شهدت مصر تحولًا عميقًا في عملية إنتاج الطاقة الكهربية، سواء على مُستوى الكم أو الكيف، وقد جاء هذا التحول نتيجة لاستراتيجية واسعة لتحويل مصر إلى مركز إقليمي لتداول الطاقة، مما دفع الإدارة المصرية لخدمة هذا المشروع من جهات مُتعددة، بحيثُ أفضت مُحصلة جهودها إلى خلق واقع جديد للقطاع يتمثل أساسًا في نُقطتين: خفض كميات الوقود المُستخدمة، ورفع قُدرات التوليد. ويحاول هذا المقال رصد التحولات في مزيج الطاقة المصري في الاتجاهين.
أولًا- خفض كميات الوقود المُستخدمة:
شهدت مصر خلال فترة ما بعد يناير ٢٠١١ اضطرابًا في عمليات إنتاج الطاقة الكهربية، ناتجة أساسًا عن عُنصرين أساسيين؛ أولهما: انخفاض الإنتاج المحلي من الوقود الأحفوري مُقارنة بالاستهلاك، وقد كان ذلك مُحصلة انخفاض ضخ الاستثمارات من طرف الشركاء الأجانب، مما أسفر عن تراجع المُنتج من النفط والغاز من الحقول المحلية، نتيجة عدم الصيانة والتطوير من جانب، بالإضافة إلى عدم وجود عمليات بحث وتنقيب ترفع من الاحتياطيات والإنتاج. ويوضح الشكل التالي تطور الكميات المُنتجة محليًا من النفط والغاز خلال الفترة من عام ٢٠٠٠ وحتى ٢٠١٩:
شكل 1 – يوضح تطور إنتاج النفط والغاز من الحقول المصرية
ويتضح من الشكل توقف الإنتاج عن النمو فيما بعد ٢٠١١، حيث تسطح المُنحنى عند مُستوى ٥٩ ألف طن من النفط في ٢٠١١، اتخذ بعدها اتجاه هبوطي، ليصل إلى مُستوى ٤٠ ألف طن في ٢٠١٦ كأدنى مُستوى له مُنذ ٢٠١١، قبل أن يتجه مُجددًا للارتفاع ليصل إلى أعلى مُستوياته على الإطلاق في ٢٠١٩ عند مُستوى ٦٤٫٩ ألف طن. ينطبق الوضع ذاته على الغاز الطبيعي مع اختلاف بسيط، حيث كان الإنتاج قد بلغ ٣٥ مليار م٣ في عام ٢٠١٠ ليصل إلى أدنى مُستوياته في ٢٠١٧ عند مُستوى ٣٢٫٢ مليار م٣ قبل اكتشاف حقل غاز نور، ليبدأ مُجددًا موجة صعود تصل به إلى مُستوى ٣٣٫٦ مليار م٣ في عام ٢٠١٩.
في عكس هذا الاتجاه بدأت مُعدلات الاستهلاك في الارتفاع مدفوعة بالنمو السُكاني، وانخفاض مُستويات الأسعار بسبب الدعم، مما ساهم في إهدار كميات من المُنتجات النفطية، بالإضافة إلى تهريب أخرى خارج حدود البلاد، مما أدى إلى ارتفاع العجز بالتدريج كما يوضحه الشكل التالي:
شكل 2 – يوضح تطور عجز المواد النفطية والغاز الطبيعي خلال الفترة من ٢٠٠٠ وحتى ٢٠١٩
يوضح الشكل تعمق عجز المواد النفطية من نحو أقل من مليون طن في ٢٠١٢ إلى نحو ٧ ملايين طن في ٢٠١٦، وكذلك تحول فائض الغاز عند مُستوى ١٥٫٦ مليار م٣ في ٢٠١١ إلى عجز بمقدار ٩ مليارات، وبالتالي اضطرت الحكومة للجوء إلى الأسواق العالمية لسد الفجوة، الأمر الذي شكل ضغطًا على مواردها الدولارية التي انخفضت تدريجيًا، مما أعجز الحكومة عن الاستمرار في سد كامل العجز، في ظل ارتفاع كميات النفط المُستخدمة، من عام إلى عام وما صاحبها من ارتفاع الطلب على الكهرباء الذي يُعبر عنه الحمل الأقصى للشبكة.
انعكس الوضع تدريجيًا في ٢٠١٧، بحيث بدأ اتجاه جدي لانخفاض العجز، سواء في النفط أو الغاز الطبيعي بداية من عام ٢٠١٧، ليبلغ ١٫١٣ مليون طن فقط في عام ٢٠١٩، بينما تحول إلى فائض بخصوص الغاز، حيث بلغ ٥٫٩٩ مليار م٣ في العام نفسه، مما يعني معه انخفاض الضغوط على الميزان النفطي، وصاحبت هذه الانخفاضات كفاءة أكبر في توليد الكهرباء بعد إنشاء محطات أكثر كفاءة، وهو ما ينقلنا للنقطة الثانية.
ثانيًا- تحقيق مزيج طاقة أكثر كفاءة:
لم يكن إنجاز الدولة فقط على مُستوى خفض الضغط على الميزان النفطي، بل بدأت في اتجاه رفع قدرات التوليد المُتاحة من الكهرباء، باستخدام ذات الكميات من النفط، ثم صاحبت رفع القُدرة بخفض في الكميات المُستهلكة من الوقود، بحيث تواجه الطلب الحالي والمُستقبلي بأقل ما يُمكن من التكاليف. ويوضح الشكل التالي الارتفاع في الطلب على الكهرباء أو ما يُعبر عنه بالحمل الأقصى في ظل انخفاض الوقود المُستخدم:
شكل 3 – يوضح تطور استخدام الوقود والحمل الأقصى للطاقة الكهربية
يتضح من الشكل استمرار نمو الطلب على الطاقة الكهربائية، حيث ارتفع الحمل الأقصى باستمرار خلال فترة الدراسة، وذلك من مُستوى ٢٣٫٤ جيجا وات في عام ٢٠١٠/٢٠١١ إلى مُستوى ٣١٫٤ في عام ٢٠١٨/٢٠١٩، في حين استمر ارتفاع الكميات المُستهلكة من الوقود بداية من العام ٢٠١٢/٢٠١٣ عند مُستوى ٣١٫٧٥ مليون طن مازوت مُعادل، إلى مُستوى ٣٧٫٣٣ مليون طن، وذلك قبل أن ينخفض إلى مُستوى ٣٤٫٧٧ مليون طن في عام ٢٠١٨/٢٠١٩ وذلك رغم الارتفاع السابق الإشارة إليه في الحمل، مع انتهاء المُعاناة من الانقطاعات المُتكررة من الكهرباء بداية من عام ٢٠١٧/٢٠١٨. ويُقارن الجدول التالي بين المُتغيرات في الوقود المُستخدم خلال العامين ٢٠١٧/٢٠١٨ و٢٠١٨/٢٠١٩:
جدول 1 – يُقارن بين الوقود المُستخدم في عمليات التوليد في عامي ٢٠١٧/٢٠١٨ و٢٠١٨/ ٢٠١٩
2017/2018 | 2018/2019 | نسبة التطور | |
مازوت (مليون طن) | 5.64 | 2.45 | -56.50% |
غاز طبيعي (مليار م٣) | 37 | 38.3 | 3.60% |
سولار عادي ومخصوص (مليون طن) | 0.22 | 0.05 | -75.80% |
إجمالي الوقود المُعادل (مليون طن م.م) | 37.3 | 34.7 | -6.80% |
ويوضح الجدول انخفاض الكميات المُستهلكة من المازوت بنسبة تتجاوز ٥٦٪، وكذلك انخفاض السولار بنسبة تتجاوز ٧٥٪ فيما بين العامين، في حين ارتفعت كميات الغاز المُستخدمة بنحو ٣٫٦٪، بما يُناسب القدرات المحلية في إنتاج الغاز والتي شهدت تحقيق فوائض ضخمة بنحو ٦ مليارات م٣، بما يُقلل الضغوط على مصادر الطاقة الخارجية، سواء من المازوت أو السولار اللذين تُعتبر مصر مُستوردًا صافيًا لهما.
كما يُشير الجدول السابق إلى دخول مُتغير أدى إلى خفض الوقود المُستخدم مع الارتفاع في قُدرات التوليد المُتاحة، وهو تأثير دخول محطات سمينز الثلاثة الكُبرى العاملة بالدورة المُركبة إلى الشبكة القومية للكهرباء. ويوضح الشكل التالي تأثير انضمام المحطات الثلاث على قُدرات التوليد:
شكل 4 – يقارن بين قدرات التوليد الاسمية بين عامي ٢٠١٤/٢٠١٥ و٢٠١٨/٢٠١٩
ويتضح من الشكل ارتفاع قدرات التوليد الاسمية الإجمالية من المصادر الأحفورية من مُستوى ٣١٫٨٣ جيجا وات إلى مُستوى ٥٣٫٢٦ جيجا وات، بعد ارتفاع القدرة الناتجة عن الدورة المُركبة من ١١٫٨٨ جيجا وات إلى ٣٢٫٤٧ جيجا وات، وارتفاع القدرة البُخارية بشكل طفيف من ١٥٫٠٨ إلى ١٦٫٧٤ جيجا وات، وذلك في ظل انخفاض الوقود المُستهلك في عام ٢٠١٨/٢٠١٩ كما سبقت الإشارة. من جانب آخر، أُضيف للقطاع قُدرات جديدة من الطاقات المُتجددة تبلغ ١٫٦ جيجا وات من الطاقة المُتجددة، بين العامين محل المُقارنة، حيث ارتفعت القدرات من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح إلى مُستوى ٢٫٢٤ جيجا وات بعدما كانت قد استقرت عند مُستوى ٠٫٦٨ جيجا وات.
مُحصلة ما سبق -إذن- هو نجاح الإدارة المصرية أولًا في تطوير القدرات المحلية من الاستخراجات الأحفورية بعد اتباع برنامج نقدي ومالي أفضى إلى دفع مُتأخرات الشركات الأجنبية، مما أسفر عن قيام هذه الشركات باستمرار نشاطها في البحث والتنقيب والتنمية، وهو ما أدى إلى اكتشافات جديدة خففت الفجوة النفطية، وحولت العجز إلى فائض بخصوص الغاز.
وعمدت الإدارة بعد ذلك إلى استثمار الفوائض من الغاز المحلي، عبر استخدام تكنولوجيا محطات الدورة المُركبة التي نجحت في رفع القدرات الاسمية على التوليد، مع استخدام كميات أقل من الوقود المُعادل للمازوت بشكل عام، وكذلك خففت استخدامها من المازوت والسولار فعليًا بنسب تتجاوز النصف لكلا المُنتجين، وفي الوقت ذاته أضافت بعضًا من قُدرات الطاقة المُتجددة، مما أسفر في النهاية عن وجود مزيج طاقة أكثر كفاءة وأقل تكلفة، مع قدرات مُتاحة أكبر على التوليد.