منذ اعتراف تركيا بإسرائيل عام 1949 كأول دولة إسلامية تقدم على هذه الخطوة، ظلت العلاقات الثنائية تتأرجح بين الصعود والهبوط. وتمر هذه العلاقات حاليًا بمرحلة توتر أساسها التنافس على تقاسم النفوذ في الساحة السورية، وقد أضاف استهداف إسرائيل لوفد حركة حماس التفاوضي في الدوحة يوم 9 سبتمبر الجاري بعدًا جديدًا لهذا التوتر؛ إذ تنظر إليه أنقرة بوصفه تصعيدًا خطيرًا، ورغم أنها ليست معنية به بشكل مباشر، فإنه عمق الشعور التركي بعدم الثقة إزاء التحركات الإسرائيلية في المنطقة. وعليه، تناقش هذه الورقة مؤشرات توتر العلاقات التركية الإسرائيلية، وضوابط التصعيد المحتملة، والخطوات المضادة التي تتخذها تركيا لمواجهة التهديد الإسرائيلي المتصور.
مؤشرات التوتر
تعددت خلال الآونة الأخيرة مظاهر التوتر التركي الإسرائيلي؛ الأمر الذي يعكس اتساع رقعة الخلافات بين الطرفين، والتي سيتم استعراضها على النحو التالي:
• الدعم الإسرائيلي للأقليات السورية: تقدم إسرائيل نفسها باعتبارها حامية وداعمة للأقليات السورية، وبالأخص الدروز، وتبدي استعدادًا لفتح قنوات تواصل رسمية مع الأكراد، وقد استطاعت استمالة الجانب الأمريكي الذي طرح على لسان مبعوثه إلى سوريا ولبنان توم باراك، الحل شبه الفيدرالي أو اللا مركزية، كصيغة مثلى مقترحة لشكل الدولة السورية بما يُراعي حقوق كافة المكونات العرقية والدينية؛ الأمر الذي شجع النزعات الانفصالية ودفع الدروز والعلويين نحو تشكيل كيانات ذات أهداف انفصالية مثل المجلس السياسي لغرب ووسط سوريا، والحرس الوطني الدرزي.
ويُثير هذا التوجه استياء أنقرة كونه يقوّض تنفيذ اتفاق 10 مارس بين قوات سوريا الديمقراطية والشرع القاضي بدمج قسد في الهياكل السياسية والعسكرية لدمشق؛ حيث دفع السلوك الإسرائيلي-الأمريكي قسد نحو المماطلة؛ مما يهدد بإبطاء عملية “تركيا خالية من الإرهاب”، ومن ثم تعثر إحدى أولويات أجندة السياسة الداخلية التركية، إذ يربط أردوغان بين إنجاح المصالحة مع الأكراد وبين توفير أرضية سياسية لبناء تحالف داعم لإجراء تعديل/تغيير دستوري يتيح له الترشح لولاية رئاسية رابعة، مقابل توسيع منظومة الحقوق الثقافية والاجتماعية والسياسية للأكراد.
• استهداف إسرائيل مصالح عسكرية تركية في سوريا: بعدما قصف الطيران الإسرائيلي منشآت عسكرية سورية كانت تعتزم تركيا استغلالها لإقامة قواعد دائمة في دمشق وحمص مثل مطار “التيفور” خلال أبريل الماضي، نفذت مؤخرًا عمليات طالت معدات عسكرية تركية؛ فخلال أغسطس الماضي أسفرت عملية إنزال جوي في قاعدة عسكرية بالقرب من مدينة الكسوة جنوب دمشق، عن تفكيك أجهزة مراقبة واستماع قامت تركيا بتركيبها منذ عقد، وفي سبتمبر الجاري ضربت إسرائيل أهدافًا في محيط اللاذقية وحمص، أفادت بعض التقارير أنها تضمن مستودعات صواريخ ومعدات دفاع جوي تركية الصنع تم نقلها إلى المنطقة المستهدفة خلال الفترة الأخيرة.
وقد جاء الاستهداف عقب ساعات من زيارة قائد القوة الجوية السورية إلى أنقرة ولقائه برئيس هيئة الأركان العامة التركي ضمن مساعي الطرفين تعميق التعاون العسكري في جوانبه التسليحية والتدريبية؛ مما يبعث برسالة مفادها ضرورة إبقاء التنسيق العسكري في إطار الخطوط الحمراء الإسرائيلية الرافضة لإعادة بناء الجيش السوري كقوة قتالية موحدة، أو تسليحه بأسلحة استراتيجية على غرار أنظمة الدفاع الجوي والصواريخ والطائرات القتالية، أو استخدامه كوكيل محلي للمشروع الأمني الإقليمي لأنقرة.
• إعلان تركيا قطع العلاقات التجارية مع إسرائيل: اتصالًا بالنقطة السابقة، أعلن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، أمام جلسة برلمانية استثنائية خصصت للهجوم الإسرائيلي على غزة والوضع الإقليمي، في 29 أغسطس 2025، أن أنقرة قطعت جميع علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع إسرائيل، ومنعت السفن الإسرائيلية من دخول الموانئ التركية، وأغلقت المجال الجوي التركي أمام الطائرات الإسرائيلية، ولن يتم السماح السفن التركية بالرسو في إسرائيل.
• الاستهداف الإسرائيلي لقادة حماس في الدوحة: رغم الابتعاد الجغرافي المقدر بمئات الأميال بين تركيا وقطر؛ فإن أنقرة لا تنظر إلى الضربات الإسرائيلية التي استهدفت قادة حركة حماس في الدوحة كأحداث معزولة عن مصالحها الإقليمية، بل تعتبرها تطورًا بالغ الخطورة يحمل دلالات استراتيجية أوسع؛ إذ تُعد مؤشرًا لاستسهال إسرائيل الدبلوماسية الخشنة لفرض إرادتها بالقوة، ومن ثم تزداد فرص الاحتكاك العسكري في سوريا، كما أنها كاشفة لاتساع نطاق العمليات العسكرية الإسرائيلية في الشرق الأوسط وغياب أي ضوابط أو قيود تحد من تمددها إلى ساحات إقليمية مختلفة؛ مما يفتح الباب أمام احتمالات استهداف أطراف أخرى، بما في ذلك حلفاء تركيا المباشرون، ويُعيد صياغة معادلات الردع في المنطقة على نحو يُضعف من قدرة القوى الإقليمية الرئيسية، مثل تركيا، على التحكم في بيئتها الأمنية المباشرة، ويفرض عليها تكاليف إضافية للحفاظ على توازن الردع الإقليمي.
علاوة على ما يحمله من رسائل تحذيرية لأنقرة التي تستضيف عناصر لحركة حماس داخل أراضيها وسبق لها كشف شبكات تعمل لصالح الموساد تتولى مراقبة شخصيات فلسطينية وأخرى منتمية للحركة تستضيفها تركيا. وحتى وإن كانت إسرائيل غير راغبة في ترجمتها إلى ممارسة فعلية، فإنها تظل تنطوي على سلوك عدائي، لا سيَّما عند الأخذ في الاعتبار تعليقات بعض الشخصيات الإسرائيلية أو الداعمة لإسرائيل التي اعتبرت أن تركيا قد تكون الهدف التالي، ومنها على سبيل المثال: تعليق أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية بالقدس، الدكتور مائير مصري، في تغريدة على منصة أكس قال فيها: “من يهاجم الدوحة، فليهاجم أنقرة أيضًا”. إلى جانب اعتبار المحلل الأمريكي مايكل روبين، في مقال له بمنتدى الشرق الأوسط، أن تركيا تعمل بالوكالة عن الإرهابيين وبالتالي تكون قد أطلقت الرصاصة الأولى ويكون لإسرائيل الحق في الرد، مقدرًا أن الناتو لن يفعِّل المادة الخامسة المتعلقة بالأمن الجماعي؛ نظرًا إلى إمكانية استخدام الولايات المتحدة حق الفيتو، وهكذا بالنسبة للسويد وفنلندا اللذين يكنان غضبًا لتركيا.
• استخدام نتنياهو وصف الإبادة الجماعية للأرمن: في خروج عن النهج التقليدي للسياسة الإسرائيلية، التي حرصت تاريخيًا على تجنّب استخدام مصطلح “الإبادة الجماعية” في وصف ما جرى للأرمن، أجاب نتنياهو على سؤال طرحه رجل الأعمال الأمريكي باتريك بيت ديفيد، في بودكاست استضافه فيه، بشأن أسباب عدم إقدام أي رئيس وزراء إسرائيلي على الاعتراف بها سابقًا، بقوله: “لقد اعترفتُ للتو. تفضل”. ومع ذلك، يبقى التصريح في إطاره الرمزي؛ إذ جاء خلال لقاء إعلامي غير رسمي، ولا يرقى إلى مستوى الاعتراف المؤسسي أو تبنّي موقف رسمي من جانب إسرائيل.
حدود التصعيد
يظل احتمال اندلاع صراع مباشر بين تركيا وإسرائيل غير واقعي في ضوء الظروف الإقليمية والدولية الراهنة؛ إذ تشير المعطيات إلى أن أي تصعيد بين الجانبين سيبقى منضبطًا وفي حدود مستويات محسوبة لا تصل إلى حد المواجهة الشاملة، ويرجع ذلك إلى عدة اعتبارات منها:
• الاعتبار الأول: كون تركيا جزءًا من المنظومة الأمنية الغربية التي يُمثلها حلف الناتو، فحتى وإن كان نظامها الحالي (نظام حزب العدالة والتنمية) يتعارض أيديولوجيًا مع إسرائيل، فإن الجانب البراجماتي يحكم بدرجة كبيرة العلاقات التركية الإسرائيلية، إدراكًا من أنقرة لخطورة معاداة إسرائيل على مكانتها في المنظومة السياسية والأمنية الغربية، وتعريضها لضغوط وعقوبات أمريكية تعصف بوضعها الاقتصادي ومشروعها الإقليمي.
• الاعتبار الثاني: الالتزام بالأمن الجماعي في إطار حلف الناتو، بموجب المادة الخامسة من الحلف، والتي تلزم الدول الأعضاء بالدفاع عن أي دولة عضو تتعرض لعدوان عسكري؛ الأمر الذي سيضع الولايات المتحدة في مأزق، فإسرائيل هي حليفها الاستراتيجي الرئيسي في الشرق الأوسط، وتم تصنيفها كحليف من خارج الناتو، ومن غير المعقول تصدي واشنطن لها عسكريًا، لذلك تحرص بشدة على تجنيب نفسها التورط في هكذا مأزق، من خلال ضبط إيقاع التوترات بين البلدين وإبقائها ضمن منسوب آمن، لا سيَّما أنهما باتا حاليًا بمثابة جناحي الرؤية الأمريكية للشرق الأوسط الجديد، التي تلعب فيها أنقرة –بدراية تامة– لصالح تهيئة المنطقة للهيمنة الإسرائيلية، مقابل السماح لها أمريكيًا بدور محسوب في سوريا، والتغافل عن تقليص مساحات الديمقراطية الداخلية وتدهور أوضاع حقوق الإنسان.
وعليه، يحرص الطرفان التركي والإسرائيلي، بدعم أمريكي، على إبقاء التوترات في مستوى المناوشات بين المتنافسين الإقليميين، دون إفلاتها عن السيطرة وتطورها إلى اشتباك مباشر؛ الأمر الذي تجسد في عدة ملامح:
• إبقاء التصعيد في الجوانب التجارية والاقتصادية: منذ اندلاع حرب غزة فضلت تركيا حصر التصعيد في المعاملات الاقتصادية وإبقاءه بعيدًا عن الجوانب السياسية، فلم تُقرر قطع العلاقات السياسية أو تخفيض مستوى البعثة الدبلوماسية، رغم أن البلدان قاما بسحب سفرائهما للتشاور خلال عام 2024 دون إرجاعهما؛ الأمر الذي يؤكد حرص تركيا على تجنّب الإضرار بالبنية الاستراتيجية للعلاقات الثنائية، وتفادي تدمير الجسور الدبلوماسية والوصول بالعلاقات إلى مرحلة “اللا عودة”، علاوة على إدراكها بأن إدارة الخلافات مع تل أبيب تتطلب الحفاظ على قنوات التواصل الدبلوماسي والاستخباراتي مفتوحة، ومن ثم يعمل الضغط الاقتصادي كأداة مزدوجة، تمنح أنقرة مساحة للتصعيد دون تكبد ثمن استراتيجي فادح بعيد المدى.
• استمرار حركة الطيران والتجارة: رغم إعلان فيدان في 29 أغسطس الفائت إغلاق المجال الجوي أمام الطائرات الإسرائيلية، استمرت حركة الطيران وفق جداولها المعتادة، وهو ما يعكس أن الجانب التركي لم يلجأ إلى قرارات انفعالية أو فورية، في ظل غياب آلية واضحة لتطبيق القرار. وليس هذا بجديد، فقد سبق وأن أعلنت تركيا قطع العلاقات التجارية مع إسرائيل خلال عام 2024 ردًا على استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ورغم أن البيانات الرسمية تُظهر انخفاض ملحوظًا فعليًا في التجارة بين البلدين؛ حيث بلغت الصادرات التركية إلى إسرائيل نحو 2.86 مليار دولار خلال 2024، نزولًا من نحو 5.2 مليار دولار عام 2023، فإنه لا يُمكن الاعتماد عليها وحدها لتقييم مستوى العلاقات التجارية؛ إذ استمرت السلع والبضائع التركية (بعضها ذو استخدام مزدوج مدني وعسكري) تصل إلى السوق الإسرائيلي عبر مسارات التفافية، سواء عبر إعادة تصدير من دول أو شركات وسيطة، أو من خلال تغيير العلامة التجارية التي تُشير إلى بلد المنشأ؛ الأمر الذي يؤكد أن هذا القرار كان رمزيًا وتصعيديًا سياسيًا كونه لم يوقف كليًا حركة البضائع.
خريطة 1 – توضح استمرار حركة الطيران الإسرائيلي عبر المجال الجوي التركي (15 سبتمبر 2025)

Source: Flight Radar 24
• الامتناع عن استهداف قادة حماس في تركيا: أفادت تقارير إعلامية بأن تركيا طلبت من قادة حركة حماس، الذين تعرضوا لمحاولة اغتيال إسرائيلية في الدوحة، مغادرتها لتجنب استهدافهم داخل أراضيها بما يضعها في مواجهة لا ترغب فيها مع إسرائيل، كما أفادت تقارير أخرى بتراجع مسئولين إسرائيليين عن استهداف مكاتب الحركة في تركيا؛ حيث يقيم عدد من كبار مسئوليها، وسط مخاوف من أن يؤدي استهداف دولة عضو في الناتو إلى إثارة أزمة دبلوماسية خطيرة مع واشنطن وحلفاء آخرين؛ الأمر الذي يكشف حرص الجانبيين على عدم تطور التوترات الثنائية إلى اشتباك مباشر.
ورغم ملاحظة بعض التعليقات الاستفزازية من شخصيات إسرائيلية على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن احتمالية أن تكون تركيا الهدف التالي لإسرائيل، فإن إقدام إسرائيل على خطوة كتلك لا يزال مستبعدًا، ويُمكن إيعاز ذلك إلى تباين الوزن الإقليمي بين تركيا وقطر، فالأخيرة تبقى دولة صغيرة عند قياس معادلات القوة الإقليمية، بينما تُصنف تركيا كإحدى القوى الإقليمية المحورية ذات القدرات الموازنة لإسرائيل، وتتمتع بهامش واسع من الحركة في الإقليم، كما ترتبط معها بمصالح متقاطعة في بعض المسارح، وعلى رأسها الساحة السورية. وبالتالي، فإن أي خطوة إسرائيلية من هذا النوع من شأنها أن تنعكس سلبًا على العلاقات الثنائية، وتُضفي مزيدًا من التعقيد عليها، وتضع عراقيل أمام مسارات التنسيق بين الطرفين، بل قد تدفع أنقرة إلى اتخاذ خطوات مضادة ضد المصالح الإسرائيلية، وهو وضع تسعى تل أبيب لتفاديه، وتحرص واشنطن على تجنبه.
خطوات مضادة
اتخذت تركيا خلال الفترة الأخيرة خطوات لمواجهة التهديدات الإسرائيلية المحتملة، والتي جاءت على النحو التالي:
• تعديل الميزان العسكري مع إسرائيل: رغم امتلاك تركيا قاعدة صناعية دفاعية متطورة ومنظومات غربية حديثة، فلا تزال هناك ثغرات في أنظمة الدفاع التركية تتعلق –على سبيل المثال– بغياب تغطية منظومات الدفاع الجوي لكامل المجال الجوي، وعليه، تسرع أنقرة برامجها العسكرية، بما في ذلك، تطوير منظومة “القبة الفولاذية” الذي شهد عملية تسليم نظام الدفاع الجوي “سايبر” القادر على إصابة أهداف على مدى 150 كيلومترًا، والكشف عن أنظمة صواريخ بالستية وصواريخ كروز جديدة، وتوقيع شركة أسيلسان اتفاقية جديدة بقيمة 1.9 مليار دولار مع الحكومة التركية لإنتاج وتسليم أنظمة الدفاع الجوي بين عامي 2027 و2031. علاوة على دخول المقاتلة الشبحية من الجيل الخامس “قآن” مرحلة الاختبار، وبدء الإنتاج التسلسلي للمُسيّرة “كيزيل ألما” القادرة على التخفي، بينما تستعد الدبابة “ألتاي” لمرحلة الإنتاج الفعلي، في وقت يجري فيه بناء حاملة الطائرات المحلية MUGEM المقرر دخولها الخدمة عام 2030. كما وقعت أنقرة صفقة مع بريطانيا لشراء 40 مقاتلة “يوروفايتر تايفون”.
• محاولات العودة لبرنامج تصنيع F-35: يتطلع أردوغان لاستغلال العلاقات الشخصية الجيدة مع ترامب لإقناعه بإعادة تركيا إلى برنامج تصنيع المقاتلات الشبحية من الجيل الخامس F-35؛ حيث تشكل المقاتلات F-16 عصب القوات الجوية حاليًا، وبينما تُبذل جهود تركية لتخفيف حدة الموقف الأمريكي، لم تحرز المحادثات تقدمًا حتى الآن، بل يواصل الكونجرس تشديد موقفه؛ إذ قدم النائب الجمهوري جوس بيليراكيس والنائب الديمقراطي براد شنايدر تعديلات على قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2026 (NDAA) من شأنها منع تسليم طائرات F-35 المقاتلة ومبيعات الأسلحة الأخرى إلى تركيا ما لم تستوف أنقرة شروطًا سياسية وأمنية محددة.
ويشمل المقترح وقف الدعم لحماس، وعدم الاشتراك في تهديدات عسكرية لإسرائيل (يُمكن أن يعني ذلك عدم تسليح الجيش السوري أو إقامة قواعد عسكرية تركية في سوريا)، والامتناع عن التعاون العسكري مع الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية، ووقف الانتهاكات ضد اليونان وقبرص، وضمان عدم استخدام أسلحة أمريكية الصنع في قبرص التركية. وتتعارض معظم هذه الاشتراطات مع توجهات السياسة التركية التي ستحاول إقناع ترامب بممارسة ضغوط على الكونجرس للموافقة على منح تركيا صفقة F-35، وبينما تأتي منظومة الدفاع الجوي الروسي S-400 في صدارة العقبات، فإنها لم تستخدم إلا على نطاق محدود للغاية، ويُمكن الاتفاق على إبقائها مخزنة والسماح بمراقبة أمريكية.
• السيطرة على الجيش السوري: في ظل الرفض الإسرائيلي-الأمريكي لإقامة قواعد عسكرية تركية في عمق الأراضي السورية، والاكتفاء بحصرها في الشمال، إلى جانب الاعتراض على تسليح الجيش السوري بأسلحة استراتيجية، أعادت أنقرة صياغة حضورها العسكري من الوجود المباشر إلى الانخراط غير المباشر عبر تقديم خدمات استشارية وتدريبية للفصائل المسلحة المنضوية في إطار الجيش الجديد، ويستند هذا التوجه إلى هدف استراتيجي يتمثل في إعادة تشكيل العقيدة العسكرية السورية بما يتوافق مع أولويات الأمن القومي والإقليمي لأنقرة، ويربط القدرات التشغيلية للجيش السوري بمحددات الإرادة السياسية التركية.
ختامًا، يتضح أن التوتر التركي الإسرائيلي مرشح للاستمرار، وإن ظل مضبوطًا ضمن حدود مدروسة، فرغم تعدد ساحات التنافس وتنامي مظاهر انعدام الثقة، يظل إدراك الطرفين لتكلفة الانزلاق إلى مواجهة شاملة دافعًا لإبقاء التفاعلات في إطار الاشتباك المحسوب، وسعي كل طرف على ضبط التصعيد دون تجاوز الخطوط الحمراء التي قد تفتح الباب أمام صدام لا يرغب فيه أي من الجانبين.