تلقي الأوضاع الاقتصادية الحالية بظلالها على اسعار الذهب العالمي كنتيجة لارتفاع حالة عدم اليقين، واتجاه الأفراد والبنوك المركزية إلى زيادة طلبهم على المعدن الأصفر بأعتباره مخزن للقيمة، ليصل إلى مستويات مرتفعة. كما قد تتجه بعض الدول لبحث استخدامه كوسيط للتبادل بديل للدولار في معاملاتها التجارية مع العالم الخارجي، أضف إلى هذا لجوء الأفراد إلى حيازة الذهب وتحويل مدخراتها للذهب كمخزن للقيمة خوفا من موجات التضخم العالية وانخفاض سعر العملة.
يعتبر الذهب أداة للتحوط ضد ارتفاع معدلات التضخم وعدم اليقين للظروف الاقتصادية، لكن أسعار الفائدة المرتفعة تزيد من تكلفة الفرصة البديلة لحيازة الذهب كون أنه لا يدر عائداً. وبناء عليه فقد سجلت أسعار الذهب أعلى مستوى لها لتدور فوق مستوى 2000 دولار للأونصة في ابريل لعام 2023 لتسجل أفضل اداء منذ يوليو 2020، إذ أدت أزمة النظام المصرفي إلى توقع توقف مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) مؤقتاً عن رفع الفائدة، مما يجعل المعدن الأصفر أكثر جذباً.
في ظل استمرار الطلب من مستثمرين يبحثون عن ملاذ آمن بسبب ارتفاع مستوى التضخم، وضعف سوق العمل، ونقص السيولة وهشاشة أسواق الائتمان يتوقع محللو بنك “يو بي إس غروب” أن تتجاوز أسعار الذهب أرقامها القياسية السابقة حتى تختبر مستوى 2200 دولار للأونصة مع بداية عام 2024.
تطور اسعار الذهب العالمية:
عند تحليل التطور التاريخي للذهب يلاحظ باتخاذ مسار تصاعدي، ليصل إلى أعلى قيمة له عام 2020، ثم شهد تراجعا طفيفا خلال عامي 2021، و2022، ليتخذ خلال عام 2023 مسارا تصاعديا ليصل إلى أعلى قيمة له قرب 2000 دولار / للأونصة، في ظل حالة ترقب لأسعار الفائدة ومعدلات التضخم في الولايات المتحدة. ويشير الشكل التالي للتطور التاريخي لاسعار الذهب العالمي.
شكل: تطور اسعار الذهب العالمي خلال الفترة (1978- 2022)

المصدر: مجلس الذهب العالمي، 2023.
فيما يخص اتجاهات الطلب العالمي للذهب عالميا، تشير بيانات مجلس الذهب العالمي إلى انخفاض لطلب الاستثماري الإجمالي بنسبة 47% ليصل إلى 124 طناً بقيادة مبيعات صناديق متداولة في البورصة. وقد ارتفع الطلب على السبائك المعدنية والعملات المعدنية بأكثر من الثلث إلى 351 طناً. كما زادت مشتريات المجوهرات العالمية 10% إلى 523 طناً مدفوعة بطلب من الهند. كما تراجع الطلب على التكنولوجيا بنسبة 8% إلى 77 طناً.

ثانيا: حيازة البنوك المركزية من الذهب:
تشير توقعات مجلس الذهب العالمي إلى اتجاه البنوك المركزية حول العالم لإستعادة شهيتها لشراء الذهب خلال عام 2023 بعد تراجع الطلب خلال العام الماضي بما قد يدفع بأسعار الذهب إلى الأرتفاع. فقد اشترت البنوك المركزية كمية قياسية من الذهب ما يقرب من 400 طن في الربع الثالث من عام 2022، أي أكثر من أربعة أضعاف الكمية قبل عام، ليرتفع الإجمالي منذ بداية العام حتى الآن إلى أعلى مستوى منذ عام 1967.

الصين، أعلنت عن زيادة احتياطيات الذهب في ديسمبر 2022، حيث أضاف بنك الشعب 30 طناً للاحتياطيات في ديسمبر، ليصل إجمالي احتياطيات الدولة إلى 2010 أطنان من الذهب في ديسمبر لعام 2022 مقارنة بنحو 1948.3 طن من الذهب في سبتمبر 2022.
ضاعف بنك روسيا المركزي احتياطاته من الذهب 6 مرات تقريباً منذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، مستحوذاً بذلك على خامس أكبر مخزون عالمي من المعدن الأصفر، الذي تقدر قيمته بـ140 مليار دولار تقريباً. وهو أحد أنواع الأصول التي يمكن بيعها لدعم قوة الروبل، الذي انخفض في ظل عزل الاقتصادات العالمية لروسيا عقب غزوها لأوكرانيا. فقد بلغت الحصة المقدرة للذهب نحو 40% في “صندوق الثروة القومي الروسي”.

هذا ويدرس حاليا الصندوق السيادي للثروة في أستراليا استثمار نسبة ضئيلة من أصول الصندوق البالغة 193 مليار دولار أسترالي (130 مليار دولار أميركي) يجري استثمارها الآن في الذهب. بينما تحاول غانا عقد محادثات مع شركة بترول الإمارات الوطنية “إينوك” بشأن ترتيب اتفاقية مقايضة تمكنها من شراء الوقود مقابل الذهب.

أحتل البنك المركزي المصري كأكبر مشترٍ عالمي للذهب خلال الربع الأول من العام، إذ استحوذ على 44 طناً من الذهب بقيمة 2.7 مليار دولار، وفقاً لتقرير صادر عن مجلس الذهب العالمي. ليصبح بذلك إجمالي الذهب والذي يملكه البنك المركزي المصري نحو 125.3 طن من الذهب، ممثلا نسبة 22% من إجمالي الاحتياطي المصري وذلك بنهاية سبتمبر لعام 2022.
فيما يخص اتجاهات الطلب على الذهب في الفترة الاخيرة، فقد شهد الطلب على المجوهرات في مصر ارتفاعات متتاليه خلال عام 2022، نظرا لاتجاه الأفراد نحو حيازة المجوهرات ليرتفع إلى نحو 9 طن خلال الربع الثالث لعام 2022 مقارنة بنحو 8.3 طن عام 2021. كما زادت جاذبية حيازة السبائك للأفراد والعملات النقدية الذهبية كون انها مخزن للقيمة للحفاظ على قيمة مدخراتهم من الأنخفاض في ظل الاتجاه نحو الخفض المستمر لقيمة الجنبيه أمام الدولار.

المصدر: مجلس الذهب العالمي، 2023.
مما سبق يتضح لنا اعتماد أسعار الذهب في الغالب على عوامل خارجية مثل معنويات الاقتصاد الكلي واتجاه الدولار، واسعار الفائدة العالمية، وتشير التوقعات إلى أتجاه العالم سواء الافراد أو البنوك المركزية نحو الاستثمار في المعدن الاصفر كمخزن للقيمة وكوسيلة للتحوط ضد ارتفاعات الاسعار المتتالية.