استقبل المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، يوم الأحد 28 مايو 2023، سماحة السيد عمار الحكيم، رئيس تيار الحكمة العراقي، والوفد المرافق لسماحته، حيث كان في مقدمة مستقبلي سماحته الدكتور خالد عكاشة المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية والذي اصطحبه في جولة تفقدية بمقر المركز للتعرف على أقسام ووحدات المركز المختلفة وإنتاجه البحثي في مختلف المجالات.
وشهدت الزيارة عقد جلسة مغلقة بحضور الدكتور خالد عكاشة مدير المركز، وعدد من السادة أعضاء الهيئة الاستشارية هم؛ الدكتور عبد المنعم سعيد رئيس الهيئة الاستشارية، واللواء محمد إبراهيم نائب مدير المركز، والدكتور محمد مجاهد الزيات عضو الهيئة الاستشارية، والدكتور حسن أبو طالب عضو الهيئة الاستشارية، والدكتور محمد كمال مدير برنامج العلاقات الدولية وعضو الهيئة الاستشارية، والدكتورة دلال محمود مديرة برنامج الأمن والدفاع، والدكتور صبحي عسيلة مدير وحدة الرأي العام بالمركز، والأستاذ محمد مرعي مدير المرصد المصري.
وقد شهدت الجلسة المغلقة ترحيبًا من جانب المركز بسماحته، والتأكيد على أهمية دوره كفاعل في الساحة السياسية العراقية، والتشديد على حجم الروابط التاريخية المشتركة بين الشعبين المصري والعراقي. وفي ختام الجلسة قدم الدكتور خالد عكاشة درع المركز وعدد من الهدايا التذكارية لسماحته.
أعقب ذلك إلقاء سماحة السيد عمار الحكيم محاضرة نقاشية مفتوحة على خبراء وباحثي المركز المصري بحضور وسائل الإعلام تحت عنوان: “رؤية لآفاق التعاون العربي في ضوء التطورات الإقليمية والعالمية الراهنة”.
استهل الدكتور خالد عكاشة المحاضرة بالترحيب بسماحة السيد عمار الحكيم القامة العراقية الوطنية والعربية المرموقة، مؤكدًا على أهمية الزيارة على مستوى تبادل الرؤى والأفكار بين سماحته وخبراء وباحثي المركز المصري، ومشيرًا إلى أنها تأتي بينما تمر المنطقة العربية والإقليم بالعديد من التفاعلات والمتغيرات الفارقة، كما أنها تأتي بعد أيام من انعقاد القمة العربية في جدة بالمملكة العربية السعودية والتي كان عنوانها قدر أكبر من التعاون والشراكات، وشدد عكاشة على خصوصية العلاقات المصرية العراقية.
ومن جهته، أكد سماحة السيد عمار الحكيم على أن العلاقات المصرية العراقية لها أبعاد حضارية وتاريخية، ومترابطة على كافة المستويات. فالعراق أصابه ما أصابه من تحديات في الخمس عقود الماضية، وكذا ما مرت به مصر من تحديات في وقت سابق، ومع ذلك ظل البلدان دعامتان للأمة العربية.
وأوضح سماحته أنه خلال لقائه مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، أكد “أن العراق هو درع الأمة يقع في أقصى الشرق، ومصر هي رمح الأمة، والدرع والرمح يتكاملان في المكتسبات وفي ترسيخ وتعزيز المصالح المشتركة”.
وأكد سماحته أن الأمة العربية تمر بظروف صعبة، وأن العراق كان له القسط الأوفر في هذا الانهيار البنيوي الذي طال هذه الأمة، حيث مرت الدولة العراقية بالعديد من الأخطار بدءً من الأخطار الأمنية التي كان داعش أقصى صورها، إلى الواقع المجتمعي والاشتباك الذي حدث بين مكونات مذهبية وقومية ومناطقية ودينية. وكذلك انتقل على المستوى السياسي، من بلد شديد المركزية إلى حد الانفتاح، بل والانفلات في بعض الأحيان. وشدد على أنه في سبيل استقرار الأمور تم خوض الكثير من الإشكاليات والتقاطعات السياسية، فحينما ينمو الوضع السياسي على أعتاب اختلافات مذهبية وطائفية يزداد التعقيد. وفي تقدير سماحته أن الاشتباك القائم في العراق لم يكن طائفيًا مجتمعيًا وإنما كان طائفيًا سياسيًا، حيث رغبة قوى سياسية أن تكون خلف هذه الطائفة أو هذه القومية للحصول على الصوت ولكن دفع الشعب الضريبة والانقسام الحادث بالمجتمع.
وأوضح سماحته أن الوضع الاقتصادي في ظل الارتفاع والانخفاض في أسعار النفط، والانكماش الاقتصادي العالمي، كان له انعكاسات مع استنزافات كبيرة في الحرب على داعش، وأُضيف ذلك إلى تراكم كبير من الماضي وحجم الخراب والدمار والإهمال في البنية التحتية، وكان على العراقيين أن يجدوا الحلول بأنفسهم، حيث إن الحلول المستوردة مهما تبدو مفيدة في لحظة ما، فإنها تقدم الحلول بما ينسجم مع مصالحها، لذا وصل العراقيون إلى استنتاج أنه لا حل إلا أن يجلسوا هم مع أنفسهم وأن ينفتحوا مع الآخرين ويتبادلون المصالح مع المنطقة والعالم، وكانت البداية من ترتيب البيت الداخلي، وقد بُذلت جهود كبيرة في هذا الشأن.
وشدد سماحته على أن عراق 2023 يختلف جوهريًا عن عراق 2003، فكل ما واجهه العراق من إشكاليات وتحديات استطاعت أن تُزيد من مناعة ووعي الشعب العراقي، وتُشعرهم بأنه ليس لديهم إلا بعضهم، وأن الصراع داخل البيت الواحد ليس به رابح أو خاسر وإنما الخسارة للجميع، ولا بد من التنازل لبعضهم البعض لتحقيق الربح للجميع.
ولفت سماحته إلى أن الوضع الأمني اليوم في العراق مثل باقي الدول العربية والإسلامية مستقر وطبيعي، وفارقت الذاكرة تماما تلك الظروف الأمنية التي مرت بها البلاد سابقًا. وعلى المستوى الاجتماعي، هناك تعايش وتقارب بالمجتمع وصولًا إلى الوعي الشعبي أن الطائفية ليست مصلحة اجتماعية إنما سياسية، ومن يتحدث بها له أجندة سياسية وليست مجتمعية، وبات من يتحدث بهذه النبرة منبوذ من المجتمع ويضعون عليه علامات استفهام. أما على المستوى السياسي، فبعد الكثير من المحاولات تم تشكيل ائتلاف حاكم، وهو ائتلاف “إدارة الدولة”، يمثل أكثر من أربع أخماس أعضاء مجلس النواب وبه كل القوى الأساسية المشاركة بمجلس النواب العراقي، وهو أول ائتلاف حاكم من كل الطوائف.
وأضاف سماحته أنه خلال الوقت الراهن، ليست الأولوية سياسية أو أمنية أو اجتماعية، وإنما أصبحت الأولوية الحالية لرئيس الوزراء “محمد شياع السوداني” أولوية اقتصادية بالأساس؛ فالآمال معقودة عليه بالنظر إلى خلفيته العملية الإدارية واشتباكه مع كافة الملفات والمحطات خلال مسيرته السابقة، فضلًا عن اتسامه بالنزاهة والكفاءة في كل المواقع التي شغلها. موضحًا أن ما يجري في العراق اليوم من ترجل رئيس وزراء سابق لاستقبال رئيس الوزراء الجديد وأن يسلمه مفاتيح القصر الحكومي، ويعود ليكون لاعبًا سياسيًا في المعادلة السياسية العراقية، ظاهرة سياسية يعتز بها العراقيون ولم تكون موجودة قبل 2003، وهذا أمر يُعتبر إنجاز مهم. مؤكدًا أن هذه التطورات وإن جاءت بطيئة وتدريجية ولكنها استراتيجية ونوعية في الاتجاه الصحيح.
وأوضح سماحته أن التجربة العراقية قياسًا بنظيراتها، وفي ظل حجم التنوع العراقي، والموقع الاستراتيجي والجيوسياسي للعراق، والبعد الحضاري والتاريخي، وحجم الثروات والإمكانات، وحجم التدافع الإقليمي والدولي على الساحة العراقية، لا تقاس بالأزمات التي تتعرض له دول بالمنطقة (كليبيا او السودان)، وإنما بالنظر إلى حجم التحديات المحيطة بالعراق، كان من المفترض أن تكون التعقيدات أكبر في هذا البلد، وإنما بفضل الله، استطاع العراق أن يخرج من الدائرة المفرغة، وأن يبدأ بالتراكم الإيجابي، ويُمكن القول إن العراق بدأ يسلك المسار الصحيح ويخرج من عنق الزجاجة.
لكن حذر سماحته في الوقت نفسه من أن هذا الاستقرار اللحظي، يمكن أن يكون استقرار قبل العاصفة إذا لم يُحسَن استثمار الظروف، أو يمكن تحويله إلى استقرار دائم في حال تحويله إلى حالة تراكمية أكثر استدامة، تؤسس قواعد اللعبة السياسية. مشددًا على أنه ما كان ينقص العراق في العشرين عامًا الماضية هي قواعد لتعاملات سياسية وكيفية إدارة البلاد، وقد بدأ العراق في وضع قواعد سياسية لكيفية إدارة البلاد، وكيفية التعاون وهذا جزء من مقتضيات أي تحول كبير كتحول الوضع العراقي.
وجادل سماحته بأن أي نظام سياسي هش يؤثر على المعادلة الداخلية بنسبة 30% والخارجية بنسبة 70%، وكلما اشتد عود النظام السياسي، كلما زادت نسبة تأثيره في مقابل تراجع التأثير الخارجي. وعلى مدار العشرين عامًا الماضية، كان التأثير الخارجي على المشهد العراقي بنسبة 70% مع صراعات محتدمة إقليمية ودولية انعكست بشكل واضح وسلبي على النظام العراقي. لذلك، يهتم العراق بتصفير المشكلات الإقليمية، لأن أي تهدئة بالإقليم سيكون لها انعكاس جيد على الواقع العراقي. فكان للعراق شرف الرعاية للحوار الإيراني السعودي والذي أفضى إلى اتفاق في بكين في وقت لاحق، وهناك العديد من الحوارات الأخرى التي تجري بين دول المنطقة مع بعضها، يُعلن البعض منها ولا يُعلن الكثير منها، لأن المهم هو البحث عن النقطة التي تقوم على تحويل الاشتباكات إلى تعاون وهذا يحتاج أن يكون بعيد عن الأضواء. وبذلك، تحول العراق إلى ساحة للحوار وهو ما يعتبر منجز كبير له.
وشدد سماحته على أنه يُمكن للأمة العربية تجسير العلاقات بين الأمم الأربعة المكونة للمنطقة (العربية والتركية والإيرانية والكردية)، وذلك وفقًا لحسابات الجغرافيا والتاريخ، وعبر دعامتين رئيسيتين هما مصر والعراق. من هنا البداية، ثم الانطلاق إلى الفضاء الأوسع إذا أردنا الاستقرار الإقليمي، فالبداية من هذه العلاقة الثنائية. وبالطبع، فإن الأردن والخليج شركاء أساسيين في هذه العملية. وهذه التفاهمات والتعاون ليس على حساب دول أخرى، وإنما هو في سياق الوصول إلى منظمة مشتركة من التعاون السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
واختتم سماحته الكلمة بالتأكيد على امتلاك العراق العديد من المراكز التخصصية التي يمكن التكامل فيها والاتفاق على رؤية وخارطة طريق ستساعد إلى حد كبير في دفع الأمور نحو استقرار المنطقة وفي مصلحة الجميع، بدلًا من إنفاق تريليونات الدولارات على شراء الأسلحة والصراع فيما بيننا تحت مسميات مختلفة.
وعقب كلمة سماحته أدلى عدد من خبراء المركز ببعض المداخلات وطرحوا بعض الأسئلة على سماحته، حيث تساءل اللواء محمد إبراهيم بشأن رؤية “الحكيم” إزاء كيفية تطوير العلاقات المصرية العراقية، والتأسيس على الإنجاز المحقق وكذا عن ماهية أهم المخاطر التي يتعرض لها العراق في الوقت الراهن، وكيف يُمكن التغلب عليها، ومدى استعداد مصر لدعم العراق في كافة المجالات.
فيما أوضح الدكتور عبد المنعم السعيد أن الركيزة الأساسية للعراق الآن، كما هو الحال بالنسبة لمصر، هو الدولة الوطنية، حيث إن المصلحة المشتركة لوجود وطن هو ما يدفع باتجاه عبور الجوانب الطائفية والجهوية والقبلية، مشيرًا إلى وجود عشر مشروعات تنموية عملاقة بالعراق، وهو ما يعني أنه يسير على الطريق السليم. وفيما يتعلق بالمعادلة الداخلية الخارجية، فهي ترتبط أكثر بما يُسمى بالإقليمية الجديدة، بما يعني المصالح المشتركة وتصفير جميع المشكلات الموجودة، وهي ليست بالأمر السهل وإنما تحتاج إلى العقل والتداول حولها. وأكد على وجود محاولات قديمة للتعاون المشترك ومن الضروري الاستمرار فيها، فالحديث عن الشام الجديد جاء من العراق، وكانت هناك إجراءات عملية كثيرة، ومن المعتقد أن تفعيل ما اتفق عليه بخصوص الأنبوب من العراق إلى ميناء العقبة سيكون فارقًا.
وفي هذا السياق، أشار الدكتور عبد المنعم سعيد إلى الاتفاق العراقي التركي لإقامة قطار سريع يربط ما بين الخليج وبقية المحيط الهندي وبحر العرب إلى الموانئ التركية (مشروع طريق التنمية). وأوضح أن هذا القطار ربما لا يشكل منافسة كبيرة لقناة السويس التي تعتمد على البضائع المنقولة بحرًا إلا أن هناك مشروعًا عربيًا يمكن أن يحدث. فلدي مصر مشروع قطار يربط ما بين السويس وبورسعيد ودمياط، أي من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط، وهو ما قد يكون ليس بديلًا عن القطار مع تركيا، ولكنه سيكون أكثر فعالية، لأن الجمع المصري بين الشرق والغرب قائم على قناة السويس والآن سوف يكون القطار السريع ما بين السويس والبحر المتوسط. وفي النهاية فإن طريق التنمية هو مشروع عراقي والعراقيون هم الأدرى بمصلحة العراق، ولكن من الواجب في هذه اللقاءات التحدث بحثًا عن أرضية مشتركة وتكاملية وخاصة أن مصر تريد بالفعل علاقات جيدة مع تركيا وإيران ومع كل الأطراف الموجودة بالمنطقة.
من جانبه، أكد الدكتور محمد مجاهد الزيات على المساهمات العلمية لـ “آل الحكيم” في قضية التقريب بين المذاهب، واستنادًا إلى ما طرحه سماحة السيد عمار الحكيم بشأن الانعكاس الشعبي للطائفية، يبرز تساؤل حول ما إذا كانت قضية التقريب بين المذاهب لا تزال من القضايا التي يمكن أن تشغل اهتمامه والتي يمكن أن يكون لتيار الحكمة دورًا كبيرًا فيها حتى تستوعب الاحتقانات الطائفية الموجودة في بعض المناطق حتى الآن. كما أشار إلى العلاقة بين الولايات المتحدة والعراق، فبرغم الحديث عن انسحاب أمريكي، هناك نفوذ أمريكي على القدرات الاقتصادية وعائدات البترول العراقية، وتساءل بشأن مدى تأثيره على العملية السياسية في العراق، وما هو المخرج من هذه القضية.
أما الدكتور محمد كمال فأكد وجود توجه خارجي يستهدف إقامة نظم سياسية تقوم على الطائفية وترسيخ الانقسام بحجة التعددية، وقد بدأت في العراق وامتدت إلى العديد من الدول العربية، وتساءل بشأن ما هي المبادرات التي يتبناها تيار الحكمة للحد من تأثير الطائفية السياسية.
وعقب الأستاذ محمد مرعي، مشيرًا إلى أن كأس خليجي 25 أعاد تقديم العراق بشكله الجديد غير الطائفي، ومؤكدًا أن العراق جزء من الأمة العربية. وتساءل بشأن مدى قدرة ائتلاف إدارة الدولة على الحفاظ على تماسكه.
وأشارت الدكتورة دلال محمود إلى التفاهمات التي حدثت بين إيران والسعودية ووجود محادثات تدور بعضها معلن وبعضها غير معلن، وتساءلت بشأن ما إذا كانت هذه اللحظة الزمنية الراهنة هي المناسبة لتحقيق هذا التواصل والحد من التدخلات الخارجية بحكم وجود العديد من المتغيرات العالمية والإقليمية. كما تساءلت بشأن إمكانية الاعتماد على المشروعات الاقتصادية المشتركة والتعاون الاقتصادي لإيجاد مصالح مشتركة بين الدول العربية حتى تضطر الدول جميعها على اختلافها تدعيم هذا التوجه بهدف تحقيق المصالح المشتركة.
وتساءل الأستاذ صلاح جمعة، الصحفي بوكالة أنباء الشرق الأوسط، بشأن قضية السلاح المنفلت، وقدرة الدولة على بسط نفوذها على كافة مناطقها وعدم ترك بعض الدول أو الأحزاب أو الفصائل تستغل الثروات الاقتصادية داخل بعض المناطق دون دراية من الدولة.
فيما قال الدكتور حسن أبو طالب إنه خلال زيارته الأخيرة للعراق التقى بعدد من الشباب الذين نظموا حراك تشيرين 2019، وكان لديهم حالة من حالات الابتعاد عما يحدث من قبل العديد من القوى السياسية. متسائلًا بشأن إمكانية استقطاب هذا الجيل الذي يمثل نسبة كبيرة من المجتمع وبالتالي تخفيف التأثيرات الخارجية.
وقد عقب سماحة السيد عمار الحكيم على مداخلات وتساؤلات السادة الخبراء والباحثين، مؤكدًا أن العلاقات المصرية العراقية تطورت على المستوي الأمني والسياسي والاقتصادي والثقافي وهي جميعها مجالات مهمة. ومشددًا على وجود فرصة للدبلوماسية الشعبية لتعزيز مثل هذه العلاقات، فالتواصل لا يتم فقط على المستوي الحكومي والرسمي وإنما أيضًا الشعبي والنخبوي والإعلامي، ومن خلال المنظمات. ولفت سماحته إلى أن مصر والعراق يشتركان في بعض المشكلات مثل شح المياه، ومكافحة المخدرات، والتغيرات المناخية، وغيرها من المشكلات المتعلقة بحياة الإنسان وليس فقط على المستوي السياسي، وهو ما يمهد إلى مجالات أكبر للتعاون والتنسيق المشترك.
وأوضح سماحته أنه سيكون هناك خطرًا على العراق إذا لم ينجح في بناء الدولة والمؤسسات، لأن بناء الدولة هو المدخل لحل الكثير من المخاوف بشأن العراق، فعندما تكون الدولة قوية فإنها تبسط هيمنتها على كافة مرافقها ومناطقها. مضيفًا: “هناك بعض النتوءات والشوائب غير السليمة وهي جميعها وليدة هشاشة مؤسسات الدولة، وهو ما يفتح المجال لملأ الفراغ من خارجها، وبالتالي يجب التركيز على كيفية بناء الدولة، ولذلك يسمى التحالف الحاكم “ائتلاف إدارة الدولة” وهي رسالة مفادها أن العراقيين يسيرون في اتجاه بناء الدولة وتقويتها لمعالجة الكثير من الإشكاليات الأخرى.
وشدد سماحته على ضرورة إدارة التنافس والاختلاف داخل العراق بشكل معقول ومنطقي ووفق قواعد صارمة، مع عدم السماح للانتخابات أن تتحول إلى فجوة بين الفرقاء السياسيين. وأوضح أن الاقتصاد والخدمات هما المدخل لترسيخ شرعية النظام؛ فتوفر خدمات قوية واقتصاد جيد وتوافر فرص عمل للشباب يجعل النظام السياسي سليم وجيد من وجهة نظر المواطنين. معتبرًا أن المشكلة الرئيسية لهؤلاء المواطنين الذين خرجوا في العديد من الدول العربية للمطالبة بإسقاط النظم هو الاقتصاد وفرص العمل والحياة الكريمة.
واعتبر سماحته أن المكافحة الحقيقة للفساد ليست فقط معاقبة الفاسدين، لكن عدم السماح لمن تسول له نفسه أن يسرق المال العام، مع تعزيز الشفافية وتقليص البيروقراطية، وأن دولة المؤسسات هي عنوان الدولة القوية.
وأوضح سماحته أن مشروع “الشام الجديد” هو تحالف شراكة استراتيجية بين مصر والأردن والعراق، معبرًا عن أمله في أن تتحسن أوضاع سوريا ولبنان وتكون جزء من الشراكة الأوسع التي يجري العمل عليها إقليميًا.
وأكد سماحته على أن العراق حريص على ألا يدخل في تدافع مع الشركاء الآخرين وإنما يتكامل، فعلى سبيل المثال، مشروع “طريق التنمية” هو طريق سكك حديدية وأنبوب غاز وأنبوب نفط يساعد على سرعة إيصال هذه الموارد ويقصر المسافة 6 أيام لوصولها إلى مبتغاها، وبالتالي فهو له جدوى اقتصادية، ويسعى العراق إلى ألا يتحول مشروع طريق التنمية إلى مشروع عراقي تركي فقط وإنما هناك تمويل خليجي نظرًا لتكلفته المتمثلة في 17 مليار دولار، ويتطلع العراق لإشراك كل الدول الأساسية في المنطقة لتحقيق المصالح للجميع، ولا شك أن مصر جزء من هذه المنظومة، ويجب أن يكون لها دور، وبالتالي المصالح تتكامل وليس تتقاطع.
فيما أشار سماحته إلى أن المجتمع الدولي غير قادر على تقديم المساعدة بنصائح جدية لحل مشاكل العراق الداخلية، ففي هذه المرحلة ينغمس المجتمع الدولي في مشاكله مثل الحرب الأوكرانية وصعود الصين والأزمات الاقتصادية والصراعات السياسية، وعند النظر إلى استراتيجية الأمن القومي الأمريكي نجد ذكر الصين 50 مرة، وإيران 7 مرات، والعرب مجتمعين مرة واحدة فقط، وهذا يعزز فكرة أن المجتمع الدولي ينظر إلى المنطقة فيما يتعلق فقط بأمن إسرائيل والقضية النووية الإيرانية، أما العرب فيجب عليهم التواصل من أجل حل مشكلاتهم.
وأوضح سماحته أن التقريب بين المذاهب لا يقصد به الاندماج، وإنما يبدأ باحترام الخصوصية والاختلاف وفي هذه الحالة يكون التقريب بين المذاهب مسألة ممكنة؛ فالجميع يجمعهم مصالحهم الكبرى وبناء المجتمع وتحقيق الرخاء. وهذا هو خط تيار الحكمة والنجف الأشرف على مدار تاريخه الطويل. فقد كان هذا مشرب ومنهج مراجع الدين الذين تصدروا في هذه المدينة المباركة منذ ألف سنة في التقارب بين المسلمين. كما أشار سماحته إلى أن جده الإمام محسن الحكيم كان مرجع للمسلمين خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، في ذروة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وكان أول مراجع المسلمين سواء من الشيعة أو السنة الذين أفتوا بجواز دفع الذكاة لدعم القضية الفلسطينية، وجواز ذهاب العراقيين وغيرهم للقتال إلى جانب الشعب الفلسطيني، وغيرها من المواقف الأخرى، وبالتالي هذا منهج ثابت وخط طويل، ولابد من إبراز هذه المواقف الوحدوية بين المذاهب.
وشدد سماحته على أن الولايات المتحدة ليس لها سيطرة على أموال العراق، وإنما نتيجة الحروب والظروف التي مرت على الدولة، أصبح هناك الكثير من الدعاوى ضد العراق وكلٌ يطلب موارد مالية، وهذه الدعاوى مفعلة في المحاكم الأمريكية والأوروبية، وحال بقي المال العراقي دون غطاء فيمكن أن تجمده هذه المحاكم، وإنما وجود الحساب المصرفي العراقي داخل البنك الفيدرالي الأمريكي يعطي غطاء وحماية لهذا المال بحيث لا تستطيع أي محكمة وضع يديها عليه، لكنه ينفق من قبل العراقيين بقرارهم.
وأكد سماحته أن الوعي الشعبي هو مدخل مواجهة الطائفية السياسية، فكلما شعر الشعب أنه يستغل في القضية الطائفية لمآرب أخرى لا علاقة أخرى بالتوجهات الدينية والمذهبية، هذا كفيل بإسقاط هذه الورقة.
– خليجي 25 لم تقدم شيء جديد ولم تشهد أي مظهر من مظاهر التصنع، فمدينة البصرة قدمت واقع العراق الحقيقي، أما الصورة المشوشة التي خرجت من العراق (إرهاب – طائفية – الأجندة الإقليمية – القلق من الوضع العراقي – القلق بشأن التوازنات الداخلية) كانت مجرد صورة إعلامية مبالغ فيها. ومع ذلك، فإن تغير المناخ الإقليمي، وتصدر الحكام الشباب الذين يمتلكون رؤية وفهم جديد، ساهم في تغير السياسة تجاه العراق، فتغيرت طريقة التناول الإعلامي، وبدأت تُظهر جانب آخر لم يكن يتم التركيز عليه بشكل واضح.
وأضاف سماحته أن “التحالفات في العراق، ومنها ائتلاف إدارة الدولة، عابرة للمكونات بحيث إذا فاز أحدها في الانتخابات يمثل كل الطيف العراقي. والديموقراطية يجب أن يكون بها موالاه ومعارضة تراقب وتقوِّم وتقيِّم”. وفي هذا الإطار أكد سماحته أن ورقة الاتفاق السياسي ليست ورقة ابتزاز وإنما كانت ورقة وضع فيها الملفات العالقة خلال السنين السابقة من قبل كل المكونات، واتفق كافة الأطراف على معالجة هذه الإشكاليات في إطار الاستقرار المستدام.
وكشف سماحته عن وجود بيئة عربية غير مسبوقة وقدرة على التفاهم خلال لقاءاته بالقادة العرب، موضحًا أنه ناقش مع الرئيس عبد الفتاح السيسي كيفية تفعيل الجامعة العربية.
واعتبر سماحته أنه لا يُمكن بناء السياسات على أساس القيم، لأن ليس الجميع ملتزم بالقيم، ولكن المصالح هي الأساس، فبناء الشراكات الاقتصادية يجعل المصالح تتشابك ويصبح قدر الجميع أن يتعايشوا معًا.
وفيما يتعلق بالتحديات التي يواجهها الاقتصاد العراقي، أكد سماحته أنه في أفضل الحالات عندما تكون أسعار النفط مرتفعة تذهب 70% من الموازنة العراقية إلى المرتبات، وحينما تنخفض أسعار النفط قليلًا يذهب حوالي 90% من إلى المرتبات، وإذا انخفضت أكثر يذهب 100% منها إلى الرواتب. وفي حالة الانخفاض الشديد في أسعار النفط مثلما حدث في عهد رئيس الوزراء الكاظمي فإن الحكومة تضطر للاستدانة من البنك المركزي لدفع المرتبات التي تتجاوز القيمة الإجمالية للموازنة. وبالتالي في أفضل الأحوال يذهب 70% من الموازنة إلى الرواتب، و13% إلى إقليم كردستان، وخلال السنوات الماضية كان العراق يدفع 5% من الموازنة للكويت كتعويضات، و3% يتم دفعها لنادي باريس لسداد الديون العالقة منذ زمن صدام حسين. وبالتالي في أفضل الحالات يتبقى فقط 9% من الموازنة. ومع ذلك تم إنجاز العديد من المشروعات، فعلى سبيل المثال كانت حجم الكهرباء المولدة في العراق يوم سقوطها 3400 ميجا وات، أما الآن فقد باتت 24 ألف ميجا وات، كذلك كان حجم المناطق المخدومة بشبكات الصرف الصحي يشكل 13% أما الآن فباتت 83% بما فيها الأرياف والمدن. وهكذا حين النظر للمشاريع الاستراتيجية يتضح أن هناك إنجازات استنزفت مليارات، لاسيمَّا مع ارتفاع عدد السكان من 20 مليون نسمة عام 2003 إلى 43 مليون نسمة.
وعن الشباب، أوضح سماحته أن 70% من المواطنين العراقيين هم من جيل الشباب، وقد تأسس تيار الحكمة ليكون تيار الشباب، وهذه ثروة كبيرة إذا استخدمت بشكل صحيح، وقد تتحول إلى عبء إذا لم تستثمر.
وأما عن قضية السلاح المنفلت، أشار سماحته إلى أن هؤلاء الذين يحملون السلاح وقفوا يومًا ما من أجل حماية العراق، وعند قراءة التاريخ فإن كافة الثورات التي حُمل بها سلاح، يعتقد الثوار أن لهم الحق في التمثيل داخل الدولة، وبالتالي يجب استيعاب حملة السلاح داخل العراق بشكل تدريجي داخل مؤسسات للدولة.
في الختام، قدم الدكتور خالد عكاشة خالص الشكر والامتنان لسماحة السيد عمار الحكيم على هذه المحاضرة القيمة والوفية، وتلك الرؤية الاستشرافية المهمة التي بها قدر من التفاؤل والطموح لمنطقة عربية واعدة، ولأجيال قادمة تحمل تلك الرؤية الواعدة للمستقبل.