تستضيف مصر في نوفمبر المقبل قمة المناخ Cop 27 والتي ستشهد مدينة شرم الشيخ انعقادها في محفل هو الأكبر من نوعه الذي تستضيفه مصر ومنطقة شمال أفريقيا منذ الاضطرابات السياسية والأمنية التي ضربت تلك المنطقة منذ ديسمبر 2010. وتعود أهمية القمة لأهمية قضية التغير المناخي والتي أصبحت أحد محددات السياسة الدولية في الوقت الحالي نظرا لما يشهده العالم من اضطرابات مناخية تؤثر على النظام الأيكولوجي في كوكب الأرض، والتي تؤثر بشكل مباشر على الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية داخل الدول، بل وأحيانا يذهب التأثير إلى مصير بعض المدن والدول نفسها والتي قد تزول بالكامل في المستقبل.
وقد أعلن الرئيس عبد الفتاح السياسي في قمة المناخ الماضية Cop 26 في جلاسكو الاسكتلاندية، أن مصر ستستضيف القمة القادمة، وهو ما أكسب القمة بعض الزخم ومعه الكثير من التساؤلات حول دلالات اختيار مصر للقمة وانعكاس نتائج القمة على الدور الإقليمي والدولي لمصر والذي تمدد في السنوات الماضية بعد فترة من التخبط والانكفاء على الداخل المضطرب.
دلالات اختيار مصر لتنظيم قمة المناخ 2022
تعتبر مصر صاحبة تجربة رائدة في الاقتصاد الأخضر والاعتماد على الطاقة النظيفة، وتسعى لتوجيه الدول المعنية بمكافحة التغير المناخي إلى العمل لصالح أفريقيا والدول النامية. تلك الريادة تنبع من الخطط التي وضعتها الحكومة المصرية والجهود المبذولة في مجال الحفاظ على البيئة وتقليل نسب الانبعاثات الضارة بها، وتتجلى تلك الخطط الطموحة في الاستراتيجية الوطنية للتغير المناخي 2050 والتي تستهدف تحقيق نمو اقتصادي مستدام، وتنمية منخفضة الانبعاثات فى مختلف القطاعات، إلى جانب بناء المرونة والقدرة على التكيف مع تغير المناخ وتخفيف الآثار السلبية المرتبطة به، فضلاً عن تحسين البنية التحتية لتمويل الانشطة المناخية، وتعزيز البحث العلمى ونقل التكنولوجيا وإدارة المعرفة.
وتتضمن الاستراتيجية الوطنية للتغير المناخي مشروع “نوفي”، وهو محور الارتباط بين مشروعات المياه والغذاء والطاقة والذي صمم بناء على الارتباط بين أمن الطاقة والمياه والغذاء، إذ أنه يوجد ارتباط وثيق بين القطاعات الثلاثة عبر السياسات المشتركة، وكذا النظم البيئية التي تعتمد عليها الموارد الطبيعية والأنشطة البشرية، وهو برنامج وطني يمثل نموذجا إقليميا فاعلا ومنهجا للتمويل الميسر للتعامل مع قضايا التكيف والتخفيف والصمود، إلى جانب وضع آلية دعم ومساعدات فنية لتأهيل المشروعات المستهدفة ورفع الكفاءة الفنية والجدوى الاقتصادية لتلك المشروعات، وإعداد خارطة لمساهمة شركاء التنمية في البرنامج. وسيكون التمويل المناخي لهذا المشروع وغيره من المشروعات الشبيهة به عاملا أساسيا لدعم وتسريع انتقال مصر والدول النامية الأخرى إلى نماذج التنمية منخفضة الكربون والمرنة والشاملة.
وتأتي الجهود المصرية بالتوازي مع جهود الدول الأفريقية في محاولاتها الجاهدة لمكافحة التغير المناخي وخاصة دول شمال أفريقيا التي فطنت لأهمية هذه القضية من خلال وضع المغرب لـ”المخطط الوطني للمناخ 2020 – 2030″، وإعداد تونس “الاستراتيجية الوطنية للتنمية ذات الانبعاثات المنخفضة والمتأقلمة مع التغيرات المناخية في أفق سنة 2050”. وهي خطط وخهود تأتي موازية مع ما تقدمه أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية من استراتيجيات لمكافحة التغير المناخي، فقد كانت قد أعلنت الولايات المتحدة عن استراتيجيتها الوطنية لمكاقحة التغير المناخي في 2015، والتي لا تقل أهمية عنها خاصة وأنها تأتي من دول نامية وهي الأكثر تأثرا من آثار التغير المناخي.
يضاف إلى تجربة مصر المحلية، الدور الأفريقي لمصر والذي دائما ما يشهد كل التأييد للقارة الأفريقية حيث أنها أكثر القارات تأثرا بالسياسات المسببة لتغير المناخ التي تتبعها الدول الكبرى، وهذه الزاوية حاضرة في رؤية مصر تجاه سياسيات تغير المناخ. وقد شهدت الأعوام الماضية مساعي مصرية لتبنى مطالب الدول الأفريقية وطرحها على مستوى دولي، بهدف توفير الدعم والتمويل اللازم لتنفيذ سياسات مواجهة التغير المناخي في تلك الدول. وهو ما لا يغيب عن خطابات الرئيس المصري في المحافل الدولية.
الآثار المتوقعة لمصر من تنظيم القمة
شهدت القمة السادسة والعشرون الماضية لغطا واسعا، واعتبرها البعض قمة غير ناجحة وذلك لتقاعس الدول الغنية عن تقديم التمويل اللازم للدول الفقيرة المعرّضة لأخطار الجفاف وارتفاع منسوب مياه البحار والحرائق والعواصف. فعلى سبيل المثال أصرتا الصين والهند على تخفيف اللهجة المتعلقة بالوقود الأحفوري في البيان الختامي للقمة، كما أن ميثاق قمة جلاسكو 26 تبنى تسريع وتيرة مكافحة الاحتباس الحراري، ولكن من دون أن يشدد على ضرورة تلبية طلبات المساعدة من الدول الفقيرة. وعارضت الصين والهند التطرق إلى أنواع الوقود الملوّثة. كما أن المفردات المستخدمة في النص النهائي كانت أقل دقة من المسودات السابقة. ودعا الاتفاق الدول كافة إلى تسريع خفض انبعاثاتها، من خلال تقديم خطط وطنيّة جديدة بحلول 2022. لكن بعد مقاومة الدول الغنية بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، حذف النص أي إشارة إلى آلية تمويل للخسائر والأضرار التي تسبّب بها تغير المناخ في العالم النامي. وبدلا من ذلك، تمّ التعهّد فقط بـ”حوار” مستقبلي حول هذا الموضوع.
ومن خلال ما سبق، تتوقف طبيعة الآثار السياسية على مصر لتنظيم القمة على قدرتها على التفاوض وإصدار بيان نهائي للقمة قوي وإيجابي يتبنى رؤية الدول النامية الأكثر تضررا من سياسات الدول الغنية الضارة بالبيئة، بل ومتابعة ما سينص عليه البيان من توصيات تدفع دول العالم المتقدم للتعويض السريع والإيجابي للدول النامية دون تخاذل كما حدث في قمة المناخ في كوبنهاجن عام 2009 والذي شهد وضع 100 مليار دولار لمساعدة الدول الفقيرة في التكيف مع تغيرات المناخ وهو الرقم الذي لم تف به الدول، فضلا عن كون قيمته اليوم أصبحت هزيلة بعد التغيرات الاقتصادية التي شهدها العقد الماضي. وبالتالي فإن مصر ستعبر عن الدول النامية وتتعاون معها أمام سياسات الدول الغنية وفي مقدمتهم الولايات المتحدة والصين واللتان لم توفيا بالتزامهما تجاه الدول النامية وتجاه مكافحة التغير المناخي باتباع سياسات بيئية من شأنها أن تحد من الانبعاثات الضارة بالبيئة، بل أنها ضربت باتفاقية المناخ عرض الحائط مثلما حدث مع الولايات المتحدة في عهد “دونالد ترامب” بالشكل الذي يعكس عدم الاكتراث بصحة الكوكب ومن عليه، في حينها.
يضاف إلى ذلك أهمية استغلال هذا الحدث وتوظيفه للدفع بأولويات القضايا المصرية، على رأسها الأمن المائي المصري وكيفية تأثير تغير المناخ عليه.
أما الآثار الاقتصادية لتنظيم القمة فتتركز في إتاحة الفرصة لإبرام شراكات، إضافة لتوفير مصادر تمويل إضافية من المنظمات الدولية لتمويل المشروعات والبرامج المناخية للتصدي لتغير المناخ في مصر. كما أنه سيساهم فى الترويج السياحي لمصر، وسيكون جاذب للاستثمارات إقليمية ودولية، كما أن المؤتمر سيعمل على الترويج للصناعة والمنتجات المصرية والحرف والصناعة التقليدية، التى ستعرض على هامش المؤتمر، وهو ما قد يزيد من نسب الصادرات.
في النهاية، يمكن القول أن تنظيم مصر لقمة بهذا الشكل هو دليل جديد على مكانة مصر الإقليمية، أفريقيا وعربيا، والدولية وأنها استطاعت أن تكسب ثقة المجتمع الدولي في تنظيم هذه القمة، كما ستثبّبت مصر ركائز دورها الدولي من خلال استغلال القمة لدعم قضاياها السياسية والاقتصادية، فضلا عن اثبات دورها في التوصل لتوصيات من شأنها دعم الدول النامية أمام الدول الغنية لتعويضها وتمكينها اقتصاديا من التكيف مع تغير المناخ.