يُعد القطاع الزراعي مكونًا رئيسيًا للاقتصاد المصري لذلك وضعت الدولة المصرية محور التنمية الزراعية على رأس أولوياتها، في ظل سعي مصر لزيادة مساهمة قطاع الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة إلى زيادة الإنتاج الزراعي بهدف تلبية الاحتياجات الغذائية الداخلية وتحقيق الاكتفاء الذاتي، ومن ثم مضاعفة حصة القطاع في الصادرات، وبما يسمح بعودة مكانة مصر الزراعية في الأسواق العالمية لتنافس المحاصيل الزراعية المصرية المحاصيل العالمية، ومن أجل ذلك قامت مصر بالانتهاء من تنفيذ والإعلان عن تنفيذ عدد من المشاريع القومية الزراعية، ومنها مشروع المليون ونصف مليون فدان ومشروع إنشاء 100 ألف صوبة زراعية وتنمية شمال ووسط سيناء ومشروع الدلتا الجديدة، كما أعلنت الدولة عن مبادرات لتعزيز الإنتاج المحلي، والتركيز على الزراعة المستدامة والخضراء، وهو الأمر الذي أدى إلى رفع التوقعات بشأن تحقيق الزراعة في السوق المصرية معدل نمو سنويًا مركبًا يبلغ 3.2٪ خلال الفترة (2022-2027). و”تهدف مصر إلى زيادة مساهمة قطاع الزراعة في الناتج المحلي بحلول عام ٢٠٢٤ عما هو محقق في الوقت الحالي”
أولًا: وضع القطاع الزراعي المصري
تُعتبر الزراعة من القطاعات الرئيسية في الاقتصاد المصري، حيث توفر الغذاء للاستهلاك المحلي، بالإضافة إلى المساهمة في التجارة الخارجية. وعلى الرغم من أن التصنيع قد حظي باهتمام أكبر في السنوات الأخيرة، إلا أن مصر لا تزال تعتمد إلى حد كبير على الإنتاج الزراعي. وبحسب التقرير الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) العام الحالي، يمثل قطاع الزراعة 15% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر، ويساهم بنحو 25% من القوة العاملة فيها، كما توظف الزراعة حوالي 45% من القوى العاملة النسائية. ومن الجدير بالذكر أن معظم الأنشطة الزراعية في مصر يسيطر عليها صغار المزارعين الذين يمثلون 25 مليونًا من العاملين في قطاع الزراعة، ويمثلون حوالي 60% من سكان الريف، ويساهم القطاع بحوالي 18% من حصيلة الصادرات السلعية الكلية، ويمكن متابعة تطور إجمالي المساحة المحصولية والمساحة المنزرعة من خلال الجدول التالي:
جدول رقم (1): تطور إجمالي المساحة المحصولية والمساحة المنزرعة خلال الفترة 2016/2017-2019-2020 (فدان)

يبين الجدول السابق ارتفاع إجمالي المساحة المحصولية من 16.2 مليون فدان عام 2018/2019 إلى 16.3 مليون فدان في عام 2019/2020، وبنسبة زيادة بلغت 0.5%، كما زادت المساحة المنزرعة بنسبة 1.3% لتصل إلى 9.5 ملايين فدان عام 2019/2020 مقارنة بما كانت عليه 9.3 ملايين فدان عام 2018/2019، وذلك بحسب التقرير الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وأعلنت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية عن أهداف القطاع الزراعي في خطة العام 21/2022 والمتمثلة في زيادة الإنتاج الزراعي بالأسعار الجارية لنحو 1118 مليار جنيه، وبمعدل نمو يزيد على 9٪، مقابل نحو 1022 مليار جنيه المتوقع في 20/2021، بالإضافة إلى زيادة الناتج المحلي الزراعي بالأسعار الجارية بنسبة 11٪ ليصل إلى حوالي 821 مليار جنيه في عام 21/2022 مقارنة بنحو 673 مليار جنيه في عام 19/2020 والمبلغ المتوقع 740 مليار جنيه في 20/2021.
ثانيًا: أهم المشاريع القومية الزراعية
بالرغم من التحديات التي يواجهها القطاع الزراعي المصري إلا أن الحكومة قامت بتنفيذ عدة مشاريع، حيث تطمح الدولة المصرية إلى تعزيز أداء القطاع الزراعي، وخلق فرص عمل للخريجين الشباب من خلال التوسع في الأراضي المزروعة عبر استصلاح مناطق جديدة في الصحراء لتلبية الاحتياجات الغذائية لعدد متزايد من السكان. وعليه، بدأت الحكومة المصرية في الاستثمار بشكل كبير في الزراعة من خلال تبني عدة مبادرات رئاسية، مثل “مشروع مليون ونصف فدان”، و”الريف المصري”، و”الدلتا الجديدة”، وغيرها. وصرحت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية بأنه فيما يتعلق بإجمالي الاستثمارات الزراعية عام 2021/2022، فإنه تم تخصيص مبلغ 73.8 مليار جنيه التي تمثل 5.9٪ من إجمالي الاستثمارات مقابل حجم الاستثمارات في القطاع والتي بلغت 43 مليار جنيه في عام 2020/2021، أي بنسبة زيادة بلغت 72%، ومقارنة باستثمارات محققة بلغت 39.5 مليار جنيه عام 19/2020.
وبحسب خريطة مشروعات مصر فإنه خلال عام 2021 وحتى الآن تم تنفيذ عدد من المشاريع الزراعية، ومنها مشروع الدلتا الجديدة، وتطوير وإعادة تشغيل معمل تحليل التربة، ومشروع واحة الحرير بـالخارجة، ومحطة المغرة للزراعة الآلية لخدمة 1.5 مليون فدان، ومركز الإرشاد الزراعي بمحافظة مطروح، وزراعة 31 ألف فدان جنوب سيناء، ومجمع الخدمات الزراعية بقرية المراشدة، وزراعة 15 ألف فدان بأشجار الجوجوبا في الوادي الجديد، ومشروع قومي لإنتاج البذور والتقاوي. ومن أهم المشاريع القومية التي نفذتها مصر:
- المشروع القومي للبذور: وهو مشروع يتم تنفيذه بالشراكة مع عدد من الشركات الأجنبية بهدف دعم القطاع الزراعي، ورفع الكفاءة الإنتاجية للمحاصيل الزراعية المصرية وإنتاج التقاوي محليًا بجودة عالية تقاوم الآفات والتغيرات المناخية بدلًا من استيرادها من الخارج، وذلك لتحقيق الاكتفاء الذاتي منها، ونجح المشروع في تسجيل 25 صنفًا من تقاوي الخضر والفاكهة لأول مرة في مصر، وغيرها من التقاوي المختلفة.
- مشروع المليون ونصف مليون فدان: يهدف المشروع لإنشاء نموذج للريف المصري الحديث، وذلك لزيادة الرقعة الزراعية بنسبة 20%، وتقليل الفجوة الغذائية، بالإضافة إلى خلق فرص استثمارية واعدة في مجالات متعددة، منها استصلاح الأراضي الزراعية، وإقامة المشروعات التي تستهدف الصناعات الغذائية، ويمتد المشروع ليشمل مساحات واسعة، متركزًا في الصعيد وسيناء والدلتا وجنوب الوادي، وقد وقع الاختيار على ثماني محافظات: أسوان، والمنيا، ومطروح، والوادي الجديد، وقنا، والإسماعيلية، والجيزة، وجنوب سيناء، لقربها من شبكة الطرق القومية والمناطق الحضارية وخطوط الاتصال بين المحافظات.
- مشروع إنشاء 100 ألف صوبة زراعية: ينفذ المشروع بالتعاون مع جهات خارجية، وذلك ليكون طبقًا للمواصفات العالمية بإنتاجية وجودة عالية، ويهدف المشروع إلى إنشاء مجتمعات زراعية تنموية متكاملة وبجودة عالية، وإتاحة فرص عمل جديدة بمناطق الاستصلاح المستهدفة قدرت بـ300 ألف فرصة عمل، وبدأ المشروع على مساحة 100 ألف فدان، في 7 مناطق مختلفة بناء على توزيع المشروع القومي لاستصلاح الأراضي، وهي مناطق غرب المنيا، وغرب غرب المنيا، والمغرة، وسيناء، والمراشدة 1، والمراشدة 2، وحلايب وشلاتين، وستبلغ تكلفة المرحلة الأولى من المشروع 40 مليار جنيه بحسب وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي.
- تنمية شمال ووسط سيناء: بحسب وزارة الموارد المائية والري فإن المشروع يهدف إلى استصلاح واستزراع 400 ألف فدان على مياه امتداد ترعة السلام (ترعة الشيخ جابر الصباح) بمنطقة شمال سيناء، وخلق مجتمع زراعي صناعي تنموي جديد ومتكامل، وتم زراعة حوالي 56.5 ألف فدان بمنطقتي سهل الطينة وجنوب القنطرة شرق على مياه ترعة السلام، كما تمت زراعة حوالي 13.5 ألف فدان بمنطقتي رابعة وبئر العبد على المياه الجوفية.
- مشروع الدلتا الجديدة: يقع المشروع بالقرب من الدلتا القديمة وشبكة الطرق والموانئ سواء البحرية أو البرية أو الجوية، ويشمل مشروعي مستقبل مصر وجنوب محور الضبعة، ويقوم مشروع مستقبل مصر على مساحة قدرها 500 ألف فدان، وهو على امتداد طريق محور “روض الفرج –الضبعة” الجديد، وهو الطريق الذي أُنشئ ضمن المشروع القومي للطرق، ويتضمن المشروع شبكة كهرباء داخلية بطول 200 کم، ومزود بشبكة طرق رئيسية وفرعية بإجمالي طول 500 كم.
أما مشروع استصلاح ٥٠٠ ألف فدان بجنوب محور الضبعة فهو يقع غرب مشروع مستقبل مصر، ويربط بين الحدود الإدارية لمحافظات مطروح والبحيرة والجيزة، ويقام المشروع أيضًا على مساحة ٥٠٠ ألف فدان، وتعد أكثر من ٩٠ ٪ من المساحة صالحة لزراعة المحاصيل الاستراتيجية وعلى رأسها القمح والذرة الصفراء والبقوليات ومحاصيل الخضر وأنواع مختلفة من الفاكهة، وسيتم إنشاء محطة عملاقة طاقة ٦ مليون م٣ / يوم لمعالجة مياه الصرف الزراعي لاستغلالها مرة أخرى.
ومن هنا نجد أنه لطالما كانت الزراعة ركيزة أساسية للاقتصاد المصري في أعقاب اضطراب سلاسل التوريد العالمية وارتفاع أسعار السلع الزراعية العالمية بسبب الأزمات المتتالية من جائحة كورونا والتي أعقبها الحرب الروسية الأوكرانية، واكتسب القطاع أهمية متجددة محليًا، لذلك عملت الدولة على تعزيز الإنتاج من خلال إصلاح السياسات القائمة على البحوث والتقنيات لتحقيق الأمن الغذائي، كما وضعت رؤية واضحة لمستقبل القطاع الزراعي لمصر تقوم على مواجهة التحديات وإقامة المشاريع الزراعية بهدف تحسين الإنتاج الزراعي، وتوفير فرص العمل من ناحية، وإقامة المناطق اللوجستية، بالإضافة إلى تنمية المناطق العمرانية من ناحية أخرى، وذلك لتهيئة بيئة متكاملة ومستدامة تبعًا لاستراتيجية مصر 2030.