بالتأكيد فإن العالم بعد كورونا سيختلف عما قبلها، وأحد مظاهر التغيير يرتبط بسؤال بدأ يتسلل لصدارة الجدل فى بعض دول العالم حول أصل فيروس كورونا، أو من المسؤول عن ظهوره وانتشاره كوباء بعد ذلك. السؤال له دوافع علمية، ولكن من ناحية أخرى أصبح يرتبط بأهداف سياسية واستراتيجية ضخمة.
من الناحية العلمية، يرى البعض أن تحديد مصدر الفيروس سيساعد العلماء على فهم أصول الأمراض التى تنتقل من الحيوانات للبشر، (مثل كورونا)، وكيفية تجنب الأوبئة المشابهة فى المستقبل، وفى هذا الإطار دعت جريدة الفاينانشيال تايمز البريطانية إلى إجراء تحقيق علمى دولى حول الأمر، وليس لتوجيه أصابع الاتهام أو تحميل الصين المسؤولية عن تفشى المرض، أو مطالبتها بتعويضات. وأشارت الجريدة إلى أن تحقيقًا جماعيًا منصفًا سيساعد أيضًا على تبديد نظريات المؤامرة، مثل الادعاء بأن الصين قامت بتخليق الفيروس كسلاح بيولوجى، أو أن الولايات المتحدة هى التى جلبت فيروس كورونا إلى ووهان بالصين. وذكرت الصحيفة أنه نظرًا للأسئلة التى أثارتها بعض الدول حول تعامل منظمة الصحة العالمية مع الفيروس، فإن المنظمة لن تكون الآلية المناسبة للتحقيق، وسيكون الخيار الأفضل هو مجلس الأمن، الذى يمكن أن يتم التحقيق تحت إشراف أعضائه الخمسة الدائمين، بما فى ذلك الصين، ويجب أن يشمل التحقيق خبراء من بلدان مختلفة، بما فى ذلك الولايات المتحدة.
لكن السؤال حول أصل فيروس كورونا أصبح له أبعاد سياسية كبيرة، خاصة فى الولايات المتحدة، فالرئيس ترامب وجد فى اتهام الصين بالمسؤولية عن نشأة وانتشار الفيروس فرصة لتحويل اللوم عن إدارته فى تأخر التحرك وضعف الاستعداد لمواجهة كورونا، وزيادة عدد الوفيات من الأمريكيين.
ولكن الهدف الأكبر هو أن ترامب والحزب الجمهورى الذى ينتمى إليه، توصلا إلى قناعة بأن الهجوم على الصين وجعلها قضية انتخابية يمثل أفضل فرصة لإعادة انتخاب ترامب لولاية ثانية فى نوفمبر القادم، وذلك فى ظل التراجع الاقتصادى الذى تشهده الولايات المتحدة والذى كان يمثل الإنجاز الرئيسى لترامب، واستمرار تعثر إدارته فى التعامل مع الفيروس.
وتتوافق هذه الاستراتيجية الانتخابية مع نتائج استطلاعات الرأى العام والتى تشير إلى انخفاض ثقة الأمريكيين فى الصين.
يضاف لما سبق هدف استراتيجى، وهو استخدام الحملة ضد الصين لضرب نموذجها وإعاقة صعودها الدولى، وتشبه المقولات هنا تلك التى استخدمتها الولايات المتحدة عقب أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١، وترويجها لفكرة أن الداخل العربى/الإسلامى هو المسؤول عن ظاهرة الإرهاب التى ضربت الأراضى الأمريكية وغيّرت أسلوب الحياة الأمريكى، ومن ثم أعطت لنفسها مبررًا لتغيير هذا الداخل. الآن تشير الولايات المتحدة إلى أن الداخل الصينى هو المسؤول عن انتشار الفيروس، وإلى تغيير نمط الحياة الأمريكية، لذا من المهم كشف هذا الداخل الصينى، وتحديد أوجه القصور فيه، والضغط لتغييره كى يتماشى مع المعايير الغربية.
باختصار، وكما تردد جدل فى الغرب بعد أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١، حول سؤال «لماذا يكرهوننا» وترتب عليه نتائج سياسية ضخمة، فإن الجدل حول سؤال «من المسؤول عن كورونا» بدأ يحتل مكانًا بارزًا فى الجدل الغربى، وبالرغم من أن الصين ترفض تسييس الموضوع، وترى أن أصل الفيروس هو «قضية علمية وينبغى دراستها بواسطة العلماء والخبراء الطبيين»، فإن الإدارة الأمريكية سوف تستمر فى مسعاها لتحقيق مكاسب سياسية واستراتيجية منها.
*نقلا عن صحيفة “المصري اليوم”، نشر بتاريخ ٢٧ أبريل ٢٠٢٠.