تخلص متحف الشمع فى برلين من تمثال ترامب بإلقائه فى الزبالة بجانب أكياس النفايات، وكتب تحت الصورة «نحن نُخلى مكانا للرئيس المقبل»، بينما احتفظ المتحف بتمثال الرئيس السابق أوباما, فهل سيكون الرئيس المقبل فعلا جو بايدن، مرشح الحزب الديمقراطى ؟
يعيش العالم هذا الثلاثاء جوا من الإثارة شبيها بالقصص البوليسية لأنه عندما ينتخب الأمريكيون رئيسهم اليوم، فهم فعلا يُؤثرون فى العالم بأسره بسبب مكانة ونفوذ هذه الدولة الأعظم. وللعديدين ـ خاصة الدول الأجنبية ـ كانت الأعوام الأربعة الماضية مع ترامب صعبة، وكذلك مشاكله الداخلية صعبة : فقد اتهمته 16 امرأة بالاعتداء الجنسى، كما أن سلوكه تصادمى وعنيف، فقد قاطع منافسه بايدن فى أثناء المناظرة الرئاسية الأولى 73 مرة، مما جعل المنظمين فى المناظرة الثانية يضعون زرارا خاصا لمنع الحديث إلا بموافقة رئيسة المناظرة. الاستقطاب الحاد بين المرشحين يعكس أيضا نفس الاستقطاب داخل المجتمع وانتشار الميليشيات المسلحة، وتبين الإحصائيات الأخيرة زيادة مبيعات السلاح، وبالذات المزودة بأجهزة الليزر لتجويد الإصابة. انتخابات استثنائية فعلا، ولكن لا يعنى ذلك هزيمة ترامب ؟ تتزايد وتتسارع حتى اللحظات الأخيرة استطلاعات الرأى والتى تعطى معظمها فعلا فرص الفوز للمرشح الديمقراطى جو بايدن نائب رئيس الجمهورية السابق باراك أوباما. ولكن يجب ألا نأخذ هذه النتائج على أنها مؤكدة لثلاثة أسباب على الأقل : 1 ـ أن هذا ما حدث فعلا فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة حيث أعطت هذه الاستطلاعات الفوز للمرشحة الديمقراطية هيلارى كلينتون وفعلا أخذت عدد أصوات أكثر بكثير من ترامب، ولكنه ـ كما نعرف الآن ـ هو الذى دخل البيت الأبيض.2 ـ سبب خطأ هذه الاستطلاعات فى الواقع لا يرتبط فقط ببعض القصور المنهجى، ولكن أيضا ـ خاصة فى هذه الحالة ـ بطريقة التصويت فى هذه الانتخابات الرئاسية الأمريكية. ففى الحقيقة من يحسم نتائج الفوز أو الخسارة هو ليس التصويت الشعبى المباشر ولكن الأعضاء الـ 538 من المجمع الانتخابى الذى يمثل المواطنين العاديين المسجلين للتصويت.3 ـ أن العينة التى يتم استطلاع رأيها قد لا تكون انعكاسا أمينا كاملا للتوجهات التصويتية الموجودة، ولأسباب عدة منها عدم إفصاح البعض عن رأيهم النهائى أو حتى الثبات على رأى.
حقيقة أن النتيجة قد تكون معروفة الآن، لأن حوالى 95 مليونا من الأمريكيين ـ أو أكثر من 40% من المسجلين فى جداول الانتخابات ـ قد أدلوا بصوتهم مبكر ، سواء مباشرة فى بعض مراكز الاقتراع أو عن طريق البريد، وفعلا أدلى كل من ترامب وبايدن بصوتيهما، وبالطبع ليس سراً من هو المرشح الذى تم اختياره من جانبهم ! ولكن النتيجة النهائية والرسمية قد تأخذ أسابيع قبل إعلانها، خاصة فى بعض الولايات التى تكون فيها نتيجة التصويت بين المرشحين متقاربة جدا، ويتم إعادة فرز الأصوات. وهناك تخوف حقيقى بين العديد من الأمريكيين أن يستغل ترامب هذه المعضلة لكى يتمسك بالبيت الأبيض أطول فترة ممكنة، أو حتى فترة رئاسية ثانية. حتى لو خسر الانتخابات فهناك رأى مهم أن بعض توجهات «الترامبية» ستستمر بعده، ونحتاج لتحليل هذا الرأى بعد ظهور نتائج الانتخابات وفى مقال مستقل.
أما الآن فالسؤال المنطقي ما هو تأثير نتائج الانتخابات على منطقتنا؟
بالطبع فى حالة فوز ترامب، قد تكون هناك ملاءمات ولكن ليس تغيير الدفة، خاصة فى توجهه الموالى لليمين الإسرائيلى وتدعيمه. وبالرغم من أن البعض يقول إنه سيستمر فى مقاطعته لإيران، إلا أنى أعتقد أن المفاوضات ستبدأ بين الطرفين مع اعتقاد ترامب وحلفائه فى الخليج وإسرائيل أن إيران من الضعف والإجهاد بسبب العقوبات والتحرش السيبرانى بحيث أنها لابد أن تقدم تنازلات. ستكون هناك ضغوط على ترامب ـ خاصة لو أدت الانتخابات التشريعية إلى تحسن موقف الديمقراطيين فى الكونجرس ـ إلى زيادة الضغط على السعودية من أجل وقف الحرب فى اليمن، وكذلك مصر فيما يتعلق بجدول حقوق الإنسان.هذان الموضوعان سيكونان، من أكبر البنود فى الأجندة فى المنطقة إذا فاز بايدن، وذلك بسبب ضغط حزبه الديمقراطى، ولكن بالنسبة لإيران، لن يعود بايدن أوتوماتيكيا وفورا للاتفاق النووى الذى أبرمه أوباما سنة 2015 وخرج منه ترامب فى سنة 2018، سيكون الهدف اتفاقا معدلا بعض الشىء وذلك تحت ضغط الأوروبيين الذين يودون العودة إلى جبهة أطلنطية موحدة، ليس فقط فيما يتعلق بإيران ولكن أيضا بالعلاقات الغربية ككل،وسيكون بايدن وفريقه متوافقين مع هذا الاتجاه. وسيكون التوافق أيضا بالنسبة لعودة الولايات المتحدة للانخراط فى العديد من نشاطاتها فى المنظمات الدولية وفى مقدمتها منظمة الصحة العالمية. ستكون هذه «العودة» أيضا فيما يتعلق بالتواصل مع الطرف الفلسطينى، وحتى فى إعادة الإسهام فى منظمة ألاونروا، وكالة الأمم المتحدة الخاصة باللاجئين الفلسطينيين لن يتخلى فريق بايدن عن تأييده الكامل لإسرائيل أو إلغاء أى من قرارات ترامب بما فيها ضم القدس واعتبارها عاصمة إسرائيل أو انتقال السفارة الأمريكية إليها، أو اتفاقات التطبيع الأخيرة. ستكرر واشنطن التشدق باحترام الشرعية الدولية، خاصة فيما يتعلق بالمستوطنات، ولكن دون أى ضغوط تُذكر من أجل تطبيق هذه الشرعية الدولية، حتى وإن كان هناك المزيد من التوتر بين الجناح اليسارى فى الحزب الديمقراطى بقيادة برنى ساندرز ـ اليهودى نفسه ـ والليكود الإسرائيلى. باختصار سيكون هناك ترحيب دولى بعودة الولايات المتحدة بعد هذا الجفاء للعالم والإصرار على «أمريكا أولا» من ترامب، والنتيجة دوليا هى موقف إيجابى يُساعد بايدن فى التفاوض وإعادة بعض الالتزامات الذى نكصها ترامب.
ــــــــــــــ
نقلا عن الأهرام 3 نوفمبر 2020