلك إعادة توطين وتنشيط الصناعة الأمريكية، وتحصيل الكثير من الأموال لتمويل الميزانية، وبالتالى تخفيض الضرائب، فإن عدم دراسة تلك القرارات اقتصاديا أو الأخذ برأى الخبراء، وفرض الرسوم على كل الدول دفعة واحدة، وقيام الصين بفرض رسوم مضادة على السلع الأمريكية، أدى لتداعيات سلبية كبيرة، أبرزها تراجع أسعار الأسهم والسندات الأمريكية وخسارتها أكثر من 10 تريليونات دولار فى أيام قليلة، كذلك ارتفاع أسعار السلع والمنتجات وارتفاع التضخم وهو ما زاد من ارتفاع تكاليف معيشة المواطن الأمريكي.
المائة يوم الأولى أبرزت تأثير شخصية ترامب وسماته الشخصية وقناعته ونمط إدارته كرجل اقتصاد، على قراراته وسياساته، وميله إلى اتخاذ قرارات دون الرجوع إلى المؤسسات أو المستشارين، وهو ما يعكس الصراع الحالى فى أمريكا بين الشعبوية التى يمثلها ترامب، والمؤسساتية التى حكمت أمريكا على مدى العقود السابقة. لكن فى المقابل يتسم ترامب بالمرونة الكبيرة والتراجع أحيانا عن تلك القرارات نتيجة لتداعياتها أو معارضة من حزبه، أو نتيجة لأحكام القضاء الذى علق وألغى الكثير من قراراته لتعارضها مع الدستور، كما حدث فى تجميد قراراته بعدم منح المواليد الأجانب الجنسية الأمريكية، كما تراجع عن إلغاء تأشيرات الطلاب الأجانب وتعليق الرسوم الجمركية والتفاوض مع الدول المختلفة للتوصل إلى اتفاقات تجارية معها.
ربما الأبرز خارجيا فى عهد ترامب هو محاولاته لإنهاء الحرب فى أوكرانيا وغزة والوصول إلى اتفاق حول البرنامج النووى الإيرانى. والمفارقة أن ترامب أوكل لمبعوثه الشخصى ستيف ويتكوف الملفات الثلاثة، وهو ما يزيد من التحديات أمام جهوده فى إنهاء حرب أوكرانيا بسبب تعقيداتها وتناقض المواقف بين روسيا وكل من أوكرانيا وأوروبا، كذلك انهيار اتفاق غزة التى أسهم ويتكوف فى التوصل إليه. كما أن التوصل إلى اتفاق مع إيران يواجه تحديات كثيرة بسبب تناقض المواقف بين أمريكا التى تريد تحجيم قدرات إيران فى إمكانية امتلاك سلاح نووى، وبين إيران التى تريد الاحتفاظ بقدرتها على التخصيب وتطالب برفع العقوبات وبتوافر ضمانات لعدم انسحاب أمريكا مستقبلا. كما أن سياسة ترامب فى الحسم والاعتماد على مفهوم الصفقة، قد لا تساعد فى إنهاء تلك الملفات المعقدة.
رغم ذلك يظل ترامب يعبر عن قاعدة شعبية كبيرة وصلبة ولاشك أنه سيحدث خلال ولايته تغييرات جذرية داخلية وخارجية، لكن هدفه فى جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى، يواجه تحديات كثيرة وأبرزها نمط إدارته فى الحكم والذى يعتمد على قناعاته ورؤيته أكثر من اعتماده على المؤسسات الأمريكية.