حذرت مجموعة السبع، نهاية الأسبوع الماضي، من أزمة غذاء عالمية بسبب الحرب فى أوكرانيا التى تؤجج أزمة غذاء وطاقة عالمية تهدد البلدان الفقيرة. الأزمة فاقمتها خطوات هندية أضافت مزيدا من المخاوف حول مستقبل الإمدادات الغذائية فى العالم بعد أن قررت نيودلهي، وهى ثانى أكبر منتج للقمح فى العالم، حظر صادرات القمح بسبب موجة الحر التى أدت إلى تقليص الإنتاج وارتفاع الأسعار المحلية، مما سيؤدى لارتفاع أسعار الغذاء، وأن يغذى الجوع فى البلدان الفقيرة التى تعتمد على واردات هذه السلعة.
بالأرقام، يواجه نحو 1٫2 مليار فرد فى 69 دولة مخاطر تهدد الأمن الغذائي، منهم 362 مليون فرد تحت خط الفقر و142 مليون فرد يعانون سوء التغذية. وتأتى أزمة الغذاء الراهنة لتفاقم من الوضع بالنسبة للدول التى تعتمد على استيراد احتياجاتها الغذائية، خاصة فيما يتعلق بارتفاع أسعار الطاقة، وبالتالى ارتفاع تكلفة الانتاج الزراعى والنقل، وهو ما يدفع الدول النامية إلى زيادة الاقتراض فى وقت تجاوزت فيه ديونها 11.2 تريليون دولار، أى ما يمثل 70% من ناتجها المحلى الإجمالي.
أزمة الغذاء الراهنة هى ذات طبيعة مركبة، تتعلق فى المقام الأول بنقص الإمدادات والمعروض من بعض السلع الغذائية الأساسية، خاصة الحبوب وزيت عباد الشمس، بسبب تعذر تصديرها نتيجة الحرب فى منطقة البحر الأسود. كما أثرت العقوبات الغربية على روسيا فى اسواق تلك السلع، بحيث تعتمد نحو 50 دولة بقدر كبير على استيراد السلع من روسيا وأوكرانيا. وتتفاقم الأزمة بسبب ارتفاع أسعار تلك السلع والطاقة والأسمدة، والتى يسهم البلدان بنسب كبيرة فى تجارتها، وذلك بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين ذات الصلة. ويزيد من وطأة الأزمة أنها تأتى عقب تداعيات اقتصادية واجتماعية بسبب جائحة كورونا وتغير المناخ.
خلال عام 2020، تعرض نحو 811 مليون فرد لخطر الجوع المزمن، وثلث سكان العالم لدرجة متوسطة إلى حادة من ضعف الأمن الغذائي. هذا الوضع سيتفاقم نتيجة الحرب فى أوكرانيا بحيث انه من المتوقع ان تبلغ أزمة الغذاء ذروتها مع بداية العام المقبل بسبب حالة عدم اليقين بمدى توافر المخزون الدولى من الحبوب، خاصة فى حالة استمرار الحرب وتداعياتها على الإنتاج والتصدير خلال موسم الحصاد المقبل. وقد أظهرت الحرب فى أوكرانيا هشاشة النظم الزراعية وعواقبها الوخيمة على الأمن الغذائى، فى ظل توقعات أمريكية بانخفاض إنتاج القمح الأوكرانى إلى نسبة أكبر من المتوقع بسبب اتساع رقعة الحرب.
لمواجهة هذا الخطر يتجه كثير من الدول نحو تخزين كميات كبيرة من الغذاء وفرض قيود على تصديره لتأمين احتياجاتها، بدلا من الاستفادة منه تجاريا، وهو ما سيزيد من ارتفاع الأسعار. على الرغم من الجهود والمبادرات الدولية لتعزيز الشفافية وتوفير المعلومات المتعلقة بإنتاج وتخزين السلع الغذائية، إلا أنه يظل من الصعب توفير بيانات دقيقة ومتكاملة حول كميات المخزون الاستراتيجى للدول من السلع الغذائية الأساسية القابلة للتصدير، وذلك لعدة أسباب، من بينها صعوبة تقدير كمية المخزون السلعى بحوزة القطاع الخاص، وما إذا كان سيتم استخدامه للاستهلاك المحلى أو للتصدير، فضلا عن وجود اعتبارات سياسية للدول المصدرة للغذاء تدفعها لعدم الكشف عما لديها من مخزون.
لتجاوز الأزمة الراهنة، هناك حاجة لزيادة تمويل عمليات البحث والتطوير والابتكار لزيادة الإنتاجية وتحديث البنية الأساسية الزراعية، وتطوير أنظمة انتاج الغذاء وزيادة مرونتها من خلال زيادة الاستثمار فى القطاع الزراعى ومجال البحث والتطوير لرفع الإنتاجية وكفاءة استغلال الموارد المتاحة بما يؤدى إلى زيادة معدلات الاكتفاء الذاتى من المحاصيل الرئيسية فى الدول وتخفيض معدلات الفقر فى المناطق الريفية، فضلا عن زيادة المساعدات الغذائية المقدمة لأغراض الإغاثة الإنسانية وإحلال السلام فى مناطق النزاعات. هناك حاجة، أيضا، لتغليب الأهداف الحيوية المشتركة على حساب المصالح الفردية للدول.
هناك حاجة، أيضا، لتكاتف الجهود الدولية لمساعدة الدول الفقيرة على مواجهة الأزمة الراهنة، وزيادة حجم المساعدات والمنح المقدمة لها، وعدم فرض قيود تجارية على السلع الغذائية، وتجنب المبالغة فى شراء وتخزين السلع الغذائية تفاديا لحدوث زيادات غير مبررة فى الأسعار. أيضا، تطبيق المرونات الموجودة فى اتفاق الزراعة فى إطار منظمة التجارة العالمية، بما يسمح للدول النامية، خاصة المستورد الصافى للغذاء، بتقديم دعم لصغار المزارعين يتجاوز الالتزامات الواردة فى الاتفاق، وإيجاد حل نهائى لمشكلة برامج التخزين الحكومى لأغراض الأمن الغذائى.