أدى موقع الأردن على الخريطة الجيوسياسية للشرق الأوسط إلى وقوعه في قلب تفاعلاتها السياسية وتعرضه للتهديدات الإقليمية، التي غالبًا ما تُنشئ بالتبعية ضغوطًا اقتصادية واجتماعية داخلية ناتجة عن اشتباك الشارع السياسي الأردني مع القضايا الخارجية ووجود خلافات بين المكونات السياسية، الأمر الذي يفرض عليه تبني نهج حذر تجاه التطورات الإقليمية والدولية، واتخاذ موقف متوازن إيزاء الفاعلين المنخرطين بها، وتعزيز قدراته الأمنية والدفاعية، بغرض احتواء المخاطر السياسية والأمنية المحيطة به، وتأمين قدر من الاستقرار الداخلي. وفي هذا السياق، تتضافر مجموعة من التهديدات المرتبطة بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتنامي نشاط التهريب على الحدود الأردنية السورية، وعودة الجماعات الإرهابية إلى الظهور في المنطقة الجنوبية من سوريا.
تحديات متضافرة
تضافرت مجموعة من العوامل المرتبطة بالظروف الإقليمية التي أدت لتنامي المخاطر الأمنية المحيطة بالأردن، يُمكن استعراضها على النحو التالي:
• تنامي نشاط تهريب المخدرات على الحدود الأردنية-السورية: منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية أصبحت الحدود الشمالية الأردنية مصدرًا للتهديدات نتيجة نشاط التسلل وتهريب المخدرات، الذي تفاقم مؤخرًا اتصالًا بتوسع نشاط المليشيات الإيرانية على طول الحدود الممتدة لنحو 375 كيلومترًا، نتيجة تراجع دور القوات الروسية بسبب الحرب الأوكرانية، وقد شهد نشاط التهريب مؤخرًا استخدام أساليب أكثر تقدمًا شملت الطائرات بدون طيار وتحولًا في التكتيكات؛ حيث يقوم المهربون بتنسيق عمليات متزامنة ومنسقة عبر مساحة تتجاوز 100 كيلومتر، ما يُمكن أن يؤدي إلى زيادة فرص نجاحهم، وتطورت عملياتهم من مجرد محاولات تهريب يتراجعون عنها عند اكتشافها إلى اشتباكات مسلحة مطولة وعنيفة مع قوات حرس الحدود أثناء محاولتهم اختراق الحدود، وبات المهربون يمتلكون نوعيات أسلحة وذخيرة تؤهلهم لمواجهات طويلة الأمد مع الجيش الأردني، وهو ما ظهر في أكثر من مناسبة منها وقوع اشتباكات عنيفة بين المهربين وقوات حرس الحدود الأردنية يوم 12 ديسمبر 2023 أسفرت عن مقتل أحد الحراس وإصابة آخر بجروح خطيرة، ووقوع مواجهات عنيفة مماثلة يوم 18 ديسمبر نفسه استمرت لمدة 14 ساعة متتالية وأسفرت عن عدة إصابات طفيفة إلى متوسطة في صفوف قوات حرس الحدود الأردنية.
كذلك، لم تعد عمليات التهريب قاصرة على المخدرات وإنما شملت متفجرات وأسلحة بما في ذلك الأسلحة الآلية والذخائر والألغام والقنابل الصاروخية والقذائف الصاروخية؛ ففي 14 ديسمبر 2023 استولت القوات الأردنية على بندقية كلاشينكوف وكميات كبيرة من الذخيرة مع المهربين، وفي 18 ديسمبر صادرت القوات الأردنية بندقية قناصة وبندقية إم 16 وألغامًا وصواريخ مضادة للدروع ودمرت مركبة تحمل ذخيرة ومتفجرات.
• انتقال المواجهات الإيرانية الأمريكية داخل الأراضي الأردنية: يشكل انتشار شبكات المليشيات الإيرانية وبالأخص حزب الله والحشد الشعبي على الحدود السورية والعراقية الموازية للحدود الأردنية تهديدًا أمنيًا للأردن؛ خشية من تحول البلاد لساحة إقليمية جديدة لتصفية الحسابات بين واشنطن وطهران لا سيَّما أن إيران تسعى لفتح جبهات إقليمية جديدة ضد إسرائيل والولايات المتحدة لتخفيف الضغط على غزة، كما أن المليشيات تسعى لتوظيف الموقع الجغرافي للأردن من أجل الوصول للحدود الإسرائيلية أو لإدارة حرب بالوكالة ضد المصالح الأمريكية والإسرائيلية، فعلى سبيل المثال، استخدمت المليشيات المجال الجوي الأردني لاستهداف إسرائيل بواسطة الطائرات المُسيرة ثلاث مرات، ونفذت طائرات مُسيرة هجومًا استهدف البرج 22 الأمريكي في أقصى الشمال الشرقي الأردني متسببًا في مقتل 3 جنود أمريكيين وإصابة حوالي 40 آخرين، وهي حوادث تضع الحكومة الأردنية في حرج أمام الحليف الأمريكي، وتُصعب عملية الموازنة بين توجهات الرأي العام الداخلي والمصالح الأمنية والاقتصادية الواسعة والالتزامات القانونية مع واشنطن وتل أبيب.
• التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية: يعتقد الأردن أن أهداف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة تتجاوز القضاء على حكم وقدرات حركة حماس إلى تغيير ديناميكيات الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي عبر طرح صيغة للتسوية على حساب الأراضي المصرية الأردنية، بحيث تستغل التأييد الغربي للحرب وضعف إدارة بايدن لإجبار سكان قطاع غزة على النزوح باتجاه الأراضي المصرية بحجج واهية، ربما يعقبها تكرار للسيناريو ذاته بشأن الضفة الغربية، وتشهد الضفة حاليًا اقتحامات إسرائيلية يومية تتضمن حالات قتل واعتقال وتدمير للبنية التحتية للمدن والمخيمات، مع محاولات لتطهير المنطقة (ج) في الضفة من سكانها الفلسطينيين المتبقيين، وسط تنامي الممارسات العنيفة من قبل المستوطنين، ويشكل سيناريو التهجير تهديدًا وجوديًا للدولة التي يُشكل الفلسطينيون ما يزيد على 50% من سكانها.
• عودة الجماعات الإرهابية جنوب سوريا: رغم نجاح جهود مكافحة الإرهاب الأردنية في تطويق الخطر الداعشي داخل أراضيه خلال السنوات الأخيرة، إلا أن التهديد الإرهابي لا يزال قائمًا على الجبهة الشمالية المتاخمة للحدود السورية نتيجة عوامل منها؛ عودة نشاط خلايا تنظيم داعش جنوب سوريا ارتباطًا بالترتيبات الأمنية والسياسية في المناطق الجنوبية، واستغلالًا لانسحاب القوات الروسية، ونتيجة لإطلاق الحكومة السورية سراح بعض العناصر المنتمية للتنظيم التي سبق لها وأن اعتقلتهم، مما يُثير مخاوف مزدوجة تتعلق باحتمالية انتقال العناصر الإرهابية للأراضي الأردنية في ظل الرخاوة الأمنية الحدودية، وتنشيط الخلايا النائمة داخل الأردن التي تعمل بنظام “الذئاب المنفردة”، وقد أحبط جهاز الأمن الأردني بعض الهجمات المنفردة لأشخاص يعتنقون فكر داعش خلال العام الفائت 2023، ويتعزز الخطر الداعشي في ظل تراجع أولوية مكافحة الإرهاب على الأجندة الدولية والإقليمية لحساب حرب غزة وتداعياتها، فضلًا عن تسمية الأردن في الدعوات التي يُطلقها التنظيم لاستهداف بعض الدول العربية التي يعتبرها مُقصرة في دعم غزة.
تداعيات مقلقة
تنطوي التحديات المذكورة سلفًا على جملة من التهديدات بعضها يتعلق بعلاقاتها بالأطراف الإقليمية والدولية وبعضها الآخر يخص الداخل الأردني على الأصعدة السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية، وهو ما يُمكن استعراضه على النحو التالي:
• توتر العلاقات الأردنية الإسرائيلية: أضاف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بُعدًا جديدًا للتوترات بين الجانبين اللذين وصلت علاقاتهما إلى مستويات متراجعة في ظل حقبة نتنياهو؛ نتيجة غياب أي أفق حقيقي لاستئناف عملية السلام، واستمرار السياسات الوحشية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية بالنظر إلى تأثيراتها المباشرة وغير المباشرة على الوضع الأمني والاقتصادي والديموغرافي للأردن، فضلًا عن المخاوف المرتبطة بالتطورات الإقليمية، كالاتفاقيات الإبراهيمية أو الطروحات السياسية الأمريكية لتسوية القضية الفلسطينية كصفقة القرن على المكانة التاريخية للأردن كوصي على المقدسات الدينية في مدينة القدس. وتجلت مظاهر التوتر الناجمة عن العدوان الأخير في السحب المتبادل للسفراء، وتعليق اتفاقية “الطاقة مقابل المياه” برعاية إماراتية، التي تقضي بتصدير الأردن حوالي 600 ميجاواط سنويًا من الكهرباء المولَّدة من الطاقة الشمسية إلى إسرائيل، مقابل تزويد الأردن بـ 200 مليون متر مكعب من المياه المحلاة (نصف كمية العجز المائي). وتأتي الخطوات الأردنية في أحد أبعادها كمحاولة لامتصاص غضب الشارع ومنع تفاقمه؛ إذ واجهت اتفاقية “الطاقة مقابل المياه” –على سبيل المثال– اعتراضًا داخليًا عبر عن نفسه من خلال الاحتجاجات.
• ارتباك العلاقات الأردنية الأمريكية: يُعتبر الأردن حجر الزاوية في الشراكة الأمريكية الاستراتيجية مع الشرق الأوسط، ويعتمد بشكل كبير على الدعم الاقتصادي والعسكري الأمريكي، ومع ذلك، تُمر العلاقة بين البلدين بمنعطف حرج؛ إذ باتت الحكومة الأردنية بين مطرقة الحفاظ على الشراكة الاستراتيجية كونها ثاني أكبر متلقٍ للمساعدات الاقتصادية الأمريكية بعد إسرائيل بقيمة 1.45 مليار دولار سنويًا، وسندان احتواء الغضب الشعبي المتنامي ضد الدعم الأمريكي للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة؛ حيث يرفع المتظاهرون شعارات منددة بالدور الأمريكي وتصف بايدن بمجرم الحرب والشريك في الجرائم ضد الفلسطينيين، ويطالب المحتجون أيضًا بإنهاء اتفاقية الدفاع الأردنية الأمريكية الموقعة عام 2021 باعتبارها تمنح واشنطن امتيازات عسكرية واسعة يعتبرها بعضهم اعتداءً على سيادة الأردن. ويفرض استمرار التصعيد الإسرائيلي ضغوطًا سياسية وأخلاقية على صانع القرار الأردني اضطرته في أحد المناسبات إلى إلغاء قمة كانت مقررة بين الملك عبد الله وبايدن في العاصمة عمَّان عقب القصف الإسرائيلي للمستشفى المعمداني.
• الضغط على العلاقات الأردنية السورية: لعب الأردن دورًا رئيسيًا في مساعي إعادة سوريا للحاضنة العربية عبر بوابة جامعة الدول العربية، طارحًا بالمقابل مبادرة “خطوة مقابل الخطوة” التي تقتضي في أحد بنودها باضطلاع الحكومة السورية بتحجيم تهريب المخدرات على الحدود الأردنية، إلا أن عدم اتخاذ دمشق خطوات فعلية أدى لتقويض المبادرة، وعرقل اجتماعات لجنة الاتصال العربية بشأن سوريا، وصعَّد اللهجة بين الحكومتين السورية والأردنية نتيجة اضطرار الحكومة الأردنية لاتخاذ قرار يُعتبر الأول من نوعه منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية بشن ضربات عسكرية جوية على مواقع ونقاط في الجنوب السوري استهدفت قادة وأوكار تجار المخدرات جنوبي سوريا في محافظتي درعا والسويداء، لاقت استنكار دمشق التي اعتبرتها ضربات “غير مبررة”، وواجهت غضب المجتمع المحلي السوري.
• إثارة اضطرابات سياسية واجتماعية: رغم الاتساق البادي بين الموقفين الرسمي والشعبي الغاضبين إزاء الإمعان الإسرائيلي في إزلال الفلسطينيين وقتلهم، إلا أن الفجوة تتسع بين المستويين السياسي والشعبي نتيجة اتهامات الأخير الغاضبة ضد الحكومة باتخاذ مواقف ضعيفة، وإعطاء الأولوية للالتزامات السياسية والأمنية مع إسرائيل والولايات المتحدة على حقوق الفلسطينيين، وتجسدت الفجوة في الاحتجاجات المتكررة التي اجتاحت محافظات أردنية عديدة وقوبلت بمواجهة شرطية لتفريقها. ورغم أن الاحتجاجات الحالية تُشكل نمطًا مألوفًا ارتبط تاريخيًا بتطورات القضية الفلسطينية التي لطالما دفعت الأردنيين إلى تجاوز حدود الاحتجاج المسموح به، بشكل ظهر جليًا خلال الانتفاضتين الأولى (1987) والثانية (2000)، وتوقيع معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية (1994)، ومع كل توغل إسرائيلي كبير في الضفة الغربية أو غزة، إلا أن مواجهتها من قبل القوات الأمنية يزيد الفجوة بين الحكومة والمواطنين، كما أنها تُثير الاضطرابات بين المجموعات السياسية المختلفة؛ فخلال أحد الاحتجاجات وسط مدينة عمَّان في نوفمبر 2023 –على سبيل المثال– اشتبك بعض النشطاء اليساريين مع متظاهري الإخوان بشأن إمكانية رفع أعلام الأحزاب السياسية إلى جانب الأعلام الفلسطينية والأردنية، كذلك، فإنها أدت إلى تنشيط الاحتجاجات داخل بعض المناطق ذات التاريخ الطويل من النشاط السياسي المُعارض، فمثلًا؛ نظّم سكان حي “الطفيلة” بعمَّان –الذي يفتخر سكانه بتاريخهم الطويل في مقاومة السلطات العثمانية والبريطانية والأردنية وعدم خوفهم من معارضة الحكومة– احتجاجًا لدعم غزة، رغم أن هذه المنطقة ظلت هادئة منذ مشاركتها في احتجاج مناهض للتقشف عام 2018.
علاوة على ذلك، تُثير قضية تهريب المخدرات اضطرابات اجتماعية وسياسية من نوع آخر بعدما تحول الأردن من مجرد بلد عبور للكبتاجون إلى سوق استهلاكي، وبات المُخدر المُهرب من سوريا من بين أكثر ثلاث مخدرات استخدامًا على نطاق واسع في الأردن؛ إذ يزيد تعاطي المخدرات من الوصمة الاجتماعية المتصلة بالإدمان وما تحمله من تأثيرات على الإضرار بالنسيج الاجتماعي، مع إمكانية ظهور تحديات في مجال الصحة العامة، بما في ذلك توفير العلاج والرعاية الصحية. كما أن تدفق الأسلحة غير المشروعة يؤدي إلى تأجيج عدم الاستقرار الداخلي وزيادة حوادث العنف.
• مضاعفة الضغوط على الاقتصاد الأردني: يعاني الاقتصاد الأردني أزمات هيكلية تسببت في ارتفاع التضخم والبطالة إلا أن الأزمات الاقتصادية ليست راجعة لأسباب داخلية فحسب، بل تتصل في جزء منها بالصراعات الإقليمية والأزمات العالمية، ومن ثَمّ تضيف الاضطرابات الإقليمية المرتبطة بغزة وسوريا والبحر الأحمر أعباءً اقتصادية بالغة على الأردن تُطال بشكل أكبر قطاعات السياحة والتجارة والاستثمار، مما يتسبب في مفاقمة التضخم والبطالة وفرض ضغوط على الموازنة العامة للدولة، فعلى سبيل المثال، تراجع قطاع السياحة متأثرًا بالعدوان الإسرائيلي على غزة بشكل كبير، إذ انخفض عدد زوار اليوم الواحد بنسبة 32% خلال يناير 2024 مقارنة بالشهر نفسه العام الماضي، ليسجل حوالي 64 ألف سائح نزولًا من 95 ألف عام 2023، وكذلك انخفض العدد الإجمالي لسياح اليوم الواحد والمبيت من 504 ألف خلال يناير 2023 إلى حوالي 469 ألف و800 خلال يناير 2024. وهنا لا يجب إغفال التداعيات السلبية لمقاطعة الماركات التجارية الأمريكية والإسرائيلية وبعض الماركات الغربية على ارتفاع معدلات البطالة وهروب الاستثمارات الأجنبية.
كذلك، تمتد التبعات السلبية المحتملة لقطاعات التجارة والنقل بفعل الهجمات الحوثية ضد حركة الملاحة بالبحر الأحمر، إذ يستقبل ميناء العقبة ما يقرب من ثلث وارداته عبر البحر الأحمر ويستخدم في أكثر من 50% من الصادرات، مما يؤثر بدوره على حركة السلع والخدمات والصادرات والواردات، وعلى التجارة المحدودة بين الأردن وقطاع غزة والضفة الغربية، وهذا يُضيف بالتبعية أعباءً على الشركات الأردنية ويخلق بيئة غير مواتية لجذب الاستثمارات بما يترك آثارًا سلبية على معدلات النمو الاقتصادي. ورغم أن الأوضاع الاقتصادية أحد محفزات الاضطرابات الاجتماعية وعدم الاستقرار الداخلي، إلا أنها تحتل أولوية متراجعة على قائمة المخاوف الأردنية مقارنة بالتهديدات الأمنية المحتملة.
• التأثير على الانتخابات البرلمانية المقبلة: يخشى الأردن انعكاسات التصعيد في غزة على نتائج الانتخابات البرلمانية المقبلة المُقررة خلال الربع الأخير من العام الجاري 2024، بالنظر إلى ارتفاع شعبية الأحزاب الدينية، وبالأخص حزب جبهة العمل الإسلامي، الجناح السياسي لجماعة الإخوان بالأردن، الذي يقود احتجاجات داعمة لحركة حماس، وهو التأييد الذي امتد ليشمل القبائل الأردنية الرئيسية –التي تعمل تاريخيًا كعامل استقرار رئيسي للنظام السياسي وتُعتبر جزءًا من الأجهزة السياسية والأمنية– فقد عبر العديد من زعماء العشائر عن دعمهم لحماس، وانضم أفراد العشائر أيضًا إلى الاحتجاجات وخططوا لها جنبًا إلى جنب مع الأحزاب السياسية التي دعمت حماس تاريخيًا، وتعالت الأصوات المنادية بإعادة فتح مكتب حماس بالأردن معتبرين أنها ليست مجرد حركة مقاومة وإنما أيديولوجية متكاملة. وتضافرت هذه البيئة المتحفزة مع الإصلاحات السياسية المتعلقة بقانون الانتخابات الجديد، وتزايد الغضب الشعبي نتيجة تراجع الأوضاع الاقتصادية ووجود اتهامات بضعف موقف الحكومة الأردنية تجاه إسرائيل، لتعطي زخمًا أكبر للتيارات الدينية خلال الانتخابات المقبلة، مما يُثير مخاوف بشأن سيطرة الأحزاب الإسلامية على التشكيل البرلماني المقبل.
ختامًا، رغم تصاعد المخاطر الأمنية والتهديدات المحدقة بالأردن المرتبطة تحديدًا بالعدوان الإسرائيلي على غزة واستمرار الأزمة السورية، فإنها، أي الأردن، تسعى للحفاظ على التوازن الدقيق بين محاولات احتواء غضب الشارع والمحافظة على العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وإسرائيل؛ نظرًا لحجم المصالح الأمنية والاقتصادية الحيوية التي تجمعهم، وبحيث يضمن تأمين احتياجاته من المياه واستمرار دوره التاريخي في القضية الفلسطينية، وينأى بنفسه عن أن يصبح مسرحًا للصراعات الإقليمية والدولية، فضلًا عن تكثيف التعاون الدولي والإقليمي، وبالأخص مع سوريا وإيران والولايات المتحدة وروسيا لمناقشة مسألة ضبط تحركات المليشيات وتأمين الحدود.