شكلت واقعة قطع رأس مدرس التاريخ صامويل باتى فى كونفلان سانت أونورين قرب العاصمة الفرنسية، نقطة تحول فى تعامل الدولة الفرنسية إزاء بعض أنماط الإسلام السياسى الراديكالى وممارساته الوحشية، وتزايد معدلات هذا النمط من الممارسات الدموية التى وصلت إلى 267 اعتداء على مواطنين أبرياء، منذ حوالي عشر سنوات. تشير واقعة القتل التى قام بها شاب روسي (١٨ سنة) من أصول شيشانية يدعى عبدالله انزوروف، تمت لأن المدرس قام أثناء درس للطلاب فى المدرسة الإعدادية حول حرية التعبير، بعرض رسوم مسيئة للرسول الأعظم (صلعم). لم تكن ثمة علاقة للمراهق الشيشانى الروسي أي علاقة بالمدرس، وإنما جاء ذلك كنتاج لتحريض بعض العناصر المتشددة، وإصدار فتوى تبيح دم المدرس، وهو أمر بالغ الوحشية والخطورة على وضع الأقلية الإسلامية فى فرنسا، وسوف يمتد أثرها على نمط حياتهم، وتنتشر المطالبات بوضع ضوابط قانونية ومصادرة واغلاق بعض الجمعيات وإيقاف وطرد وعاظ والتصدي لبعض الممارسات الانعزالية التى سادت منذ عقد السبعينيات وما بعد من القرن الماضى، كنتاج لموجات من الهجرة من بعض البلدان المغاربية والإسلامية إلى فرنسا وبلجيكا وألمانيا وبريطانية والسويد والدنمارك، ودعم بعض الدول النفطية فى شبه الجزيرة العربية والخليج، لإنشاء جمعيات إسلامية تعبر عن سياساتها الدينية السلفية والوهابية، ومعهم تونس والجزائر والمغرب، ثم تركيا فى ألمانيا وفرنسا، نظرًا لحجم الجالية التركية، لتوظيف هذه الدول لهذه المراكز سياسيا واستخباراتيا ومراكز لجمع المعلومات فى ظل صعود الجماعات الإسلامية الراديكالية كالقاعدة، وتنظيم الدولة والجماعات السلفية الجهادية، والصراع التبشيرى الشيعى، وسط بعض المجموعات المغاربية فى فرنسا وبلجيكا! ظل إسلام الضواحى، وفق المصطلح الفرنسى الذائع، موضوعًا للدرس السوسيو سياسي والدينى من بعض الجماعة البحثية الفرنسية، فى السعى لمعرفة تمدد ظواهر الراديكالية الإسلامية، والانعزالية فى اطر من الجماعات التى تتعلق حول بعض المساجد والدعاة المتشددين، وفى سياقات اجتماعية تتسم بنمو البطالة وسط الأجيال الجديدة لأبناء المهاجرين، وتمدد السلوك الأجرامى، وتزايد أعداد المسجونين فى السجون الفرنسية إلى ما يقارب نصف أعدادهم، والأخطر فى ظل بروز عمليات التجنيد الرقمى الذى يجد سندا له فى خطاب الدعاة المتشددين فى المساجد والجمعيات، وفى تعليم اللغة العربية. رافق هذه الوضعية الاجتماعية فشل سياسات الاندماج الداخلى لهذه المجموعات، وإهمال الإدارات والحكومات السياسية المتعاقبة لإنماء هذه المناطق/ الضواحى، وتحريرها من النزعة الانعزالية على عديد الصعد الثقافية والاجتماعية، والمساهمة فى إيجاد فرص عمل، بل والمساهمة فى مواجهة خطابات الكراهية والعنصرية التى شكلت ظاهرة الأسلاموفوبيا التى ساعدت عليها سياسات الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، فى مواجهة حركات التحرر الوطنى، وتوظيف الإسلام فى مواجهة الإتحاد السوفيتى والشيوعية، وبدعم قوى وبارز من الدول النفطية العربية المحافظة، ثم دعمها لتنظيم القاعدة ومعسكراته فى بيشاور فى باكستان، وأفغانستان، ثم دعم هذا النمط الإسلام السياسى الراديكالى فى العراق –حول الصراع السنى/ الشيعى- أو فى سوريا ضد نظام البعث ثم توظيف تركيا بعض المليشيات فى سوريا، وليبيا، وفى الحرب الأرمينية الأزربيجانية حول إقليم ناجورنو كرباخ . أن واقعة القتل المروعة لشاب شيشانى الأصل تعبر عن نمط أنتاج العقل الدينى الراديكالى المغلق وسط المهاجرين، وذلك من خلال الجمعيات الإسلامية، ونمط من الدعاة الغلاة من المغرب، والجزائر وتركيا ومنطقة الخليج والمشرق العربى، الذين يعتمدون على خطاب دينى وضعى راديكالي مغلق مفارق لطبيعة التشكل التاريخى السياسى والاجتماعى والثقافى الأوروبى والغربى، بل ويتصادم جذريا معه كنظام سياسى واجتماعى مفارق للدين المنفصل عن السياسة فى فرنسا منذ قانون 1905. اعتمد خطاب تشكيل العقل الأرهابى المغلق على عدة محركات للتنشئة الدينية يمكن رصدها فيما يلى:
أولًا: التنشئة الراديكالية عبر الدعاة المتطرفين تعتمد علي:
1- دعاة المساجد والجمعيات الإسلامية من المغرب والجزائر وتونس وتركيا، والخليج والسعودية.
2- جماعة الرفاق والجيرة في الضواحي من المتشددين والعاطلين ومحدودي التعليم او تجار المخدرات.
3- جماعة السجن، حيث يتم نقل الأفكار الجهادية من بعضهم بعضا كما حدث في بعض الحالات الإرهابية من ذئاب منفردة. يعتمد هذا النمط من تشكيل العقل الراديكالي الإرهابي على مقولات لمصادر فقهية وضعية المودودي، وسيد قطب، والقرضاوي، وللظواهري وآخرين كالجماعة الإسلامية والجهاد قبل المراجعات الفقهية
ثانيًا: التنشئة الدينية الراديكالية عبر الواعظ الإيديولوجى الرقمى
فى ظل ثورة وسائل الأتصال والمواقع الرقمية، وظفت القاعدة وداعش والسلفيات الجهادية الرقمنة فى بث خطاباتها الدينية الراديكالية، وفى التركيز على تجنيد الشباب والشابات المسلمين فى البلدان الأوربية للأنخراط داخل هذه الجماعات، وجذبهم عبر القناة التركية إلى سوريا والعراق في إطار تنظيم الدولة الإسلامية داعش قبل تفككها، وتشظى بعض مجموعاتها، وانخراط بعضهم في العمليات العسكرية لتركيا في بعض مناطق النزاع، في سوريا وليبيا.. إلخ.
ساهمت الأدوات الرقمية، وإجادة توظيفها من القاعدة وداع شفى توزيع الخطاب الراديكالي الإسلامي المتطرف والإرهابي، وجذب بعض المهمشين من الشباب المسلم في فرنسا وبلجيكا، وفى التجنيد الرقمي لبعض الذئاب المنفردة خارج السجون من بعض الضواحي والمدن الفرنسية، أو تجنيد بعض الشابات والشباب للسفر والانخراط في داعش في سوريا والعراق. قامت المخابرات الفرنسية والبلجيكية والدنماركية بتجنيد بعض الشباب بتجنيد بعض الشباب للسفر إلى سوريا والعراق لجمع لمعلومات، وشجعت على سفر بعضهم الآخر للخلاص منهم في ميادين القتال.
هذين النمطين من التنشئة ساهما في مزيد من انعزال المسلمين في الضواحي الفرنسية، في سياقات من الإقصاء الاجتماعي، وغياب الأمل، وهو ما ساعد على تيسير تبنى الخطاب الديني الانعزالي، والإقصائي للآخرين من الفرنسيين، في ظل تمدد الخطابات السياسية العنصرية، والمترعة بالكراهية، ووصم الإسلام والمسلمين بالإرهاب! ساهم في فعالية هذا الخطاب الانعزالي المغلق، ظاهرة التنافس على المكانة والدور بين مسلمي الضواحي. التنافس الضاري بين الخطاب الديني الدعوى في الجمعيات والمساجد، وبين الخطاب الديني القاعدي والداعشى والسلفي الجهادي الرقمي، وذلك كجزء من منافسات السوق الديني الإسلامي الرقمي والواقعي، بحثاً عن الهيمنة الرمزية على المسلمين في الضواحي والسيطرة الدينية، وتشكيل الاتجاهات والإدراكات الدينية الوضعية للبنية العقائدية للديانة الإسلامية الفضلى، وفق تأويلات هذه الجماعات والدعاة الوضعية المتطرفة.
من ناحية أخرى توظيف الانعزالية الشعورية والاجتماعية في الضواحي والمدن الفرنسية من خلال الروابط بين بعض الأفراد المؤدلجين لتحقيق عدة الأهداف على رأسها: بناء الدعاة للمكانة والنفوذ وسط المهاجرين، السيطرة الدينية والرمزية على هدف المجموعات وتوجيهها نحو أهداف راديكالية وانفصالية.





























