تشهد المنطقة تطورات مهمة و سريعة بشأن موضوعين رئيسيين. الأول هو التوتر الأمريكى الإيراني، والثانى هو بدء الاستعداد لإعلان ما يعرف بصفقة القرن لتسوية الصراع الفلسطينى الإسرائيلي، من خلال إطلاق المرحلة الأولى لها والمتعلقة بالشق الاقتصادى فى مؤتمر المنامة يومى 25 و 26 يونيو المقبل.
من وجهة نظرى لا يمكن فهم هذين التطورين والنتائج التى قد تترتب عليهما دون فهم متغيرين ليس لهما علاقة مباشرة بالمنطقة. الأول يرتبط بمجموعة من الدوافع الشخصية والنفسية للرئيس ترامب، والثانى يتعلق بقاعدته الانتخابية فى الولايات المتحدة. فبالنسبة للمتغير الأول، فمما لاشك فيه أن بعض السياسات التى يتبناها الرئيس ترامب ينبع من عوامل شخصية ونفسية تتعلق برؤيته لنفسه وإحساسه بذاته مقارنة بسلفه الرئيس أوباما، فترامب لديه قناعة شخصية بأنه يستطيع أن ينجز ما لم ينجزه أوباما، أو على الأقل الحصول على صفقات أفضل من التى حصل عليها سلفه، وأن ما يملكه من أفكار جديدة و قدرات تفاوضية قادرة على تحقيق هذه الأهداف، بالإضافة الى تعهده فى حملته الانتخابية بتفكيك كل إنجازات أوباما. هذه الدوافع الشخصية و النفسية هى التى تفسر بشكل كبير قيام ترامب بإخراج بلاده من اتفاقية باريس للمناخ التى تفاوض عليها أوباما، ووقف عملية تطبيع العلاقات مع كوبا التى بدأها سلفه. وفى الشرق الأوسط كان قرار ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووى مع إيران، ليس فقط لأنه كان أحد إنجازات أوباما، ولكن لاعتقاده أنه يستطيع أن يصل لاتفاق أفضل مع إيران إذا تم إعادة التفاوض بشأنه، ومن ثم فإن العقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران و تصعيد الضغوط عليها يستهدفان بالأساس إعادتها لمائدة التفاوض وليس إسقاط النظام أو تغييره، وجاءت تصريحات ترامب الأخيرة لتؤكد ذلك، حيث ذكر أن إيران لديها فرصة لتكون دولة عظيمة فى ظل القيادة الحالية، و دعوته هذه القيادة للاتصال به. أما بالنسبة لصفقة القرن فقناعة ترامب أنه يستطيع إنجاز ما لم يستطع أوباما إنجازه بالنسبة لتحقيق السلام الاسرائيلى الفلسطيني، وأن الأمر يحتاج مجموعة من الأفكار الجديدة تمثلها صفقة القرن للتعامل مع الموضوع غير الأفكار القديمة التى فشلت من قبل فى حل الصراع.
المتغير الثانى الذى قد يساعدنا على فهم تطور الملفين الإيرانى وصفقة القرن يتعلق بالداخل الأمريكي، وخاصة القاعدة الانتخابية للرئيس ترامب، فهذه القاعدة التى يحتاجها ترامب بشدة فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، ترفض أى تورط امريكى فى عمل عسكرى بالخارج وخاصة بمنطقة الشرق الأوسط بعد تجربة العراق، وترامب نفسه لديه هذه القناعة. هذه القاعدة الانتخابية وخاصة اليمين المسيحى تؤيد إسرائيل بشدة، وتؤمن بإسرائيل الكبرى التى تضم الضفة الغربية والقدس و تنظر اليها على أنها أرض الميعاد التى سيعود اليها السيد المسيح فى نهاية الزمان، وبالتالى فإنها ترفض أى مبادرة دبلوماسية تتضمن حل الدولتين أو قيام دولة فلسطينية تشمل الضفة والقدس.الخلاصة أن ما سبق قد يساعدنا فى التنبؤ بتطور الملفين الإيرانى وصفقة القرن. فمن المستبعد أن تتبنى إدارة ترامب خيار الحرب مع إيران، ومن الوارد أن تؤدى الضغوط الامريكية الى فتح حوار معها شبيه بالحوار الحالى بين الولايات المتحدة و كوريا الشمالية، وبذلك يستطيع الرئيس ترامب أن يروج لمقولة أنه قادر على الحصول على اتفاق أفضل من ذلك الذى توصل اليه أوباما مع إيران، ويستطيع النظام الإيرانى التخفيف من الضغوط والحفاظ على حكم آيات الله، وهو هدف استراتيجى إيرانى قد يتم فى إطاره القبول بخطوات تكتيكية مثل الحوار مع ترامب. أما بالنسبة لصفقة القرن، فمن الواضح أنه لا مستقبل لها، ولن يكون هناك جدية أمريكية فى طرحها، أو بذل جهود لتنفيذها، وبالتالى قد يكون الهدف منها هو مجرد إعلان معايير أمريكية جديدة لحل الصراع تكون أكثر تحيزا لإسرائيل من المعايير التى أعلنها الرئيس الأسبق بيل كلينتون والتى حققت قدرا من التوافق الدولى بشأنها. باختصار، فإن التفسير السابق يقودنا الى نتيجتين هما أن المستقبل لن يشهد حربا مع إيران، ولا سلاما للفلسطينيين.
*نقلا عن صحيفة “الأهرام”، نشر بتاريخ ٣١ مايو ٢٠١٩.