بدأت المؤسسات المالية الإسلامية في الظهور منذ الستينيات من القرن الماضي في إطار تلبية رغبات المستثمرين واستجابة لنداءات العديد من المؤسسـات الماليـة الإسلامية ذات الطابع الإقليمي والدولي، وقد شهد التمويل الإسلامي خلال السنوات الأخيرة تطورًا كبيرًا، شمل تحسنًا في الآليات والأدوات. وتشكل الصكوك إحدى أهم تلك الأدوات، حيث تم تصميم هذه الصكوك لتكون بديلًا عن الأسهم والسندات. وتستهدف الصكوك تمويل المشاريع الاقتصادية الكبيرة، كإنشاء الجسور، والمطارات، والجامعات، والمجمعات السكنية، والمشاريع الزراعية والصناعية. وسعت عدة دول إلى تطوير منظومتها المالية لجذب المستثمرين بإصدار قوانين خاصة بالصكوك بسوق الأوراق المالية، وتطوير آليات عمل هذه القوانين لجذب مختلف أنواع المستثمرين.
تعريف الصكوك وأنواعها
يعرف الصك اصطلاحًا بالمستند أو الوثيقة، أما من الناحية الفنية فتعني الصكوك الأدوات المالية المتساوية والقابلة للتداول والتي تمثل حصصًا في ملكية أصل أو مجموعة أصول ومصدرة وفق الشريعة الإسلامية، تعطي لحاملها ملكية حصة في مشروع منجز أو قيد الإنشاء والتطوير أو في استثمار معيّن، وهذا يمثل الركيزة الأساسية للصكوك المصدرة، فهي لا بد من أن تكون مرتبطة بأصول، وتتنوع أشكال الصكوك وهياكلها مما يجعلها تلائم أنواعًا مختلفة من المشروعات، ونذكر منها:
صكوك إجارة: وهي تتعلق بالأصول المؤجرة، وتحمل قيمًا متساوية، ويصدرها مالك العين المؤجرة أو وكيله. ومقصود المعاملة هو بيع العين المؤجرة عن طريق الصكوك ليصبح حاملوها هم ملاك الأصل، والمستفيدون من ريع تأجيره.
صكوك سلم: هي متعلقة بتوفير تمويل لرأس المال العامل لتمكين الجهة المصدرة من البدء في عملية الإنتاج أو لتطوير أو زيادة نشاطها أو إضافة خطوط إنتاج.
صكوك مرابحة: يصدرها التاجر أو وكيله بغرض شراء سلعة ما ثم بيعها بمرابحة معلومة، مثل معدات مطلوبة، ويكون حاملو الصكوك هم ملاك المعدات وثمن بيعها بالمرابحة.
صكوك المشاركة: تصدر بغرض تمويل مشروع أو مشاريع، ويكون حاملو الصكوك هم أصحاب تلك المشاريع، وهي مشابهة لشركات المساهمة، وقد يختلف عنها إذا تم تفويض مصدر الصكوك باختيار المشاريع الممولة.
صكوك استصناع: يصدر لتمويل تكاليف إقامة مشروع معين من مشاريع الإسكان والبنية التحتية، مثل بناء مجمع سكني أو إداري أو مطار أو رصف طريق أو المشروعات الصناعية.
وتلتزم الصكوك بالمبادئ العامة للتمويل الإسلامي، من حيث عدم التعامل بالفائدة، وعدم جواز بيع الدين، وعدم جواز الغرر والجهالة في المعاملات، وقد تكون الصكوك مصدرة من قبل شركات، أو قد تكون الجهة المصدرة جهات حكومية أو سيادية أو شبه سيادية، فنجد أن عددًا من الدول مثل البحرين وماليزيا والسودان تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الصكوك للإيفاء بمتطلبات الدين العام وتحقيق أهداف السياسات المالية والنقدية.
تحليل الاتجاهات في سوق الصكوك العالمية حتى عام 2019
شهد سوق الصكوك العالمية عام 2019 مؤشرات نمو إيجابية، فقد شهد إصدارات جديدة ومكاسب جيدة، حيث بلغ إجمالي إصدارات الصكوك العالمية 145.70 مليار دولار أمريكي في عام 2019، وهي أعلى قيمة للصكوك السنوية منذ إطلاقه لأول مرة في عام 2001. وكما هو موضح في الرسم البياني، فإن الإصدار العالمي للصكوك أظهر زيادة بنحو 18.32٪ سنويًا، فقد ارتفعت من 123.15 مليار دولار أمريكي في 2018 لتصل إلى 145.70 مليار دولار أمريكي في 2019، الأمر الذي يرجع إلى التوقعات الإيجابية للاقتصاد العالمي خلال عام 2019 واستقرار أسعار السلع الأساسية بما في ذلك النفط، واستمرار الارتفاع في إصدارات الصكوك السيادية مثل حكومات: ماليزيا، والبحرين، وإندونيسيا، وتركيا، وباكستان، وعمان، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والبنك الإسلامي للتنمية التي أبقت على سوق الصكوك نشطة.
خلال عام 2019، مولت المملكة العربية السعودية أكثر من 50٪ من عجزها المالي من خلال إصدارات الصكوك. ومن المتوقع أن تزيد المملكة العربية السعودية وإندونيسيا وماليزيا وباكستان والبحرين وتركيا من الصكوك المحلية لمواجهة تمويل العجز المالي ومتطلبات تطوير البنية التحتية. علاوة على ذلك، استمرت الصكوك في جذب انتباه المُصدرين الجدد من تايوان، بالإضافة إلى زيادة قاعدة المستثمرين بشكل عام.
شكل رقم (1) تطور قيمة إصدرات الصكوك العالمية (خلال الفترة 2001 حتى 2019)
Source: Sukuk Report, International Islamic Financial Market, 9 th edition, July 2020
وتستحوذ كل من ماليزيا والسعودية وإندونيسيا والإمارات وقطر وتركيا على أكثر من %93 من حصة الصكوك المتداولة عالميًا. وتهيمن ماليزيا على سوق الصكوك، حيث تستحوذ على أكثر من 60% من إجمالي الصكوك المصدرة محليًا بقيمة تتجاوز 660 مليار دولار على الرغم من ارتفاع حصة عدد من الدول مثل إندونيسيا والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وتركيا بحجم جيد. ويوضح جدول (1) حجم إصدار الصكوك محليًا حسب الدولة، خلال الفترة (2001 حتى 2019).
جدول رقم (1) إجمالي إصدارات الصكوك الإسلامية محليًا (خلال الفترة 2001 حتى 2019)
إصدار الصكوك لتمويل مشروعات التنمية
الصكوك الإسلامية لديها القدرة على تحقيق طفرة في التنمية الاقتصادية من خلال جذب الأموال للاستثمار، واستغلالها في مشروعات لها أثر على المدى القريب والبعيد؛ كمشروعات البنى التحتية الجاذبة للاستثمار. وتعد التجربة الماليزية والإماراتية من التجارب الناجحة في مجال الصكوك، والتي يمكن الاستفادة منها على مستوى الدول الأخرى. وفيما يلي أبرز تجارب التمويل من خلال الصكوك:
أولًا: تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة
تعد تجربة الإمارات من أهم التجارب الناجحة في إصدار الصكوك الإسلامية، حيث إن الإمارات تبوأت المركز الأول في إصدار الصكوك في عام 2007، وقد انطلقت الصكوك الإسلامية من إمارة دبي وبدأ النشاط في عام 2007 في إصدار تلك الصكوك.
قامت حكومة دبي من خلال مصارفها وممثلةً في دائرة الطيران المدني بالتوقيع مع ستة بنوك إسلامية تحت إدارة بنك دبي الإسلامي؛ لإصدار صكوك الإجارة بحجم مليار دولار أمريكي تم تغطيتها بالكامل لتمويل توسعات مطار دبي، وتمويل مؤسسة الموانئ والجمارك والمنطقة الحرة في دبي بمبلغ تجاوز 8.2 مليارات دولار وذلك عبر صكوك إسلامية مصدرة بواسطة بنك دبي الإسلامي. ويعد ميناء خليفة الذي تم افتتاحه في 2012، من أهم مشروعات البنية التحتية التي تم تمويلها من خلال الصكوك.
كما أن هناك العديد من المؤسسات الخاصة بإصدار هذه الصكوك، ومنها شركة تبريد الإماراتية بحجم 100 مليون دولار عام 2002، وكذلك 250 مليون دولار في عام 2006، وطيران الإمارات بإصدارات بحجم 550 مليون دولار، وهناك أيضًا بورصة دبي والشركة القابضة لسوق دبي الماليان، والتي أنشأت أول برنامج ادخار يطابق أحكام الشريعة الإسلامية في العالم.
ثانيًا: تجربة ماليزيا
تساهم الصكوك في ماليزيا في تعبئة الأموال اللازمة لتمويل الاقتصاد الماليزي، ومن حيث القطاعات يظهر أن القطاع الحكومي هو الأكثر إصدارًا للصكوك، يليه قطاع البناء ثم قطاع الخدمات المالية، كما تقوم الحكومة الماليزية بإصدار صكوك يطلق عليها اسم “صكوك العناية” بقيمة تصل إلى 500 مليون رنجيت ماليزي، وتصف الإصدار بأنه خطوة جيدة لتعزيز الإصلاحات الاقتصادية في مرحلة ما بعد أزمة تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19).
ثالثًا: تجربة نيجيريا
تُعتبر نيجيريا إحدى الدول الإفريقية الرائدة في مجال الصكوك، حيث صدر القانون المنظم للاستثمار الإسلامي عام 2007 ثم تبعه القانون المنظم للصكوك في 2013، وقد أصدرت الحكومة النيجيرية صكوكًا بقيمة 100 مليار نيرة (العملة النيجيرية) لتمويل إنشاء 25 طريق سريع في مختلف الولايات النيجيرية إضافة إلى 6 مناطق أخرى.
مصر واستخدام الصكوك كوسيلة للتمويل
تسعى مصر إلى الدخول إلى هذا المجال لتنويع مصادر التمويل الحكومي، وجذب المزيد من السيولة للمشروعات الكبرى لتلحق بدول سبقتها في هذا المضمار الذي ينمو عالميًا بشكل كبير ويتوقع لها مزيد من النمو، خاصة مع نضج الأسواق المالية ونضج المعايير والتشريعات التي تنظم إصدار الصكوك وتداولها وتوحيدها على مستوى دول العالم المختلفة.
لا تزال مصر في مرحلة إعداد البنية التحتية والتشريعية والتنفيذية اللازمة لتطبيق الصكوك الإسلامية فيها، والتي بدأت منذ عام 2018، منذ إعلان وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي موافقة مجلس النواب نهائيًا على تعديلات قانون سوق المال، لتشمل تفعيل الصكوك كأداة مالية، ولإعادة تنظيم إصدار وتداول صكوك التمويل، وتنظيم بورصة العقود الآجلة، بهدف تنويع الأدوات المالية المتداولة، وتشجيع الاستثمار، وإتاحة التمويل للمشروعات.
كما شهدت الفترة الأخيرة موافقة مجلس الوزراء المصري على مشروع قانون بإصدار قانون الصكوك السيادية، وتم عرضه على مجلس النواب المصري لتبدأ بعدها فترة جديدة بإصدار الصكوك واستهداف شريحة جديدة من المستثمرين، وتمويل المشروعات التنموية أسوة بالدول المختلفة.
وحتى تلقى تجربة استخدام الصكوك كوسيلة لتمويل عملية التنمية في مصر نجاحًا فلا بد من إدماج الصكوك في هيكل التمويل الحكومي، سواء لتمويل الموازنة العامة للدولة أو تمويل الهيئات الاقتصادية والشركات العامة وذلك من خلال الإجراءات التاليــة:
خلق إطار تشريعي ينظم إصدار الصكوك في مصر والجوانب المرتبطة به.
استخدام صكوك الإجارة بأنواعها المختلفة لتمويل موازنة الدولة، وذلك اعتمادًا على الأصول الحكومية من أراضي ومباني وغيرها.
استغلال الشركات العامة الرابحة بديلًا عن خصخصتها في طرح صكوك مشاركة بتوريق حصة الحكومة في تلك الشركات وطرحها للمستثمرين.
استخدام الصكوك في تمويل الهيئات والشركات والقطاعات التي تستحوذ على نصيب كبير من الاستثمار العام كالكهرباء والنقل والمياه.
استخدام الصكوك مع آليات المشاركة بين القطاع العام والخاص لتوفير تمويل للمشروعات المخطط لتنفيذها.
استخدام الصكوك قصيرة الأجل، كصكوك المرابحة والسلم في إدارة السياسة النقدية من خلال البنك المركزي وآليات السوق المفتوح.