البورصة السلعية هي منصة إلكترونية تربط بين جميع المناطق اللوجستية ومراكز التجميع. وقد أعلنت وزارة التموين والتجارة الداخلية عن افتتاح أول بورصة سلعية في مصر. ومن خلال هذه المنصة سيتم توفير عروض البيع والشراء للكميات المتاحة من السلعة بسعر يتحدد يوميًّا عن طريق آليات العرض والطلب على هذه السلعة من خلال البورصة، أي إنها عبارة عن محاكاة لبورصة الأسهم لكنها تُركز على السلع.
أولًا- أبرز النماذج العالمية لبورصات العقود والسلع
هناك أربعة نماذج مهمة في مجال البورصات السلعية، وهي تلك البورصات التي استطاعت أن تتطور وتتوسع في المنتجات التي تقدمها لعملائها في فترة وجيزة عقب إنشائها لتحتل بذلك مراكز الصدارة على المستوى العالمي أو الإقليمي، وهي:
1- بورصة شيكاغو للسلع: وتم إنشاؤها في عام 1848 لتكون أول بورصة سلعية في العالم تحت اسم “هيئة شيكاغو للتجارة”. وشهدت هذه الهيئة تطورًا كبيرًا في حجم السوق وآليات العمل والسلع المتاحة للبيع والشراء. وتتعدد المنتجات المتداولة في هذه البورصة؛ لتشمل عقودًا ومشتقات لأسعار الفائدة، ومؤشرات الأوراق المالية، وعقود الطاقة، والعملات الأجنبية، والمعادن، والسلع الزراعية. وتعتمد شيكاغو على نظام تداول إلكتروني اسمه CME Globex، وهو نظام يتيح للمستخدمين حول العالم بالوصول إلى سوق المجموعة لتداول العقود المختلفة. ويتميز نظام التداول بتوفير قدرٍ عالٍ من الحماية للعمليات المنفذة، كما يتميز بسرعة التنفيذ والشفافية، مما يزيد مستوى الثقة لدى العملاء، ويجذب المزيد من الاستثمارات لهذه البورصة.
2- بورصة يوروكس Eurex: وتعد أكبر بورصات العقود والمشتقات على مستوى العالم؛ بسبب تعدد المنتجات المتداولة داخلها؛ حيث تقدم “يوروكس” عقودًا ومشتقات لأسعار الفائدة، ومؤشرات الأوراق المالية، والطاقة، والعملات الأجنبية، والمعادن، والسلع الزراعية والعقارات. وتعتمد بورصة يوروكس على آليات الطرف المشترك في عملية التسوية من خلال شركة يوروكس للتسوية التابعة للمجموعة. وتستخدم اليوروكس نظام تداول إلكترونيًا يُسمى T7، وتم استحداثه عام 2007 وأدى إلى مضاعفة عدد العمليات المنفذة في السوق ثلاث مرات بمتوسط تنفيذ 7 ملايين عقد يوميًا.
3- بورصة دبي للذهب والسلع: وتم إنشاؤها في عام 2005 كأول بورصة لتبادل مشتقات السلع في منطقة الخليج العربي، وقد لعبت دورًا مهمًا في تطوير السوق الإقليمية لمشتقات السلع، ويتم من خلال هذه البورصة تداول العديد من المنتجات، منها: المعادن النفيسة، والمعادن الأساسية، وعقود العملات، وعقود البتروكيماويات، وعقود المؤشرات. وتتم التسوية باستخدام آليات الطرف المشترك في عملية التسوية من خلال شركة دبي لمقاصة السلع (DCCC) التي تقدم ضمان تسوية لجميع المعاملات، مما يعمل على رفع مستوى الثقة لدى المستثمرين في تلك البورصة.
4- بورصة إثيوبيا للسلع: تم إنشاؤها في 2008، بهدف تطوير سوق السلع الأساسية بما يكفل حماية أطراف عمليات البيع والشراء. وتعتمد هذه البورصة في التداول على السلع الزراعية فقط، وهي: القهوة، وبذور السمسم، والذرة، والقمح. كما تقوم على بنية تكنولوجية تم تطويرها محليًا، بهدف زيادة العمليات المنفذة، وضمان حماية البيانات. وتوفر هذه البنية التكنولوجية بيانات الأسعار اللحظية في 32 موقعًا ريفيًّا على شاشات الأسعار، بالإضافة إلى الأسعار اللحظية على موقع البورصة الإلكتروني. كما توفر خدمة الأسعار اللحظية بأجهزة المحمول ومن خلال محطات الإذاعة المحلية والتليفزيونية.
ثانيًا- نشأة وآلية عمل البورصة السلعية
أعلن وزير التموين والتجارة الداخلية “علي مصيلحي” عن تأسيس شركة البورصة السلعية في التاسع من سبتمبر الجاري، برأس مال يبلغ 91 مليون جنيه، ومن المقرر البدء في طرح عدد من السلع الأساسية بتلك البورصة، مثل: القمح، والزيت، والسكر، والأرز، كمرحلة أولى في الربع الأول والثاني من العام المقبل 2021.
وقد تم الاتفاق مع الشركة الفرنسية “رانجيس” المسئولة عن إدارة أسواق الجملة والمناطق اللوجيستية في فرنسا على تقديم كافة الاستشارات الفنية والدعم الفني لإنشاء المناطق اللوجيستية وأسواق الجملة وإطلاق البورصة السلعية. ويأتي ذلك في إطار خطة الدولة لتنمية التجارة الداخلية، ووفقًا لتوجيهات القيادة السياسية بشأن ضبط الأسواق وتوفير السلع ومنها السلع الغذائية وغيرها من السلع.
ويساهم في تأسيس البورصة السلعية كل من الشركة القابضة للصناعات الغذائية، والشركة المصرية القابضة للصوامع، والهيئة العامة للسلع التموينية، وجهاز تنمية التجارة الداخلية. وتشكل كل من الكيانات السابقة نسبة 50% من رأس مال البورصة، أما الحصة الباقية فستكون مساهمة من بنك مصر، والبنك الأهلي المصري، والبنك التجاري الدولي، وبنك الاستثمار هيرمس، واتحاد الغرف التجارية، واتحاد الصناعات المصرية.
وقد تم البدء في إنشاء أول فرع للبورصة في محافظة البحيرة في مدينة بدر، لعدة أسباب من بينها أن المحافظة تنتج ما يقرب من 70% من الخضر والفاكهة على مستوى الجمهورية، وتساهم بنحو 90% من صادرات الخضر والفاكهة، فضلًا عن أن المساحة المزروعة بالمحافظة تمثل 19% من إجمالي المساحة المزروعة في مصر.
وبالنسبة لآلية التعامل داخل البورصة، تم وضع تصور لأنظمة العمل بما يتوافق مع المعايير العالمية في أسواق مماثلة، ومن أهمها آلية التحقق من جدية المتعاملين بالبورصة السلعية، حيث لا يُسمح للطرف البائع بتسجيل أمر البيع إلا بعد التحقق والإفادة بكفاية أرصدة الإيصالات المخزنية الإلكترونية من خلال وحدة التسجيل الإلكترونية المركزية. وبالنسبة للطرف المشتري، يتم احتساب نسبة هامش من قيمة السلعة يتحملها المشتري، وتتحدد تلك النسبة لكل سلعة على حدة، على أن يتم إعادة النظر في نسبة الهامش كل فترة اعتمادًا على مدى تذبذب مستويات الأسعار بالنسبة لكل سلعة على حدة.
أما في حالة عدم سداد المشتري لقيمة العملية خلال 4 أيام عمل، فإن هناك حالتين؛ الأولى إذا انخفضت أسعار السلعة يتم خصم تلك القيمة من الهامش لتصبح قيمة الهامش بعد التعديل كالآتي: قيمة الهامش الحالية تساوي قيمة الهامش السابقة مطروحًا منها قيمة الانخفاض في السعر في كمية السلع المشتراة. الثانية، في حالة ارتفاع أسعار السلعة يتم إضافة تلك القيمة إلى الهامش ليصبح قيمة الهامش بعد التعديل كالآتي: قيمة الهامش الحالية تساوي قيمة الهامش السابقة مضافًا إليها قيمة الارتفاع في السعر في كمية السلعة المشتراة.
ثالثًا- المكاسب الاقتصادية لإنشاء البورصة السلعية المصرية
تعمل البورصة السلعية الجديدة على وضع مصر على الخريطة العالمية لتداول السلع، وذلك من خلال استغلال الموقع الاستراتيجي لمصر وما حققته من استقرار اقتصادي وسياسي، على نحو يُساهم -بدوره- في زيادة ثقة المستثمرين وجذب رؤوس الأموال الأجنبية للبورصة. وستجني مصر العديد من المكاسب الاقتصادية عقب إنشاء هذه البورصة، ومن أبرز تلك المكاسب ما يلي:
1- سوف تساعد البورصة السلعية الدولة في التخطيط الزراعي للسلع والمحاصيل، حيث تعطي بيانات التداول رؤية للحكومة لمعرفة السلع التي يزداد عليها الطلب من جانب المستهلك ليتم التوسع في زراعتها لتغطية احتياجات السوق وتعظيم الربح. كما تساعد قاعدة بيانات البورصة الحكومة في توقع تحركات الأسعار، وهو ما يساهم في تأمين احتياطيات البلاد من السلع الاستراتيجية، ومن ثم القضاء على أي أزمات قد تحدث جراء نقص هذه السلع.
2- تمثل البورصة السلعية أداة رقابية جديدة بواسطة وزارة التموين والتجارة الداخلية لضبط السوق المحلية، وردع التجار الفاسدين والمتلاعبين بالأسعار، وذلك لعدة أسباب، منها: خضوع بورصة السلع لسياسة العرض والطلب، بحيث يتم تحديد أسعار السلع بشكل يومي كما يحدث في الذهب والدولار، فضلًا عن قدرة البورصة السلعية على وقف عروض وطلبات البيع والشراء التي تؤدي إلى التلاعب أو التي تتم بسعر لا مبرر له، بجانب وجود صلاحية لها بإلغاء العمليات التي تعقد بالمخالفة للقانون والقرارات المنفذة له، بجانب قدرة البورصة على وقف المتعاملين داخلها، سواء كانوا يتعاملون بأسمائهم ولحسابهم، أو لصالح أي مستفيد آخر في حالة ارتكاب مخالفة تتعلق بالتلاعب، وبذلك تعزز البورصة السلعية فرص الدولة لصد وردع الممارسات الاحتكارية التي يقوم بها بعض التجار والموردين.
وبالنسبة للمزارع، تحقق بورصة السلع فائدة كبيرة لصغار المزارعين، حيث تعمل على خلق سوق منظمة للسلع؛ نظرًا لوجود بيانات تفصيلية عن عمليات تداول هذه السلع مما يُمكن المزارع من التخطيط الزراعي للأراضي التي يمتلكها، كما توفر له قدرًا من الحماية وفرصة جيدة لتسويق منتجاته، حيث تعطي البائع (سواء كان مزارعًا أو تاجرًا أو منتجًا) صلاحية إيداع السلع داخل المخازن المعتمدة من قبل وزارة التموين بعد تصنيفها وإعطاء درجة لجودتها، ويتم تداولها مباشرة على المنصة الإلكترونية للبورصة التي تعرض الكميات المتاحة من كل سلعة على شاشات البورصة، مما يعمل على زيادة القدرة التنافسية لصغار المزارعين.
ختامًا، من المتوقع أن تقوم بورصة السلع المصرية بدور المايسترو في السوق المحلية، حيث ستركز على تنظيم حركة تداول السلع بين كل من البائع والمشتري والمنتج والمستهلك، كما ستكون بمثابة أداة جديدة لحماية المنافسة والقضاء على الممارسات الاحتكارية؛ لأنها تعتمد على آليات العرض والطلب في تحديد سعر السلعة، مما يعمل على زيادة الشفافية، وإيجاد سعر عادل للسلعة في السوق المحلية.