باتت التصنيفات الدولية للجامعات موضوع تنافس، ليس فقط بين الجامعات وإنما أيضًا بين الشركات والجهات التي تنشر هذه التصنيفات، وبين الدول التي تتنافس لإدراج جامعاتها في التصنيفات الدولية المختلفة، بل وتحسين ترتيبها ضمن قوائم أفضل الجامعات في العالم، وتعتبر ذلك دليلًا على جودة التعليم الجامعي فيها.
تعدد التصنيفات الدولية للجامعات يثير أسئلة حول المعايير التي تعتمد عليها هذه التصنيفات لترتيب الجامعات، وحول أسباب تعدد هذه التصنيفات من الأساس، ولماذا لا يتم الاكتفاء بتصنيف واحد قوي يُطبق معاييرَ واضحة متفقًا عليها عالميًّا؟ وما هي الانتقادات التي يمكن توجيهها لهذه التصنيفات؟
في هذا المقال، نلقي الضوء على أهم ثلاثة تصنيفات دولية، ونعرض المعايير التي تتبعها هذه التصنيفات، كما نتناول وضع الجامعات المصرية في التصنيفات المختلفة، وإلى أي مدى حدث تطور في منظومة التعليم الجامعي في مصر طبقًا لما تُظهره هذه التصنيفات الدولية.
انطلقت موجة التصنيفات الدولية للجامعات مع التصنيف الأكاديمي العالمي المعروف باسم تصنيف “شنغهاي” في عام 2003، والذي يصدر عن جامعة “شنغهاي جياو تونج” الصينية. وقد انطلق هذا التصنيف بهدف تحديد مكانة الجامعات الصينية على الصعيد الدولي، بعد إطلاق مبادرة حكومية لإنشاء جامعات حكومية بمستوى عالمي. بعد ذلك، وفي عام 2004، ظهر تصنيف “كيو إس” للجامعات العالمية، تبعه ظهور تصنيف “التايمز” للجامعات العالمية في عام 2009، بالإضافة إلى عدة تصنيفات أخرى أقل شهرة، مثل تصنيف “ويبومتريكس” الإسباني في عام 2006، وتصنيف “ليدن” الهولندي في عام 2011، وتصنيف US News الأمريكي في عام 2012، وغيرها من التصنيفات.
وقد أدى ظهور التصنيفات الدولية للجامعات إلى زيادة حدة المنافسة بين الجامعات على المستوى العالمي. وكان لإطلاقها أثرًا في السياسات واتخاذ القرارات، بحيث أصبح تحسين الترتيب في التصنيف العالمي -في حد ذاته- هدفًا تسعى الجامعات لتحقيقه.
الفكرة التي تقوم عليها هذه التصنيفات هي الاعتماد على عددٍ من المؤشرات لقياس جودة الجامعة، وإعطاء وزن معين لكل مؤشر من هذه المؤشرات. وفي هذين الأمرين تختلف التصنيفات، وهذا هو السبب وراء تعددها. ورغم الاختلاف بين التصنيفات المتعددة؛ إلا أن هناك عددًا من المؤشرات الرئيسية المشتركة في معظم التصنيفات، أهمها ما يلي:
– العملية التعليمية: وتعني مدى تطور المناهج الدراسية، وأساليب التعليم، وعدد الطلاب والخريجين من الجامعة، وتطور وملاءمة البنية التحتية للجامعة، ومدى توافر احتياجات الطلاب داخلها.
– أعضاء هيئة التدريس والباحثون: ويُقاس هذا المؤشر بعدد الجوائز والشهادات العلمية الحاصل عليها أعضاء هيئة التدريس، وكذلك عدد الطلاب الدوليين تحت إشراف هؤلاء الأساتذة، وسمعتهم العلمية.
– الأبحاث العلمية المنشورة: وهو من أهم المؤشرات، حيث يُقاس بعدد الأبحاث العلمية المنشورة، وسمعة وجودة الدوريات العلمية التي تُنشر بها هذه الأبحاث، ونوعية هذه الأبحاث.
– مخرجات البحث العلمي: وينصرف ذلك إلى ما يُنتَج من الأبحاث العلمية ويؤثر على المجتمع، وما ينتج عنها من تطور، خاصة البحوث التطبيقية، ومدى تبنيها من جانب قطاع الصناعة، وأثرها الفعلي في معالجة أمراض معينة أو تحسين الإنتاج على سبيل المثال.
– الاقتباسات: ويُقصد بها مدى الاستعانة بالأبحاث التي ينشرها أعضاء هيئة التدريس والباحثون المنتسبون للجامعة كمراجع علمية من جانب باحثين آخرين.
وبالإضافة إلى هذه المؤشرات، هناك بعض المؤشرات الأخرى التي تميز تصنيفًا عن الآخر، مثل: عدد خريجي الجامعة الحاصلين على وظائف قيادية ومديرين تنفيذيين في شركات عالمية، ومشاركة الجامعة مع جامعات دولية أخرى في مشروعات بحثية مشتركة، وعدد الأساتذة الدوليين في الجامعة وسمعتهم العلمية، ومعدلات الدخول على الموقع الإلكتروني للجامعة، وعدد الطلاب المحليين والدوليين الملتحقين بالجامعة، وغيرها.
وتعتبر تصنيفات: شنغهاي، و”كيو إس”، و”تايمز”؛ هي الأكثر شهرة وصدقية عالميًّا. وحتى يمكن الوقوف على أهمية هذه التصنيفات وتحليل أهم المؤشرات التي تعتمد عليها، ووضع الجامعات المصرية وفقًا لها، وإلى أي مدى يمكن اعتبار هذه التصنيفات منصفة؛
نلخص فيما يلي السمات الرئيسية لكلٍّ من هذه التصنيفات:
1- التصنيف الأكاديمي لجامعة شنغهاي الصينية:
يعتمد تصنيف شنغهاي على 4 مجموعات من المؤشرات، تتمثل في: جودة التعليم (بنسبة 10%)، وأعضاء هيئة التدريس ناشرو الأبحاث، والحاصلون على جوائز عالمية، ومدى الاستشهاد بأبحاثهم (40%)، والأبحاث المنشورة في مجلات مفهرسة أو مجلات عالمية متميزة (40%)، ومتوسط تحسن الأداء الفردي للعاملين الأكاديميين وفقًا لهذه المؤشرات (10%).
2- تصنيف “كيو إس” للجامعات العالمية (شركة “كواكواريلي سيموندس”):
يعتمد هذا التصنيف على 6 مؤشرات، هي: السمعة الأكاديمية (40%)، السمعة العلمية للباحثين (10%)، نسبة الطلبة إلى أعضاء هيئة التدريس (20%)، والاقتباسات من منشورات أعضاء هيئة التدريس (20%)، ونسبة أعضاء هيئة التدريس الدوليين (5%)، وأخيرًا نسبة الطلاب الدوليين (5%).
3- تصنيف التايمز للجامعات العالمية (مجلة تايمز للتعليم العالي):
يستخدم هذا التصنيف 13 مؤشرًا مجمعًا تحت خمس فئات، هي: أعضاء هيئة التدريس (30%)، ومخرجات البحث العلمي -الأبحاث المنشورة- (30%)، والاستشهادات بأبحاث الجامعة أو المؤسّسة البحثية (32.5%)، والمكانة على المستوى الدولي (5%)، وأخيرًا حجم الدخل من الابتكارات الصناعية (2.5%).
ونعرض فيما يلي ترتيب أول 50 جامعة وفقًا للتصنيفات الثلاثة حتى يمكننا المقارنة بين النتائج المترتبة على تطبيق المنهجيات المختلفة الخاصة بكل تصنيف. ولتحقيق هذا الغرض نبدأ بالجامعات التي تحتل الخمسين مركزًا الأولى في تصنيف شنغهاي باعتباره أقدم التصنيفات، ثم تتبع هذه الجامعات لنتعرف على ترتيبها في تصنيفي “كيو إس” و”تايمز”، للوقوف على مدى التطابق والاختلاف بين التصنيفات الثلاثة.
جدول رقم (1): ترتيب أول 50 جامعة على مستوى العالم وفقًا لتصنيفات: شنغهاي، كيو إس، و”تايمز” (عام 2019)

(1) http://www.shanghairanking.com/ARWU2019.html
(2) https://www.topuniversities.com/university-rankings/world-university-rankings/2019
ويتضح من هذه المقارنة اختلاف ترتيب الجامعات في التصنيفات الثلاثة، بما يشير إلى اختلاف المعايير والمنهاجية ومستوى الدقة المطبقة. كما يتضح أيضًا أن تصنيفي شنغهاي وتايمز أكثر قربًا من بعضهما، بالقياس لتصنيف “كيو إس” الذي يبدو متفردًا في تقديراته. ومع هذا، فإن الجامعات الأمريكية الكبيرة المتخصصة في العلوم والهندسة والتكنولوجيا تسيطر على المراكز المتقدمة في التصنيفات الثلاثة، معتمدة في ذلك على عدد الأبحاث العلمية المنشورة والسمعة العلمية للأساتذة وحصولهم على الجوائز. كما يلاحظ أن هناك ظهورًا محدودًا للجامعات الأوروبية أو الصينية في المراكز المتقدمة في التصنيفات الثلاثة.
وعلى الصعيد المحلي، تحرص مصر على إدراج جامعاتها في التصنيفات العالمية للجامعات، وأصبحت تعمل مؤخرًا على تحسين ترتيبها بين هذه التصنيفات. ومما لا شك فيه أن هناك اهتمامًا بوضع الجامعات المصرية والبحث العلمي في الفترة الأخيرة، فقد تضاعفت ميزانية البحث العلمي لتصبح 21 مليار جنيه بموازنة عام 2019، وإن كان هذا الرقم لا يزال أقل من 1% من الناتج القومي.
فإذا تتبعنا وضع الجامعات المصرية في تلك التصنيفات فسنجد ترتيبها متقاربًا إلى حد ما، لكنها تبقى في مراتب متأخرة في الترتيب، وغالبًا ما تقع معظمها في نفس الفئة.
جدول (2): ترتيب الجامعات المصرية وفقًا للتصنيفات الدولية المختلفة في عام 2019

وإذا تتبعنا وضع جامعة القاهرة كمثال، فسنجد تفاوتًا في وضعها في التصنيفات المختلفة، تتراوح بين المرتبة 300 و800، بما يؤكد الاستنتاج السابق بشأن اختلاف المنهاجية بين التصنيفات الثلاثة.
جدول رقم (3): ترتيب جامعة القاهرة في التصنيفات المختلفة 2019

وقد ظهرت جامعة القاهرة أولًا في عام 2006 في تصنيف شنغهاي، ثم في عام 2012 في تصنيف QS، وفي عام 2016 في تصنيف التايمز. وقد تحسن ترتيب الجامعة منذ أول ظهور لها في تصنيف شنغهاي عام 2006 وأحدث تصنيف صادر عام 2019، وإن لم يأخذ هذا التحسن شكل التحسن التدريجي المضطرد. فقد مر ترتيب الجامعة بتقلبات ملحوظة، فبينما ظهرت جامعة القاهرة أولًا في الفئة 401-500، وهي الفئة التي بقيت فيها سنوات عديدة، اختفت الجامعة من ترتيب شنغهاي كلية في الفترة (2008–2010) بعد أن تراجع ترتيبها بشكل لا يسمح لها بالظهور ضمن الخمسمائة جامعة الأكبر التي يشملها التقرير؛ ثم عادت للظهور في التصنيف بعد ذلك في نفس فئتها السابقة؛ حتى وصلت إلى الفئة 300-401، وهو الترتيب الذي احتلته في تصنيف شنغهاي لعام 2019.
أما في تصنيف “كيو إس” و”تايمز”، فإن جامعة القاهرة لم تحقق تقدمًا ملحوظًا، بل على العكس، فقد تراجع ترتيبها في تصنيف “كيو إس” من 501 في أول ظهور لها على هذا التصنيف في عام 2012، إلى 521 في عام 2019. أما في تصنيف “تايمز”، فقد حصلت الجامعة على ترتيب 601 في أول ظهور لها بهذا التصنيف في عام 2016، لتحصل على الترتيب رقم 801 في أحدث تصنيف في عام 2019. بما يشير إلى أن الطريق ما يزال طويلًا أمام الجامعات المصرية لكي تحتل مكانة لائقة بين المؤسسات الأكاديمية في العالم. ويوضح الشكل رقم (1) تطور ترتيب جامعة القاهرة في التصنيفات الثلاثة الرئيسية.
شكل رقم (1): تطور ترتيب جامعة القاهرة في التصنيفات الثلاثة الرئيسية