وفق البيانات الصادرة عن منظمة اليونسكو في 10 مارس من العام الجاري (2020)، فإن أكثر من 421 مليون متعلم في التعليم قبل الجامعي حول العالم تأثروا سلبًا نتيجة قرارات إغلاق المدارس. وتوضح خريطة الرصد العالمي لإغلاق المدارس بسبب انتشار جائحة كوفيد-19 مدى تطور الإغلاق ليشمل 188 دولة حول العالم (شكل 1). وتُعد إجراءات تعليق الدراسة وغلق المدارس من الإجراءات الاحترازية التي تندرج تحت التدخلات غير الصيدلانية والتدابير الوقائية، التي تُعرف بـ”الصحة العامة القديمة الطراز”، والتي تعتمد على العزل الذاتي للحد من انتشار العدوى بتقليل التجمعات الكبيرة والتي تمثلها المدارس والجامعات. وعلى الرغم من أن الأدلة الأولية تُشير إلى أن الأطفال أقل عرضة للإصابة بالفيروس؛ إلا أنه لا يزال بإمكانهم نقل العدوى.
خريطة رقم (1) خريطة الرصد العالمي لإغلاق المدارس بسبب انتشار جائحة كوفيد-19
المصدر: منظمة اليونسكو. متاح على الرابط التالي:
https://ar.unesco.org/themes/education-emergencies/coronavirus-school-closures
وقد تم إغلاق المدارس في الولايات المتحدة الأمريكية لمدة 4 أسابيع في 43 مدينة، إبان جائحة الإنفلونزا الإسبانية خلال عامي 1918-1919. وساهم حظر التجمع العام في انخفاض معدلات الوفيات. وخلال جائحة إنفلونزا N1H1 في عام 2009، نجحت بلدان عديدة في إبطاء انتشار العدوى من خلال إجراءات إغلاق المدارس، والحد من التجمعات في كلٍّ من اليابان والولايات المتحدة الأمريكية.
هناك بُعدان لقرار إغلاق المدارس؛ يتعلق البعد الأول بنطاق الإغلاق، بينما يُشير البعد الثاني إلى المدة الزمنية للإغلاق. من حيث النطاق، يمكن غلق وعزل المدرسة التي تظهر فيها حالة مصابة بالفيروس دون تأثر المدارس الأخرى، ويُسمى هذا بالإغلاق أو الفصل الانتقائي. كذلك قد يتم غلق المدارس الحكومية فقط، أو قد يتم إغلاق تام لكل أنواع المدارس، وانقطاع التلاميذ كليًّا عن الحضور للمدرسة، وإبقاء المدارس مفتوحة فقط للمعلمين والمشرفين لإنتاج دروس ومواد تعليمية يمكن تقديمها للتلاميذ عن بُعد للحفاظ على استمرارية التدريس والتعلم، ويسمى هذا بالإغلاق أو الفصل الاستباقي، ويستخدم لتقليل انتشار العدوى، ويحتاج إلى سلطة عليا أو سيادية لتنفيذه لعظم تداعياته.
أما عن المدى الزمني فيتدرج من إغلاق لمدة أقل من أسبوع، أو إغلاق قصير المدى لا يزيد على أسبوعين، أو إغلاق متوسط المدى يمتد إلى 4 أسابيع، أو إغلاق طويل المدى يتراوح بين 8 أسابيع حتى 20 أسبوعًا. ولكل مدةٍ أسبابها، وخصائصها، وتداعياتها، وآثارها المختلفة.
وتتعدد نُظُم إدارة المدارس تبعًا لطبيعة النظام السياسي. ومن ثم، تختلف سلطة اتخاذ قرار غلق المدارس باختلاف النظام السياسي. ففي الولايات المتحدة الأمريكية التي تمثل النظام الفيدرالي، فإن قرار إغلاق المدارس يصدر عن إدارات المدارس المحلية التي تعمل وفقًا لتوجيهات إدارات الصحة المحلية بالتشاور مع وزير التربية والتعليم. ويلتزم متّخذو القرار بإجراءات إلزامية، تعتمد على مراسلات إلكترونية، يقدمون فيها بيانات أساسية وفق نماذج معدة مسبقًا لحصر عدد المدارس المراد غلقها، وتحديد جاهزية البنية التحتية لتنفيذ التعلم الإلكتروني، ودرجة احتياج الطلاب للوجبات المدرسية (التغذية المدرسية)، بالإضافة إلى العديد من البيانات الإدارية والفنية والأكاديمية لضمان استمرارية التعليم وتحقيق أهدافه.
أما في الدول التي تتبع نظامَ تعليمٍ مركزيًّا مثل مصر فإن قرار إغلاق المدارس يمكن أن يصدر عن المحافظ، أو رئيس الوزراء، أو رئيس الجمهورية، حسب حجم المخاطر ودرجة الأزمة. وفي ظروف جائحة كورونا الراهنة، قامت وزارة الصحة بتدشين موقع إلكتروني خاص بجائحة فيروس كورونا، وأطلقت وزارة التربية والتعليم منصة إلكترونية لتوفير تعلم عن بُعد كبديل لإغلاق المدارس.
غلق المدارس بين مؤيّد ومعارض
قد يكون إغلاق المدارس إجراءً فعالًا في إبطاء انتشار المرض، حيث يرى المؤيدون أن لإغلاق المدارس أثرًا إيجابيًّا في انحسار المرض من خلال تقليل العدوى، وإتاحة الفرصة لتقييم الوباء وتتبع نموه ودراسة طرق انتشاره، بالإضافة إلى حماية التلاميذ والطلاب من تعرضهم للإصابة أثناء وجودهم في المدرسة، وحماية الموظفين الأكبر سنًّا من تلقي العدوى من التلاميذ. ويُعد إغلاق المدارس اختبارًا حقيقيًّا لمدى فاعلية أدوات ومناهج التعلم عن بُعد، والتي ربما لم يسبق استخدامها.
في المقابل، يرى المعارضون للإغلاق عدم جدوى إغلاق المدارس في تقليل انتشار العدوى، لأن الاختلاط الاجتماعي يستمر خارج المدرسة، مع عدم القدرة على مراقبة المرض وتتبعه، خاصة بين الطلاب الأكبر سنًّا الذين يصعب إلزامهم بالبقاء في البيت، بالإضافة إلى احتمال زيادة المخاطر على كبار السن أو أولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة من المعنيين بتوفير رعاية الأطفال والأحفاد، وكذلك حرمان التلاميذ والطلاب من ممارسة الرياضة، مما يؤثر على صحتهم البدنية سلبًا. كما أنّ لهذا القرار أثرًا اقتصاديًّا سلبيًّا، خاصة على الأسر العاملة أو الآباء الذين لديهم وظائف بأجر غير ثابت، الذين قد يُضطرون للتخلي عن وظائفهم من أجل رعاية الأطفال. أما عن التعلم عن بُعد كبديل لإغلاق المدارس فقد لا تمتلك بعض العائلات قدرة على المشاركة في التعلم عن بُعد، بسبب عدم امتلاك أجهزة كمبيوتر، أو مشكلات تتعلق بالوصول إلى الإنترنت. وقد تتأثر نتائج التحصيل الأكاديمي خصوصًا مع الغلق طويل المدى، وما يرتبط به من زيادة القلق والمشكلات النفسية والعاطفية الناتجة عن نقص تفاعل الطلاب مع معلميهم وأقرانهم، علاوةً على الأثر الاقتصادي في حالة قطع رواتب موظفي المدرسة أثناء فترات الإغلاق.
هل المدارس للتعليم فقط؟!
يعتمد العديد من الأطفال حول العالم على الوجبات المدرسية المجانية أو المخفضة الثمن، حيث تلعب التغذية دورًا حاسمًا في التطور المعرفي والأداء الأكاديمي، فمثلًا في ولاية واشنطن بالولايات المتحدة يحصل 45٪ من الطلاب بالمدارس العامة على وجبات مدرسية مدعومة، حيث تُعَد برامج الغذاء المدرسي ثاني أكبر مبادرة لمكافحة الجوع في الولايات المتحدة، الأمر الذي دفع المسئولين عن التعليم في الولاية إلى إنشاء شبكات توزيع وجبات لتوفير الطعام للطلاب الذين يعتمدون على وجبات التغذية المدرسية أثناء فترات الإغلاق، بالإضافة إلى تشجيع المدارس المشارِكة في البرنامج الوطني للغذاء المدرسي أو برنامج الإفطار المدرسي والمؤسسات المشاركة في برنامج أغذية رعاية الأطفال والبالغين الذين قد تم إغلاق مدارسهم بسبب COVID-19 على الاستمرار في تقديم وجبات طعامٍ لطلابها.
وفي مصر وافق مجلس الوزراء على طلب وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، بشأن توريد 170 مليون وجبة بسكويت لكافة طلاب محافظات الجمهورية للعام الدراسي 2019–2020، بالإضافة إلى التعاقد مع المشروع الخدمي للتغذية المدرسية بوزارة الزراعة لتوريد 250 مليون وجبة فطيرة بالعجوة، بحيث يتم توزيع الوجبات يوميًّا. كما أطلق بنك الطعام المصري برنامج التغذية المدرسية في السنة الدراسية 2011/2012، وأنشأ مطابخ في المدارس لتسهيل عمليه إعداد وتقديم الوجبات. إلا أنه وبعد قرار تعليق الدراسة بسبب جائحة كورونا لم يتم تداول أي أخبار خاصة بمصير الوجبة المدرسية، وكيفية تعويض التلاميذ عن غيابها.
ماذا بعد إغلاق المدارس؟: البدائل
في ظل تعليق الدراسة وإغلاق المدارس أصبح لا بد من توفير التعلم عن بُعد (التعليم الإلكتروني)، بالإضافة إلى طرح وسائل بديلة للتعلم في حال كان التلاميذ غير قادرين على الوصول إلى التعلم الإلكتروني، كإرسال الكتب والمطبوعات إلى المنزل، أو إعداد مشاريع، أو كتابة مقالات تأملية لبعض المواد التعليمية المسموعة أو المقروءة التي لا تحتاج إلى الإنترنت.
ففي الصين، بعد إغلاق جميع المدارس في أواخر يناير لم تطلب السلطات من المدارس عقد دروس عبر الإنترنت؛ بل شرعت في تفعيل البث التلفزيوني طوال اليوم لعرض دروس معتمدة من الدولة في الرياضيات، واللغة الصينية، واللغة الإنجليزية، والفن، وحتى التربية البدنية، وأطلقت شعارًا رسميًّا “تتوقف الدراسة لكن التعليم لا يتوقف”.
وعلى الرغم من كون الصين دولة متقدمة، إلا أن البنية التحتية التكنولوجية لا توفر تغطية للإنترنت في أجزاء عريضة من الريف الصيني، وهناك حوالي 56-80 مليون شخص في الصين لا يمكنهم الاتصال بالإنترنت، وفقًا لإحصائيات عام 2018، لذا اعتمدت الصين على توفير التعلم من خلال التلفاز. بعدها أطلقت كل من وزارتي التعليم وتكنولوجيا المعلومات منصة تعليمية رقمية لتوفير التعلم عن بعد.
كما قامت السنغال بإطلاق قناة تلفزيونية خاصة لعرض دروس يومية لمنع الأطفال من التخلف عن دراستهم، وتثقيفهم حول فيروس كورونا، وذلك لأن نسبة كبيرة من الأسر ليس لديها اتصال بالإنترنت، ولكن معظمها لديها أجهزة تلفزيون.
إن قراءة خريطة البنية التحتية للإنترنت في العالم (شكل 2)، تفيد بوجود تفاوت كبير بين دول العالم في توافر البنية التحتية للإنترنت، حيث تعاني أغلب الدول النامية من نقص كبير في مقومات البنية التحتية للإنترنت، والتي يعتمد عليها التعليم الإلكتروني ليصل للتلاميذ ويصلهم بمعلميهم. كذلك لا تعكس خريطة البنية التحتية للإنترنت في العالم حقيقة توفر خدمات التعليم الإلكتروني، ففي بلد مثل الهند وفق مفتاح خريطة البنية التحتية للإنترنت في العالم تقع ضمن الشريحة الثانية من حيث نسبة عدد المستخدمين للإنترنت مقابل التعداد السكاني، لكن لا يزال التعليم عبر الإنترنت والتعليم الإلكتروني بها غير مدمج في نظام التعليم، مما أثر سلبًا على توظيف التعلم الإلكتروني كبديل لإغلاق المدارس بسبب جائحة كورونا.
خريطة رقم (2): خريطة البنية التحتية للإنترنت في العالم
وتوضح الخريطة نسبة عدد المستخدمين للإنترنت مقابل التعداد السكاني، ومتوسط النطاق الترددي، ومدى انتشار كابلات Equinix Fibre في العالم.
المصدر:
https://thumbnails-visually.netdna-ssl.com/GlobalInternetInfrastructure_52b1860649c71_w1500.jpg
***
يظل إغلاق المدارس مقبولًا، خاصة إذا ما اقترن ذلك بإغلاق وإلغاء الأحداث والتجمعات في المنشآت الأخرى، كالنوادي والمراكز التجارية وغيرها، وإذا ما قام القائمون على التعلم عن بُعد بتقديم أنشطة فنية وبدنية عن بُعد، بالإضافة إلى طرح أساليب تعلم تعكس روتين المدرسة كبديل لبيئة المدرسة، بحيث يوفر فرصة لتواصل التلاميذ من خلال التحدث والعرض والإلقاء والتعبير عن الذات والمناقشات مع الأقران، لتعويض فرص تنمية التواصل الاجتماعي، ولضمان تقليل فرص التسرب من التعليم بعد عودة انتظام الدراسة. بالإضافة إلى ذلك، لا بد أن تشمل خطط التعلم عن بعد برامج لتعلم التلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة، وبالأخص الذين لا يمكنهم الوصول إلى التكنولوجيا من منازلهم. كذلك فإنه من الضروري تقديم الدعم للمعلمين وأولياء الأمور، بغرض تيسير استخدام الوسائل الرقمية، التي ما زال الكثيرون غير معتادين عليها.