تركت تفاصيل خطة السلام الأمريكية التي طرحها “ترامب”، في 28 يناير 2020، تأثيراتها على الأحزاب الإسرائيلية؛ إذ انقسمت هذه الأحزاب حسب مواقفها من الخطة إلى معسكرين رئيسيين؛ المعسكر الأول ضمّ أحزابًا مثل الحزب اليميني “يسرائيل بيتينو”، الذي رفض الخطة تمامًا واعتبرها تدخلًا في الانتخابات الإسرائيلية، بل وهدية سياسية لـ”نتنياهو” قبل السباق الانتخابي المقبل (2 مارس 2020). أما المعكسر الثاني فضم أحزابًا من تيار الوسط والتيار اليميني المتطرف، والذي أيّد الخطة باعتبارها تحقق طموحات الدولة الإسرائيلية اليهودية، وتستوفي الاعتبارات الأمنية الإسرائيلية.
وبالنظر إلى خريطة الأحزاب التي تندرج تحت كل معسكر في إسرائيل، وترتيبها حسب مواقفها من خطة السلام الأمريكية، يمكن القول إن الأحزاب الإسرائيلية ستدخل معترك الانتخابات القادمة بتقسيمات جديدة ومواءمات سياسية مختلفة. ولا يعني ذلك أن خطة ترامب هي العامل الرئيسي في إعادة ترتيب المشهد السياسي في إسرائيل، لكنها تمثل أحد العوامل المساعدة في إنضاج هذا التقسيم الجديد وظهوره على السطح.
وقد رأى زعيمُ حزب “أزرق أبيض” “بيني جانتس” دعوته من قبل الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” لزيارة واشنطن من أجل مناقشة تفاصيل خطة السلام فرصة سياسية قوية لدعم فرصه الانتخابية، خاصة وأن الدعوة الأمريكية منحته صفة “رجل دولة”. ومن ثمّ جاءت موافقته السريعة على تفاصيل الخطة كجزء من استكمال استراتيجيته في جذب المزيد من الناخبين الذين يميلون إلى تيار اليمين. وبذلك كان الرهان الأول لـ”بيني جانتس” هو أن يتحول حزب “أزرق أبيض” إلى انتهاج سياسة اليمين، لجذب ناخبين يمينيين، وهو ما انعكس في نتائج أحدث استطلاع رأي إسرائيلي الذي كانت نتيجته توقع حصول “أزرق أبيض” على 34 مقعدًا، مقابل حصول الليكود على 31 مقعدًا فقط.
ولا شك في أن اقتراب “جانتس” من تيار اليمين أكثر، والذي ظهر في تصريحاته المؤيدة لضم غور الأردن للسيادة الإسرائيلية؛ تسبب في تفويته فرصة كبيرة ربما كانت ستقربه أكثر للقضاء على “نتنياهو” في الانتخابات وهي عدم التطرق لمسألة الحصانة، أو الاتجاه لتعزيز التحرك السياسي في تشكيل لجنة لمناقشة مسألة حصانة “نتنياهو” التي كانت ستمثل نواة مهمة للحشد ضد “نتنياهو”. لكن يبدو أن تغير لغة الخطاب السياسي لـ”بيني جانتس” تقف خلفها مجموعة من الاعتبارات والعوامل، أبرزها ما يلي:
1- ربما يراهن “بيني جانتس” على تشكيل حكومة موحدة مع حزب الليكود، في حال عدم نجاحه في تشكيل ائتلاف حكومي مستقل.
2- رغبة “بيني جانتس” في حشد أكبر قدر من الناخبين اليمينيين، وذلك رغم فشله في تحقيق ذلك في انتخابات سبتمبر 2019. وحتى في حالة نجاحه في تحقيق هذا الحشد فليس من المتوقع أن يزيد حجم المقاعد الإضافية التي سيحققها عن مقعدين، أو حصد 34 مقعدًا، بزيادة مقعدين عن العدد المتوقع وفق أغلب الاستطلاعات وهو 32 مقعدًا. بمعنى آخر، قد يراهن “جانتس” من خلال دعمه لخطة السلام الأمريكية على تخطي هذا الحاجز.
3- الرغبة في وقف التصدعات داخل قائمة “أزرق أبيض”، ومحاولة بعض الأحزاب فرض شروطها على القائمة، وبالأخص حزب “تيليم” الذي يتزعمه “موشيه ياعلون”، الذي يضم نوابًا يميلون لليمين المتطرف مثل النائب “يوعاز هندل”.
وجميع هذه العوامل تُقلّص من فرص التعاون بين قائمة “أزرق أبيض” والقائمة العربية المشتركة، خاصة بعد تصريح “يوعاز هندل” بأنهم لن يتعاملوا مع أي طرف لا يعترف بيهودية الدولة الإسرائيلية. وهكذا، يمكن القول إن رهانات “بيني جانتس” بعد إعلان تأييده خطة السلام الأمريكية تتصف جميعها بالارتباك، وتسير في اتجاهات غير مدروسة، مثل رهانه على الناخبين اليمينيين.
ولا يختلف الأمر بالنسبة لأحزاب التيار اليميني (باستثناء حزب يسرائيل بيتينو) والتيار اليميني المتطرف، حيث يبدون موافقة على خطة السلام الأمريكية، لكن الصراع داخل هذا المعسكر في الوقت الحالي يدور حول مطالبتهم رئيس الحكومة المنتهية ولايتها برئاسة “بنيامين نتنياهو” بسرعة إعلان السيادة الإسرائيلية على المستوطنات، وعلى غور الأردن.
وهذا الإجراء يعوقه عاملان اثنان؛ الأول قانوني، إذ لا يمكن لحكومة منتهية ولايتها أن تصدق على مشاريع مصيرية تسهم في تغيير طبيعة الدولة. وبالتالي، من الواجب إجراء انتخابات وتشكيل كنيست يستطيع أن يمرر هذه المشاريع. الثاني سياسي؛ إذ طالبت إدارة “ترامب” بتأجيل أي قرارات متعلقة بالضم إلى حين تشكيل حكومة جديدة حتى تأخذ هذه القرارات صفة الشرعية.
أما الأحزاب اليمينية المتطرفة فإنها ترفض تأجيل إعلان السيادة على غور الأردن والمستوطنات، ويرجع ذلك لعدة عوامل، وهي:
1- تخوف الأحزاب اليمينية المتطرفة من عدم فوز “نتنياهو” في الانتخابات المقبلة، وبالتالي اضطرارهم للانضمام إلى ائتلاف حكومي يحكمه حزب وسط يمكن حينها التراجع عن تنفيذ خطة “ترامب” على الأرض، وبالتالي ستفوت إسرائيل على نفسها فرصة تطبيق الخطة. ويتضح ذلك من تصريح النائبة اليمينية “آييلت شاكيد” التي قالت إن “عدم إعلان السيادة هو تفويت لفرصة القرن”.
2- الخوف من احتمال تراجع الزخم الذي خلقته الخطة، أو تفاقم أحداث إقليمية قد تتسبب في العودة إلى المربع الأول، وحينها سيكون تطبيق الخطة نوعًا من تأزيم الموقف.
ختامًا، يمكن القول إن خطة السلام الأمريكية قد أثرت -ولو نسبيًّا- على المشهد الحزبي في إسرائيل، نتيجة توظيف هذه الأحزاب للخطة بشكل يتناسب مع رؤاها السياسية، ومن ثم جذب ناخبين جدد. لكن ليس بالضرورة أن تتناسب توجهات الناخبين مع توجهات هذه الأحزاب.