أعلنت الحكومة في أواخر عام 2022 عن اعتزامها تنفيذ مشرع شامل لتطوير حديقة حيوان الجيزة التاريخية، وذلك بعد عقود من الإهمال شبه التام، التي تخللتها مجموعة من التطويرات المنقوصة أو الغير متناسبة مع طبيعة ذلك المتحف الحيواني الحي، والذي يعد الأقدم في افريقيا والشرق الأوسط، ولقد استهدفت الحكومة من هذا المشروع إحداث تغيرات شاملة علي تصاميم وأشكال المأوي التي توجد بها الحيوانات وفق المعايير الدولية المعمول بها، بالإضافة الي ترقية مختلف الخدمات المتوفرة بالحديقة.
ابتهج الكثير من المصريين لسماع هذا الخبر، فحالة حديقة حيوان الجيزة القائمة أصبحت متواضعة جداً، و لا تتناسب مع ابسط تعاليم الرفق بالحيوان ، ولا مع الضوابط التي نصت عليها المواثيق الدولية والمحلية في التعامل مع الحياة البرية والكائنات الحية، غير أن عدداً من الآراء المشككة في طبيعة ذلك المشروع التطويري وربما المعارضة له، سرعان ما انطلقت لتعلن عن رفضها إجراء أية تغيرات إنشائية تمس تراثية الحديقة سواء بهدم المباني العتيقة او قطع الأشجار النادرة، فضلاً عن رفضها اجراء اية تعديلات إدارية تضع حديقة الحيوان بين يدي جهة استثمارية قد تحرم المواطنين البسطاء من نزهتهم الأكثر شعبية على الاطلاق.
ظهور الآراء المعارضة لمشروع تطوير حديقة حيوان الجيزة يشير إلى وجود عدد من التساؤلات الغير المجاب عنها، فمثلاً ما هي المعايير التي على أساسها يتم بناء أو تطوير حدائق الحيوان في عالمنا اليوم؟، ولماذا تري الحكومة المصرية ضرورة في تطوير حديقة الحيوان، بدلاً من تركها علي وضعها القائم؟، وهل ستتناسب الخطة الموضوعة لتطوير الحديقة مع مختلف المواثيق الدولية والمحلية المهتمة براعية وصيانة الحياة البرية؟، وأخيرا، كيف يمكن لأجهزة الحكومة المصرية أن توصل للرأي العام كافة الحقائق والمعلومات المتعلقة بمشروع تطوير حديقة حيوان الجيزة التاريخية.
تطور متصاعد
بدأت حدائق الحيوان بمفهومها الحديث في الظهور والانتشار في أوروبا خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حيث كانت السلطات المحلية بدول القارة الاوروبية تقوم ببناء تلك الحدائق علي اطراف العواصم والمدن الكبرى، لعرض نماذج من الكائنات الحية المجلوبة من شتي بقاع الكرة الارضية، وذلك الي جانب المئات من أنواع الأشجار والنباتات التي تنتمي لمختلف القارات، وكانت الغاية الأساسية من دمج الاقفاص الحيوانية مع النباتات في موقع واحد هو توفير تجربة تثقيفية وترفيهية مميزة لمختلف الزائرين، مما يساهم في رفع وعيهم عن الحياة البرية بشكل عام، ويسمح لهم ايضا بالاستمتاع ببيئة شبه طبيعية، تختلف في مظهرها عن المجتمعات الحضرية بكل ما فيها من تلوث وضوضاء.
اخذت النظرة التقليدية عن حدائق الحيوان في التغير والتطور مع مرور العقود، فلم يعد امتاع الزائرين بمشاهدة أنواع الحيوانات النادرة والغريبة هو الهدف الأوحد لها، لكنها تحولت -رويداً رويداً- الي مراكز لحماية ورعاية واكثار كائنات الحياة البرية بوجه عام، وقد ساعدها في ذلك ما اطلقته المؤسسات الدولية المهتمة بقضايا الحياة البرية من مواثيق واستراتيجيات، وعلي رأسها المنظمة الدولية لحدائق الحيوان وحدائق الأحياء المائية
World Association of Zoos and Aquariums (WAZA)،
التي تعتبر اهم وأقدم مؤسسة دولية هادفة لتطوير عمل حدائق الحيوان علي مستوي العالمي، حيث أصدرت تلك المنظمة في عام 1993 اول استراتيجية متعلقة بدور ومهام حدائق الحيوان في الحفاظ علي مختلف الكائنات علي مستوي العالم، والتي عرفت حينها باسم The World Zoo Conservation Strategy.
ولقد شهدت تلك الاستراتيجية عدداً من التحديثات خلال الفترات اللاحقة وحتي عام 2015 ، بهدف تحفيز المزيد من حدائق الحيوان العالمية للاعتماد عليها كمرجع أساسي في إطار عمليات رعاية الحيوان، فقد شهد هذا العام المشار اليه -2015- اطلاق اخر تحديث من تلك الاستراتيجية تحت اسم استراتيجية رعاية الحيوانات بحدائق الحيوان وحدائق الاحياء المائيةThe world zoo and aquarium animal welfare strategy ، والتي انقسمت الي تسعة محاور أساسية تركز جميعها علي ضمان وجود البيئة الصحية للحيوان علي المستويين الجسدي والنفسي، علاوة علي رسم الخطوط العريضة لعملية تنمية واكثار اعداد الحيوانات خاصة النادرة منها أو المهددة بالانقراض في البيئة البرية، واخيراً ايضاح كيفية خلق حالة من التفاعل الإيجابي بين زوار حدائق الحيوان وبين الحيوانات المودعة بداخلها -انظر الجدول التالي رقم 1-.
جدول رقم 1: الأهداف التي بنيت عليها محاور استراتيجية رعاية الحيوانات بحدائق الحيوان وحدائق الاحياء المائية

المصدر: إعداد الباحث اعتماداً على استراتيجية رعاية الحيوانات بحدائق الحيوان وحدائق الاحياء المائية لعام 2015، WAZA.
حدائق تاريخية مُدرجة
على الرغم من وجود الألاف من حدائق الحيوان وحدائق الاحياء المائية في العالم، إلا أن 286 حديقة فقط من بينهم هم المدرجون علي قائمة المنظمة الدولية لحدائق الحيوان وحدائق الأحياء المائيةWorld Association of Zoos and Aquariums، حيث تحرص تلك الحدائق على تطبيق كافة الاشتراطات الإنشائية والتشغيلية التي تضعها المنظمة ضمن استراتيجياتها المنشورة أو تقاريرها الإرشادية الدورية، وتقع أكثرية تلك الحدائق المعتمدة داخل قارة أوروبا بنسبة 46.5%، تليها قارة أمريكا الشمالية بنسبة 29%، أما باقي القارات فلا تمثل نسبة الحدائق المعتمدة بها أكثر من 25% – انظر الشكل التالي رقم 2-.

المصدر: حصر الباحث اعتمادا على البيانات المنشورة على موقع المنظمة الدولية لحدائق الحيوان وحدائق الأحياء المائية.
من بين الحدائق المعتمدة من جانب المنظمة الدولية لحدائق الحيوان وحدائق الأحياء المائية WAZA، يوجد 127 حديقة حيوان تاريخية حول العالم ، وهو ما يمثل 44% من اجمالي الحدائق المدرجة عالمياً – انظر الشكل رقم 3-، فقد تمكنت تلك الحدائق من دمج تاريخها الطويل وبنيتها التحتية التراثية مع المعايير المتطورة والحديثة لعمل حدائق الحيوان، وهو ما ساعدها وفق راي المنظمة على التحول من حدائق حيوان تقليدية هدفها عرض الكائنات الحية امام الزائرين، الي مراكز علمية وتثقيفية تهتم برعاية وصيانة الحياة البرية.

المصدر: حصر الباحث اعتماداً على قائمة حدائق الحيوان الصادرة عن منظمة WAZA، بالإضافة للمعلومات المنشورة عبر شبكة الأنترنت حول كل حديقة.
نموذج دولي
ونجد مثالاً لتلك الحدائق التاريخية الناجحة في حديقة حيوان برلين التي تعتبر الاقدم في المانيا، حيث بنيت تلك الحديقة عام 1844 على مساحة 86 فدانا في القسم الغربي من المدينة تحت اسم Zoologischer Garten Berlin، ولقد كانت من الحدائق السباقة عالمياً في عملية الدمج بين استخدام الاقفاص المغلقة Grids والمآوي المفتوحة Open-air grounds، وذلك بهدف توفير المساحات المناسبة لكل حيوان علي حسب حجمه وطبيعته ، وهو ما يعطيه الشعور بالوجود في بيئة أقرب لبيئته البرية.
كما قامت الحديقة علي مدار العقود الماضية بتنفيذ مجهودات متعاقبة هدفها تطوير مساحاتها وتصميماتها الداخلية وذلك لاستيعاب اكبر عدد ممكن من أنواع الكائنات الحية، وهو ما ساهم في امتلاكها حالياً لأكثر من 20 الف حيوان منتمين الي 1,200 فصيلة حيوانية، لكن مجهودات التطوير تلك لم تهمل المحافظة علي العديد من المباني التراثية دخل الحديقة والتي نجت من الدمار الكبير الذي خلفته الحرب العالمية الثانية، ومنها مثالاً بيت الزراف ذي الطراز المغولي، والذي لا يزال قائما علي حاله منذ عام 1872، وحوض الكائنات البحرية الذي بني عام 1913، فيما حرصت إدارة الحديقة علي إعادة بناء بعض معالم الحديقة الأخرى التي دمرتها العمليات العسكرية، ومنها البوابة الرئيسية التي تتوسطها تماثيل الفيلة الشهيرة والتي شُيدت أصلا في عام 1899- انظر الصورة التالية رقم 4-.
صورة رقم 4: البوابة الرئيسية لحديقة حيوان برلين

المصدر: الموقع الرسمي للترويج للسياحة في برلين “welcome-to-berlin”
أولت حديقة حيوان برلين ايضاً أهمية كبيرة لعملية تطوير خدماتها المقدمة للزائرين، وذلك لتوفير أفضل التجارب الترفيهية والتعليمية لمرتاديها علي اختلاف فئاتهم العمرية، لذلك تنظم الحديقة جولات يومية مدفوعة يديرها مرشد سياحي بيئي متخصص، كما تنسق ورش عمل صيفية لمحبي التقاط صور الحياة البرية ومسابقات دورية للمهتمين باستكشاف العلوم الحيوانية والبيئية، كما تعقد الحديقة العشرات من الأنشطة والألعاب التفاعلية المفيدة لتوسعة مدارك الأطفال، ومنها دخول الحديقة المصغرة لحيوانات البيئة الريفية الألمانية المسماة Streichelzoo والتفاعل المباشر مع الكائنات بداخلها كالماعز والخراف والارانب، بالإضافة الي السماح بإطعام تسعة أنواع من الحيوانات البرية كالفقمة والشمبانزي والباندا، وذلك خلال توقيتات محددة من اليوم وتحت اشراف صارم من مسؤولي الحديقة، فضلاً عن تنظيم زيارات أسبوعية مسائية بهدف اكتشاف اسرار الكائنات البحرية داخل حوض الكائنات البحرية التاريخي.
ولا تقف أنشطة الحديقة عند هذا الحد، حيث تقوم بتنظيم زيارات تفاعلية خاصة تتناسب مع قدرات المكفوفين، كما توفر العديد من التجهيزات والمرافق التي تسهل تجوال ذوي الهمم، وتسمح الحديقة عادة بإقامة المناسبات والحفلات الخاصة داخلها خلال الفترتين النهارية والمسائية، علاوة على توفيرها لخدمات متنوعة في مجال الأغذية والمشروبات بداية من المطاعم الراقية Fine dinning مروراً بالمطبخ الألماني التقليدي وصولاً الي أكشاك الوجبات السريعة. ولقد ساعدت كل تلك المجهودات السابق الإشارة اليها في رفع اعداد زائري الحديقة خلال عام 2019 الماضي الي ما يزيد علي 3.7 مليون –انظر الشكل التالي رقم 5-، بالإضافة الي مساهمتها في وضع حديقة حيوان برلين على قائمة المزارات المفضلة لدي السائحين المحليين والدوليين.

المصدر: حصر الباحث اعتمادا على تقارير مختلفة صادرة عن حديقة حيوان برلين.
حققت حديقة حيوان برلين العديد من النجاحات علي المستوي الخارجي اسوة بنجاحاتها الداخلية، فلقد كانت من أوائل الحدائق العالمية التي أهتمت بحماية وإكثار الكائنات الحية النادرة والمهددة بالانقراض، وكانت اولي مشروعاتها في هذا الصدد خلال سبعينات القرن الماضي هي اكثار وحيد القرن الاسود Black rhinoceros، والحصان من نوع برزوالسكي Przewalski، ولقد استمر هذا الجهد في التصاعد الي ان أصبحت الحديقة مسؤولة عن رعاية واكثار 35 نوعا من الحيوانات النادرة حول العالم، بالإضافة الي رعاية الحياة البرية داخل غابيتين طبيعيتين اولاهما غابة كريندي Kirindy forest بمدغشقر, والتي تضم 269 نوع من الكائنات الحية، وثانيهما حديقة وادي اودير المنخفض Lower Oder Valley National Park الواقع علي الحدود الالمانية البولندية والتي تضم 66 نوعا من الكائنات.
عراقة يهددها الإهمال
كانت حديقة حيوان الجيزة في الأساس جزءا من حدائق سراي الجيزة التي انشأها الخديو إسماعيل خلال الفترة من 1868 الي 1875، وتُرجح الوثائق التاريخية ان الخديو كان اول من فكر في استغلال الجزء الجنوبي من تلك الحدائق والتي عُرفت في حينها باسم حديقة الحرملِك لإنشاء حديقة حيوانية علي الطراز الأوروبي الحديث، لكن الظروف الاقتصادية والسياسية المتعاقبة التي شهدتها الدولة المصرية أواخر عهد الخديو إسماعيل كانت سبباً في عرقلة هذا المشروع، والذي لم يُستكمل إلا في عهد الخديو توفيق، حيث قام هذا الأخير بافتتاح الحديقة عام 1891 تحت اسم “جوهرة التاج لحدائق الحيوان في أفريقيا”، وسمح للمواطنين بزيارتها مع بداية القرين العشرين، وذلك بعد أن كانت زيارتها مقتصرة علي افراد الاسرة الحاكمة فقط، أو للمقربين لهم من أبناء الطبقات الارستقراطية.
شهدت منطقة حديقة حيوان الجيزة على مدار تاريخها الطويل العديد من التطويرات التي اكسبتها رونقا وعراقة، فلقد اضيف اليها حينما كانت جزء من حدائق سراي الجيزة عدد من المواقع التراثية الباقية الي الان مثل جبلاية القلعة 1867، والكوبري المعدني المعلق 1879 وهو من تصميم المهندس الفرنسي الشهير غوستاف ايفل، كما اضيف اليها عدد أخر من المنشآت التراثية خلال الفترة من 1891 الي 1949 – انظر الجدو التالي رقم 6-. ولقد احيطت تلك المناطق التراثية بعدد من البحيرات الصناعية، التي تعلوها كباري العبور الصغيرة، بالإضافة الي ما يزيد علي 50 ممراً وممشي مصنوع من الزلط الملون، فضلاً عن مجموعة من الاكشاك والبرجولات المصنوعة من الخشب أو المعدن.
جدول رقم6: أهم المنشآت التراثية التي بنيت بحديقة حيوان الجيزة بعد افتتاحها خلال الفترة من 1891 الي 1949

المصدر: الخريطة الرقيمة لحديقة حيوان الجيزة، مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي، مكتبة الإسكندرية، 2019.
ولقد كان ملاحظاً أن تلك المنشئات التراثية تتشابه الي حد بعيد مع ما تتملكه حديقة حيوان برلين، خاصة اقفاص ومآوي الحيوانات، لكن الفارق بين الحديقتين يكمن في قيام حديقة برلين بإعادة هندسة تصميمات تلك المآوي، كي تتناسب مع احتياجات الحيوانات، خاصة القادمة من بيئات جغرافية مغايرة، ومثال لها بركة فرس النهر التي تمت تغطيتها بسقف زجاجي ضخم مساحته 1,000 متر مربع كي يحفظ الحرارة الدافئة التي تتساوي مع الحرارة الاستوائية، كما تم إضافة حواجز زجاجية سميكة علي جوانب البركة كي تتيح للزوار مراقبة نشاط فرس النهر تحت المياه.
أشارت المعلومات الإحصائية الصادرة عن حديقة حيوان الجيزة حتى عام 2019 ، الي احتضان الحديقة البالغ مساحتها أكثر من 80 فدانا لقرابة ثلاثمائة نوع مختلف من النباتات والمزروعات، بينها أربعون نوعاً من الأشجار التي يوصف أغلبها بالضخامة وطول العمر الزمني حيث ترجع اصولها الي حديقة الحرملِك التي كانت موجودة قبل افتتاح حديقة الحيوان، فيما يوصف البعض الاخر بالندرة علي المستويين المحلي والدولي، كما تمتلك الحديقة سبعين فصيلاً من الحيوانات، وتسعة وعشرين فصيلا من الزواحف والبرمائيات، واثنين وخمسين فصيلا من الطيور، هذا ما يجعل حديقة الحيوان بالجيزة واحدة من أغنى المواقع التراثية والطبيعية في مصر.
لكن الحالة القائمة لحديقة الحيوان لا تساعد على استفادة واستمتاع الزائرين بتجربة تثقيفية وترفيهية مميزة كما بالعديد من حدائق الحيوان التاريخية العالمية العريقة، فلقد عانت الحديقة على مدار العقود الماضية من حالة اهمال كان سببها محدودية قدرات الدولة الاقتصادية، فضلاً عن بطء الجهات المختصة آنذاك في تنفيذ مشروعات التطوير الدورية التي تساهم في تحديث الحديقة والارتقاء بمستواها الظاهري والفني.
أدي هذا الي انحدار مستوي الخدمات المقدمة للجمهور، مثل المطاعم واكشاك بيع الطعام والمشروبات ودورات المياه والمقاعد والطاولات وغيرها، كما ساهم هذا التأخر التطويري في الإضرار بالحيوانات ذاتها، حيث اضطر مسؤولي الحديقة لوضع عدد من الحيوانات الكبيرة في أقفاص فردية وصغيرة، وذلك علي الرغم من اشتهار تلك الحيوانات بحبها للحياة الاجتماعية والوجود في قطيع، ونجد من الأمثلة في هذا الصدد الأسود التي تظهر عليها علامات العزلة و التوتر – أنظر الفيديو التالي رقم 7- .
فيديو رقم 7: مجموعة من الأسود وتبدو عليها علامات العزلة والتوتر
المصدر: زيارة ميدانية لحديقة حيوان الجيزة، نفذها الباحث بتاريخ 12 فبراير 2023
فيما عانت اغلب الحيوانات من وجودها بأقفاص غير مجهزة بمختلف الاحتياجات والتصميمات التي تحاكي بيئتها الطبيعية، هذا ما ادي الي نفوق اعداد منها من قبل، ومثال لها الزرافات الثمانية التي نفقت بحلول عام 2006 نتيجة لعدم وجود مآوي مجهزة بأنظمة تدفئة تساعد هذه الكائنات القادمة من بيئات مدارية حارة على مقاومة انخفاض درجات الحرارة خلال فصل الشتاء، وعاد الامر ليتكرر من جديد في ديسمبر عام 2020، حينما مات ذكر الزراف الجديد الذي لم يمض على وصوله من جنوب افريقيا أكثر من أسبوع واحد فقط.
كما ساهم التراخي الإداري وعدم وجود قواعد مُنظِمة لإطعام الحيوان، في ظهور سلوكيات غير مقبولة في مجال عمل حدائق الحيوان من قبل بعض موظفي الحديقة، حيث استغل حراس الاقفاص عدم وضوح تلك القواعد الإدارية لتحقيق المكاسب الشخصية، حيث يقوم هؤلاء الحراس بتوزيع قطع الطعام المخصصة للحيوانات علي الزوار بمقابل مادي، حتي يقوم هؤلاء الزوار بإطعام الحيوان بأنفسهم، متجاهلين حقوق الحيوان التي نصت عليها المواثيق الدولية في الحصول على حصص يومية كافية من الطعام، ليساهم هذا السلوك المعيب في تجويع الحيوانات، فضلاً عن الإضرار بحالتها النفسية نتيجة للتصارع والتكالب فيما بينها علي الطعام – انظر الصورة التالية رقم 8-.
صورة رقم 8: مجموعة من حيوانات الراكون وهي تتكالب للحصول على قطع الخضروات

المصدر: زيارة ميدانية لحديقة حيوان الجيزة، نفذها الباحث بتاريخ 12 فبراير 2023
ويعتبر التهاون مع السلوكيات الخاطئة الصادرة من عدد من الزوار الغير ملتزمين، أحد أسباب تراجع مكانة حديقة حيوان الجيزة، حيث يقوم هؤلاء الزوار بإيذاء الحيوانات بصور شتي مثل التخويف من خلال إصدار أصوات مزعجة أو القاء أشياء على الحيوان مثل الحجارة والحصي، وقيام هؤلاء الزوار بإطعام الحيوانات مأكولات لا تتناسب مع النظام الغذائي الموضوع للحيوان من قبل الأخصائيين البيطريين، بالإضافة الي احداث ضوضاء شديدة وشغب بمختلف انحاء الحديقة كنوع من المرح أو الدعابة، فضلاً عن تراجع مستوي النظافة العام للحديقة بسبب ألقاء المخلفات والقمامة علي المسطحات الخضراء وبممرات المشاة وحتي داخل اقفاص الحيوانات.
ولقد تسبب مجموع ما عانته حديقة حيوان الجيزة – ولازالت تعانيه – من عيوب في خروج الحديقة من قائمة حدائق الحيوانات التابعة للمنظمة الدولية لحدائق الحيوان وحدائق الأحياء المائية WAZA بشكل نهائي في عام 2004، وهو ما حرمها من عشرات الفرص التي يوفرها التواجد ضمن تلك القائمة، مثل إمكانية تبادل المعلومات والخبرات وتعزيز أواصر التعاون مع حدائق الحيوان الكبرى علي مستوي العالم، والحصول علي الدعم المالي والفني اللازمين لتنفيذ العديد من برامج صيانة ورعاية الحياة البرية، ولا يمكن باي حال من الأحوال أن تعود حديقة حيوان الجيزة الي تلك القائمة، إلا بعد تنفيذ تطويرات شاملة على مرافقها ومنشأتها، ليرتقي مستواها الفني والإداري الي المعايير التي تضعها المنظمة.
خطط طموحة
نشرت الهيئة العامة للاستعلامات في يوم 21 نوفمبر 2021، خبرا حول استعراض رئيس مجلس الوزراء المصري للتصور المبدئي المقترح حول مشروع تطوير حديقة حيوان الجيزة، وذلك بحضور ووزيري الزراعة والإنتاج الحربي ولقد أشارت الانباء التي أعقبت هذا الاجتماع الي أهم المحاور العامة التي شملها هذا التصور وهي:
- تحويل حديقة الحيوان بالجيزة إلى حديقة حيوانية رائدة في المنطقة
- تطوير وتحديث الحديقة بشكل كلي
- ترميم وإعادة توظيف المباني ذات الأهمية الأثرية والتاريخية
- تقديم أنواع جديدة ومثيرة من الحيوانات
- تدريب وتطوير طاقم الكوادر البشرية بالحديقة
ولقد أوضح المتحدث الرسمي لرئاسة مجلس الوزراء في تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط بهذا الصدد ” أن رؤية التطوير تستهدف عودة حديقة الحيوان بالجيزة لتقديم تجربة ترفيهية عالمية المستوى تليق باسم مصر، وبما يحقق أيضاً الحفاظ على القيمة الفنية والأثرية للحديقة، لاسيما في ظل اعتبار هذه الحديقة تحديداً جزءاً من موروثنا الترفيهي على مدار أجيال”.
كما تمت الإشارة الي وجود نوايا لتحديث المناخات الحاضنة للحيوانات من مآوي وحظائر، بالإضافة الي توفير خدمات طبية بيطرية عالية المستوى لضمان صحة الحيوانات، فضلاً عن تدشين وحدة متخصصة في الأعمال الزراعية مهمتها الإشراف على المزروعات والنباتات داخل الحديقة، واخيراً تنفيذ مسارات مشاة جديدة وأماكن ترفيهية ومطاعم وفندق وذلك لضمان تجربة ترفيهية متكاملة للزائرين.
تناولت وسائل الإعلام المحلية خلال الشهور التالية لهذا الاجتماع مجموعة من الأخبار المتفرقة، التي تفيد بإجراء مقابلات بين المسؤولين في وزارتي الزراعة والإنتاج الحربي، وذلك للتباحث حول الخطة الجاري إعدادها بهدف تطوير حديقة الحيوان، وكان من بينها اجتماع يوم 10 فبراير 2022 بين وزيري الزراعة والإنتاج الحربي، لكن الاخبار الواردة لم توضح أي معلومات تفصيلية عن طبيعة التصور النهائي لهذا المشروع، وهو ما دفع بعدد من الإعلامين وأعضاء البرلمان للمطالبة بنشر الخطة الكاملة لتطوير حديقة حيوان الجيزة.
ختماً، يمكننا الإيجاز بأن مشروع تطوير حديقة حيوان الجيزة هو واحد من أهم المشروعات القومية التي تهدف الي تطوير ملف الخدمات الترفيهية المتوفرة للمواطنين، كما سيكون له أثره الواضح علي مجهودات صيانة ورعاية الحياة البرية في مصر، فضلاً عن دوره في الحفاظ على التراث الاثري الفريد الذي تضمه جنبات تلك الحديقة العريقة، وأيضاً حماية الغطاء النباتي والشجري النادر والذي يصعب تعويضه على المستويين الإقليمي والعالمي، لذلك لابد من الإسراع باستكمال هذا المشروع الهام، وقد يكون من المفيد أن تقوم الحكومة المصرية بدعوة المؤسسات العالمية المختصة، مثل المنظمة الدولية لحدائق الحيوان وحدائق الأحياء المائية WAZA، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة UNESCO للاستفادة من خبرتهم في عملية تطوير هذه الحديقة البيئية والتراثية التي ليس لها مثيل عالمي.
قائمة المراجع المستخدمة:
المراجع العربية:
- الخريطة الرقيمة لحديقة حيوان الجيزة، مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي، مكتبة الإسكندرية، أخر تحديث 2019.
https://giza-zoo.cultnat.org/index
- معايير رصد وتسجيل الحدائق التاريخية في مصر، مجلة البحوث الحضرية، المجلد 33، يوليو 2019، كلية التخطيط الإقليمي والعمراني، جامعة القاهرة.
https://jur.journals.ekb.eg/article_86910_764e1249ce94cc0da2004ede448e7b90.pdf
- معلومة عن الاستراحة الملكية “استراحة الوزير” منشورة على الصفحة الرسمية لمركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي، مكتبة الإسكندرية، منشورة علي موقع التواصل الاجتماعي Facebook بتاريخ 11 يونيو 2020.
https://www.facebook.com/CULTNAT/photos/a.306598898726/10157534045563727/?type=3
- معلومة عن البيت الحكومي ” إدارة الحديقة ” منشورة على الصفحة الرسمية لمركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي، مكتبة الإسكندرية، منشورة على موقع التواصل الاجتماعي Facebook بتاريخ 18 يونيو 2020.
- خبر بعنوان “الزراعة تحقق في أسباب نفوق إحدى الزرافات القادمة من جنوب أفريقيا”، الموقع الإلكتروني لجريدة المال، 31 ديسمبر 2020.
- خبر بعنوان ” رئيس الوزراء يستعرض مخطط مشروع تطوير حديقتي الحيوان والأورمان “، 21 نوفمبر 2021، الموقع الرسمي للهيئة العامة للاستعلامات.
- خبر بعنوان ” رئيس الوزراء يستعرض مخطط مشروع تطوير حديقتي الحيوان والأورمان بالجيزة “، 21 نوفمبر 2021، الموقع الرسمي لوكالة انباء الشرق الأوسط. https://mena.org.eg/ar/news/dbcall/table/textnews/id/9280862
- خبر بعنوان ” وزيرا الزراعة والإنتاج الحربي يبحثان مستجدات مشروع تطوير حديقتيّ “الحيوان” و”الأورمان” “، 10 فبراير 2022، الموقع الرسمي لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي.
- خبر بعنوان ” تعرف على مشروع تطوير حديقتي الحيوان والأورمان بالجيزة “، 21 نوفمبر 2021، الموقع الرسمي لجريدة الأهرام.
https://gate.ahram.org.eg/News/3143395.aspx
المراجع الأجنبية:
- World Zoo and Aquarium Animal Welfare Strategy 2015, World Association of Zoos and Aquariums WAZA.
https://www.waza.org/wp-content/uploads/2019/03/WAZA-Animal-Welfare-Strategy-2015_Portrait.pdf
- Guidelines for Animal – Visitor Interactions, April 2020, World Association of Zoos and Aquariums.
https://www.waza.org/wp-content/uploads/2020/05/ENG_WAZA-Guidelines-for-AVI_FINAL_-April-2020.pdf
- WAZA fact sheet, publishing date not mentioned, official website of The Agreement on the Conservation of African-Eurasian Migratory Waterbirds (AEWA).
https://www.unep-aewa.org/sites/default/files/document/waza_fact_sheet.pdf
- The World Zoo Conservation Strategy 1993, Executive Summary, IUDZG—The World Zoo Organization “ The former name of World Association of Zoos and Aquariums”.
https://portals.iucn.org/library/sites/library/files/documents/1993-033_Ex_Sum.pdf
- WAZA Annual Report 2021.
https://www.waza.org/wp-content/uploads/2022/10/Annual-report-2021_digital.pdf
- Zoo Berlin published data, the official website. https://www.zoo-berlin.de/
- Geschäftsbericht 2016, Zoologischer Garten Berlin AG.
- Press release, 2015, Zoologischer Garten Berlin AG.
https://www.tierpark-berlin.de/fileadmin/user_upload/old_news/press_release_visitor_record.docx.pdf
باحث أول ببرنامج السياسات العامة













