جاء انعقاد القمة العربية الإسلامية الطارئة بالدوحة لبحث العدوان الإسرائيلي على دولة قطر في توقيت بالغ التعقيد دوليًا وإقليميًا؛ حيث تتقاطع المصالح الدولية مع الأزمات الإقليمية بما يهدد السلم والأمن على المستويين الإقليمي والدولي، في وقت تتسارع فيه إسرائيل على انتهاك كافة القواعد الدولية وما يمثله من التهديد الخطير للأمن والاستقرار في المنطقة، وذلك قبل أيام قليلة من مؤتمر الاعتراف بالدولة الفلسطينية؛ مما يفاقم الانتقادات لدولة الاحتلال ويضع إسرائيل في مواجهة مباشرة مع شركاء استراتيجيين تقليديين، ويقدمها كدولة مارقة لا تنصاع للقانون والأعراف والمواثيق الدولية.
فالضربة التي استهدفت قادة حماس في الدوحة لم تقتصر على كونها عملًا عسكريًا عدائيًا وإنما تعد اعتداءً صارخًا على سيادة دولة قطر وهي عضو بالأمم المتحدة وما يخالف ذلك ميثاق الأمم المتحدة وكون قطر أصبحت سابع دولة تقصفها إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023.
تشارك قطر مع الدولة المصرية دور الوسيط في المفاوضات بين حركة حماس وسلطة الاحتلال الإسرائيلي للوصول لوقف إطلاق النار في غزة؛ مما يعطي بعدًا للعدوان الإسرائيلي سواء بانتهاك السيادة لدولة قطر والتعدي على سلامة إقليمها وهي تقوم بدور الوسيط، وبعدًا آخر وهو محاولة اغتيال من يتم التفاوض معه؛ مما يعني رغبتها في استمرار القتال في غزة وعدم وقف إطلاق النار والاستمرار في تعريض السلم والأمن الإقليميين للانفجار.
فتعكس القمة إدراكًا عربيًا بخطورة الانتهاكات الإسرائيلية وتزايدها إلى الحد الذي لا تعتد فيه بأي قوانين أو أعراف دولية وإنما تتصرف كدولة مارقة وتعتبر القمة فرصة تاريخية لإبراز موقف جماعي فعّال في مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية وانتهت القمة لعدة قرارات منها:
أن العدوان الإسرائيلي على قطر كونها وسيطًا في التفاوض يعد اعتداءً على الجهود الدبلوماسية ويقوض عمليًا الوساطة وأي فرص للسلام في المنطقة، دعم جهود الوساطة التي تبذلها كل من الدولة المصرية وقطر والولايات المتحدة لوقف العدوان على قطاع غزة، الترحيب بإصدار مجلس جامعة الدول العربية قرار الرؤية المشتركة للأمن والتعاون في المنطقة والتأكيد على مفهوم الأمن الجماعي والمصير المشترك للدول العربية والإسلامية وضرورة الاصطفاف ومواجهة التحديات والتهديدات المشتركة والبدء في وضع الآليات التنفيذية اللازمة لذلك، إدانة أي محاولات لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه تحت أي ذريعة، وضرورة التحرك العاجل للمجتمع الدولي لوضع حد لتلك الانتهاكات، التنسيق لدعم الجهود الرامية إلى تعليق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة.
انتهاك السيادة وسلامة إقليم دولة قطر
تعتبر الضربة الإسرائيلية غير المشروعة لدولة قطر سابقة خطيرة في العلاقات الدولية؛ لأنها تفتح الباب لتقويض مبدأ عدم التدخل واحترام سلامة إقليم وحدود الدولة.
فمن المبادئ الجوهرية التي نصّ عليها ميثاق الأمم المتحدة (المادة 2/4)، والتي تحظر استخدام القوة أو التهديد بها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة وهو ما انتهكته دولة الاحتلال الإسرائيلي.
فالهجوم على أرض دولة تُعتبر وسيطًا في مفاوضات يُثير تساؤلات حول إذا كان الهدف هو وقف الحرب أو إطلاق سراح رهائن، فالهجوم يعرقل المساعي الدبلوماسية، ويُفقد الثقة بين الوسيط والمفاوض الإسرائيلي ويخرج قطر من دور الوسيط؛ مما يعني استمرار العدوان وهو ما ترغب به إسرائيل.
فمحاولة تنفيذ عمل عسكري في عاصمة الوسيط تعني أن إسرائيل تعتزم المضي قدمًا في خطتها بطرد وقتل ومحاولة إخضاع مليوني فلسطيني في غزة وثلاثة ملايين آخرين في الضفة الغربية إخضاعًا كاملًا.
يعد احترام مبدأ سيادة الدولة وسلامتها الإقليمية هو حجر الزاوية في القانون الدولي، وتُعتبر السيادة من أهم المبادئ الأساسية التي قامت عليها العلاقات الدولية، وترتبط السيادة ارتباطًا وثيقًا بمبدأ عدم التدخل إذ لا يمكن تصور سيادة الدولة بمعزل عن ضمان عدم تدخل الدول الأخرى في شئونها الداخلية أو الخارجية.
لذلك يُعد مبدأ عدم التدخل مكمّلًا لمبدأ السيادة ومظهرًا من مظاهر احترامها؛ مما يجعل أي تدخل أجنبي انتهاكًا مباشرًا لسيادة الدولة وتقويضًا لاستقلالها، وتهديدًا للسلم والأمن الدوليين.
وهو ما نص عليه إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقًا لميثاق الأمم المتحدة.[1]
وبناءً على ذلك، فإن التدخل المسلح وأي شكل آخر من أشكال التدخل أو التهديد الموجه ضد شخصية الدولة أو عناصرها السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية يُعد انتهاكًا للقانون الدولي.
وهو ما فعلته دولة الاحتلال الإسرائيلي بضربها إقليم الدولة القطرية، وهو انتهاك آخر يضاف لانتهاكاتها لكل الأعراف والمواثيق والقوانين الدولية.
وقد رسخت محكمة العدل الدولية هذا المبدأ عند نظرها لقضية نيكارجوا [2] ضد الولايات المتحدة الأمريكية 1986.
حيث قررت المحكمة أن الولايات المتحدة انتهكت الالتزامات التي يفرضها القانون الدولي العرفي بعدم التدخل في شئون دولة أخرى، وعدم استخدام القوة ضدها، وعدم انتهاك سيادة دولة أخرى، وأقرت أن الولايات المتحدة ملزمة بالتوقف فورًا عن جميع الأعمال التي تشكل انتهاكات لالتزاماتها القانونية والامتناع عنها، وأنه يجب عليها تقديم تعويضات عن جميع الأضرار التي لحقت بنيكاراجوا بسبب انتهاكات الالتزامات بموجب القانون الدولي.
السوابق التاريخية لدولة الاحتلال الإسرائيلي في انتهاك السيادة
ومن المهم إبراز أن الضربة الإسرائيلية للدوحة لم تكن أول سابقة لاختراق إسرائيل سيادة الدول، فمن السوابق التاريخية لدولة الاحتلال لاختراق سيادة الدول، والتي تُظهر كيف يُفضي انتهاك سيادة الدول إلى أزمات إقليمية ودبلوماسية حادّة، هي محاولة إسرائيل اغتيال
خالد مشعل في عمَّان عام 1997، التي وافق عليها آنذاك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والتي باءت بالفشل وانتهت بأزمة سياسية حادة في العلاقات مع الأردن، في خطوة منحت حماس دفعة قوية.
فبعد 28 عامًا أعادت إسرائيل النهج نفسه وهاجمت الدوحة، فتؤكد دولة الاحتلال دومًا أنها تعاني محدودية في إدراك العواقب الاستراتيجية والدبلوماسية لمثل هذه الانتهاكات الدولية.
السناريوهات المحتملة
الأول: رد قطر بالتحرك قانونيًا عبر الإدانة السياسية والدبلوماسية، واللجوء إلى محكمة العدل الدولية باعتبار أن الاعتداء يمثل انتهاكًا جسيمًا لقواعد القانون الدولي ولمبدأ السيادة الذي تكفله المادة (2/4) من ميثاق الأمم المتحدة
– إثارة المسئولية الدولية لإسرائيل أمام محكمة العدل الدولية والمسئولية الدولية لقادة إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية
– التوجه إلى مجلس الأمن لطلب إدانة العدوان الإسرائيلي على السيادة القطرية؛ مما يضع الولايات المتحدة تحديدًا أمام معضلة سياسية وأخلاقية؛ فإما أن تترجم تصريحاتها المعلنة بشأن احترام سيادة الدول وعدم استخدام القوة إلى موقف عملي يدين إسرائيل، أو تؤكد مجددًا نهجها التقليدي كحليف استراتيجي يغطي على الانتهاكات الإسرائيلية عبر استخدام (الفيتو) بما يقوض مصداقية التصريحات الأمريكية بكون قطر حليفًا استراتيجيًا لها وكذلك يقوض منظومة الأمن الجماعي.
الثاني: الضغط العربي واستخدام إجراءات أشد ضد إسرائيل، منها تجميد اتفاقيات أبراهام (اتفاقيات التطبيع) بأن تقوم بعض الدول العربية ومنها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية بتعليق مشاريع التعاون الاقتصادي والاتفاقية الإبراهيمية وهو ما يشكل ضغطًا على الولايات المتحدة وإسرائيل.
الثالث: العمل على إنشاء قوة عربية مشتركة يكون هدفها رد أي اعتداء على أي دولة عربية وهو ما يشكل تصعيدًا إقليميًا في المنطقة.
ومما سبق يمكننا القول إن الهجوم غير المشروع على الدوحة عزَّز صورة إسرائيل عالميًا كدولة مارقة تحاول فرض هيمنتها بالقوة، كونها تجاوزت خطًا أحمر في الخليج بهجومها على أراضي دولة ذات سيادة تلعب دورًا محوريًا في الوساطة لوقف الحرب؛ مما يهدد اتفاقيات أبراهام ويزيد المخاطر السياسية والأمنية في المنطقة.
وهو ما يفاقم عزلتها الإقليمية والدولية، ويضعها أمام تحديات دبلوماسية واستراتيجية غير مسبوقة. ويعد اختبارًا جديدًا لمدى فاعلية النظام الدولي في حفظ السلم والأمن الدوليين، عبر قدرته على صون سيادة كل دولة عضو في المجتمع الدولي.
كذلك الضربة الإسرائيلية لقطر أعاقت قدرة الولايات المتحدة على دعمها لإسرائيل دون تعقيد علاقاتها الإقليمية أمام أزمة دبلوماسية وسياسية معقدة؛ مما يضع الولايات المتحدة بوصفها الحليف الاستراتيجي لإسرائيل أمام اختبار سياسي، فالإدارة الأمريكية ترغب في إتمام الاتفاق الإبراهيمي وتعتبره أولوية على أجندتها، وجاءت انتهاكات إسرائيل لدولة قطر فعقّدت الموقف أمام الولايات المتحدة؛ إما أن تُترجم تصريحاتها المعلنة حول احترام القانون الدولي وسيادة الدول إلى موقف عملي، أو أن تُعيد إنتاج المشهد التقليدي بحماية إسرائيل، بما يقوّض الشرعية الدولية ويفتح الباب أمام تشكيك واسع في مصداقية النظام الدولي ذاته.
[1] https://docs.un.org/ar/A/RES/2625(XXV)
[2] https://www.icj-cij.org/case/70 قضية نيكارجوا ضد الوايات المتحدة
دكتور القانون الدولي العام