بتاريخ 17 نوفمبر 2025، وقع الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي مذكرة تفاهم مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للحصول على 100 طائرة مقاتلة من طراز «رافال» ورادارات متقدمة، بالإضافة إلى مزيد من بطاريات الدفاع الجوي. وتأتي هذه الصفقة بعد أقل من شهر على توقيع اتفاقية مماثلة مع رئيس الوزراء السويدي للحصول على 150 مقاتلة متطورة من طراز «غريبن».
وكلا المقاتلتين لن تكونا بداية تدفق المقاتلات الغربية إلى سلاح الجو الأوكراني، إذ سبقتهم طائرات «إف-16» المطورة و«ميراج 2000-5»، التي اقتصر دورها على المهام الدفاعية إلى جانب بعض الأدوار الهجومية الثانوية. غير أن الحال لن يكون كذلك بالنسبة للمقاتلتين الجديدتين، اللتين تتميزان بأدوارهما الهجومية في المقام الأول، مما ينذر بجولة مستقبلية جديدة من المعارك يتجهز لها أيضا الجيش الروسي بعتاد جديد.
الوضع الحالي لسلاح الجو الاوكراني
بحسب المتحدث باسم سلاح الجو الأوكراني العقيد يوري إجنات، فإن السبب الرئيسي وراء طلب أوكرانيا للمقاتلات كان القنابل الروسية الانزلاقية من طراز UMPK، التي تلقيها القاذفات الروسية من مدى يتراوح بين 70 و80 كيلومترا، ولا يمكن إسقاطها بواسطة الدفاعات الجوية. لذا كان من الضروري الحصول على مقاتلات جديدة ليس فقط لتعويض الخسائر، بل أيضا لردع القاذفات الروسية. ويضاف إلى ذلك تقرير الاستخبارات الأميركية DIA الذي يفيد بقدرة الصواريخ الباليستية الروسية على تفادي منظومات «باتريوت» الأوكرانية، ما جعل الحاجة ملحة إلى أنظمة دفاع جوي أكثر تطورا.
حاليا تستكمل أوكرانيا تسلم 80 طائرة من طراز F-16 من النسخة الأوروبية MLU للـ Block-15 المكافئة للنسخة الأحدث Block-50، وهي نسخة معززة بنظام حماية متطور من طراز PIDS+ المدمج، يتيح لها تفادي الدفاعات الجوية والصواريخ المعادية. كما جرى دمج صواريخ AIM-9X الحديثة للاشتباك الجوي القريب، وصواريخ AIM-120C/B للاشتباك الجوي متوسط المدى، مع إمكانية استخدام القنابل الموجهة JDAM والقنابل صغيرة القطر من طراز SDB بمدى يصل إلى 150 كيلومترا، إضافة إلى صواريخ JSOW الجوالة بمدى 130 كيلومترا.
كما حصلت أوكرانيا على 20 مقاتلة Mirage-2000/5 F، وهي النسخة المخصصة للسيطرة الجوية من مقاتلات «ميراج-2000»، مع تحسينات تشمل تغليفا دفاعيا متكاملا من طراز ICMS، ورادارا جديدا أكثر مقاومة للتشويش، ودعما لقدرة إطلاق صواريخ الاشتباك الجوي النشطة من طراز IR MICA للاشتباك القريب، والنسخة EM من الصاروخ نفسه للاشتباك متوسط المدى. وقد أعلن وزير الدفاع الفرنسي آنذاك أنه تم تعديل هذه المقاتلات لتتمكن من أداء الأدوار الهجومية عبر دمج القنابل الفرنسية من طراز AASM وصواريخ الكروز من طراز SCALP.
تحل المقاتلات الجديدة محل الخسائر الأوكرانية من الطائرات، سواء في الجو أو على الأرض، والتي بلغت بحسب موقع الإحصاء للخسائر The Oryx فقد تم خسارة 34 «ميج-29»، و22 «سو-25»، و18 «سو-27»، و20 «سو-24»، بالإضافة إلى 4 مقاتلات «إف-16» حديثة، ومقاتلة واحدة من طراز «ميراج-2000/5». وتعود هذه الخسائر إلى أسباب مختلفة، منها التفوق النوعي الروسي بعيد المدى، وهو تكيف ميداني حدث بعد الأيام العشرة الأولى من المعركة الجوية في العمق الأوكراني، والتي أسفرت عن إسقاط العديد من المقاتلات الروسية.
وقد دفع ذلك قادة سلاح الجو الروسي إلى تغيير قواعد الاشتباك لتشمل الاعتماد على الصواريخ بعيدة المدى من طراز R-37 التي تطلقها المقاتلات الروسية بالتعاون مع منظومات S-400 وS-300 لفرض سيطرة جوية كاملة بالقرب من الخطوط الأمامية للمعركة، وإجبار المقاتلات الأوكرانية على الطيران المنخفض وشديد الانخفاض، ما حد من قدرتها على الاشتباك بواسطة الصواريخ التي تتطلب ارتفاعات شاهقة للاستهداف متوسط المدى. واستمرت هذه المعضلة حتى مع دخول الطائرات الجديدة، التي رغم كونها مقاتلات قادرة على تنفيذ مهام السيطرة الجوية، إلا أنها التزمت بالعملية الدفاعية ضد المسيرات والصواريخ الروسية، مع أدوار هجومية ثانوية تنفذ بشكل خاطف.
التحول الى أوروبا:
تمر حاليا محادثات جنيف بصعوبة بالغة على الوفد الأوكراني، بسبب المطالب الروسية التي تتضمن الاستيلاء على كامل دونيتسك ولوهانسك، وذلك في ظل الوضع السيئ للقوات الأوكرانية على الأرض في كلا المنطقتين بعد النجاح الروسي الأخير والهجوم الموسع. ومع ذلك، تظل الإدارة الأوكرانية مصرة على مطالبها بعدم التفريط في الأرض والسلاح قدر الإمكان. وإذا لم تنته المفاوضات بشكل مرض للرئيس الأمريكي، يدرك الأوكرانيون أن الجانب الأمريكي قد لا يستكمل عملية الإمداد، وهو ما يتطلب وضع خطة بديلة.
اللافت للنظر هو اختيارات أوكرانيا في طرازات المقاتلات نفسها؛ فقد تم تجنب المقاتلات الأميركية، على عكس الرغبة الشديدة بها في بداية الحرب، وبالأخص مقاتلتي F-16 وF-18 اللتين كانتا تعتبران أولوية قصوى لاستدامة الدعم اللوجستي، نظرا لتوافرهما بأعداد كبيرة، خصوصا في أوروبا، مما كان سيسهل تدفق قطع الغيار والتسليح بشكل مستمر يتناسب مع سير العمليات العسكرية. ويمكن تفهم الموقف الأوكراني الحالي، خاصة بعد سياسات الرئيس الأميركي ترامب في التعاطي مع الحرب الأوكرانية؛ لذلك أصبحت الرغبة الملحة هي استغلال الأسلحة الأميركية الموجودة حاليا في الجيش الأوكراني لتكون خطوة تمهيدية نحو التحول الكامل من العقيدة القتالية الشرقية إلى الغربية، على أن يعتمد الجيش الأوكراني المستقبلي بشكل أكبر على التسليح الأوروبي فقط.
تشمل الاتفاقية الأوكرانية الموقعة التعاقد على 100 مقاتلة رافال من الطراز المتطور F-4، ورادارات فرنسية من طراز Ground Master، و8 بطاريات دفاع جوي من طراز SAMP-T تحتوي كل منها على 6 قواذف صواريخ، بالإضافة إلى ذخائر تشمل قنابل وصواريخ لم يحدد طرازها بعد. وسيتم تسليم جميع هذه الأسلحة خلال عشر سنوات، دون الإعلان عن قيمة الصفقة أو ممولها، بالنظر إلى الوضع الحالي للاقتصاد الأوكراني واستمرار الحرب للعام الرابع. وهذا قد يشير إلى احتمالية اتخاذ الدول الأوروبية قرارا حاسما بشأن الأصول الروسية المجمدة لتمويل هذه الصفقات الجديدة، وهو مطلب أوكراني متكرر، أو تخصيص جزء من رفع الميزانيات الأوروبية لدعم هذه الصفقات.
كلا من المقاتلات الفرنسية رافال والسويدية غريبن تنتمي إلى الجيل الرابع المتقدم، مما يعني قدرتها على الاشتباك والاستهداف بمدى أبعد بالمقارنة مع الأجيال السابقة عبر ذخائر متطورة عالية الدقة، بالتوازي مع امتلاكها رادارات بعيدة المدى وتغليفا دفاعيا كاملا مع قدرات تشويش إلكتروني هجومي تمكنها من اختراق الدفاعات الجوية المعادية.
وأبرز ما تقدمه هذه المقاتلات هو صاروخ الاشتباك الجوي بعيد المدى Meteor، وصواريخ الاشتباك المتوسطة MICA-NG، وصاروخ الكروز الألماني KEPD، بالإضافة إلى القنابل الموجهة الثقيلة من طراز AASM-1000. وستزداد فاعلية هذه الطائرات بفضل وجود طائرات الإنذار المبكر Saab-340، حيث سيمتلك سلاح الجو الأوكراني طائرتين مخصصتين لقيادة العمليات الجوية بعيدة المدى بواسطة رادار نشط متطور، مع ترابط ودمج كامل عبر وصلات البيانات من نوع LINK-16 التي تربط كافة المنصات التسليحية البرية والجوية والبحرية في الميدان لتنسيق العمليات القتالية.
ويصف الرئيس الأوكراني الحصول على هذه المقاتلات بأنه نوع من الردع المستقبلي الذي تحاول أوكرانيا تحقيقه ضد الجانب الروسي، باعتبار أن كلا المقاتلتين قادرتان على الاشتباك الجوي مع المقاتلات الروسية وتهديد وجودها بالقرب من الخطوط الأمامية للمعركة ودفعها إلى الخلف، وهو ما قد يتيح فرصة لمقاتلات أو قاذفات الصف الثاني والثالث لتقديم الدعم الأرضي للقوات البرية الأوكرانية، وتعويض أحد أهم نقاط الضعف الأوكرانية منذ بداية المعركة، والتي حدت من تقدم القوات الأوكرانية أو استغلال الثغرات وتوسيعها والحفاظ عليها، فضلا عن التعرض المستمر للهجمات الجوية الروسية.
وتظهر مؤخرا مؤشرات على تفهم الجانب الروسي للقدرات الأوكرانية المستقبلية؛ إذ يجري العمل على زيادة مدى القنابل الموجهة عبر قنابل UMPB-5 المزودة بمحرك نفاث يمكنها من الطيران لمسافة تصل إلى 200 كيلومتر، مع تطوير نسخ قد يصل مداها الفعلي إلى 400 كيلومتر، بحسب الاستخبارات الأوكرانية. ويتزامن ذلك مع قيام سلاح الجو الروسي بتحويل الطيارين من مقاتلات سو-35 إلى أول سرب مقاتل من طراز سو-57 من الجيل الخامس، القادر على إطلاق الصواريخ البعيدة من الجيل الجديد R-77M وR-37، إضافة إلى تدعيم الدفاعات الجوية بمنظومات S-500 الحديثة.
ختاما… بالنسبة للجانب الأوروبي، فإن استمرار تسليح الجيش الأوكراني، وبالأخص عبر المقاتلات المتطورة من هذه الطرازات بالتوازي مع أنظمة دفاع جوي حديثة، يعد جزءا من الاستراتيجية الأوروبية لاحتواء الجيش الروسي واستنزافه في أوكرانيا، لتفادي أي مجهود قتالي روسي في مناطق أخرى مثل البلطيق، مع الاستمرار في اختبار التكنولوجيا العسكرية وتطويرها مستقبلا.
أما بالنسبة للجانب الأوكراني، فالبدائل الأوروبية تتميز بجودة أعلى مقارنة بالخيارات الأميركية المتاحة، مع إمكانية استدامة الحصول عليها دون قرارات سياسية معقدة، فضلا عن قدراتها الهجومية التي قد تهدد العمق الروسي وتعيد الحسابات المستقبلية في حال وجود مخططات للسيطرة الكاملة على أوكرانيا.
في المقابل، تميز الجانب الروسي بالمرونة والتكيف منذ بداية المعركة، وهو يعي تماما هذه الطائرات وقدراتها، ومن ثم يعمل على تطوير واختبار ذخائر بعيدة المدى للحفاظ على التأثير، عبر الاستمرار في قواعد الاشتباك الثابتة التي تعتمد على تجنب الاصطدام المباشر بالتكنولوجيات الغربية، وإنما استنزافها بوسائل أقل تكلفة وأكثر فاعلية على المدى البعيد.
