“لستَ بحاجة لحرق الكتب لتدمير الثقافة، فقط امنع الناس من قراءتها”، هكذا قال الأديب الأمريكي “راي برادبري”، ليوضح أهمية القراءة في حياة الأفراد والمجتمعات والحفاظ على ثقافاتهم. القراءة هي أبجدية الإنسان لفهم ظواهر الكون وتطويعها لخدمته، ولا سبيل إلى تحرير الإنسان من الخرافة والعبودية الفكرية، والتواصل البنّاء مع الإبداعات الإنسانية، وتحقيق التقدم والرقي والازدهار والتميز؛ إلا من خلال القراءة. المجتمع القارئ يكون أكثر قابلية للتحرر من التبعية والهيمنة الخارجية، وأكثر قدرة على التصدي للفكر المتطرف، وإيجاد حلول للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية. ولعل ما يمر به المجتمع المصري من أزمة قراءة في السنوات الماضية، هو ما دفع وزارة التربية والتعليم، بالتعاون مع وزارتي الثقافة والتعليم العالي وبنك المعرفة المصري وجامعة الأزهر والأزهر الشريف، لإطلاق “المشروع الوطني للقراءة”.
أهداف المشروع وأبعاده
المشروع الوطنـي للقـراءة هـو مشروع ثقافـي تنافسـي مســتدام، يهــدف إلــى توجيــه أطفــال مصــر وشــبابها لمواصـلة القـراءة الوظيفيـة الإبداعيــة الناقــدة التـــي تُمكّنهــم من تحصيل المعرفـة وتطبيقـها وإنـتاج الجديد منهـا، وصـولًا إلى مجتـمع يتــعلم ويفـكر ويـبتكر. ويتسق هذا الهدف مع رؤيـة مصر 2030، ويتوافـق مع أجندة وزارات الـتربيـــة والتـعليــم والتـعليــم العـالــي، والثـقافـــة، ورؤيــة الأزهــر الشــريف ورسالتــه.
وتتمثل أهداف المشروع فيما يلي:
– تنميـة الوعـي بأهميـة القـراءة لدى المجتمـع المصـري.
– تمكـين الأجيال من مفاتيـح الابتكار عـبر الـقراءة الإبداعية النــاقدة المنتِجــة للمعرفــة.
– تعـزيز الـحسّ الوطني والشـعور بالانتمـاء عبـر دعـم القيم الوطنيـة والإنسانيـة.
– إثراء البيـئة الثقافـية فـي المدارس والمعاهد والجامـعات، بما يدعم الحوار البنـاء والتسـامح وقبول الآخر.
– تشجيـع المشـاركات المجتمعية الداعمة للـقراءة.
– العنايـة بكتـب الناشئـة عبر إثراء المكتـبات ورفــع جــودة المحتـوى والإخراج.
– تقديـم مشــروع ثقافـي نموذجـي مستــدام قائــم علــى أسـس علميـة لتشجيـع مشـروعات مماثـلة.
ويستهدف المشروع في المقام الأول الطلاب في سن الدراسة، سواء في المدارس والمعاهد الأزهرية أو في الجامعات، كما تتسع دائرة المشروع لتشمل المعلمين في جميع المراحل الدراسية باعتبارهم القدوة والمثال الذي يحتذي به الطلاب. ولم يتوقف المشروع عند ذلك الحد، بل امتد إلى مؤسسات المجتمع التي تقوم بدور في تقديم الدعم اللازم لتحقيق أهداف المشروع. ويضم المشروع أربعة أنواع من المنافسات، تم تخصيص خمسة ملايين جنيه كمكافآت لكل واحد منها، وذلك على النحو التالي:
1- التنافس المعرفي: وهو خاص بالتنافس بين جميع طلبة جمهورية مصر العربية من الصف الأول الابتدائي حتى الثالث الثانوي.
2- المدونة الماسية: وتتعلق بالتنافس بين جميع طلبة جامعات الجمهورية.
وقوام المنافسة في هاتين المنافستين هي قراءة وتلخيص 30 كتابًا باللغة العربية، يتفاوت حجمها حسب المرحلة العمرية، على أن تغطي الكتب مجالات معرفية متنوعة. وبينما تظل فرصة القراءة مفتوحة طوال العام؛ فإن المنافسة انطلقت رسميًّا في فبراير من العالم الجاري، على أن تتم التصفيات النهائية في شهر يوليو المقبل.
3- المعلم المثقف: وتتضمن المنافسة بين جميع معلمي الصفوف من الصف الأول الابتدائي حتى الصف الثالث الثانوي. وتم تخصيص جوائز بقيمة خمسة ملايين جنيه مصري لمجموع الفائزين. والمطلوب في هذه المسابقة هو قراءة 30 كتابًا باللغة العربية، وتلخصيها على الموقع الإلكتروني، على أن يكون خمسة كتب على الأقل منها في الجانب المهني، فيما تتوزع الكتب الخمسة والعشرين الأخرى في مجالات الثقافة العامة والمعارف.
4- المؤسسة التنويرية: وتختص بالتنافس بين مؤسسات المجتمع في مجال دعم أهداف المشروع الوطني للقراءة، وذلك عبر الخدمات التي تقدمها مؤسسات المجتمع المدني، على أن تكون الخدمة المقدمة جزءًا من برنامج تتبناه المؤسسة، ووفق خطة زمنية شاملة ومحددة، وأن يغطي البرنامج قطاعًا واسعًا من الجهات أو الأفراد، وأن تكون جميع الخدمات موثّقة بما يسمح للجنة التقويم بالتحقق من الخدمات المقدمة.
تحديات تواجه تنفيذ المشروع
تطبيق هذا المشروع يمكن أن يواجه عددًا من التحديات، أبرزها: عدم الاتساق بين المدى الزمني للمنافسة وعدد الكتب التي يجب أن يقرأها كل مشترك، على الأقل في هذا العام. فقد تمثل قراءة ثلاثين كتابا في ثلاثة أشهر فقط سببًا يمنع الطلاب للعزوف عن المشاركة، حتى وإن كان حجم الكتاب ما بين 15 إلى 85 صفحة، ويُعد هذا العدد من الكتب تحديًا لعدة أسباب، أهمها: أن كثيرًا من تلاميذ المدارس، خاصة في الصفوف الأولى، لا يتقنون القراءة بالمستوى الذي يؤهلهم لقراءة ثلاثين كتابًا في مجالين من مجالات المعرفة على الأقل. كما أن التلاميذ في المرحلة الابتدائية لم يعتادوا القراءة سوى في الكتاب المدرسي أثناء العام الدراسي، ما يعني أنه من الصعب عليهم قراءة كتاب كل ثلاثة أيام لمدة ثلاثة أشهر.
التحدي الثاني يتمثل في الطريقة الروتينية التي تتعامل بها المدارس مع مثل هذه الأمور، وغلبة الطابع الشكلي عليها. ويمثل ضعف جاهزية مكتبات المدارس تحديًا آخر أمام نجاح المشروع، فالمكتبات المدرسية لا يتم تحديثها بشكل دوري، ولا يتم إضافة كتب جديدة لعدم وجود ميزانية تسمح بذلك. كما أن عدد أخصائيي المكتبات في المدارس الحكومية لا يتم الإعلان عنه في كتاب الإحصاء السنوي لوزارة التربية والتعليم، بما يجعل الحكم على مدى تقديم المدرسة أنشطة متعلقة بالمكتبات غير واضح. وبغياب التوجيه والإرشاد المتعلق بالقراءة وغياب المنافسات المدرسية في القراءة، يغيب الدافع لدى الطلاب للمشاركة في هذا المشروع الوطني المهم. أضف إلى ذلك تحديًا آخر يواجه المكتبات المدرسية وهو ضعف تقديم خدماتها عبر الإنترنت.
كما يمثل ضعف انتشار المكتبات العامة في مصر تحديًا رابعًا، حيث بلغ عدد المكتبات العامة في مصر في عام 2017 وفقًا لإحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء 402 مكتبة عامة فقط، وهو عدد ضئيل إذا ما قورن بعدد المدن والقرى المستهدف الوصول إليها، وبما يعني عدم تكافؤ الفرص بين الطلاب في الأماكن النائية ونظرائهم في الأماكن التي تنتشر فيها المكتبات العامة.
ويتمثل آخر التحديات في عدم الإعلان عن المشروع بالشكل الذي يسمح بتعريف جميع الطلاب والمعلمين بشروط المنافسة وضوابطها، فبالرغم من الإعلان عن بدء المنافسة في فبراير الماضي، إلا أن المشروع لم يحصل على القدر الكافي من الدعاية التي تشجع الطلاب والمدارس على المشاركة، فلا المدارس أعلنت عن المشروع، ولا الطلاب أو أولياء الأمور أو مؤسسات المجتمع المدني لديها معرفة كافية بالمشروع.
كل هذه التحديات من الممكن أن تُقلل فرص مشاركة أكبر عدد ممكن من الفئات التي يستهدفها المشروع، وبما يقلل من فرصة تحقيق الأهداف المنشودة منه.
توقف الدراسة يوفر فرصة للنجاح
تزامن إطلاق “المشروع الوطني للقراءة” مع إعلان وزارتي التعليم العالي والتربية والتعليم، والأزهر الشريف، عن تعليق الدراسة في المدارس والجامعات والمعاهد الأزهرية منذ منتصف مارس 2020، كجزء من الإجراءات الاحترازية التي تتخذها الدولة المصرية للحد من انتشار فيروس كورونا، وما أعقب ذلك من قرارات تضمنت إلغاء امتحانات الفصل الدراسي الثاني للصفوف الدراسية من الثالث الابتدائي إلى الثالث الإعدادي، واستبدالها ببحوث يقدمها الطالب كشرط لاجتياز العام الدراسي، على أن تستكمل الأجزاء المتبقية من مناهج هذا العام في العام الدراسي القادم. فقد توفر هذه الظروف الاضطرارية فرصة لنجاح مشروع القراءة، بعد أن وفرت الكثير من الوقت الذي تحتاجه القراءة، نظرًا إلى أن الطلاب -في الوقت الحالي- يقضون معظم يومهم في المنزل، غير ملزمين بمناهج دراسية أو القيام بأي نشاط تعليمي، ما يتيح وقتًا كافيًا يسمح لهم بقراءة كمّ أكبر من الكتب.
لقد أظهرت أزمة كورونا أهمية المنصات والمصادر الإلكترونية التي وفرتها الوزارة على شبكة الإنترنت مؤخرًا، وعلى هذه المنصات والمواقع يمكن توفير الكتب المستهدف إتاحتها للتلاميذ. فبنك المعرفة المصري يتيح آلاف الكتب باللغتين العربية والإنجليزية من أكثر من مصدر عالمي مجانًا، وبما يتيح فرصة القراءة للتلاميذ من فئات اجتماعية متباينة. بالإضافة إلى ذلك، هناك أيضًا منصة “Edmodo” الخاصة بالتواصل مع المعلمين، والتي تفتح مجالًا أمام الطلاب لاستشارة معلميهم بشأن ما يقرءونه، ومناقشة الصعوبات التي تواجههم باستخدام تلك المنصة الإلكترونية في ظل الصعوبات التي تمنع التجمع في مكتبات المدارس أو المكتبات العامة.
مجمل القول، إن المشروع الوطني للقراءة يُعد فرصة جيدة لتحفيز النشء على القراءة، وهناك أكثر من عامل يمكن أن يساعد على نجاحه، ولكن هناك أيضًا بعض التحديات التي تحتاج إلى التعامل معها، وخاصة ضرورة إتاحة الكتب في متناول التلاميذ، سواء في المكتبات العامة أو المدرسية أو عبر الإنترنت.
رئيس وحدة دراسات القضايا الاجتماعية