عندما أعلن السيد / الرئيس عبد الفتاح السيسى عن موضوع الحوار السياسى كان هذا الأمر واحداً من مجموعة من القرارات الهامة للغاية المتعلقة بالعديد من القضايا المختلفة التى تهم الدولة المصرية فى حاضرها ومستقبلها ، وهو ما يؤكد أن قرار الحوار جاء بعد دراسة متأنية لكافة جوانبه كما تعودنا من القرارت التى يتخذها السيد / الرئيس والتى تتسم بالجدية والمصداقية والحرص على المصلحة الوطنية .
لا أشك لحظة فى أن هذا الطرح من قبل السيد / الرئيس يشير بكل وضوح إلى أن سيادته طرح مسألة الحوار فى التوقيت المناسب ولاسيما فى ظل التقدم الملحوظ الذى تشهده الدولة فى العديد من المجالات على المستويين الداخلى والخارجى وكذا مناخ الإستقرار الذى تمر به مصر حالياً ، ومن ثم يأتى الحوار كاحد الأسس الهامة فى طريق تأسيس ودعم الجمهورية الجديدة التى يتم بناؤها على ركائز قوية ودعائم سليمة قوامها العمل والجهد والإخلاص .
وحتى لا يخرج الحوار السياسى عن أهدافه الرئيسية فإنى أرى أنه من الأهمية بمكان إعادة التذكير بالمبادئ الرئيسية التى ركز عليها السيد / الرئيس خلال طرح سيادته الموضوع يوم 26 إبريل الماضى خلال حفل إفطار الأسرة المصرية ، وفى رأيى أن طرح موضوع الحوار بهذا الشكل خلال هذا الحفل كان يمثل رسالة مباشرة من السيد / الرئيس مفادها أن مصر هى أسرة واحدة قوية ومترابطة ولكن لايوجد ما يمنع من أن يكون هناك حواراً صحياً داخل هذه الأسرة حتى يمكن الوصول إلى الأفضل كلما كان الأمر ضرورياً وممكناً .
وفى هذا المجال فقد ركز السيد / الرئيس على محددات الحوار على النحو التالى :-
* تكليف إدارة المؤتمر الوطنى للشباب بالتنسيق مع كافة التيارات السياسية الحزبية والشبابية لإدارة حوار سياسى حول أولويات العمل الوطنى خلال المرحلة الراهنة .
* رفع نتائج الحوار للسيد / الرئيس مع الوعد بحضور هذه الحوارات فى مراحلها النهائية .
* أن سيادته سبق وأن تحدث مع الإعلاميين حول موضوع الإصلاح السياسى وبما يؤكد حرص سيادته عليه .
* أن الأولويات كانت مؤجلة فى هذا الموضوع إلا أننا نتطلع الآن ونتيح الحوار والنقاش لكل القوى السياسية بدون إستثناء أو تمييز .
* عرض مخرجات الحوار على مجلسى النواب والشيوخ حتى يتم إقرار القوانين المطلوبة .
* الحاجة إلى إجراء الحوار الوطنى خاصة مع إطلاق الجمهورية الجديدة حتى يكون ذلك الحوار ضمن مفرداتها .
إذن فقد حدد السيد / الرئيس فى سياق هذا القرار الإطار أو المبدأ العام الجامع لهذا الحوار بكل موضوعية وإعتبار أن الهدف الأسمى يتمثل فى مشاركة كافة القوى السياسية من أجل بلورة أولويات العمل الوطنى ، وبالتالى تظهر الحاجة خلال الفترة القريبة المقبلة إلى الإتفاق على العديد من الجوانب الإجرائية المرتبطة بإدارة الحوار ، وكذا الإتفاق على الجوانب الموضوعية المتعلقة بطبيعة القضايا التى سوف يتم بحثها ، كما أنه من المهم أيضاً أن يتم الإعداد لكل هذه الجوانب بشكل متكامل بإعتبارها الأساس الذى سينطلق منه الحوار بل لن أكون مبالغاً إذا قلت أنها سوف تكون أحد أهم أسس إنجاحه .
وفى هذا المجال لابد أن أشير إلى إستمرار عملية الإعداد للحوار وذلك من خلال البيان الذى أصدرته الأكاديمية الوطنية للتدريب يوم العاشر من مايو الحالى والذى أكد على مجموعة من المبادئ الهامة من بينها أن إدارة الحوار سوف تتم بكل حيادية دون تدخل فى المضمون ، وأن دورها يتمثل فى التنسيق بين الفئات المشاركة فى الحوار ، كما أنها سوف تحرص على توسيع قاعدة المشاركة فى الحوار من خلال دعوة جميع ممثلى المجتمع المصرى بكل فئاته ، بالإضافة إلى عقد جلسات الحوار فى مناطق مختلفة على مستوى الجمهورية .
ويقودنى التفكير فى كافة جوانب الحوار إلى التساؤل حول ماهى العوامل الضرورية التى ينبغى توافرها حتى يؤتى هذا الحوار ثماره ، وفى رأيى أن أهم هذه العوامل تتمثل فيما يلى : –
أن القيادة السياسية لن تكتفى بمتابعة أعمال جلسات الحوار بل سوف يشارك السيد / الرئيس بنفسه فى مراحله النهائية وهو الأمر الذى يكفل كل عوامل الجدية لهذا الحوار .
أهمية قيام الدولة بإعتبارها الجهة الداعية للحوار بتوفير المناخ المناسب لإنجاحه ، ومن المؤكد أن الدور الذى تقوم به لجنة العفو الرئاسى وتجاوب الدولة مع مطالبها يعتبر عاملاً إيجابياً سوف تتواصل وتتضح نتائجه خلال الفترة القادمة .
أن كافة القوى السياسية – بلا إستثناء – مدعوة للمشاركة فى الحوار وهو ما يعنى أن هذه المشاركة لن تقتصر فقط على الأحزاب الممثلة فى المؤسسات البرلمانية ولكن أيضاً تلك القوى السياسية المتواجدة خارج إطار التمثيل النيابى ، وفى هذا الشأن ليس من المقبول أن تقوم أية جهة بفرض شروط مسبقة كأساس لمشاركتها فى الحوار لاسيما وأن الحوار فى حد ذاته يعد أعلى وأرفع من أية مطالب ضيقة أياً كانت طبيعتها .
أهمية أن تكون كافة القوى المشاركة فى الحوار على قناعة تامة بأن الهدف منه يتمثل فى بحث أولويات العمل الوطنى ، ومن ثم يجب الإبتعاد عن كل ما يتعلق بالمصالح والمطالب الحزبية الخاصة مع التركيز على المصالح العليا للوطن حيث أن نتائج الحوار سوف تكون جزءاً رئيسياً من مستقبل الدولة المصرية خلال المراحل القادمة .
ضرورة أن تقوم القوى المختلفة ببلورة رؤاها تجاه القضايا التى سيتم طرحها للنقاش بكل موضوعية وبالأولويات التى تهم الدولة المصرية ككل بحيث تأخذ فى إعتبارها الظروف المحيطة بالدولة على المستويات الداخلية والإقليمية والدولية وكذا التحديات والمخاطر التى تواجهها فى ظل المتغيرات العالمية الحالية .
أن مفهوم مشاركة القوى السياسية بلا إستثناء لا يعنى أن المجال يمكن أن يكون مفتوحاً أمام أية قوى قد تم تجريمها أو حملت السلاح ووجهته ضد الدولة وضد أبنائها ، وفى رأيى أن هذه نقطة فى غاية الأهمية حتى يمكن تحديد هوية القوى المشاركة فى الحوار وهى القوى السياسية الموجودة داخل المجتمع والتى قد تكون لها رؤى مختلفة فى كيفية تعامل الدولة مع القضايا التى تواجهها ولكنها لا تنتهج إسلوب العنف أو التحريض .
أن الشباب – وهم عماد مستقبل البلاد – سوف يكون لديهم فرصة كبيرة للمشاركة الفعالة والتعبير عن مواقفهم حيث أن ما قامت به الدولة تجاه القطاع الشبابى منذ عدة سنوات وحتى الآن يعد مقدمة جيدة وغير مسبوقة نحو تأهيلهم لتولى المناصب القيادية خلال مرحلة قادمة .
إستناد مخرجات المؤتمر – التى سيتم التوافق عليها – على آليات واقعية محددة وواضحة يمكن للدولة ومؤسساتها تنفيذها ، وبالتالى يجب الإبتعاد عن بلورة آليات غير منطقية سوف تظل حبيسة الأدراج ولا يمكن التعامل معها أو تطبيقها .
أن مسألة الإصلاح السياسى تعد عملية طويلة ومركبة ومعقدة ولابد أن تأتى فى سياق سلس ومتدرج ومنطقى يدعم أركان الدولة ولا يجعلها عرضة لأى نوع من الإهتزاز .
ضرورة ألا يكون عامل الوقت سيفاً مسلطاً على الحوار سواء من حيث الجلسات أو المناقشات أو النتائج نظراً لأن أهمية الحوار تقتضى ألا يكون هناك أى نوع من التعجل حتى يمكن الوصول إلى النتائج المرجوة من هذا الحوار الوطنى الهام .
إختيار الشخصيات التى سوف تدير الحوار أو تشارك فى الإشراف على أعماله من بين تلك الشخصيات المصرية المشهود لها بالنزاهة والوطنية والمصداقية والخبرة والقدرة على الخروج بالحوار منذ بدايته وحتى نهايته إلى برالأمان ، ومن المؤكد أن مصر تذخر بمثل هذه الشخصيات التى يشار إليها بالبنان .
أن يتم التعامل الإعلامى مع الحوار خلال كافة مراحله – وحتى قبل أن يبدأ – بصورة هادئة وموضوعية وبالقدر الذى يدعم الأهداف المطلوبة من الحوار .
وفى ضوء ماسبق فإن الزخم الذى بدأ فى أعقاب إطلاق السيد/ الرئيس موضوع الحوار السياسى والذى يتواصل حتى الآن يعد أحد العوامل الإيجابية التى يمكن أن تؤدى إلى إنجاح الحوار ، وبالتالى فمن الضرورى أن تستثمر كافة القوى السياسية هذه الفرصة من أجل إثبات أنها تمتلك الرؤى الموضوعية التى تساهم فى تنمية وتقدم الدولة المصرية ، وأنه يجب على الجميع بلا إستثناء أن يعلم أننا جميعاً فى قارب واحد تقوده قيادة سياسية وطنية ترحب بتنوع الآراء والإختلاف فى وجهات النظر مادم هذا التنوع والإختلاف يتم فى إطار من الإحترام ويصب فى المصلحة الوطنية العليا ، ومن ثم فإن إنجاح الحوار يعد مسئولية جماعية وواجب وطنى .