انطلاقًا من الاعتراف بحقوق المرأة الأفريقية وترسيخ حمايتها، أصدر الاتحاد الأفريقي بروتوكول حقوق المرأة في أفريقيا “إعلان مابوتو“، المنبثق من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب في عام 2003. وتعد مصر من أكثر الدول الأفريقية احترامًا لحقوق المرأة، ومع هذا فإنه من بين 54 دولة عضوًا في الاتحاد الأفريقي فإن مصر وبتسوانا فقط هما الدولتان اللتان لم توقّعا أو تصدقا على الإعلان حتى الآن. الجديد هو أنه منذ عام 2014 تغيرت السياسات تجاه المرأة المصرية وأَوْلى الرئيس عبد الفتاح السيسي اهتمامًا غير مسبوق بتمكينها وحمايتها من أشكال التمييز وأوجه العنف المختلفة، مما يستدعي النظر مجددًا إلى إعلان مابوتو وإعادة دراسة بنوده للوقوف على أوجه الاتفاق والاختلاف مع سياسات الدولة المصرية، وكيف يساهم الإعلان بشكل إيجابي في هذا الملف، وكيف يُسهم توقيع مصر على بروتوكول حقوق المرأة في أفريقيا في الترويج للتقدم الحادث في مصر في هذا المجال، وفي تعميق دمج مصر في أنشطة الاتحاد الأفريقي بفروعه المختلفة.
مواد إعلان مابوتو
احتوى إعلان مابوتو على 32 مادة تؤكد على حقوق المرأة ودورها الضروري في التنمية وتعزيز المساواة على أساس نوع الجنس والقضاء على أشكال التمييز والعنف، ووقف الممارسات الضارة ضد المرأة، وتمثلت أهم المواد في الآتي:
تقر المادة الثانية من الإعلان بالقضاء على أشكال التمييز ضد المرأة، من خلال التدابير التشريعية والمؤسسية المناسبة، بما في ذلك إدماج مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الدستور، واعتماد الدولة التدابير الرامية لمنع الممارسات الضارة التي تُعرض صحة المرأة للخطر، وذلك من خلال إطلاق الاستراتيجيات المختلفة.
وتقر المادة الرابعة والخامسة من الإعلان بالحق في الحياة والسلامة والأمن، من خلال حظر جميع أشكال الاستغلال للمرأة، وسن القوانين التي تمنع جميع أشكال العنف ضد المرأة “بما في ذلك تشويه الأعضاء التناسلية للنساء“، واتخاذ التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والاقتصادية الأخرى الضرورية لضمان تمتع المرأة بحقوق متساوية مع الرجل.
وتختص المادة السادسة والسابعة بالأحوال الشخصية “الزواج والانفصال وبطلان الزواج“، ونصت المواد على تحديد سن الزواج للمرأة بما لا يقل عن ثمانية عشر عامًا، وتشجيع الزواج الأحادي، وضمان حقوق المرأة في حالة تعدد الزوجات، وفي حالة الانفصال أو الطلاق يتم اقتسام الأموال المشتركة الناجمة عن الزواج بشكل متساوٍ بين الطرفين.
وفيما يخص المواد من “8-12” فتناقش الوصول إلى العدالة والحماية أمام القانون من خلال التمثيل المتكافئ للنساء في المؤسسات القضائية ومؤسسات تنفيذ القانون، وأيضًا الحق في المشاركة في العملية السياسية وصنع القرار، وحماية المرأة في النزاعات المسلحة، بالإضافة إلى حق المرأة في التدريب والتعليم.
وتناقش المادة “13” الحقوق الاقتصادية للمرأة بضمان تعزيز المساواة في فرص الحصول على العمل والأجر، واتخاذ التدابير اللازمة للإقرار بالقيمة الاقتصادية لعمل المرأة المنزلي.
أما المادة “14” فتقر بالحقوق الصحية والإنجابية للمرأة، بما في ذلك حق المرأة في تقرير الإنجاب من عدمه، وممارسة حقها في الإجهاض الطبي في حالات الاعتداء الجنسي والاغتصاب وسفاح المحارم.
وتناقش المواد من “15-19” حق المرأة في الأمن الغذائي، والسكن اللائق، والتمتع ببيئة صحية مستدامة، بجانب حق المرأة في التمتع الكامل بالتنمية المستدامة من خلال تعزيز فرص حصول المرأة على القروض والتدريب وتنمية المهارات خاصة في المناطق الريفية.
وتتضمن المواد من “20-24” حماية حقوق المرأة الأرمل، وأن يكون للنساء والرجال الحق في إرث ممتلكات أبويهم بحصص متساوية، بالإضافة إلى حماية المسنات والمرأة من ذوي الهمم وحماية النساء المهمشات في المناطق الفقيرة.
أما المواد من “25-32” فتناقش كيفية تنفيذ ومراقبة مواد الاتفاقية بطريقة تضمن تنفيذ الدول الأطراف للبروتوكول على الصعيد الوطني، وطرق تقديم مقترحات التعديل والمراجعة لمواد الإعلان.
تحفظات مصر على الاتفاقية
لم تبد الدولة المصرية رفضًا صريحًا للإعلان، كما لم يصدر عنها رسميًا أي تحفظات تتعلق بمواده، ولكن من النظر إلى محتوي إعلان مابوتو يمكن أن نستشف التحفظات التي تتعلق ببعض المواد لاختلافها مع الدستور المصري من جهة والشريعة الإسلامية من جهة أخرى، مثل مواد الصحة الإنجابية للمرأة والمتعلقة “بحق المرأة في الإجهاض في حالات الاعتداء الجنسي والاغتصاب وسفاح المحارم” وهو الأمر المقيد في القانون المصري بوجود خطر داهم للحمل على الأم، وحسب تقرير ثلاثة أطباء بذلك فقط.
أما فيما يخص مواد الزواج فتتعارض المادة الخاصة بالانفصال والذي يتم فيه الطلاق “بأمر قضائي فقط” مع معضلة وقوع الطلاق الشفهي في الشريعة الإسلامية، والذي نادى الرئيس عبد الفتاح السيسي مرارًا بضرورة تسجيل الطلاق أمام السلطات الرسمية المختصة، بدلًا من الطلاق الشفوي، إلا أن هيئة كبار علماء الأزهر الشريف أصدرت بيانًا أكدت فيه “وقوع الطلاق الشفوي المستوفي أركانَه وشروطَه، والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق، دونَ اشتراط إشهاد أو توثيق“.
وفي المواد الخاصة بتقسيم الإرث، ينص إعلان مابوتو على تقسيم الإرث بالتساوي بين الرجال والنساء، وهو ما يتعارض تعارضًا صريحًا مع الشريعة الإسلامية والقوانين المتبعة في مصر.
وهناك بعض المواد التي يمكن وصفها بالمواد الرمادية، مثل المواد الخاصة باقتسام الأموال المشتركة الناجمة عن الزواج بحصص متساوية بين الطرفين في حالة الانفصال، وقد سبق وأن نادى شيخ الأزهر بمحتوى تلك المادة تحت مسمى “إحياء فتوى الكد والسعاية” التي تفيد “بحق الزوجة في ثروة زوجها إذا شاركته في تنميتها ببذل المال أو بالسعي والعمل، ويقدّر بقدر مال الزوجة المضاف إلى مال زوجها وأرباحه، وأجرة سعيها وكفاحها معه، ويجوز لها المطالبة به أو المسامحة بشأنه“. ورغم عدم تعارض تلك المواد مع الدستور أو القانون فإنها تواجه تحفظ المجتمع، حيث يصعب المطالبة بهذا الحق في ظل عادات وتقاليد اجتماعية تحرم المرأة في بعض الأحيان وبعض المناطق من حقها في ميراثها الشرعي، وهي الممارسة التي جرمها المشرع المصري في قانون المواريث رقم 219 / 2017.
بجانب المواد المتعارضة بشكل مباشر مع الدستور والقانون المصري، وبنظرة سريعة إلى أوضاع المرأة في عام 2003، نجد أن المناخ العام لم يكن يسمح بالانضمام إلى إعلان مابوتو. فعلى صعيد المواقع التنفيذية والقيادية، كان هناك تراجع واضح في تمثيل المرأة، حيث اقتصر تمثيل النساء على بضع حقائب وزارية مرتبطة بالدور النمطي التقليدي لهن كحقيبة الشئون الاجتماعية، ولم تتبوأ المرأة منصب نائب وزير إلا في عام 2005، بواقع نائبة واحدة حتى عام 2008، فكان الدفع بالكوادر النسائية في مواقع السلطة واتخاذ القرار السياسي ضعيفًا للغاية، وبالتالي فقد عانى الجهاز الإداري من ضعف تمثيل المرأة حتى خلت وظائف الدرجة الأولى في العديد من الوزارات حتى عام 2010 من العنصر النسائي تمامًا.
ورغم أن النساء في مصر قد مارسن العمل في القانون منذ ثلاثينيات القرن العشرين، إلا أنه لم تعين سيدة في وظيفة قاضٍ إلا في عام 2003 عندما عُيّنت المستشارة تهاني الجبالي، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، كأول سيدة تجلس على منصة القضاء. وجدير بالذكر أن قضية دخول المرأة إلى السلك القضائي قد مرت بحالة من الجدل والخلافات داخل صفوف الأوساط القضائية نفسها، وتحديدًا بين فقهاء القانون الذين كانوا يرفضون الأمر، بدعوى أن العمل القضائي غير مناسب لطبيعة المرأة. فيما كانت أسباب رفضهم الحقيقية ترجع إلى بعض التقاليد القضائية من جهة، وإلى التفسيرات الشرعية الخاطئة للدين الإسلامي من جهة أخرى. وليس بسبب أحكام دستورية أو بنود قانونية صريحة.
وبشكل عام لم تكن البيئة التشريعية داعمة للمرأة بدرجة كافية، وبما يتوافق مع مواد الإعلان. فعلى سبيل المثال، لم تكن الأم المصرية قادرة على منح جنسيتها لأطفالها، ولم تكن هناك عقوبة محددة في حالة عقد الزواج لمن لم تبلغ سن الثامنة عشرة، مما أدى إلى تزايد الممارسات الضارة تجاه المرأة، وتجلى ذلك في ظاهرة “زواج القاصرات“.
مصر تطبق إعلان مابوتو دون أن توقع عليه
على الرغم من عدم تصديق الدولة المصرية على بروتوكول حقوق المرأة في أفريقيا “إعلان مابوتو“، ألا أن بنوده تتوافق إلى حد كبير مع الاستراتيجيات التي انتهجتها الدولة منذ عام 2014 والتي تتعلق بملف تمكين المرأة وحمايتها من كافة أشكال التمييز واوجه العنف المختلفة.
فعلى صعيد القوانين الداعمة للمرأة، فقد أصدر المشرع المصري القانون رقم 10/2004 لإنشاء محاكم الأسرة المختصة بنظر قضايا الأحوال الشخصية، إضافة إلى تعديل قانون الجنسية رقم 154/2004، لتمكين الأمهات المصريات من منح جنسيتهن لأطفالهن، وتعديل قانون الطفل رقم 126/2008 الذي يضمن العديد من الحقوق المتعلقة بالعقوبات في حالة عقد الزواج لمن لم تبلغ الثامنة عشرة.
ومنذ عام 2014، شهدت الدولة زخمًا قانونيًا فصدر القانون رقم 144/2020 الذي خصص للنساء ما لا يقل عن 25% من إجمالي المقاعد بمجلس النواب، أما فيما يخص الحماية فقام المشرع المصري عام 2021 بتعديل القانون رقم 78/2016 لتغليظ عقوبة ختان الإناث، إضافة إلى إصدار القانون رقم 141/2021 الخاص بتغليظ عقوبة التحرش، وكان تعديل القانون رقم 77/1943 بشأن المواريث والذي يعاقب كل من امتنع عمدًا عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعي من الميراث بمثابة إرجاع الحق المنهوب الذي عانت منه المرأة المصرية لسنوات خاصة في المناطق الريفية والصعيد بسبب العادات والتقاليد المتأصلة بعدم توريث الإناث.
وأولت الدولة المصرية أولوية قصوى للمرأة في ملف حقوق الإنسان، وبناء عليه تم إطلاق ثلاث استراتيجيات وطنية تكافح أشكال العنف والممارسات الضارة الموجهة ضد النساء هي: الاستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد المرأة، والاستراتيجية الوطنية لمكافحة ختان الإناث، والاستراتيجية الوطنية للحد من الزواج المبكر. فضلًا عن أن حقوق المرأة شغلت جانبًا كبيرًا من الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان 2021، وأدت تلك الاستراتيجيات لتحقيق المزيد من التمكين للنساء في المجالات المختلفة، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي والاجتماعي.
توقيع مصر رغم التحفظ على اتفاقية “سيداو”
يتشابه إعلان مابوتو كثيرًا مع اتفاقية سيداو التي صدقت عليها مصر. فقد وقعت الدولة المصرية على اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو) في عام 1980، وتم التصديق عليها في عام 1981، ولم يكن القبول على نحو مطلق، إذ تحفظت على أربع مواد من إجمالي ثلاثين مادة على النحو التالي:
أقرت المادة “2” من اتفاقية السيداو بأن تشجب الدول الأطراف جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وتوافق أن تنتهج بكل الوسائل المناسبة ودون إبطاء سياسة القضاء على التمييز ضد المرأة سواء بتجسيد مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الدساتير الوطنية أو بالتشريعات القانونية، وهو ما تحفظت عليه الدولة بأن “جمهورية مصر العربية على استعداد لتنفيذ ما جاء في فقرات هذه المادة بشرط ألا يتعارض ذلك مع الشريعة الإسلامية“.
ونصت المادة “9” من الاتفاقية بأن تمنح الدول الأطراف المرأة حقًا مساويًا لحق الرجل في اكتساب جنسيتها أو الاحتفاظ بها أو تغييرها، وأن تمنح الدول الأطراف المرأة حقًا مساويًا لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالها، وهو ما تحفظت عليه الدولة المصرية “بشأن منح المرأة حقوقًا متساوية لحقوق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالها، دون إخلال باكتساب الطفل المولود من زواج لجنسية أبيه، وذلك تفاديًا لاكتسابه جنسيتين اتقاء الإضرار بمستقبله، ومن الجلي أن اكتساب الطفل لجنسية أبيه هو أنسب الأوضاع له، ولا يخل بمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، إذ المألوف موافقة المرأة في حالة زواجها من أجنبي على انتساب أطفالهما لجنسية الأب”.
وتحفظت الدولة المصرية على المادة “16” المتعلقة بالزواج والعلاقات الأسرية، والتي منحت فيها المرأة حقوقًا متساوية مع الرجل فيما يخص “الحقوق المتعلقة بالزواج وفسخه، ونفس الحقوق والمسؤوليات كوالدة دون النظر إلى حالتها الزوجية، ونفس الحقوق والمسؤوليات في الولاية والقوامة والوصاية على الأطفال وتبنيهم، ونفس الحقوق فيما يتعلق بملكية وحيازة الممتلكات” وذلك لتعارض المادة مع قانون الأحوال الشخصية في مصر والذي يطبق الشريعة الاسلامية وبالتالي هناك فرق بين الرجل والمرأة في الحضانة وأيضا في الزواج من غير المسلم.
وأقرت المادة “29” بأن “يعرض للتحكيم أي خلاف ينشأ بين دولتين من الدول الأطراف حول تفسير أو تطبيق الاتفاقية، وإذا لم يتمكن الأطراف خلال ستة أشهر من الوصول إلى اتفاق على تنظيم أمر التحكيم، جاز لأي من الأطراف إحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية بطلب يقدم وفقًا للنظام الأساسي للمحكمة”. وتحفظت الدولة المصرية على هذه المادة تفاديًا للتقيد بنظام التحكيم في هذا المجال.
ينبع توقيع الدولة المصرية على اتفاقية “القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة” رغم التحفظ على بعض موادها من إيمانها القوي بأهمية حقوق المرأة، وأهمية الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق المرأة، وهو ما يطرح تساؤلًا حول مصير التوقيع على إعلان مابوتو الذي تتشابه حيثياته كثيرًا مع اتفاقية السيداو، خاصة في ظل المطالبات المتكررة من المنظمات الحقوقية المحلية والعالمية بأهمية التوقيع على هذا الإعلان، وأثر ذلك على تعزيز دور مصر في القارة الأفريقية.